في آواخر القرن الثالث الهجري استطاع القرامطة الاستيلاء على مساحة واسعة من شبه الجزيرة العربية، وغرب بلاد فارس، بل هددوا الخلافة العباسية في عقر دراها، وانتزعوا منها جنوب العراق؛ وكانت الطامة الكبرى غزو مكة وانتزاع الحجر الأسود وأخذه إلى بلاد هجر (البحرين)؛ مما أثار غضب المسلمين.

تعرض القرامطة للطعن والقدح والاتهام في عقائدهم، وكانوا مثار خلاف عند تناولهم في الكتابات سواء الكلاسيكية أو الحديثة؛ سنعرج في هذا المقال على خلفيات ظهور القرامطة ونتناول الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لظهورهم وتصرفاتهم؛ علنا نفتح طريقًا لإعادة فهم هذه الحركة التي أرقتْ العالم الإسلامي في حقبته الوسيطة.

العصر العباسي الثاني

يقول الدكتور عبد العزيز الدوري في كتابه «مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي»: إن التفاوت الاقتصادي يؤدي إلى قلق اجتماعي، وإلى قيام حركات اجتماعية وثورات تكشف عن طبيعة الأوضاع القائمة. وقد شهد القرن الثالث ثورات وهبات متعددة كالبابكية، والزنج والقرامطة، فضلًا عن حركات الشطار والعيارين.

ارتبط ذلك من ناحية أخرى بسمة مميرة للعصر العباسي الثاني (الذي يُؤرخ له بوفاة الخليفة الواثق عام 232هـ/847م)، وقد وصفها  آشتور في كتابه «التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للشرق الأوسط في القرون الوسطى» بـ «ظاهرة انحلال الخلافة»، أي إن الخلافة العباسية تحولت إلى مجموعة من الأقاليم المستقلة عن مركز الخلافة في بغداد، سواء في مشرق العالم الإسلامي أو مغربه.

وهذه سمة عدها مؤرخون وباحثون للعصر العباسي الثاني الذي تبلور فيه الإقطاع بشكل أكثر وضوحًا، كما عند المؤرخ التونسي الحبيب الجنحاني في دراسته «المجتمع العربي الإسلامي: الحياة الاقتصادية والاجتماعية»، وكما أسهب المؤرخ إبراهيم طرخان في «النظم الإقطاعية في الشرق الأوسط في العصور الوسطى».

ومن ناحية أخرى نجد أن القرن الثالث الهجري كان قرن نشاط شيعي إسماعيلي عارم، ففي هذا القرن برزت التنظيمات الإسماعيلية السرية، وانتشرت أفكارها لدى قطاع عريض في جغرافية العالم الإسلامي، وأسفرت عن تأسيس الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا في العقدين الأخيرين من هذا القرن، ومنذ ستينياته برز القرامطة كفرع إسماعيلي آخر، واستغلوا سوء  الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كي يقوموا بحركتهم المسلحة في سبعينيات القرن الثالث.

الزراعة وأوضاع الفلاحين

بالنظر إلى الموقع الجغرافي نجد ظهور القرامطة كان من منطقة جنوب العراق، وهي مشهورة في كتابات الجغرافيا الكلاسيكية بالسواد؛ بسبب خصوبتها الكبيرة، ومن ناحية أخرى كانت هذه المنطقة مسرحًا لانتفاضة تزامنت مع انتفاضة القرامطة (انتفاضة الزنج)، على ما يبدو نظرًا لأهمية المنطقة؛ كونها ذات أهمية بالغة في الإنتاج الزراعي، ولقربها كذلك من طريق التجارة البحري الذي يمر عبر الخليج الفارسي من خلال شط العرب (حيث يلتقي فرعا دجلة والفرات)، والطريق البري المار بالجزيرة العربية وبلاد الشام، أعطى كل هذا المنطقة أهمية كبيرة، وساعد السلطات العباسية وأدواتها على تكثيف استغلال الفلاحين ونهب الفائض.

 على مستوى السياسة الزراعية، ساءت أحوال الطبقات الدنيا من الفلاحين بسبب كثرة جباية الضرائب، والتعسف في جمعها، يقول المقدسي في «أحسن التقاسيم إلى معرفة الأقاليم»:

وكان فلاحو السواد فقراء جدًّا، عيش ضيق، إدامهم السمك، وماؤهم حميم، وعقلهم سخيف ولسانهم قبيح.

هذه الوضعية جعلت الفلاحين في أسوأ أحوالهم؛ وترتب على ذلك هجرة الكثير من الفلاحين من القرى إلى المدن، وتحولهم إلى بروليتاريا شكلت نوايات لحركات تمرد أخرى، هي حركات الشطار والعيارين في المدن، وهو ما يُعرف بعصر الفتوة (الفتونة).

كان أجر الفلاح المعدم (الذي بلا أرض) الذي يتقاضاه نتيجة عمله لدى الغير لا يكفي قوت يومه؛ خاصة إذا عرفنا أن الأسعار كانت ترتفع بشكل كبير ومطرد، نتيجة الاحتكار الذي كان يمارسه كبار التجار بالنسبة إلى السلع الأساسية، مما ترتب عليه سوء التغذية التي أشار إليها المقدسي في عبارته التي اقتطعناها سابقًا.

هذه الظروف جعلت منطقة السواد وعموم جنوب العراق أكثر تهيؤًا لاستقبال أفكار القرامطة المتعلقة بالعدل الاجتماعي والمساواة، بالإضافة إلى ذلك إذا نظرنا إلى قادة الحركة فقد كانوا من ذوي أصول فلاحية، وعلى رأسهم حمدان قرمط (الذي نُسبت إليه الحركة) فهو كان فلاحًا، حسب ما ذكرت المصادر، وكان على قدر عالٍ من الورع والزهد، فجعل الفلاحون يلتفون حوله ويستمعون إلى تعاليمه وحكمه.

الصناعة والتجارة في تدهور

كان العراق من المراكز الصناعية الكبرى، ومن أهم الأقاليم الإسلامية بوصفه مركز الخلافة، ومركز العالم الإسلامي، وتركزت الصناعة في حواضر العراق الكبرى، ومنها الكوفة والبصرة، فضلًا عن بغداد وسامراء، وكانت الأقمشة الحريرية والقطنية من أهم الصناعات، فضلًا عن صناعة الزجاج والحُلي والخزف والمواد الغذائية وحفظها. وتحت سطوة الظروف التي ساءت في القرن الثالث، خاصة بعد وفاة الخليفة الواثق، تراجعت الصناعات وكسدت أسواق المنتجات.

هنا يذكر العلامة آشتور في كتابه «التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للشرق الأوسط في العصور الوسطى»: «كمثال حجم إنتاج النسيج في بغداد وصل إلى ستمائة ألف دينار، وذلك في القرن العاشر الميلادي حوالي سنة 985م»، وهو ما يعني حدوث تراجع في الإنتاج مقارنة بالقرن الثاني والنصف الأول من الثالث، وينطبق ذلك على مجالات الصناعة الأخرى.

ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع تكلفة المواد الخام بسبب التضخم الناتج إما من سياسات الاحتكار، أو بسبب كثرة الاضطرابات السياسية والأوبئة والمجاعات التي كانت تصاحب هذه التوترات. وعلى الضفة الأخرى غالت السلطات العباسية في فرض ضرائب باهظة على كثير من الحرف والصناعات، فمثلًا يذكر مسكويه في «تجارب الأمم» أن الحكومة العباسية فكرت في فرض ضريبة مقدارها 10% على صناعة المنسوجات القطنية والحريرية، من أجل تعويض النقص في الإيرادات الضريبية، نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية عمومًا. سياسات التعسف التي مارستها الحكومة العباسية انعكست سلبًا على أصحاب الحرف الذين أُفقِروا أكثر فأكثر، مما اضطرهم ذلك إلى التحول نحو التسول أو ما يشبه البروليتاريا الرثة، وبعضهم اتجه إلى اللصوصية وممارسة السلب والنهب.

يقول أبو الفضل الدمشقي في «الإشارة إلى محاسن التجارة»:

أما الصنائع العملية وهي المهن، فقد قيل قديمًا: إن الصناعة في الكف أمان من الفقر وأمان من الغنى، وذلك أن الصانع بيده لا بد له منه، ولا يكاد كسبه يتسع لاقتناء ضيعة، أو عقد نعمة.

هذه الأوضاع التي عانت منها الحرف وأربابها جعلتهم أكثر استجابة لدعوة الحركة الإسماعيلية عمومًا، والقرمطية خصوصًا، بل لا نندهش إذ نعرف من المصادر أن جزءًا كبيرًا من قوام الحركة القرمطية، بالإضافة إلى فلاحي الأرياف في السواد، كانوا ممن يمتهنون الحرف، فنجد النجار والحداد والبزار والخواص، وغيرهم من المناصرين والقادة لهذه الحركة الاجتماعية، وذلك نتيجة للحيف والظلم الواقع عليهم، وذلك أيضًا ما عناه الدمشقي في نصه السابق من أن أجر صاحب الحرفة وكسبه لا يتسع لاقتناء ضيعة أو عقد نعمة.

ويمكن تبرير انخراط هؤلاء الحرفيين ومشايخ الطوائف (النقابات) في الدعو ة الإسماعيلية إلى ما تبنته من شعارات مساواتية، وهي شعارات جاذبة لأصحاب هذه الطوائف والمهن، ستكون بمثابة خلاص لهم من المظالم التي لا تُحصى كثرة مثل فرض الضرائب الباهظة أو المصادرات، فضلًا عن انعدام الأمن في أحايين كثيرة، مما يؤثر على حركة التجارة، وبالتالي ينعكس على الإنتاج الصناعي والعاملين به.

ولقد مثلت التجارة أهمية كبيرة للاقتصاد العباسي، فكانت تمر عبر طرق برية وبحرية وصلت إلى الشرق الأقصى والمناطق الباردة في أوروبا وشمال آسيا وأعماق أفريقيا جنوب الصحراء، وكانت الدولة تجبي ضريبة العشر من التجار، وهي مصدر من مصادر إيرادات موزانة الدولة العباسية.

ولم يشكل التجار فئة واحدة، فهناك شرائح غارقة في الغنى والثراء الفاحش (الشرائح العليا)، وهناك الشرائح المتوسطة، والشرائح الفقيرة من التجار (أصحاب الحوانيت الصغيرة، والباعة الجائلون)، والشريحة الثالثة كانت أكثر تضررًا بسبب وضعيتها الاجتماعية والضغط الاقتصادي الذي يجعلها عرضة لتلقب الأحوال الاقتصادية.

ومنذ اعتلاء الخليفة المتوكل (232 – 247هـ) عرش الخلافة زادت المصادرات للتجار بسبب عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها المالية، خاصة لدى الجنود الأتراك الذين شكلوا منذ عصر الخليفة المعتصم العنصر الأبرز والمهم في بنية الخلافة العباسية، ولا تكون مبالغة إذا قلنا إن جلب العنصر التركي القادم من آسيا الوسطى أحد الأسباب المهمة في حدوث التحولات البنيوية في الخلافة العباسية، وتتمثل هذه التحولات في ضعف مركز الخلفاء السياسي حتى صاروا ألعوبة في يد النخب التركية المتحكمة.

ومن جهة ثانية، وحسب تحليل الدكتور إبراهيم طرخان في كتابه «النظم الإقطاعية في الشرق الأوسط في العصور الوسطى»، فإن استجلاب الأتراك جذَّر وضعية الإقطاع، ويمكن القول باطمئنان إن الإقطاع في العالم الإسلامي بدأ منذ تلك الحقبة التاريخية يأخذ شكله الناضج شيئًا فشيئًا بعد أن كان موجودًا على استحياء، ثم تجذر تمامًا في القرن الخامس.

هذه الوضعية أدت إلى عجز مزمن في موازنة الخلافة العباسية (خاصة مع انسلاخ أقاليم كانت مهمة من الناحية الاقتصادية) مثل المشرق برمته (مناطق فارس، وخراسان، وبلاد ما وراء النهر، والسند، والأفغان) وكذلك الحال بالنسبة إلى مصر والمغرب، فأصبحت الخلافة محصورة في نطاق العراق (أو بالأحرى أجزاء منه)، فهذا معناه اقتصاديًّا ضعف الخراج الذي يمثل المورد الأساس للضرائب في الدولة العباسية، وكما هو متوارث من بدايات الإسلام، فكانت المصادرة هي أحد أهم الأدوات لتعويض النقص.

هذه الأوضاع مع القلاقل السياسية المتنوعة والدائمة كان ممهدًا لمسرح الأحداث كي تعتليه حركة ثورية مثل القرامطة.

ظهور القرامطة على مسرح الأحداث

كانت السرية خاصية مصاحبة لحركات التشيع، ومنها الإسماعلية، والإسماعيلية من ساقوا الإمامة في إسماعيل بن جعفر الصادق، على عكس إخوانهم الذين ساقوا الإمامة بعد وفاة الصادق إلى ابنه موسى الكاظم (وهؤلاء هم الاثنا عشرية)، ويعود الاعتبار لهذه السرية إلى القمع والملاحقة التي كانت تقوم بها السلطات، إنْ في العصر الأموي أو العباسي، تجاه الشيعة في عمومهم.

والعمل السري كما يراه الباحث الإسماعيلي عارف تامر ليس هدفاً بذاته، بقدر ما تؤدي إليه الأوضاع السيئة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ وهذا ما جعل التنظيمات الإسماعيلية، ومنها القرامطة، أكثر جاذبية لقطاعات عريضة من الطبقات والشرائح الاجتماعية (الفلاحون، البدو، أصحاب الحرف، صغار التجار ومتوسطوهم).

استطاع الإسماعيليون، الذين برعوا أشد البراعة في بناء تنظيمات هرمية، عبر سلسلة من الدعاة بُثَّت في جميع أرجاء العالم الإسلامي، أن يبثوا دعوتهم وشعاراتهم في أرجاء عديدة عصرئذٍ، متحينين الفرصة للظهور، وإظهار إمامهم المستور للخاصة والعامة؛ وكما شرحنا من قبل كانت أوضاع القرن الثالث تساعد على إنضاج مثل هذه الحركات؛ خاصة أن القرن الثالث شهد ثورتين كبيرتين في المشرق والعراق قبل القرامطة: الأولى الثورة البابكية (201هـ-223هـ / 817-830م)، والتي شملت أذربيجان وأرمينيا وشمال إيران، وكانت في النصف الأول من القرن الثالث، واستغرقت زمن المأمون والمعتصم والواثق.

ولم تكد تنتهي آثارها حتى بدأ الزنج – وهم  الذين يعملون  في الفلاحة بمزارع الإقطاعيين بمنطقة شط العرب في جنوب العراق – ثورتهم التي استمرت قرابة عقد ونصف ( 255-270هـ / 869-883م)، والمدهش هو هذا التزامن والتجايل بين الزنج والقرامطة في الفترةنفسها!

يرجع ظهور القرامطة إلى عام 264هـ / 877م بسواد الكوفة، لتنتشر ثورتهم أكثر في باقي النصف الثاني وتشمل العراق برمته والبحرين وباقي الجزيرة العربية وغرب إيران وسوريا، ليكون القرن الرابع الهجري وما بعده هو قرن الحركة القرمطية بامتياز.

ففي هذا العام التقى أبو الحسين الأهوازي – وهو الداعي الذي أرسله الإمام الإسماعيلي لسواد العراق – مع ذاك الفلاح البسيط حمدان قرمط – الذي اشتُق اسم الحركة من لقبه قرمط – وإن كان هذا الاسم (القرامطة) على ما يبدو أنه سُموا به من قبل خصومهم، وهم كانوا يسمون حركتهم «المؤمنون المنصورن بالله والناصرون لدينه والمصلحون في الأرض».

ليبدأ حمدان في تجميع الأنصار ومساعدة الداعي الأهوازي في بث الدعوة وبناء التنظيم، وما هي إلا أعوام وتسفر الدعوة عن حركة ثورية عارمة ذات موجات متعددة، بدأت من الكوفة وسواد العراق، تشبه تسونامي عصف بالخلافة العباسية، وجعل وضعها حرجًا خاصة في القرن الرابع عندما أخذ القرامطة الحجر الأسود من مكة، ونقلوه إلى عاصمتهم هجر في الأحساء، التي كانت تابعة للبحرين آنئذٍ.

التحدي الثاني الذي فرضه القرامطة على العباسيين هو تهديد طرق الحج بعد غزو مكة، والتحكم في طرق التجارة البحرية عبر موانئ الخليج الفارسي (العربي) المتصلة ببلاد فارس والسند والهند عبر المحيط الهندي من خلال خليج عُمان، وهذا كان له أكبر الأثر على الاقتصاد العباسي المتهالك في القرن الثالث الهجري.

ينقل الباحث الإسماعيلي فرهاد دفتري، في كتابه «الإسماعيليون وعقائدهم» عن التوبخني (عالم وفقيه شيعي عاصر تلك الفترة) أن عدد  القرامطة وصل لمائة ألف في سواد الكوفة واليمن واليمامة، فضلًا عن الجماهير الكادحة التي شدتها مبادئ الحركة.

وكان من أبرز إصلاحات القرامطة كما أوردها ناصر خسرو (الرحالة  الفارسي الذي زار مناطق القرامطة في القرن الثالث) في كتابه «سفر نامة» (كتاب السفر): إلغاء ضرائب الأراضي والرسوم، وسن نظام ضرائب لا يرهق المواطن المكلف، وغالب ملكية الأراضي – حسب ما أورد خسرو كذلك – كانت مشاعًا، فتم التخلص من الإقطاعات الكثيرة التي ظُلمَ بسببها فلاحو السواد وغيره من المناطق.

ومن الناحية السياسية، كان نظام الحكم يتكون من مجلس جماعي عُرفَ بالعقدانية، يباشر المهام اليومية لتلك الدولة، ويحافظ عليها من هجمات الأعداء، ويضع سياساتها المختلفة.

ولذا كان صائبًا رأي الباحث الإسماعيلي مصطفى غالب في كتابه «القرامطة بين المد والجزر» عندما قال: «والحركة القرمطية – كما أفهمها – تجسيد لأحلام المقهورين والمعوزين المضطهدين في دولة بني العباس، التي سادتها الفوضى والبلبلة، وانتشرت فيها الفتن والحروب».

كان ظهور القرامطة إذن على مسرح الأحداث في النصف الثاني من القرن الثالث هو نتاج لوضعيات اقتصادية واجتماعية وتحولات بنيوية داخل الخلافة العباسية خاصة، وفي عموم العالم الإسلامي، يرتبط ذلك وحسب حسين مروة (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) ببنية النظام الإقطاعي وطبيعته؛ فهو كنظام طبقي هرمي تأكله التناحرات والتناقضات داخل بنائه الاجتماعي والاقتصادي. وبعبارة أخرى: على الرغم من أن الصراع بدا مذهبيًّا وفكريًّا من الناحية الأيديولوجية، فإنه في عمقه وباطنه كان صراعًا اجتماعيًّا مركبًا بين قوى قاهرة وأخرى مقهورة على جميع المستويات، وأبرزها وأعمقها المستوى السياسي والاقتصادي.