هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.

لم يزل اقتصاد الجزائر يعتمد بنسبة 95% على قطاع المحروقات، وهو الأمر الذي جعل شركة «سوناطراك» المستحوذة على القطاع النفطي بالجزائر العصب الأساسي للاقتصاد، ولكن التحديات السياسية والأمنية التي باتت تواجه الجزائر جعلت من عملاق النفط الجزائري يطرق أبوابًا جديدة في واشنطن.

في هذا التقرير نستعرض جهود شركة «سوناطراك» الجزائرية للضغط على مسؤولين أمريكيين وللترويج للجزائر في ملفات استثمارية واقتصادية.

«سوناطراك» تتربع عرش النفط والغاز في القارة السمراء

الاسم «سوناطراك» هو المختصر الفرنسي للشركة النفطية الوطنية الجزائرية، وتعرّف نفسها في موقعها الرسمي بأنّها: «شركة نفطٍ وطنية ومحرك للاقتصاد الجزائري، تختص بالمهن المتعلقة بالاستكشاف والإنتاج ونقل الأنابيب والإسالة، والفصل، والتكرير، والبتروكيماويات، والتسويق».

كان دور الشركة عند تأسيسها في ديسمبر (كانون الأوّل) عام 1963 المساهمة في التنمية الوطنية للجزائر، وكان الهدف الغالب حينها هو توليد مصدر دخل لسدّ الاحتياجات المالية للجزائر المستقلّة حديثًا، إضافة لتلبية الاحتياجات الداخلية في البلاد. ما دفع بالشركة لتطوير أنشطتها ليتضاعف إنتاجها اليوم أربعة أَضعاف إنتاجها عام 1970. 

 ومع مطلع عام 1998، تم تكليف مجموعة «سوناطراك» من قبل المجلس الوطني للطاقة الجزائري بتغطية مجموعة كاملة من الأنشطة الجديدة مثل التكرير، والبتروكيماويات، والتوزيع، والخدمات النفطية. ونتيجة لذلك تمتلك «سوناطراك» اليوم كامل أسهم شركات التوزيع والتكرير والبتروكيماويات: «نافتال، ونافتيك، وإنيب»، كما تمتلك 51% من رأس مال عدّة شركات خدمات نفطية في الجزائر.

وفقًا لمجلة «بتروليوم إنتليجنس ويكلي» الأمريكية، تمّ تصنيف «سوناطراك» على أنها الشركة النفطية رقم 12 في العالم، وأول شركة نفط في البحر الأبيض المتوسط ​​ورابع أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي في العالم والثاني للغاز النفطي المسال. وتساهم الشركة بنسبة 60% من موازنة الدولة، وأكثر من 95% من عائدات النقد الأجنبي للبلاد.

لكن نشاطها لم يعد اقتصاديًا فقط

باتت «سوناطراك» اليوم المحرك الدافع للتنمية الاقتصادية الجزائرية. فلم تعد مجرد مصدر إيرادات مالية للدولة، بل صارت قطبًا صناعيًا وخدميًا في الجزائر، تقود خططًا عمرانية واجتماعية عملاقة بخاصة في المناطق النفطية، وبالطبع ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتطورات السياسة الداخلية في الجزائر.

ومن هذا الموقع الذي باتت تحوزه «سوناطراك»، وقَّعت عقدًا مع شركة «انترناشيونال بوليسي للحلول – International Policy Solutions» في 22 أغسطس (آب) 2018 لمدّة عامٍ كامل بقيمة 224 ألفًا و660 دولارًا أمريكيًا.

يهدف العقد بين الطرفين إلى تقوية العلاقات الجزائرية– الأمريكية على الصعيدين السياسي والاقتصادي بتنفيذ مجموعة مختلفة من الأنشطة تهدف إلى إطلاع المجتمع السياسي الأمريكي على الدور الجزائري في السياسة والاقتصاد على الصعيدين الإقليمي والعالمي. إضافةً إلى التواصل مع أعضاء الكونجرس لتكوين تكتل داخله يدعم سياسات الحكومة الجزائرية.

إضافة لتعزيز الاتصال بين الحكومة الجزائرية، وبالأخص شركة «سوناطراك»، مع قطاع الأعمال والشركات الأمريكية لتوطيد التعاون الاقتصادي، فضلًا عن التواصل مع وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة لتمثيل سياسات الحكومة الجزائرية.

من عقد شركة «سوناطراك» الجزائرية مع شركة «إنترناشيونال بوليسي للحلول» للضغط السياسي، ويظهر في الصورة ختم الشركة وتوقيع كريم جبور، مدير ديوان الشركة. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.

تظهر قوة اختيار شركة «سوناطراك» لمن يمثّلها في واشنطن بالنظر في موظفي شركة «إنترناشيونال بوليسي للحلول»، فمديرها هو دايفيد جوري، أمريكيّ عمل لسنوات بلجنة المالية بمجلس النواب، وهو مختص بالشؤون الضريبية الدولية وفي الطاقة.

ومعه في الشركة مجموعة من موظفين سابقين بالكونجرس عملوا لدى نواب رفيعي المستوى، منهم ويليام ستيف ساذرلاند، نائب جمهوري سابق عمل بالكونجرس لفترتين في لجنتي الموارد الطبيعية، والنقل والبنى التحتية. إضافة لجاك فيكتوري، الذي سبق وأن عمل مستشارًا بالكونجرس لصالح النائب الجمهوري البارز توم ديلاي، زعيم الأغلبية الجمهورية بين عامي 2002– 2005.

وبحسب وثائق الشركة في وزارة العدل الأمريكية، قدّمت الشركة خدماتها منذ 9 يوليو (تموز) 2018 وانتهت علاقتها بـ«سوناطراك» في 31 أغسطس 2019.

قدمت الشركة مجموعة من الأنشطة لصالح «سوناطراك»، إذ اجتمعت مع ستيفان رينا، مسؤول في وزارة التجارة الأمريكية، لمناقشة آليات جذب المستثمرين الأمريكيين للسوق الجزائرية. واجتمعت الشركة مع اليزابيت ليتشفيلد، وعاصم علي، وهما مسؤولان في وزارة الخارجية الأمريكية، عقد الاجتماع لمناقشة «المصالح الأمنية بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية».

ولمناقشة الاستثمارات الجزائرية في مجال الطاقة، نسقت الشركة اجتماعًا مع مدير مكتب النائب الديمقراطي بوبي ريش، رئيس لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب، فضلًا عن مناقشة إمكانية تعاون الحكومة الجزائرية مع «تكتُّل السود» بالكونجرس نظرًا لأن ريش عضو فيها.

واللافت للاهتمام أنّ أنشطة «إنترناسيونال بوليسي» لفائدة شركة «سوناطراك» امتدّ حتى للشق السياسي، ومناقشة الأوضاع السياسية التي عاشتها الجزائر في تلك الفترة، بحيث قامت الشركة بالاجتماع مع عضوة مجلس النواب يفتي كلارك، لمناقشة الحراك السياسي في الشارع الجزائري المضاد لترشح بوتفليقة لولاية خامسة.

ومن الاجتماعات اللافتة للنظر، اجتماع مع بيني ثومبسون، رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس النواب، لمناقشة «التعاون مع الحكومة الجزائرية في مجال البترول»، وحضر الاجتماع أيضًا كارين باس، ديمقراطية تعمل بلجان القضائية والخارجية. وتواصلت الشركة أيضًا مع الديمقراطي إليوت أنجل، من عمالقة السياسة الخارجية بالكونجرس ورئيس لجنة الخارجية في النواب.

على الرغم من الهيمنة الفرنسية… أمريكا حاضرة بقوة في المجال الاستثماري بالجزائر

لا يختلف اثنان على أنّ العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا أبعدت الجزائر عن أي استثمار أجنبي قد يهدد المصالح الفرنسية بالجزائر، غير أنّ ذلك لم يمنع الولايات المتحدة الأمريكية من التواجد على الخريطة النفطية الجزائرية، باستحواذ شركات أمريكية على استثمارات مهمة. 

وأبرز استثمارات الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر في مجال الطاقة. حيث تعمل شركة «أناداركو – Anadarko» الأمريكية بنشاط مكثف على تطوير وإنتاج حقول النفط التي اكتشفتها الشركة في الجزائر منذ عام 1989، آخرها حقل الأحلام بمنطقة إيليزي (جنوب شرقي الجزائر)، وهو الحقل الذي تنتج منه شركة «أناداركو» 146 ألف برميل يوميًا، وشاركت أناداركو في تأسيس 99 بئرًا منتجة للنفط تقع في 13 منطقة في الجزائر.

وتمتلك «سوناطراك» 4.9% من أسهم شركة أناداركو الجزائر منذ سنة 2002، وتحاول الاستحواذ على الشركة بعد أن عزمت شركة «أوكسيدينتال» المالك الجديد لـ«أناداركو» في وقت سابق من عام 2019 بيع فرعها بالجزائر. وتساهم شركة «أناداركو الجزائر» بـ13% من إجمالي إيرادات الشركة الأم؛ ما يجعلها أكبر مصدر لإيرادات تلك الشركة خارج الولايات المتحدة.

وفي عام 1998 شكلت «أناداركو» و«سوناطراك» جمعية تشغيل مشتركة تسمى «مجمع بركين – Groupement Berkine»، الذي يضمّ حقولًا نفطية كبيرة. ويصل إنتاج أناداركو في الجزائر إلى نحو 260 ألف برميل يوميًا من النفط، أي أكثر من 25% من إنتاج البلاد الخام المقدر بنحو مليون برميل يوميًا.

وكانت شركة «أناداركو» قد أعلنت في مايو (أيار) 2019 عزمها طرح أصول فرعها بالجزائر لشركة «توتال» الفرنسية مقابل 8 مليارات و800 مليون دولار، لكن شركة «سوناطراك» وقفت حائلًا من دون إتمام الصفقة.

وخلال فترة عقد شركة «سوناطراك» الجزائرية مع شركة «إنترناشيونال بوليسي»، قامت عدّة شركات طاقة أمريكية بالتوجه للجزائر للتفاوض لدخول السوق الجزائرية، أبرز تلك الشركات شركة «إكسن موبيل وشافرون»، التي أبدت في مارس (أذار) 2019 اهتمامها بدخول سوق الجزائر.

تعمل في الجزائر أيضًا شركة «جنرال إلكتريك» منذ 40 عامًا، في مجالات الطاقة والطيران والرعاية الصحية. فضلًا عن خدماتها للخطوط الجوية الجزائرية، تعمل الشركة على مشروع مشترك مع شركة «سونالغاز – Sonelgaz»، لتصنيع توربينات الغاز الثقيلة في القارة الأفريقية، وتقنيات شركة جنرال إلكتريك تولّد قرابة 70% من كهرباء الجزائر.

وطيلة أكثر من 40 عامًا في الجزائر، عززت الشركة الأمريكية استثمارات كبيرة وطويلة الأجل لـ«دفع الجزائر» إلى الأمام في مجالات الطيران والطاقة والرعاية الصحية.

هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.