في يناير من عام 2022، نشر موقع «جول» العالمي خبرًا مفاده، أن النجم البرتغالي «كريستيانو رونالدو» قد قام بعمل «بلوك» (حظر) لحساب موقع «ترانسفير ماركت – transfermarkt» على إنستجرام، والأغرب من ذلك أن البلوك كان قد حدث قبل عامين، لكن تفاصيله لم تخرج للعلن إلا مع انتصاف موسم عودته الأسطورية مع مانشستر يونايتد.

سواء كنت واحدًا من العاملين بمجال كرة القدم أو واحدًا من المشجعين، فإن موقع «transfermarkt» سيكون مألوفًا لك، وبالتبعية ستندهش من صدامهم مع رونالدو. فهو ليس موقعًا إخباريًا، قد يتناول خبرًا كاذبًا عن اللاعب، وكذلك ليس مكانًا لإبداء الآراء حول عدم أحقية كريستيانو بالكرة الذهبية الماضية واللاحقة.

يقدم موقع «ترانسفير ماركت» بيانات عن عدد هائل من اللاعبين حول العالم، بداية من تاريخ الميلاد، مرورًا بعدد المباريات والأهداف والبطاقات، وصولاً إلى القيمة التسويقية. والأخيرة تحديدًا جعلته مزارًا لعديد المشجعين المهتمين بميزانية ناديهم وخطته في سوق الانتقالات، جنبًا إلى جنب مع عدد من المسئولين في هذه الأندية، وقد كانت أيضًا السبب وراء بلوك كريستيانو رونالدو.

فالقيمة التسويقية هي واحدة من أكثر الموضوعات الجدلية في كرة القدم، كيف يتم حسابها؟ وكيف يقوم ترانسفير ماركت تحديدًا بحسابها؟ وهل يحق للاعبين تقييم أنفسهم والاعتراض كما فعل رونالدو؟ فيما هو قادم، سنصحبك في رحلة قصيرة مع عشوائيات سوق الانتقالات وأسعار اللاعبين، لتقرر في النهاية، هل كان رونالدو محقًا فيما فعله أم لا؟

عشوائيات

مع ازدهار صناعة كرة القدم بفعل القفزات الهائلة في عقود الرعاية والبث التلفزيوني، نالت أسعار اللاعبين نصيبها من الجنون. ونحن كجماهير، نتواجد عند نهاية الخط، نكتفي بمشاهدة المشهد النهائي، حيث تشتري أنديتنا لاعبين بأسعار خيالية، ثم بشكل لا شعوري نحمل ضغينة تجاههم وكأن اللاعب مسئول عن الثمن الذي اتفق عليه الناديان.

صفقة ناجحة تقابلها ثلاث فاشلة، ومع ذلك، ما زالت تحتفظ بنفس الصورة الأنيقة عن هؤلاء المسئولين، مؤكدًا بينك وبين نفسك أنهم لم يكن ليجلسوا على تلك المقاعد، لو لم يمتلكوا المؤهلات اللازمة. لكن عند البيع والشراء، فإن القصص العشوائية لا تتوقف. ونحن لن نحدثك عما يحدث في الدوريات العربية في آسيا وأفريقيا، بل سنمر معك على قصص من البريميرليج.

سرد تقرير لشبكة «The Athletic» تفاصيل المكالمة الهاتفية التي تلقاها الراحل «جيم سميث» في مكتبه في ديربي كاونتي، عندما سأله موظف من بلاكبيرن روفرز عن رغبتهم ببيع «كريستيان ديلي» (مدافع إسكتلندي ارتدى قمصان عدة أندية، أبرزها وست هام يونايتد ورينجرز). استشار «سميث» مجلس إدارته ثم رد على بلاكبيرن بعدم قبول أي عرض أقل من 2.5 مليون جنيه إسترليني. وقبل أن يحظى سميث بفرصة التحدث عن الأرقام قال مسئول بلاكبيرن «سنمنحك 5.35 مليون جنيه إسترليني»، وانتهت الصفقة.

هنا قرر المشتري أن يدفع ضعف المطلوب طواعية، لكن في قصة أخرى، كان الحال مقلوبًا. قال «كيث واينيس» الرئيس التنفيذي السابق لإيفرتون لـ«The Athletic»: «عندما بعنا واين روني من إيفرتون إلى مان يونايتد، كنا نحاول الحصول على مزاد مع نيوكاسل وتشيلسي، لكن لم يكن هناك سوى مشترٍ واحد: مانشستر يونايتد».

لم يكن ضعف موقف إيفرتون في التفاوض هو المشكلة، بل كان محاولته لتحسين الموقف، عندما قرر «بيل كينرايت» (رئيس النادي) البكاء في مكتب السير أليكس فيرجسون قبل الاتفاق على انتقال روني إلى يونايتد.

اتصل «كينرايت» بوالدته هناك -وفقًا للقصة الواردة في السيرة الذاتية لفيرجسون- وقال: «إنهم يسرقون ولدنا»، ثم مرر الهاتف إلى فيرجسون، الذي اعتقد أنه أمام مسرحية، حتى تم إخباره عبر الهاتف: «هذا الصبي يساوي 50 مليون جنيه إسترليني»، وفي الأخير انتهت الصفقة بـ 25 مليون باوند مع بعض الإضافات.

كيفية حساب القيمة السوقية

ثق تمامًا أنك كلما سمعت المزيد من القصص الواردة من داخل الغرف المغلقة، ستتغير الصورة الأنيقة التي تظنها عن هؤلاء المسئولين. في عام 2017، نشرت «The New York Times» تقريرًا يوضح تفاصيل بيع نيوكاسل يونايتد للثنائي موسى سيسوكو وفينالدوم. حيث كان المالك السابق «مايك آشلي» قد حدد سعرًا سريًا 15 مليون باوند لكل واحد منهما، لكنه حصل في النهاية على 53 مليون باوند من مجموع الصفقتين.

يمكن القول إن ذلك حدث عن طريق الصدفة عندما ذكر عدد من التقارير الصحفية أن قيمة فينالدوم تصل إلى 25 مليون باوند في ظل اهتمام ليفربول وإيفرتون، أما فيما يتعلق بسيسوكو، فقد استفسر ريال مدريد عنه وعرض 30 مليون من تلقاء نفسه، ليرتفع سعر اللاعبين ويجني نيوكاسل المزيد من الأموال.

ما سبق وغيرها من القصص يوضح ضبابية القيمة التسويقية، وصعوبة اتفاقها مع القيمة الفعلية لانتقال اللاعب، بسبب كثرة المتغيرات، واحتمالية خضوعها جميعًا في نهاية المطاف إلى حيلة الوكيل أو هوى البائع أو المشتري. ورغم ذلك، ولأن كرة القدم قد قطعت شوطًا طويلاً في تطوير البيانات والإحصائيات، ظهر عدد من المسئولين الذين يحاولون تخفيف حدة العشوائية، والاعتماد على طريقة أكثر واقعية لتحديد قيم اللاعبين.

هنا ظهر أمامنا ثلاثة أسماء، شركة «KPMG»، وموقع «CIES Football Observatory»، دون أن ننسى، «transfermarkt» صاحب البلوك. اتفق الأول والثاني على استخدام منهج علمي معتمد على معادلات، تهدف لجمع المتغيرات معًا لإنتاج قيمة نهائية تماهي الواقع. بداية من عمر اللاعب، وأدائه مع النادي والمنتخب، وعدد السنوات المتبقية في عقده الحالي، بالإضافة لقيمته التجارية، وغيرها من المتغيرات التي تصل في الأخير إلى وضع البائع والمشتري من الناحية الاقتصادية.

نشر موقع «CIES» تفاصيل النموذج الخاص به في أحد تقاريره الشهرية لعام 2020، وبعد دراسة 1790 انتقال بين عامي 2012 و2020، وجدوا أن النموذج قد تمكن من تقييم أكثر من 80% من الانتقالات بشكل صحيح، وكان لديهم من الجرأة استنتاج ما يلي: «بصرف النظر عن أي تطبيقات من قبل الجهات الفاعلة في السوق، يتيح لنا نهجنا واستقلاليتنا تحقيق المزيد من الشفافية والموضوعية في عمليات النقل. في الواقع، حتى الوقت الحاضر، وبقدر معرفتنا، لا توجد منظمة أخرى قادرة على الحكم على صحة المعاملات على مثل هذا الأساس العلمي المتين».

أما «KPMG»، فبعد سرد المتغيرات الخاصة بهم، أوضحوا: «لا يجوز للمستثمرين المحتملين تفسير محتوى هذه البوابة على أنه استشارات استثمارية أو قانونية أو ضريبية. عند اتخاذ قرار الاستثمار، يجب على المستثمرين الاعتماد على الفحص الخاص بهم للاستثمار وشروط الاستثمار ، بما في ذلك المزايا والمخاطر التي ينطوي عليها».

مفاجأة ترانسفير ماركت

إلى هنا وقد وصلنا للسؤال الأهم، كيف يعمل «ترانسفير ماركت-transfermarkt»؟ دعنا أولاً نخبرك أن القيم السوقية المدرجة بهذا الموقع قد ظهرت في تقارير رسمية لعدد من كبرى الأندية في أوروبا، مثل: شالكه، وهيرتا برلين، وليون، وبورتو، وهوفنهايم، وظهرت أيضًا في تقرير للاتحاد الأوروبي لكرة القدم في عام 2016. كما استعان به رئيس برشلونة السابق بارتوميو لتحديد قيمة آرتور ميلو قبل بيعه ليوفنتوس.

في قضية أخرى، قدم مستشار سابق لنادي فالنسيا الإسباني شكوى جنائية ضد الوكيل البرتغالي خورخي مينديز ومالك النادي بيتر ليم في أغسطس. أحضر مينديز عددًا من اللاعبين البرتغاليين إلى النادي الإسباني؛ وزعم المستشار أن مينديز وليم قاما بشكل غير قانوني بتضخيم تقييمهما في السوق. رفض المدعي العام القضية، على أساس أن رسوم التحويل المدفوعة كانت قريبة من قيم السوق المقدرة في Transfermarkt.
موقع «follow the money»

وبالتالي أنت تنتظر الآن ما يؤكد أن «ترانسفير ماركت» يقدم الحل الأمثل لحسم هذه المسألة الجدلية، لكنك ستكتشف أنك أمام قصة جديدة من عشوائيات كرة القدم. تم إنشاء موقع «Transfermarkt» في عام 2000 من قبل أحد مشجعي نادي فيردر بريمين الألماني، وتحتوي قاعدة بياناته حاليًا على تفاصيل أكثر من 800000 لاعب كرة قدم محترف.

في تحقيق أجراه موقع «follow the money» الهولندي، أفصح مسئولو الموقع عن طريقتهم في تحديد القيمة السوقية للاعبين، والتي أكدوا أنها غير علمية، وتعتمد على مبدأ حكمة الجمهور «wisdom of the crowd»، وفي وصف آخر حدس الأفراد.

يتم إعادة تقييم اللاعبين في دوريات المستوى الأعلى أربع مرات سنويًا، مع تحديثات رئيسية قبل كل فترة انتقال. وبدلاً من استخدام المعادلات، يمكن للمستخدمين مناقشة قيم السوق في منتدى «Transfermarkt»، لكن الرقم النهائي يعتمد فقط على الحجج المثبتة (الدقائق التي تم لعبها، والأهداف، والتمريرات الحاسمة، والمباريات التي لعبت للمنتخب الوطني، ومدة العقد، والراتب، ومكانة النادي ووضعه المالي) ويتم تحديده في النهاية بواسطة مسئولي كل قسم.

من الجنون أن تأخذ الأندية المحترفة تقييماتنا على محمل الجد. يضع يديه على رأسه ويضحك ثم يتابع: أقضي جزءًا من وقت فراغي على جهاز الكمبيوتر في المنزل، لتقدير الأسعار. ثم تأخذ صناعة كرة القدم هذه التقييمات على محمل الجد. إنه غير واقعي. أنا أقوم بهذا العمل من أجل المتعة، وصناعة كرة القدم تساوي الملايين. ذلك التناقض جنوني.
«مارتن فروندل» المسئول عن إحصائيات الدوري الألماني في ترانسفير ماركت

لم يتوقع مسئولو الموقع -الذي ما زال يضم الكثير من المتطوعين -وصوله إلى تلك المكانة، حيث يزوره شهريًا ما يقارب البليون زائر، لكنهم أصروا على التملص من تقارير الأندية التي تعتمد على أرقامهم، لأن ذلك قد يفتح الباب بشكل أو بآخر لاستغلال طريقتهم غير العلمية وتعديل القيم السوقية وفقًا لرغبات البعض، هو ما أعادنا في النهاية إلى قصتهم مع كريستيانو رونالدو.

في 2020، نشر «ترانسفير ماركت» تشكيلة لأفضل اللاعبين تحت إدارة الوكيل الشهير خورخي مينديز، وبشكل مفاجئ لم يكن رونالدو هو صاحب القيمة السوقية الأعلى بينهم. ليقرر البرتغالي مراسلتهم عبر إنستجرام موضحًا لهم أن قيمته أكبر من 75 مليون يورو (62 مليون باوند). ليتم الرد عليه بتفنيد الأسباب وتأكيد أن تلك القيمة هي الأعلى (بفارق يتراوح بين 30-50 مليون) بين اللاعبين البالغين من العمر 33 عامًا فأكثر. رد رونالدو بعدد من الوجوه الضاحكة ثم ضغط على زر البلوك، لينتقل بعد عام ونصف من البلوك إلى مانشستر يونايتد مقابل 13 مليون باوند فقط!