أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء وإقالة حكام الولايات وتعليق عمل لجنة لمكافحة الفساد، وصرح بأن مديري العموم في الوزارات والولايات سيتولون تسيير الأعمال خلال الفترة الحالية.

وخلال مؤتمر صحفي، برّر البرهان تحركه بأن البلاد تحتاج إلى حماية الجيش في ظل الخلافات بين السياسيين، متهماً الحكومة بأنها تحولت إلى صراع بين أطرافها مما يهدد أمن وسلامة البلاد، ووعد بإجراء انتخابات في يوليو/تموز من عام 2023، وبأن حكومة مستقلة ستحكم البلاد حتى يحين موعد تلك الانتخابات وستوفر بيئة ملائمة للأحزاب، وتعهد بإنشاء برلمان «ثوري» من الشباب السوداني.

وبالتزامن مع تلك التصريحات شهدت الخرطوم حملات اعتقال طالت زعماء الأحزاب وشخصيات سياسية، وانتشر الجيش بشكل كثيف منذ الصباح الباكر وقطع الطرق التي تربط وسط العاصمة بكل من منطقتي خرطوم بحري وأم درمان، وتم قطع شبكة الإنترنت تماماً في البلاد، وأصبحت الهواتف المحمولة تستقبل الاتصالات فقط، دون إمكانية إجراء أي اتصالات من خلالها.

«انقلاب عسكري متكامل الأركان»

وأعلنت وزيرة الخارجية عن احتجاز رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مكان غير معلوم، وقالت وزارة الإعلام رسمياً، إن ما وقع هو «انقلاب عسكري متكامل الأركان»، وأن قوات عسكرية اقتحمت مقر الإذاعة والتلفزيون الواقع في منطقة أم درمان واحتجزت عدداً من العاملين به، ونقلت الوزارة عن رئيس الوزراء المحتجز رسالة يطالب فيها الشعب بالتمسك بالسلمية والدفاع عن الثورة.

واشتعلت الخرطوم بالمظاهرات والاحتجاجات الشعبية الغاضبة وأحرق المحتجون إطارات السيارات وأغلقوا الشوارع، وصدرت إدانات دولية واسعةوأعلنت العديد من الدول إدانتها لما اعتبرته رسمياً «انقلاباً عسكرياً»، ودعت الأمم المتحدة للإفراج عن القادة المحتجزين.

مدنية أم عسكرية؟

بدأ السودان مسيرة التحول الديمقراطي بعد ثورة في أبريل/نيسان عام 2019 التي أطاحت نظام الرئيس عمر البشير، وتولى الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، خلفًا لوزير الدفاع أحمد عوض بن عوف الذي شغل المنصب ليوم واحد، ورغم سقوط البشير استمرت الفعاليات للمطالبة بحكم مدني، وفي الثالث من يونيو/حزيران 2019 فضت قوات الدعم السريع اعتصاماً استمرّ لأسابيع أمام مقرّ القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وتم قطع الإنترنت لأكثر من شهر، وقتل في هذا الهجوم أكثر من ستين مواطناً وفقاً لوزارة الصحة، وتعرض العشرات من الجنسين للاغتصاب الوحشي في الشوارع وتم توثيق هذه الوقائع من قبل النشطاء السياسيين.

ورغم نفي محمد حمدان دقلو، الملقب حميدتي، رئيس قوات الرد السريع، تورط رجاله في أي أعمال عنف لكنه تعهد بمحاسبة المتورطين بل وإعدامهم إن ثبت إدانتهم لكن لم يتم تنفيذ هذه التعهدات حتى اليوم.

وفي أغسطس/آب 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات تم التوصل لاتفاق يتقاسم الجيش السوداني السلطة بموجبه مع سياسيين من جماعات مدنية داخل مجلس السيادة الحاكم الذي كان من المقرر أن يقود البلاد لانتخابات بحلول نهاية عام 2023، وتم تشكيل حكومة برئاسة عبد الله حمدوك المدعوم من قوى إعلان الحرية والتغيير وهيَ مكوّنات سياسيّة تطالب بالحكم المدني.

وحفلت تلك الفترة بالتوترات بين المكونين المدني والعسكري في المجلس على خلفية رفض الجيش للتحقيق في اتهامات بارتكابه جرائم حرب في الصراع في إقليم دارفور، وكذلك الخلاف على تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأيضاً التحقيق في قتل المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وهي ملفات يرفض العسكريون الاقتراب منها.

كما تصاعدت الخلافات بين حكومة حمدوك والجيش بسبب رفض الأخير رقابة الحكومة عليه ودمج قوات الدعم السريع التي تتمتع بوضعية خاصة وتوصف بأنها فوق المساءلة وتلاحقها الاتهامات بارتكاب جرائم مروعة.

ووسط أزمة عدم الثقة التي تميز العلاقة بين المكونين المدني والعسكري وتداخل السلطات وتعارض المصالح بين الطرفين شهدت البلاد اضطرابات مستمرة وأوضاعاً اقتصادية سيئة، وحاول كل طرف حسم الأمر، فالمدنيون يطالبون بعودة الجيش لثكناته والعسكريون يترقبون الفرص للانقضاض على السلطة.

وتم الإعلان عن فشل محاولة انقلاب عسكري في أواخر سبتمبر/أيلول، وتم اعتقال معظم الضباط المتورطين به، ووصف رئيس الوزراء، هذه المحاولة بأنها كانت «تستهدف الثورة».

ومنذ 16 من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تنفذ قوى موالية للجيش اعتصاماً أمام القصر الجمهوري يطالب بحل الحكومة تشارك به حركة «العدل والمساواة»، برئاسة وزير المالية، جبريل إبراهيم، وحركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور وأحزاب صغيرة منشقة من قوى الحرية والتغيير، وكان يتم توفير وجبات الطعام للمعتصمين المؤيدين الحكم العسكري وتمتع الاعتصام بتنظيم وتأمين جيدين.

ووصفت القوى الثورية المؤيدة للحكم المدني هذا الاعتصام المدعوم من الجيش بأن وظيفته توفير غطاء شعبي لانقلاب وشيك، وهو ما وقع اليوم.

وأخيراً، في 21 أكتوبر، تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين في ذكرى ثورة 1964 التي أطاحت حكم المجلس العسكري بزعامة الجنرال إبراهيم عبود. وشارك وزير النقل ميرغني موسى ووزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر في تلك الاحتجاجات الداعمة للحكم المدني والتحوّل الديقراطي، واشتبك المتظاهرون مع قوات الشرطة السودانية في محيط البرلمان، وتم ضربهم بالقنابل المسيلة للدموع، ورفع المحتجون شعار «الردة مستحيلة»، في إشارة لرفضهم العودة إلى الحكم العسكري.

وأعلن ائتلاف «الغرفة المشتركة لمليونيات الحكم المدني»، الذي يضم أكثر من 30 كياناً، مطالبته بتسليم السلطة للمدنيين ورحيل العسكريين عن الحكم، وتكوين برلمان ثوري، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتحويل لجنة التحقيق في «مجزرة القيادة العامة» ضد المتظاهرين إلى لجنة دولية، ومحاسبة وإقالة حاكم إقليم دارفور، واستكمال عملية السلام.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير تجديد دعمها لحمدوك، وحذرت من الانقلاب عليه في مؤتمر صحفي حاول بعض معتصمي القصر المؤيدين للجيش منع عقده بالقوة.

وبعد قرارات البرهان بحل الحكومة وجهت «قوى الحرية والتغيير» دعوات شعبية للعصيان المدني والتظاهر حتى رجوع رئيس الوزراء الشرعي عبد الله حمدوك.