الأهلي والزمالك هما أقوى عناصر الكرة المصرية، جملة بالتأكيد قد سمعتها كثيرًا وربما أنت مقتنع بها كما يفعل الملايين، ولكن إن أمعنت الفكر قليلًا، وراجعت سجل أحداث طرف ثالث معهما، ستجد أن هناك ناديًا آخر أقوى منهما منذ نحو 28 عامًا!

طلائع الجيش يفعل كل ما يفعله الأهلي والزمالك ولكن دون ضجيج، وكما يقول المثل الشعبي المصري:

إللي بيقول ما بيعملش .. وإللي بيعمل مبيقولش.

ولهذا ستجد نفسك دائمًا محتارًا بين الصمت تجاه طلائع الجيش، وصمت طلائع الجيش نفسه، ولكنك في الوقت ذاته لن تستطيع أن تتجاهل الذكاء الذي أدار به هذا النادي من الناحية المؤسسية الصرفة استخدام قوته الكبيرة في السنوات الأخيرة لتحقيق أرباح كبيرة من فريق كرة القدم.

الجذور

يعود تأسيس نادي طلائع الجيش الواقع في مصر الجديدة إلى عام 1995، إبان فترة كان وزير الدفاع المصري فيها هو الراحل «محمد حسين طنطاوي» الذي نقل النشاط الرياضي النابع من القوات المسلحة إلى آفاق رحبة للغاية.

تعاظمت قوة المنتخب العسكري فبات من فرسان كرة القدم في العالم من خلال إلزام بعض اللاعبين بتمثيل المنتخب العسكري كجزء من خدمتهم، فهم لاعبون من بين الصف الأول في الدوري المصري يعرض عليهم أن يقضوا خدمتهم العسكرية بهذه الطريقة، فيكون ذلك مفيدًا لكل الأطراف.

لاعبون مثل وائل جمعة وعبد الحميد بسيوني وآخرين، وجدوا المنتخب العسكري بوابة مثالية لهم لصقل نجوميتهم ومضاعفتها بين الجماهير المصرية.

في تلك الأثناء تأسس نادي طلائع الجيش وهدفه في البداية كان تدعيم النشاط الرياضي بين المنتمين للقوات المسلحة، وخلق فرق رياضية تنافسية قدر المستطاع في مختلف الألعاب.

طنطاوي الذي كانت له ميول رياضية عدة، أخرج طلائع الجيش من عباءة أندية الأسلحة أو الأجهزة المنتمية للقوات المسلحة، مثل ناديي حرس الحدود والإنتاج الحربي، وبات طلائع الجيش أول استثمار حقيقي لطاقات القوات المسلحة في المجال الرياضي باسم معلن وواضح وهيراركية مكونة من ضباط ومسؤولين سابق في المؤسسة العسكرية.

ومع زيادة قوة حرس الحدود في مطلع الألفية الجديدة ووصوله إلى منصة التتويج لبطولة كأس مصر على حساب الأهلي نفسه في نهاية العقد الأول منه، بات الكل ينظر إلى طلائع الجيش نظرة المترقب، لقد آتت التجربة أكلها من كافة الأصعدة مع حرس الحدود الذي بات يحصل دخلًا عاليًا من صفقاته، مستفيدًا من جلبهم بقيم زهيدة للغاية ثم تسويقهم وبيعهم.

في هذه المرحلة بدأت تتشكل كتيبة مدربين أعجب بهم طنطاوي، وبات لزامًا أن يستمروا في التدوير بين أندية المؤسسة، منهم طارق العشري الذي يعتبر المشير طنطاوي «صاحب أهم فضل في مشواره الرياضي»، وعبد الحميد بسيوني هداف كأس العالم العسكرية، ثم انضم إليهم في السنوات الأخيرة أحمد سامي، وآخرهم في طلائع الجيش الآن علاء عبد العال، مع بعض التجارب العابرة لمدربين آخرين.

أيمن حفني وآخرون!

دخل طلائع الجيش العقد الثاني من الألفية الجديدة بطموحات عالية إذ استغل بند المساومة على قضاء الخدمة العسكرية أفضل استغلال. بدأ الأمر بصفقة أيمن حفني التي حيرت الأهلي والزمالك حين كان الأعسر الموهوب بسن صغيرة وبموهبة لم ير أحد مثلها في مصر منذ سنوات، وحين كان الغريمان يتنافسان عليه، حصل طلائع الجيش على توقيعه مستغلًا بند قضاء الخدمة العسكرية، حصل على حقوقه مجانًا لمدة عامين ثم باعه للزمالك.

تكرر الأمر مرات عدة، حين اختلف رئيس الزمالك مرتضى منصور مع أحمد توفيق أرسله إلى طلائع الجيش مستغلًا ذات البند.

حدث الأمر ذاته مع ميدو جابر لاعب الأهلي السابق الذي وقع لسيراميكا كليوباترا وأثناء قضائه الفترة التحضيرية، أتاه من يذكره بأنه مطلوب للخدمة العسكرية، هل تلعب لطلائع الجيش بمرتب زهيد أم تقضي فترة تجنيدك بين الرمال والكثبان؟

آخر هذه الحالات هي أحمد أيمن منصور، الذي تعاقد الزمالك معه من بيراميدز، فطلب لطلائع الجيش بنفس الطريقة، ثم الآن يطمح مرتضى منصور لمبادلته مع مصطفى الزناري مدافع الطلائع الذي يعجب بيه فيريرا.

بمقابل مادي زهيد يتم إنفاقه في كل نافذة انتقالات، وبميزانيات لا تراقب مدنيًا بحكم تبعية النادي لجهاز الرياضة بالقوات المسلحة، وبأعباء لا تتكلف إدارة النادي التي يتم تعيينها أي مجهود لتدبيرها لأنها تأتي من المؤسسة الأكبر، فإن الكثير من التساهيل تضاف إلى طلائع الجيش الذي يجد نفسه مطالبًا فقط ببعض الذكاء في إدارة هذه القوة، وقد أثبت أنه يمتلك هذا الذكاء دون مواربة.

نحو مصر أكثر هدوءًا

لقد رأس نادي طلائع الجيش العديد من القامات الكبرى في القوات المسلحة المصرية، بدءًا من طنطاوي نفسه، مرورًا بأسماء مثل الفريق محمد فريد حجازي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية سابقًا، والآن يرأسه اللواء مجدي اللوزي رجل الرياضة البارز ضمن المؤسسة والذي تم تداول اسمه عقب استقالة مجلس هاني أبو ريدة من رئاسة اتحاد كرة القدم المصري.

ورغم كل ذلك، يعرف النادي كيف يبقى بعيدًا عن ألسنة الإعلام، مدربوه رغم ما يرونه في الدوري المصري من مهازل شأنهم شأن غيرهم من مدربي الفرق يحافظون دائمًا على الهدوء وعدم الظهور المتكرر في وسائل الإعلام وفلتات بعضهم من عصبية أو تراشق أو غيره تحصيها أصابع اليد الواحدة بسهولة!

حتى مدير الكرة بالنادي، أحمد المهدي، الذي لا تستطيع بسهولة أن تتعرف عليه نظرًا لأن مداخلاته محسوبة للغاية، يتحلى بروح هادئة وتشاركية وتغلب على كل أحاديثه حالتا الـ«كل واحد يبص في ورقته» و«ليك كل الاحترام والتقدير» اللتان بات سيف زاهر المتحدث الرسمي باسمهما خلال السنوات الأخيرة!

بعد 26 عامًا من التخطيط، وزهاء 25 عامًا من اللعب في أعلى المستويات، نجح طلائع الجيش في الفوز بلقب كأس السوبر المصرية على حساب الأهلي بركلات الترجيح. بطولة حصدها عبد الحميد بسيوني وأضيف بها طلائع الجيش لسجل المتوجين بالبطولات في مصر، وللمفارقة فإن طنطاوي توفي في نفس اليوم الذي حقق فيه طلائع الجيش البطولة!

في موسم 2022-2021 أنهى طلائع الجيش الدوري في المركز الرابع رسميًا ويحق له وفق كل أعراف الأرض أن يشارك في الكونفيدرالية الإفريقية، ولكن لأن اللوائح المصرية «مضروب فيها مفكّ» كالعادة، فقد تأهل فيوتشر، وطلائع الجيش لم يقم بأي خطوة تصعيد في طريق المشاركة بالبطولة. يدرك طلائع الجيش جيدًا أن مصر ينبغي أن تظل هادئة!