تأثير تيكيلا «The Tequila Effect» هو اسم عام يستخدم للإشارة إلى الأزمة الاقتصادية لعام 1994 في المكسيك، والتي أصبحت واحدة من أولى الأزمات المالية الدولية التي أشعلها هروب رأس المال.

تنص فرضية تأثير التيكيلا على أن الأزمة الاقتصادية التي أثرت على العديد من دول أمريكا الجنوبية في عام 1995 كانت ناجمة عن هروب رأس المال الخارجي بسبب فقدان ثقة المستثمرين الأجانب بعد انهيار البيزو المكسيكي في ديسمبر 1994.

سنبدأ أولًا بإجمال التسلسل الزمني للأزمة، ثم ننتقل إلى تفاصيلها.

التسلسل الزمني

  • مارس/ آذار – نوفمبر/ تشرين الثاني 1994

بينما رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدل الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس خلال هذه الفترة الزمنية، كانت المكسيك تعاني من جرائم اغتيال سياسي في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في وقت لاحق من نفس العام. 

انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي سريعًا، ولوقف تدفق العملات الأجنبية خارج البلاد، أصدرت الحكومة المكسيكية، في أبريل/نيسان سندات قصيرة الأجل مقومة بالدولار (Tesobonos). 

كانت تلك الديون محمية من احتمال خفض قيمة البيزو. لذلك كان يفترض أن يتوقف سحب العملات الأجنبية بعدما استقر سعر الصرف، لكن 3 مليارات دولار أمريكي خرجت من السوق في نوفمبر/ تشرين الثاني، منها 1.6 مليار دولار أمريكي في يوم واحد (يوم 18 من نفس الشهر).

  • 1 ديسمبر/ كانون الأول 1994

تولت الحكومة المكسيكية الجديدة، بقيادة الرئيس المنتخب، الاقتصادي إرنستو زيديلو، مهامها.

  • 15 ديسمبر/ كانون الأول 1994

نفى وزير المالية الجديد خايمي سيرا بوتشي اتجاه المكسيك لخفض قيمة البيزو. في اليوم التالي، خرج 855 مليون دولار أمريكي من الأسواق المكسيكية.

  • 20 ديسمبر/ كانون الأول 1994

خلصت الحكومة الجديدة إلى أن الوضع لا يمكن تحمله؛ لذلك أعلن البنك المركزي المكسيكي رفع النطاق العلوي لسعر الصرف بنسبة 15%، وهو تخفيض كبير لقيمة البيزو.

  • من 20 إلى 21 ديسمبر/ كانون الأول 1994

في اليومين التاليين للإعلان سحب المستثمرون من البلد 4.6 مليار دولار، أي نصف احتياطيات النقد الأجنبي.

  • 22 ديسمبر/ كانون الأول 1994

رُفع التدخل في سوق الصرف الأجنبي، وسُمح للبيزو بالتعويم الحر، ليصل إجمالي تخفيض قيمة البيزو إلى 35٪ بنهاية الشهر.

  • 26 يناير/ كانون الثاني 1995

صندوق النقد الدولي يعلن عن حزمة إنقاذ بقيمة 7.8 مليار دولار.

  • 31 يناير/ كانون الثاني 1995

أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة إنقاذ للمكسيك بقيمة 50 مليار دولار، تتكون من 20 مليار دولار من الولايات المتحدة، و18 مليار دولار من صندوق النقد الدولي (وفي ذلك الـ 7.8 مليار دولار المعلن عنها بالفعل في 26  من نفس الشهر)، و10 مليارات دولار أمريكي من بنك التسويات الدولية، و3 مليارات دولار من بنوك خاصة. وبسبب خط الائتمان كانت المكسيك قادرة على ترحيل ديونها قصيرة الأجل المقومة بالدولار، على الرغم من الاضطرار لدفع عوائد أعلى بكثير، لكن لولا المساعدة لكانت المكسيك قد تخلفت عن سداد السندات.

  • أوائل مارس/ آذار 1995

أعلنت الحكومة المكسيكية عن حزمة تقشف صارمة، مما أدى إلى تجدد ثقة المستثمرين. 

اندلاع مفاجئ للفوضى السياسية

لم تبدأ أزمة البيزو بصدمة مالية، بل باندلاع مفاجئ للفوضى السياسية. 

بنهاية عام 1993 كان الاقتصاد المكسيكي قد أكمل أربعة أعوام من النمو الاقتصادي الجيد، مدعومًا بتدفقات كبيرة «وموثوق فيها ظاهريًّا» من رأس المال الأجنبي. وكانت السلطات المحلية تعمل على تثبيط تدفقات المضاربات، من خلال السماح لسعر الصرف بالتذبذب بحرية داخل نطاقات محددة «تعويم جزئي»، بينما قررت الحكومة وقف الاعتماد على تسهيلات صندوق النقد الدولي منذ مايو 1993 بعد أربعة أعوام من إقراره لأول مرة، بينما كانت السلطات النقدية بصدد سداد الرسوم السابقة.

صحيح أن عدم اليقين بشأن ما إذا كان الكونجرس الأمريكي سيصادق على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) حد من اهتمام المستثمرين بالمكسيك مرحليًّا، وبالتالي خفض معدل النمو في عام 1993، لكن نافتا دخلت حيز التنفيذ في بداية عام 1994، لتظهر آفاق نمو أكبر، ويعرب المراقبون عن آراء إيجابية في الغالب بشأن الوضع الاقتصادي، معتبرين أن التوقعات بشأن المكسيك على المدى المتوسط ​​تظل مواتية، ليستمر تفاؤل المستثمرين رغم التحذيرات بشأن عجز الحساب الجاري وسعر الصرف، والذي ردت عليه الحكومة حينها بأن استمرار النمو القوي في صادرات المكسيك دليل على أن سعر الصرف لم يكن مبالغًا فيه، علاوة على ذلك، فقد اعتقدوا أن سياسة التعويم الجزئي أعطتهم بالفعل مجالًا كافيًا للتعامل مع أي ضغوط قد تنشأ.

لكن الاستقرار قصير الأمد تعرض للتهديد من عدة أوجه؛ فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية عام 1994 شرعت الإدارة الحاكمة في سياسة مالية ونقدية توسعية لجذب المزيد من المستثمرين الأجانب، لكن قوة البيزو «ظاهريًّا» تسببت في زيادة الطلب على الواردات، ما أدى إلى تصاعد العجز التجاري. بالتزامن، اندلع التمرد المسلح في ولاية تشياباس الجنوبية، بينما اغتيل الاقتصادي لويس دونالدو كولوسيو، زعيم الحزب الثوري، الذي كان المرشح الرئيسي للفوز في انتخابات أغسطس/ آب، ما دفع المستثمرين المحليين والأجانب إلى إعادة النظر في الخطر المتمثل في أن الحكومة الجديدة في مكسيكو سيتي لن تكون قادرة على السيطرة على الاقتصاد أثناء محاربة التمرد في الجنوب، وبالتالي زيادة علاوة المخاطرة على الأصول المكسيكية.

بدأ بنك المكسيك فجأة يفقد احتياطياته من العملات الأجنبية بمعدل سريع. حاولت الحكومة طمأنة المستثمرين بأن السياسات الاقتصادية للمكسيك كانت «سليمة بشكل أساسي»، وأن علامات التوتر في الأسواق المالية ستكون قصيرة الأجل. واستجابة للوضع أقرت وزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي فورًا إنشاء خط مقايضة مؤقت بقيمة 6 مليارات دولار، بشرط تقديم صندوق النقد الدولي خطابًا يدعم السياسات الاقتصادية والمالية للمكسيك، وهو ما فعله على الفور.

في الشهر التالي، تحول خط المقايضة من الوضع المؤقت إلى دائم، وهنا بدا أن تدفق رأس المال إلى الخارج ينحسر، وسرعان ما خلصت السلطات الأمريكية ومسئولو صندوق النقد الدولي إلى أن التأثير المالي لاغتيال كولوسيو لم يكن أكثر من أزمة سيولة مرت بسرعة. وعلى الرغم من أن الضغوط يمكن أن تظهر مرة أخرى فيما يتعلق بحالة عدم اليقين المتزامنة مع عام الانتخابات، بدا الجميع واثقًا من قدرة السلطات المكسيكية على إدارة الوضع، خصوصًا مع انضمام المكسيك في منتصف مايو/ آيار لعضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ما منح المزيد من الثقة، ليمكن للحكومة الآن أن تزعم خروج البلاد من نطاق الدول النامية إلى نادي الدول الصناعية الغنية، وأن الوضع المالي المضطرب بات من الماضي. 

نار تحت الرماد

مع ذلك لم تتوقف الأصوات عن الدعوة إلى تخفيض قيمة العملة لتصحيح ما اعتبروه مبالغة جوهرية في تقييم البيزو بما يتجاوز 20%، الأمر الذي كان يحد من النمو ويهدد بتوقف التنمية الاقتصادية في المكسيك.

كان المصدر المباشر لهذا القلق هو الحساب الجاري الخارجي، الذي كان يعاني عجزًا بنحو 7% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى الرغم من أن الحكومة كانت تدير فائضًا صغيرًا في حساباتها الخاصة، فإنها اضطرت إلى الاستمرار في تدوير مخزون كبير من الأوراق المالية قصيرة الأجل، والتي يحتفظ غير المقيمين بجزء متزايد منها، فبعد اغتيال كولوسيو، وحذر المستثمرين المحليين والأجانب من امتلاك أصول البيزو، استبدلت الحكومة 50% (ارتفاعًا من 6%) من أذون الخزانة المقومة بالبيزو بالأذون مستحقة الدفع بالعملة المحلية، لكنها مقومة بالدولار الأمريكي؛ باعتبار أن حامليها كانوا محميين من تخفيض قيمة العملة، وبالتالي ارتفعت التكلفة المحتملة لخفض قيمة العملة. 

أدرك المضاربون قيمة البيزو المبالغ فيها، وبدأ رأس المال يتدفق من المكسيك إلى الولايات المتحدة، ما زاد من ضغط السوق الهابط على العملة المحلية. وتحت ضغوط الانتخابات اشترت الحكومة سندات الخزانة الخاصة بها للحفاظ على المعروض النقدي، وتجنب ارتفاع أسعار الفائدة، أي إنها اشترت الديون بمزيد من الديون، ليتراجع الاحتياطي النقدي. 

وعندما فُتح الباب على مصراعيه لتجنب أزمة التبادل في أغسطس/ آب، وفاز إرنستو زيديلو (بديل كولوسيو في بطاقة الاقتراع) بالانتخابات الرئاسية، واستجابت الأسواق المالية بشكل إيجابي، عاد احتمال تخفيض قيمة العملة للظهور، لكنهم فضلوا الانتظار في إعلان الطرح حتى تتولى الحكومة الجديدة السلطة في 1 ديسمبر/ كانون الأول؛ باعتبار أن استقرار سعر الصرف مهم، وأن السياسات الاقتصادية الكلية كانت قوية بما يكفي لاستدامتها. 

الهدوء الذي أعقب الانتخابات تبدد في 28 سبتمبر/ أيلول مع اغتيال خوسيه فرانسيسكو رويز ماسيو، الأمين العام للحزب الثوري، ثم ظهور مزاعم بأن شقيق الرئيس الجديد كان مسئولًا عن الاغتيال، لكن تفاؤل الحكومة وصندوق النقد استمر، ومعه النوايا بتجميد أي محاولة للتعامل مع سعر الصرف.

مع ذلك عندما واصلت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الأمريكية رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، وارتفعت تدفقات رأس المال الخارجة من المكسيك بشكل حاد، حتى كاد الاحتياطي النقدي ينفذ تقريبًا، أدرك زيديلو أن تخفيض قيمة العملة أمر لا مفر منه، وهو ما اتفق معه الرئيس المنتهية ولايته، مبديًا استعداده لتحمل المسئولية وحده عن النتائج، لكن معارضة مسئولي السلطات النقدية للقرار استمرت، وإن كان إصدار الرئيس المنتخب لبيان يدعم السياسات الاقتصادية لسلفه عزز وضع العملة خلال الأيام العشرة الأخيرة من نظام ساليناس.

الانفجار

طوال هذه الفترة من الاضطراب المالي لم يكن لدى الجهات الدولية أية معلومات عن حقيقة احتياطيات النقد الأجنبي في المكسيك، وكان على الجميع الاعتماد على أحدث البيانات الرسمية، والتي لم تُظهر أي تدهور كبير. وبينما كان الجميع يعرفون أن الحكومة المكسيكية تعتمد بشكل متزايد على إصدار السندات المقومة بالدولار، فإنهم لم يعرفوا مقدارها الحقيقي من ناحية، كما رأوا فيها استراتيجية مالية عقلانية طالما كان مركز الاحتياطي مريحًا، بدرجة أن صندوق النقد الدولي اعتبر المكسيك مؤهلة جدًّا للحصول على «تسهيل التمويل قصير الأجل»، وهي قروض سريعة الصرف للبلدان ذات السياسات الاقتصادية القوية التي تواجه ظروفًا معاكسة لأسباب خارجة عن إرادتها. 

وبينما أكد العديد من تقارير المستثمرين والمحللين من القطاع الخاص أن الأزمة تتسع، تجاهلت كل الجهات الخارجية المسئولة فحص هذه المعلومات بشكل منهجي، ليستقيظ الجميع على انخفاض أسعار الأسهم والسندات بشكل حاد، وبدا سعر الصرف (3.46 بيزو لكل دولار أمريكي) أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى. كان من الممكن احتواء آثار انتفاضة تشياباس وحدها، لكن هذه الصدمة بلغت ذروتها في عام من الاضطرابات والاغتيالات المتزايدة التي جعلت الوضع المالي في المكسيك غير مستقر بالفعل. 

كان الخيار الوحيد القابل للتطبيق المتبقي للحكومة هو السماح للبيزو بالانخفاض بسرعة أكبر، إما بالتعويم الحر أو التخفيض الفوري لقيمة العملة. لكن لسوء الحظ كانت قدرة الحكومة على التصرف مقيدة بالتزاماتها بموجب ترتيبات (Pacto) الموقعة مع رجال الأعمال والعمال لخفض قيمة البيزو في 1987، والتي استهدفت التحكم جزئيًّا في سعر الصرف بحزمة من السياسات المالية التي تهدف بشكل حاد إلى خفض تضخم الأسعار وضمان استقرار الأجور، وهو ما أثبت مدى كارثيته حين رفضت المجموعتان بشكل قاطع تحرير سعر الصرف، قبل أن تقبلا كحل وسط بخفض قيمة البيزو بنسبة 15%، وهو إجراء كان الجميع يدرك أنه ليس كافيًا، لكنه – حتى في حده الأدنى – كان كارثيًّا.

لمدة يومين حاولت السلطات المكسيكية يائسة إبقاء انخفاض البيزو في حدود 15% من مستواه القديم، لكنهم خاضوا معركة خاسرة؛ إذ تسبب تدفق رأس المال الخارج في خسارة بنك المكسيك لاحتياطياته النقدية. (في أسبوع واحد، بلغ إجمالي الخسائر 6.4 مليار دولار) لترى الحكومة أن التعويم الكامل سيكون الحل الأخير. وهذه المرة، لم يعترض أحد.

في اليوم التالي، وصل انخفاض البيزو 28%. وفي محاولة لمنع الانهيار الكامل طلبت الحكومة من البنوك المركزية الأمريكية والكندية تفعيل خطوط المقايضة، لتطلب أمريكا تقديم التزامات مؤكدة بإقرار زيادة كبيرة في أسعار الفائدة المكسيكية لتثبيط تدفقات رأس المال الخارجة، لتبدأ المعضلة الكلاسيكية: المسئولون المكسيكيون يخشون من أن زيادة أسعار الفائدة سيكون لها آثار كارثية على الاقتصاد، ليستمر التجاذب بين الأطراف، ومعها دخل البيزو في حالة سقوط حر، لينهار العديد من البنوك المكسيكية وسط تخلف مفتوح عن سداد الرهن العقاري على نطاق واسع، مع ركود حاد، وارتفاع ضخم في معدلات الفقر والبطالة.

هروب المستثمرين من أمريكا اللاتينية

كانت أزمة المكسيك كلاسيكية: مثال واضح على التزام الدولة العنيد بعملة «قوية» رغم تقلبات السوق. والنتيجة وصول معدل التضخم الإجمالي في عام 1995 إلى نحو 52%، وتصفية الصناديق الاستثمارية لمراكزها في أصول مكسيكية تزيد قيمتها عن 45 مليار دولار. 

تحمل القطاع المالي المكسيكي وطأة الأزمة مع انهيار البنوك، خصوصًا بعدما تكشفت أزمات الأصول منخفضة الجودة وممارسات الإقراض الاحتيالية، فتعثرت آلاف الرهون العقارية، حيث كافح المواطنون المكسيكيون لمواكبة ارتفاع أسعار الفائدة.

وبالإضافة إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي شهدت المكسيك تضخمًا حادًّا وارتفع معدل الفقر المدقع بشكل كبير من 21% إلى 37%، مع انخفاض الأجور الحقيقية بنسبة 25-35%، وتضاعف معدل البطالة من 3.9% إلى 7.4%، وارتفعت الأسعار بنسبة 35%، مما أدى إلى تراجع السنوات العشر الماضية من المبادرات الناجحة للحد من الفقر، ولم تبدأ مستويات الفقر خلال الأزمة في العودة إلى طبيعتها حتى عام 2001. 

وانخفض متوسط ​​استهلاك الأسرة بنسبة 15% مع التحول نحو السلع والخدمات الأساسية، التي لم تشمل حتى الرعاية الصحية، ليرتفع معدلات الوفيات بين الرضع والأطفال بنسبة 7%، وبشكل كبير في المناطق التي كان على النساء فيها أن يعملن نتيجة لحالة العوز.

ولم يفر المستثمرون الأجانب من المكسيك فحسب، بل فروا من الأسواق الناشئة بشكل عام، وأدت الأزمة إلى انتشار العدوى المالية في جميع أنحاء الأسواق المالية الأخرى في آسيا والأمريكيتين. وأصبح تأثير أزمة المكسيك في شيلي والبرازيل يُعرف باسم «تأثير التيكيلا». وأصبحت المكسيك الدولة التي عرَّفت فعليًّا مصطلح «أزمة ديون أمريكا اللاتينية».

تدخل الإنقاذ

 مع انخفاض قيمة البيزو من أربعة إلى أكثر من سبعة للدولار الواحد، كان من الممكن أن يكون هذا المستوى من تخفيض قيمة العملة، الذي أدى إلى تأثير التيكيلا في البلدان المجاورة، كارثيًّا، لكن الولايات المتحدة تدخلت بقرض ضخم، مما ساعد على وقف نزيف القيمة إلى حد ما.

فاستجابة للأزمة، طلب الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون، مساعدة الكونجرس لإنقاذ المكسيك. وفي 10 أبريل/نيسان 1995، أصدر الرئيس كلينتون قانون الإفصاح عن الديون المكسيكية، مما سمح للولايات المتحدة بتقديم حزمة إنقاذ بقيمة 50 مليار دولار للمكسيك، والمزيد من المساعدة المقدمة من صندوق النقد الدولي.

كان من المقرر أن تدار الحزمة من قبل صندوق النقد الدولي بدعم من بنك التسويات الدولية ومجموعة السبع، في المقابل، وكان على الحكومة المكسيكية تنفيذ بعض السياسات النقدية والمالية، وكذلك الحفاظ على التزامها بسياسات اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا). 

وكانت الحكومة المكسيكية – كشرط لخطة الإنقاذ الكبيرة – مطالبة بتنفيذ ضوابط سياسات مالية ونقدية معينة، كما كانوا حريصين على الحفاظ على التزاماتهم الحالية بسياسات عانت معها المكسيك من ركود حاد ونوبات من التضخم المفرط في السنوات التي أعقبت الأزمة، لتسجل مستويات مفرطة من الفقر لما تبقى من التسعينيات.

فرغم المساعدات المالية الضخمة التي تلقوها من الولايات المتحدة الأمريكية، شهد الاقتصاد المكسيكي ركودًا حادًّا نتيجة لانخفاض قيمة البيزو والهروب إلى استثمارات أكثر أمانًا، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 6.2% خلال عام 1995.

الدروس المستفادة

عندما تعاملت المكسيك مع تأثير التيكيلا باعتبارها أم كل المخلفات الاقتصادية قبل حوالي 20 عامًا، لم تكن البلاد مستعدة لمواجهة العواقب، ومع ذلك، نادرًا ما نجح بلد ما في التخلص من الانكماش المالي بالسرعة والفعالية كما فعلت المكسيك. 

على الرغم من أن المكسيك ما زالت تكافح اقتصاديًّا، إلا أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تضاعف ثلاث مرات تقريبًا منذ أدنى مستوى في عام 1995، ومؤشر التضخم بات تحت السيطرة، ونسبة الدين في البلاد إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 37%. 

في الفترة التي سبقت أزمة تيكيلا كانت المكسيك تصدر دينًا لمدة 28 يومًا، في الوقت الحاضر يبلغ متوسط ​​مدة مؤشر الدين بالعملة المحلية حوالي سبع سنوات، بعبارة أخرى، يحاول المصدرون تجنب الخطر الذي حل بالمكسيك في الماضي ليكون واحدًا من أهم الدروس المستفادة اقتصاديًّا بعد معاناة «تأثير التيكيلا».

جرى تشارك أخطاء المكسيك، والدروس التي تعلمتها، عبر اقتصادات الأسواق الناشئة، فاستُبدلت معظم أسعار الصرف الثابتة بأنظمة التعويم، وبات الدين بالعملة المحلية هو الجزء الأسرع نموًا في فئة أصول ديون الأسواق الناشئة، بما يمكن معه تجنب مخاطر الصرف الأجنبي. تميل شروط ديون المكسيك أيضًا إلى أن تكون أطول بكثير الآن، مع مزيد من الوقت للسداد.

كذلك جددت المكسيك مخزونها من العملات الاحتياطية، حيث نمت من مستوى منخفض بلغ حوالي 6 مليارات دولار في عام 1994 إلى حوالي 180 مليار دولار اليوم. هذه الاحتياطيات هي طريقة المكسيك لادخار «القرش الأبيض» لـ «اليوم الأسود».