سبعة مليارات من الدولارات، لا يمثل هذا الرقم ميزانية دولة صغيرة، ولا يمثل أيضاً حجم مكاسب بورصة «وول ستريت» في عام كامل، هذا الرقم هو ما حققه فيلم «Rouge one» في عام واحد بعد افتتاحه الضخم في ديسمبر 2016، هذا ما أعلنته ديزني التي أصبحت كيانًا عملاقًا ولم يعد «ميكي ماوس»، و«دونالد داك»، و«بلوتو» وجوهها الوحيدين في سوق الترفيه، ويرى المهتمون بصناعة السينما أن تلك فقط هي البداية.

لم تكن صدفة تلك التي جعلت شركة ديزني أكبر كيانات الإعلام الترفيهي في العالم، بل كانت سنوات من التخطيط الإستراتيجي الذي يعرف أين يجب أن تصل تلك المؤسسة وماذا تستحق من نجاح وكيف يمكن لها أن تحققه، فلم تقدم ديزني فنًا فقط، بل قدمت نموذجًا للنجاح في سوق الأعمال كأي شركة كبيرة تطمح للسيطرة على السوق الذي تعمل فيه.


شباك التذاكر يتحدث

في 2016 قامت شركة ديزني بإطلاق ثلاثة عشر فيلمًا تنوعت بين أفلام الأنيميشن وأفلام الأبطال الخارقين، فقد اهتمت ديزني بكل شرائح المشاهدين، فالأطفال بإمكانهم أن يجددوا ولاءهم للشركة بمشاهدة فيلم Finding Dory الذي انتظروه طويلاً بعد تعلق طال بـ«نيمو» وأبيه، ليأتي الفيلم الذي يبحثون فيه عن «دوري» كمفاجأة سارة للجميع، ثم فيلم Moana الذي يثبت أن ديزني لم تعد تقدم كارتونًا كلاسيكيًا للأميرات اللاتي يتنظرن فتيان الأحلام ليقوموا بحل كل شيء، وفيلم Zootobia الذي تصدر ترشيحات الجوائز الكبرى، وأيضًا فيلم مثل Captain America: Civil war الذي يثبت أن ديزني يهمها أن توسع قاعدة جمهورها لتكسب أرضًا جديدة مع كل فيلم.

حققت ديزني أرباحًا تقارب السبعة مليارات بأفلامها طوال العام لتنافس شركة يونيفرسال على قمة شباك التذاكر، ثم يأت فيلم Rouge one ليحسم القضية لصالح ديزني بفارق ضخم من الملايين لتحتل ديزني بسببه قمة قائمة شباك التذاكر.

كان 2016 عام التخطيط الدقيق والممنهج كي تسيطر ديزني على السوق، فلم يفلت أي مشاهد من قبضتها على اختلاف توجهاتهم وتفضيلاتهم في الأفلام التي يشاهدونها، فقد تضافرت كل قوى الشركة لتقدم أفضل ما لديها، فقد كان هناك فيلم لمارفيل وآخر لبيكسار وثالث للرسوم المتحركة التي امتازت بها ديزني في الأصل، وحتى محبي حروب النجوم أنتجت لهم ديزني فيلمًا كان هو الأنجح في العام، باختصار لم يكن هناك فرع في سوق الأفلام تخلفت عنه الشركة، بل اقتحمت كل الأسواق التي تمكنها من الوصول للجمهور، وقد توج شباك التذاكر كل هذا الجهد بالأرقام التي جعلت ديزني تتربع على القمة.


الأصعب من النجاح هو الحفاظ عليه

لم تكن صدفة تلك التي جعلت ديزني تتربع على عرش شباك التذاكر، بل ذكاءً في استخدام الموارد والمواهب وتدوير الأموال، وأيضًا جرأة في الاستثمار، وما يثبت ذلك أن 2017 تنتظر نجاحًا أكبر للشركة التي نجحت في السيطرة على سوق الأفلام في 2016، فالإعلان التشويقي لفيلم Beauty and the beast من بطولة إيما واطسون، هو الأكثر مشاهدة على الإطلاق على الإنترنت مما يعتبر مؤشرا على مقدار النجاح الذي سيحققه الفيلم عندما يعرض في السينمات، ليس هذا فقط بل إن ثاني أكثر إعلان مشاهدة هو إعلان فيلم Guardians of the galaxy والذي هو أيضًا من إنتاج ديزني مما يوضح أن تصميم ديزني على السيطرة على السوق تصميم حقيقي فقد حجزت الشركة المركزين الأولين لفيلميها مقدمًا قبل إطلاق الفيلمين من الأساس.

وتستمر ديزني في استثمار نجاحاتها المضمونة من قبل، فهذا العام سوف يشهد إطلاق جزء جديد من فيلم الأنيميشن Cars والذي يعتبر من أكثر الأفلام التي أنتجتها ديزني ربحية، مما يدل على أن الشركة تمتلك وجهة نظر بعيدة المدى ولا تنتج الأفلام لمجرد أن تكون موجودة في السوق فقط.

أيضًا ستنتج ديزني جزءًا جديدًا لفيلم Star wars الذي حقق نجاحًا كبيرًا في 2016 ويعتبر استمرار إنتاجه استثمارًا مضمونًا، أما الجزء الجديد لفيلم Wreck it Ralph هو دليل لا يدحض على أن شباك التذاكر هو ما يحدد للشركة الجوانب التي تستحق الاستثمار فيها، حيث إن الفيلم لاقى انتقادات عديدة ولكنه حقق مكسبًا كبيرًا في شباك التذاكر، فعندما تنتج ديزني جزءًا جديدًا له فهذا يبين كم أن الشركة تهتم أن تطور منتجها ليلاقي نجاحًا على كل المستويات.


الذكاء أولاً

في السنوات الأخيرة قررت ديزني أن تلعب اللعبة بذكاء، فالعالم يتطور ولا يمكن أن تظل الفكرة الكلاسيكية لأفلام الأنيميشن وأفلام تسلية الأطفال والمراهقين عمومًا، تناقش أفكارًا مكررة عن حواديت الجنيات والأميرات وقصص الحب الخيالية، بل بإمكانها أن تواكب تطور عقول الأطفال الذين لم يعودوا كذلك، فبدأت ديزني في تصدير قيم حقيقية.

على سبيل المثال بدأنا نرى شخصية «ميريدا» التي كانت تحارب نفسها في الأساس وتبحث عن معاني عميقة في عقلها عن الحب والخير، ثم فيلم «Frozen» الذي رسخ لفكرة أن الحب يمكن أن يحل كل شيء، وليس بالضرورة أن يكون حب فارس الأحلام، بل أختين بإمكانهما أن يحبا بعضهما للدرجة التي تجعلهما يتغلبان على اللعنة الشريرة.

كان ذلك ذكاءًا شديدًا من ديزني لتطوير مفهوم القصص الخيالية لتجعلها مواكبة للعصر، فالتمييز الجنسي على أساس أن الرجل هو الوحيد الذي بإمكانه أن يكون بطلاً لم يعد مبدأً مفروغًا منه في أفلام الأنيميشن الجديدة التي تنتجها الشركة، بل أصبحت الفتيات قوة فاعلة في صناعة القصة نفسها وبهذا أصبحت «ديزني» هي المفضلة لدى الجمهور في الوقت الذي ما زالت شركة بحجم «وارنر بروس» مثلاً تركز على إنتاج أفلام الأبطال الخارقين.

في كل الأحوال سواء سيطرت ديزني على سوق الأفلام في 2017 كما فعلتها في 2016 أو لم تسيطر، فستظل تلك المنافسة المحمومة بين شركات إنتاج الأفلام هي النافذة الوحيدة تقريبًا للعالم كي يحلم أحلامًا ملونة، يحلم بها الكبار جنبًا إلى جنب مع الصغار الذين يرون في ديزني ومنافسيها عالماً يستحق الانغماس فيه.