أطلقت شبكة نيتفلكس الأمريكية، يوم الجمعة 14 سبتمبر، فيلمًا جديدًا متاحًا للمشاهدة بعنوان «الملاك The Angel».

«الملاك» هو فيلم يدور في أجواء من التشويق حول القصة الحقيقية لأشرف مروان صهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، والرجل المقرب والمبعوث الشخصي للرئيس المصري محمد أنور السادات. يستلهم الفيلم أحداثه من كتاب الكاتب الإسرائيلي «يوري بار جوزيف» حول أن أشرف مروان كان عميلًا للموساد الإسرائيلي في الفترة التي سبقت حرب أكتوبر 1973.

انتظر الجمهور العربي الفيلم على أحر من الجمر وسط روايات متضاربة حول حقيقة أشرف مروان، في التقرير التالي نحلل معكم كيف شاهدنا «الملاك»، وكيف وصف صناع الفيلم الإسرائيليون حقيقة أشرف مروان.


الحكاية: عميل مزدوج أم رجل تلاعب بالجهتين

يبدو أن مخرج الفيلم «أريل فرومين»، وكاتبه «ديفيد أراتا» لم يعتمدا فقط على كتاب يوري بار جوزيف بعنوان «الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل»، لم يظهر مروان كما ظهر في الكتاب كعميل مخلص للموساد، ولكنه ظهر كرجل يتلاعب بمصر وإسرائيل رغبة منه في تحقيق حلم شخصي بالإضافة لما يمكننا اعتباره رغبة منه في تحقيق السلام.

المؤكد والمكرر بين الكتاب والفيلم هو أن أشرف مروان قد تواصل مع الموساد في البداية نتيجة رغبة شخصية منه في الانتقام من ناصر الذي لم يكن يحبه، ثم تحول فعليًا لعميل للموساد أثناء فترة السادات، كما أنه سلم للمخابرات الإسرائيلية أوراقًا هامة جدًا عن خطة الهجوم المصري في حرب أكتوبر، اضطلع عليها مباشرة بصفته حاضرًا في غرفة اجتماعات الحرب وكمدير لمكتب رئيس الجمهورية، كما أنه قد أخبر الإسرائيليين في يوم 5 أكتوبر بأن مصر ستشن حربها عليهم غدًا في يوم عيدهم، يوم كابور.

الجديد والذي يبدو متأثرًا ببعض الروايات الأخرى في مصر وإسرائيل هو ما يقدمه الفيلم كمبرر لما يفعله مروان، وخصوصًا في فترة ما قبل حرب 73، هنا نجد أن مروان في الحقيقة يتلاعب بالموساد من خلال إعطائهم إنذارات كاذبة لمرتين متتاليتين عن قيام مصر بشن حرب، حتى تنهك قوتهم على الحشد، كما أنه في المرة الثالثة أخبرهم باليوم الحقيقي، ولكنه أكد أن الهجوم المصري سيتم في السادسة مساء أثناء الغروب، بينما تم الهجوم المصري الحقيقي في الثانية ظهرًا.

هنا يبدو مروان كما يقدمه الفيلم واحدًا من الذين مارسوا ألعاب الحرب الإستراتيجية التي رغب السادات بتنفيذها ليقوم في النهاية بهجوم مفاجئ ضد إسرائيل.

يستند الكاتب الإسرائيلي ديفيد أراتا هنا في معالجته الدرامية على ولع أشرف مروان بقصة «الفتى الذي ادعى وجود ذئب» والتي كتبها عبد يوناني قديم يحمل اسم إيسوب، وتدور أحداثها كما يعرف الجميع عن فتى يحذر أهل قريته لمرتين بقدوم ذئب وتنطلي الخدعة على أهل القرية ولكن الذئب لا يأتي، وفي المرة الثالثة وحينما يكون الفتى صادقًا ويهجم الذئب بالفعل، لا يصدق أهل القرية الفتى لأنهم اعتادوا منه الكذب.

ينهي صناع الفيلم الأحداث ببكاء مروان أمام مشاهد إتمام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، والتي لم تكن لتحدث لولا الحرب، ولولا أشرف مروان الذي بحسب وجهة نظر صناع الفيلم هو من تلاعب بالمصريين والإسرائيليين ليدفعهما في النهاية إلى طاولة المفاوضات.

أشرف مروان خدع الإسرائيليين فيما يخص موعد الحرب الحقيقي وضمن لمصر هجومًا مفاجئًا، ولكنه على الجانب الآخر سرب خطط سعد الدين الشاذلي للموساد ومنع هزيمة ساحقة ومدوية كانت كفيلة بتهديد دولة إسرائيل، الرجل هنا في أحداث الفيلم كان يريد لإسرائيل أن تتأذى قليلًا ولكن لا تتدمر.

لا يمكننا أن نصف مروان هنا بعميل مزدوج، فهو على جانب كان يسرب معلومات للموساد ويتلقى منهم أموالًا، أما على الجانب الآخر فلم ينسق مع أحد على الجانب المصري ولم يخبر حتى رئيسه أنور السادات بأنه يتواصل مع المخابرات الإسرائيلية.

المريب للغاية في أحداث الفيلم أن مروان يخبر السادات بشكل مباشر عن ضرورة خداع إسرائيل لبدء الهجوم عليها ولكنهما يتفقان أيضًا أن الحرب لن تكون هدفها هزيمة ساحقة لإسرائيل، ولكن ضررًا يكفى لدفعهم لإتمام عملية السلام كما يضمن للسادات منصبه في مصر التي كانت تغلي طلبًا للحرب. لا يتطرق الفيلم لكيفية وفاة أشرف مروان الغامضة إثر سقوطه أو دفعه من شرفة منزله بمدينة لندن، ولكنه يوحي بأن الموساد كان يشك في كونه عميلًا مزدوجًا.

خلاصة القول، يصور الفيلم مروان كملاك السلام الذي خدع الجانبين ليجبرهما على قبول التصالح، هكذا برغبة شخصية وترتيب فردي دون تعليمات من أحد.


الفيلم: يفضل مشاهدته لمن لا يعرف أي شيء عن مصر

هذا فيلم ضعيف عن حكاية مثيرة للغاية، لا يقدم أريل فرومين نسخة جيدة توحي بمجهود كبير يوازي الاهتمام الذي ناله الفيلم قبل عرضه، الفيلم مليء بالأخطاء الساذجة على مستوى أبسط التفاصيل عن الواقع المصري.

اللهجة المصرية غير المتقنة أمر لا يمكن تجاهله هنا، وستكون سبب إزعاج كبير لأي مشاهد مصري، في بعض الأحيان تبدو قراءة الترجمة الإنجليزية أسهل وأقرب للمعنى من الكلمات المصرية غير المرتبة في حوار شخصيات الفيلم، وباستثناء كلمات ميساء عبد الهادي الفلسطينية والتي قامت بدور منى عبد الناصر زوجة أشرف مروان، تبدو لهجة كافة شخوص الفيلم المصريين أجنبية.

الأماكن تبدو غير مصرية على الإطلاق أيضًا، بدءًا من أزياء المواطنين في الشوارع، مرورًا بالزي العسكري للجنود والقادة، وصولًا للمشاهد الداخلية فيما يفترض أن يكون قصر الرئاسة المصري، والذي يظهر بشكل غريب للغاية ويتوسطه علم يحمل ألوانًا خاطئة مرة وصحيحة مرة أخرى.

على مستوى الأداء التمثيلي يقوم ببطولة الفيلم مجموعة من الممثلين الأجانب ذوي الأصول العربية، يتقدمهم مروان كنزاري الهولندي من أصل تونسي في دور أشرف مروان، يقابله ساسون جاباي الإسرائيلي من أصل عراقي في دور أنور السادات، ووليد زعيتر الأمريكي من أصل فلسطيني في دور جمال عبد الناصر، وسليمان دازي الفرنسي من أصل جزائري في دور سامي شرف. أما على الجانب الإسرائيلي فتبدو أبرز الشخصيات هي شخصية داني أو أليكس ضابط الموساد المسئول عن التواصل مع مروان والذي قام بدوره الممثل الإنجليزي توبي كيبيل.

تبدو معظم الاختيارات جيدة إذا ما اعتبرنا أننا نشاهد فيلمًا أجنبيًا، لكن إصرار صناع الفيلم على استخدام حوار مصري مبتور ومترجم ومبهم يدمر أي إمكانية لاندماج المشاهد العربي مع أحداث الفيلم، وفي الأغلب ستكمل الأحداث على مضض لتعرف نهاية القصة، فالقصة مشوقة باختلاف رواياتها.


نيتفلكس: التسويق قبل المنتج أحيانًا

نجحت نيتفلكس إذًا في جذب شريحة جديدة من المشاهدين بتحويلها السريع لحكاية أشرف مروان إلى فيلم، إلا أنها قد اهتمت فيما يبدو بالتسويق أكثر من اهتمامها بالمنتج، فشاهدنا في النهاية معالجة ضعيفة ومليئة بالأخطاء عن قصة جاسوسية مثيرة.

ويبدو بشكل مؤكد أن رؤية صناع الفيلم سطحية للغاية، ولا تتعدى معلوماتهم عن القضية، وعن الصراع العربي الإسرائيلي بوجه عام، معلومات أي طفل إسرائيلي لا يعرف إلا الحكاية الصهيونية النمطية التي يمكن تلخيصها بأن العرب محبون للعنف والحرب، أما أي أذى أو قتل يحدث من جانب إسرائيل فهو خطأ غير مقصود. يستلزم السلام إذن نوايا طيبة من إسرائيل ومبادرة من قلة من العاقلين الأذكياء العرب، الذين على الأغلب لا يستطيعون تحدث لهجة بلادهم بطريقة جيدة.