حظر الجماعة في المملكة المتحدة سيزيد احتمال تعرضها لهجمات إرهابية … هذا سيخلق مزيدا من المشاكل، أكثر مما توقعناه على الإطلاق، وليس لبريطانيا فحسب، وإنما لكل المنظمات الإسلامية التي تعتنق أيديولوجيات سلمية في أنحاء العالم

بهذه الكلمات تحدث القيادي الإخواني « إبراهيم منير » لصحيفة التايمز البريطانية حول موقف بريطانيا من جماعة الإخوان المسلمين، والضغوط التي أجبرت عليها بريطانيا لحظر الجماعة.وبخلاف بريطانيا تعد أوربا عامة ملجأ ومأوى الإخوان المسلمين، وفي نفس الوقت الناعت الأبرز لذلك التنظيم بكونه تنظيمًا إرهابيًا أو بالأدق منبع الإرهاب، بناءً على الربط بين البيئة الإسلامية التي خلقها الإخوان هناك وتمهيدها للجوء الشباب الأوربي للتنظيمات الإرهابية، ولكن بين هذا وذاك هناك العديد من المصالح المشتركة والدوافع التي ترمي بالطرفين إلى نقطة التقاء ربما تكون مؤقتة يحطيها الحذر ولكنها موجودة.


بداية علاقة الإخوان وأوربا:

بالخمسينات من القرن الماضي بدأت جماعة الإخوان المسلمين في التسلل للدول الغربية على يد الطلاب المسلمين العرب الوافدين للدول الأوربية، خاصة عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر وصدامه من الإخوان المسلمين الذي كان يهدف من خلال حل الجماعة إلى القضاء عليها نهائيا، ولكنه فشل جراء محورين أسياسيين: المحور السعودي ونظيره الأوربي الذي أعطى للجماعة فرصة للعودة وإعادة تشكيل نفسها.

بدأ ظهور الإسلاميين بأوربا بداية الخمسينات من القرن الماضي، وترسخ بذهاب «سعيد رمضان» صهر البنا إلى ألمانيا.

في الواقع لم يكن الموقف الناصري من الإخوان المسلمين هو السبب الأكثر تأثيرًا على تسللهم للدول الغربية حيث أنه بعد قرار الحل لم يكن هناك وجود واسع الانتشار للإخوان، ففي ألمانيا على سبيل المثال كان للمسلمين مسجدين فقط، ولكن السبب الأبرز هو الصراع الأوربي مع التمدد الشيوعي الذي دفع الدول الأوربية لفتح أبوابها أمام المهاجرين العرب المسلمين لاستخدامهم كسلاح لمحاربة الشيوعية في النصف الثاني من القرن الماضي.في إطار هذا الاستغلال عمد وزير الأقاليم الشرقية المحتلة في الرايخ «Gerhard von Mende» «جيرهارد فون مندي» على استعمال المسلمين الوافدين إلى أوربا في العمل الاستخباراتي بدافع أنه سيساعد في تحرير بلادهم من السوفيت، ولطمأنة المسلمين وكسب ثقتهم قام بإنشاء مسجد آخر للمسلمين في ألمانيا وتبعه إنشاء جمعية قانونية لأبناء الجالية الإسلامية في أوربا.من منطق استغلال الظروف ظهر على الساحة الألمانية في العام 1958 «سعيد رمضان» صهر «البنا» وعمل على السيطرة عى هذا المسجد المنشأ من قبل جيرهارد، وعمل على إقصاء رجاله من الجالية المسلمة ليمسك خيوط اللعبة في يده، مستغلا رئاسته لما عرف آنذاك بـ «لجنة إنشاء مسجد ميونيخ» للتجول في أوربا ونشر أفكار التنظيم. قبيل افتتاح مسجد ميونخ بشهور عقد الإسلاميون في مسرح لندن بالعام 1973 اجتماعًا لهم ضم قيادات إسلامية من بلدان مختلفة ليضعوا بذلك حجر الأساس لتجمع الإسلاميين بالغرب، بعد ذلك بأربع سنوات – 1977 – عقد الإخوان المسلمون اجتماعا بـ «منتجع لوغانو» في سويسرا وضعوا فيه أول حجر للمِّ الشمل الإخواني الذي فرقه عبد الناصر، في العام 1982 تحول اسم مسجد ميونخ إلى «المنظمة الإسلامية في ألمانيا» كقيادة دولية تتولى الإشراف على العديد من المساجد والمؤسسات الإسلامية في ألمانيا وأوربا.


التسعينات وبداية إنشاء الكيانات:

بماركفيلد في المملكة المتحدة بالعام 1989 تم إنشاء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا بهدف جمع الشتات الإخواني ولم الشمل الإسلامي في أوربا والذي جمع تحت لوائه العديد من المنظمات والاتحادات الفاعلة والتي تجمعها علاقة وطيدة بالإخوان المسلمين وعلى رأسها:اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية: في منطقة مورثاي موزال بالعام 1983 أنشئ اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية الذي يعد أكبر المنظمات الإسلامية بفرنسا، على يد كلٍّ من العراقي « محمود زهير» والتونسي «عبد الله بن منصور»، كتنظيم سري، إلا أنه ظهر للنشاط العلني بالعام 1989 جراء فتح قضية الخمار بفرنسا.عمل هذا الاتحاد على محاولة طرح منهج إسلامي واحد في فرنسا، وكرسّ الاهتمام بقضايا المسلمين هناك، ونشر تعاليم الإسلام واللغة العربية للمسلمين بإقامة المؤتمرات وفتح المدارس الإسلامية، كما عمل على إزالة تهمة الإرهاب عن الإسلام ونبذ العمليات الإرهابية تحت ستار الدين، وتبني لواء الممثل للإسلام والمسلمين بفرنسا.الجمعية الإسلامية السويدية: أنشئت بالعام 1980 بـ « استكهولم» بهدف نشر الثقافة الإسلامية ودمج المسلمين في الهوية السويدية الأم، وتلبية مطالب المسلمين في السويد، وحقهم في الحياة وفقًا لمعتقداتهم وبيئتهم الثقافية ونبذ التمييز ضدهم، كما عملت على نيل منصب الممثل الرسمي للمسلمين في السويد.الاتحاد الإسلامي في إيطاليا: أنشئ في العام 1990، اهتم هذا الاتحاد بقضايا تمس المسلمين عقائديا في علاقتهم بالدولة الإيطالية، وكان من أبرز مطالبه السماح للمرأة المسلمة أن توضع صورتها بالحجاب على بطاقات الهوية، وكذلك السماح بإنشاء مساجد ومقابر وإقامة الشعائر الإسلامية بإيطاليا، إعطاء ترخيص للعمال المسلمين بالخروج من العمل لأداء الصلاة في أوقتها وجعل يوم الجمعة أجازة رسمية للمسلمين، وكذلك إعطاء المسلمين أجازات في الأعياد الدينية، وتدريس الدين الإسلامي للمسلمين في المدارس الإيطالية.وغيرهم من المنظمات الإسلامية الناشطة في البلدان الأوروبية مثل الجمعية الإسلامية في ألمانيا ورابطة مسلمي بلجيكا ورابطة مسلمي سويسرا و الرابطة الإسلامية في بريطانيا.


حاجة أوروبا للإخوان:

على الرغم من موقف الأوربييون من الإخوان والذي يشير بصورة مباشرة إلى اتخاذهم موقفًا سلبيًا تجاه الجماعة، سواء الحظر أو نعتهم بالإرهاب، إلا أن الدول الأوربية فعليا في حاجة لتنظيم الإخوان المسلمين والفروع التابعة له بكافة نواحي أوربا.فالنتائج المترتبة على حظر الجماعة وفروعها بأوربا ووصمهم بالإرهاب ربما يكون دافعًا كبيرًا نحو انخراط العديد من الشباب الأوربيين من الأصول العربية والإسلامية إلى التنظيمات المتطرفة، من ناحية أخرى يعد الوزن السياسي لتنظيم الإخوان داخل البلدان العربية دافعًا نحو التقاء المصالح الأوربية بتلك الدول مع الإخوان خاصة مع عدم وجود تيار مدني ديمقراطي فعّال متناغم مع السياسات الأوروبية، ومن ثم يعد الإخوان بديلا للأنظمة العربية في العرف الأوربي.إلى جانب هذا لا يمثل وضع الإخوان المسلمين في أوربا خطرًا على تلك الدول حيث أن غالبية أنشتطهم مراقبة وبالتنسيق مع حكومات مثل هذه الدول، والموقف الأوربي السلبي المتخذ ضد الإخوان في غالبيته موقف متخذ جراء ضغوط عربية مثلما حدث في الضغط الإماراتي على بريطانيا.


هل يؤثر خروج بريطانيا على الإخوان؟

هناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي تدفع أوربا للإبقاء على علاقات حسنة مع الإخوان

ما بين جدل تاريخي بوصف بريطانيا المنشئ للإخوان المسلمين والممول لها، والتقرير البريطاني بشأن الجماعة والحديث عن الضغوط التي تعرضت لها بريطانيا لإخراجه خاصة من الإمارات، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، تفتح مرة أخرى صفحة العلاقات البريطانية الإخوانية ومستقبلها.ومن بين الدول الأوربية تعد بريطانيا المكان الأكثر أمنًا للإخوان المسلمين حيث العلاقة التاريخية بالجماعة منذ عهد مؤسسها البنا، وكذلك تأسيس الهلباوي للرابطة الإسلامية ببريطانيا بالعام 1997، إلى جانب هذا فالمزايا التي يقدمها القانون البريطاني للاجئين تدفع الإخوان نحوها.كذلك الموقف البريطاني في العام 2014 والرافض لاعتبار الإخوان تنظيمًا إرهابيًا، وكذلك الموقف المرن الذي اتخذته الحكومة البريطانية في تقريرها الصادر في ديسمبر من العام 2015 الذي يعدُّ تقريرًا دبلوماسيًا مرضيًا لجميع الأطراف؛ فمن ناحية لم يشِر إلى أن الإخوان جماعة إرهابية، ومن ناحية أخرى اعتبر بعض أقسامها وأطرافها متسمين بالتطرف والإرهاب، مراضيا بذلك الإخوان والدول العربية وعلى رأسها الإمارات.خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بالاستفاء نتيجة 51.9% من الممكن أن يصب في مصلحة الإخوان المسلمين، فكافة المؤشرات تفيد بأن خروج بريطانيا يترتب عليه تقارب من واشنطن، والموقف الأمريكي من الجماعة بمزجه مع الموقف البريطاني المرن من شأنه الحديث عن احتمالية تقارب إخواني بريطاني أمريكي.عاملا آخر يساعد على تغذية هذا الاحتمال بالتقارب وهو احتمالية فوز «هيلاري كلينتون» بالرئاسة الأمريكية خاصة في ظل موقفها الداعم للجماعة فترة الربيع العربي وما بعدها.

المراجع
  1. هيثم مزاحم، واقع “الإخوان المسلمين” في أوروبا، مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط
  2. …، أوروبا.. ملجأ الإخوان المسلمين الخلّص، ميدل أيست أونلاين
  3. …، الإخوان والأوروبي: لقاء الشريعة والآيديولوجية، ميدل أيست أونلاين
  4. …، الإخوان في أوروبا.. براءة من الإرهاب واتهام بالتطرف، DW
  5. …، مراجعة بريطانية: الانتماء للإخوان مؤشر محتمل على التطرف، DW
  6. …,، غزو الإخوان المسلمين لأوروبا، منتدى الشرق الأوسط
  7. طارق دحروج، الإخوان فى أوروبا بين الكثافة المؤسسية وفشل المشروع الفكرى، الأهرام
  8. …، الإخوان المسلمون في السويد (الإعتراف بإسرائيل.. والتناغم مع الحكومة)، بوابة الحركات الإسلامية
  9. …، الإخوان المسلمون في إيطاليا.. التشرذم وغياب التمثيل الرسمي والقانوني، بوابة الحركات الإسلامية
  10. …، الإخوان المسلمون في فرنسا.. "اتحاد المنظمات" ذراع الجماعة الدعوي، بوابة الحركات الإسلامية