قارب خط النهاية أن يلوح في أفق الماراثون الرمضاني السنوي٬ الشهر قارب على الانتهاء وبالتبعية مسلسلاته٬ لم تكن المنافسة محتدمة هذا العام وحظيت الكثير من المسلسلات بنقد قاسٍ من المتابعين٬ لم ينجُ من الانتقاد سوى قلة من المسلسلات على رأسها المسلسل الذي سوف نتعرض له اليوم.


الرحلة مع باسل خياط

بعد مسلسله مع آسر ياسين في العام الماضي والذي لعب فيه باسل خياط دورًا مركبًا ينتمي للدراما النفسية٬ مما جعله – في الأغلب – يختار أن يلعب هذا العام دورًا ينتمي لنفس الفئة٬ فقدم هذا العام شخصية أسامة في مسلسل «الرحلة» الذي نحن بصدد تناوله اليوم.

المسلسل يبدو مكتوبًا خصيصًا من أجل أن يشبع باسل خياط رغبته في لعب الأدوار المختلفة والصعبة والتي تلعب في منطقة النفس٬ حتى تتر المسلسل بعد كل حلقة يؤكد أن هذا المسلسل يخص باسل خياط دون سواه خاصة بعد جملة «وتستمر الرحلة مع باسل خياط».

ورغم أن المسلسل يبدو ملكًا له إلا أنه لم يطله الاستسهال الذي تتسم به المسلسلات التي تكتب لنجوم بعينهم٬ فالحبكة والخطوط المتوازية والقصص الأخرى التي تدور حول القصة الأساسية للبطل كلها مكتوبة بحرفية شديدة دون أي إجحاف أو تجاهل لأي منها لحساب البطل.

اقرأ أيضًا: انطباعات أولية في الدراما الرمضانية: التمثيل

أيضًا لم يقع صناع العمل في خطأ تنجيم البطل وحده٬ وبالتالي تسكين الأدوار لممثلين عاديين لا يلفتون الانتباه حتى يستأثر البطل صاحب العمل بالشاشة وحده٬ بل كان اختيار الممثلين موفقًا جدًا وثريًا.

فريهام عبد الغفور التي عرفت مؤخرًا ببراعتها قد أثبتت براعة جديدة في دور «رانيا»٬ وحنان مطاوع التي يمكنك الآن أن تراهن على المسلسل لمجرد وجود اسمها ضمن أبطاله قدمت تمثيلاً أكثر من بارع في دور كريمة٬ وحتى الأدوار الثانوية الصغيرة كدور صلاح فتى البنسيون كان موفقًا جدًا٬ وهذا يحسب للعمل بلا شك ولباسل خياط نفسه الذي لم يقع في حفرة النجم الأوحد حتى لو كان المسلسل مكتوبًا من أجله هو في الأساس.


الوحوش اللي بره دول

أسامة بطل المسلسل المختل الذي يحاول الحفاظ على زوجته وابنته من العالم الخارجي بأكثر الطرق تطرفًا وعنفًا وغرابة٬ يظل يردد لها الجملة التي أصبحت الأشهر في رمضان «أنا كنت بحميكي من الناس اللي بره دول .. الوحوش اللي بره دول..اللي بره دول»٬ وتتوالى الأحداث التي يحاول فيها أسامة إثبات أن العالم سيئ وتحاول فيها رانيا زوجته الهروب بابنتها والخروج لهذا العالم.

يتقاطع طريق رانيا مع العديد من شخصيات المسلسل الأخرى٬ والذين هم أيضًا يعيشون قصصهم الخاصة والمكونة دائمًا من طرفين أيضًا٬ كريمة وأختها كرمة٬ وآدم وزوجته سارة٬ وسارة وأختها جميلة٬ كل قصة منهم خط درامي منفصل.

المثير للانتباه في مسلسل الرحلة والمثير للإعجاب أيضًا هو أن المسلسل يقدم لك تصرف أسامة المتطرف جدًا٬ ثم يقدم لك قصصًا كل أطرافها يمارسون ما يمارسه أسامة بالضبط ولكن على مستويات مختلفة تتعاطف أنت معها وتتفق مع أحدها وتختلف مع الأخرى٬ ولكن يظل كل شيء يحتمل النقاش والأخذ والرد.

أنت ترى بعض تصرفات الأبطال خاطئة وبعضها يمكن أن تتقبله وبعضها الآخر صحيح تمامًا وتتبناه وترى أنه يتوافق مع وجهة نظرك وكيف كان يمكن أن تتصرف أنت لو كنت في نفس الموقف٬ ترى كل التصرفات التي يتصرفونها عادية ومقبولة إلا تصرف أسامة رغم أنه نفس تصرفهم إذا جردنا المفاهيم وسميناها بمسمياتها. ورغم ذلك أنت ترى أسامة مجنونًا وترى الآخرين عقلاء عاديين، تصرفاتهم حتى ولو كانت خاطئة إلا أنها مقبولة اجتماعيًا لمجرد أنهم ليسوا عصابيين ولا يكررون الكلام ولا يرددون جملة الوحوش اللي بره دول.


الحياة مكررة.. نحن من ننسى

كان د. أحمد خالد توفيق يجعل بطله الأشهر رفعت إسماعيل يقول دائمًا إنه سئم تكرار كل شيء من حوله٬ كان يضع على لسانه دائمًا جملة التاريخ يكرر نفسه والناس كلهم ينسون٬ هذه بالضبط هي فكرة مسلسل الرحلة.

كل الأحداث في هذه الحياة مكررة٬ ليس فيها جديد على الإطلاق٬ وتصرفات الناس حيال حيواتهم وحيال الآخرين تتشابه٬ مهما اختلفت تيمة الحياة فإن التعاطي معها واحد٬ فتجد كريمة تخبر أختها أنها كانت تحميها من الصدمة٬ وتجد سارة تبرر لأختها أنها كانت تحميها من الفضيحة٬ وكرمة تخبر صديقتها أنها كانت تحميها من كسرة القلب٬ وأسامة يحمي أسرته من «الناس اللي بره دول٬ الوحوش اللي بره دول».

المسلسل يعرض ذلك بطريقة ذكية جدًا٬ هو لا يقارن بين أي من القصص ولا يقدم لك الفكرة مجردة بل يلعبها بذكاء شديد وحرفية عالية ربما لا تلتقط معها تشابهات الحياة وتقاطعاتها وتظل ترى أسامة مجنونًا والبقية عقلاء، رغم أن كل التصرفات تتشابه إلا أنك لا تستطيع أن ترى ذلك بوضوح إلا إذا استعرت عقل أسامة قليلاً ورأيت باقي الأحداث من خلال عينيه، سوف ترى أنه حتى وإذا كان هو وحشًا فالبقية لا يختلفون كثيرًا، وكأن قدر ابن آدم أن يكون وحشًا وأن يعيش وسط أقرانه من الوحوش اللي بره دول.


جمهور ذكي وفنانون أغبياء

يتنافس هذا العام العديد من النجوم الذين يقدمون دراما متنوعة بين الاجتماعي الخفيف والرومانسي والتراچيديا ودراما الحركة التي أصبح لها مكان يتسع باضطراد مؤخرًا.

يصر النجوم على التمسك بالتيمة التي تلاقي رواجًا ويستسهلون في كل التفاصيل مراهنين على حب الجمهور لتيمة بعينها٬ فتجد أخطاء مهولة وشيئًا من الاستعجال والكثير من السخرية من كل هذا على السوشيال ميديا.

اقرأ أيضًا: «الراكور» في دراما رمضان: حمى البحث عن أخطاء التصوير

أما مسلسل الرحلة فقد اهتم بكل التفاصيل تقريبًا؛ بدءًا من اختيار الممثلين٬ والحبكة المترابطة٬ والتصاعد الدرامي المنسق والمبرر٬ والرتم المتزن الذي يجعل كل حلقة يحدث فيها شيء مهم وينهيها في انتظار حدث آخر٬ والاهتمام بأماكن التصوير والديكورات٬ حتى التصوير واللون البرتقالي الغالب على معظم المشاهد والذي يشعرك بالتوتر والاختناق٬ كل هذا يجعل المسلسل ضمن أعلى مسلسلات الموسم من حيث الصناعة.

أما بالنسبة لآراء الجمهور٬ فقد أعطاهم أداء باسل خياط المبالغ في رسم الشخصية مبررًا لمتابعة المسلسل في بداياته حتى ولو من باب التندر على هذا الأداء٬ خاصة بعد انتشار الإعلان الدعائي الذي يردد فيه الوحوش اللي بره دول٬ ثم مع تصاعد الأحداث يسحبك المسلسل تمامًا لتتابع الأحداث لتعرف كيف سيتمكن الأبطال من حل مشاكلهم، فالجمهور ذكي جدًا يعرف كيف يفرق بين العمل الجيد الذي استغرق جهدًا حقيقيًا من صانعيه، وبين العمل الذي يٌقدم لهم دون طهو جيد وبالكثير من الاستعجال والكروتة.

المسلسل من أفضل المسلسلات التي قدمت هذا العام٬ المشكلة الوحيدة أن بطله باسل خياط يحتاج للخروج من مربع الدراما النفسية كي لا يحبس نفسه في نوع واحد يستنزفه سريعًا فيبدأ في السقوط.