إنّ العلّة المعندة على محاولات العلاج، والتي أصابت البنى السياسيّة والعسكريّة الأوليّة، هي ضعف التنظيم وغياب الهيكليّة، وما ينجم عن ذلك من الفوضى والتنازع، والانقسام والتشظّي والتصارع، والعجز الإداري وانتشار الفساد، وتفشي الاختراق والنفوذ والتدخل الخارجي، وتقنيع المشاريع المخموجة والخبيثة، والحسم من مستوى الشعبية والمقبولية. بالمحصلة نحن نتحدّث عن الفشل الداخلي والقابلية للاقتتال، والضعف الخارجي والقابلية للاستتباع، والأخطر فقدان الشرعية والمشروعية حال الانتقال أو التحول أو الثورة، وإن ذلك يجري على النتائج والمحصلات الكلية، وليس حال النظر إلى جماعة أو بنية واحدة تظن بسلامة نفسها وصوابيّتها، المؤقتة، على جزء من الأرض. سيحاول قادة عسكريون مرارًا هيكلة الجيش الحر أو تنظيم بناه «المجالس»، ولا ينجحون، كما أنّ تلك الفصائل التي لا تتسمى بالجيش الحر، الإسلامية اسمًا أو صفةً أو خلّةً، أو المتديّن نسبة كبيرة من كوادرها؛ ستحاول لاحقًا وفي مسار آخر الانتظام «الجبهات»، ولا تنجح.

نحن ومنذ البداية حيال مسارين، وهذا عامل منزف للشرعية والفاعلية، وضمن المسارين ثمة عوامل متماثلة، وبين المسارين ثمة تنافس وتنازع، وتعاون وتنسيق. وستصير الأمور إلى تحالفات هشة غير متجانسة مناطقية موضوعية ظرفية، محفزها ضرورة التنسيق العسكريّ ضد العدو القوي العاتي، أو أحلاف وائتلافات هشة كثيرة، واندماجات تامة قليلة ومحصورة الأثر، تحدث بين البنى الأكثر تجانسًا، أو الآخذة بتبيئة خطاباتها ومسالكها لتتجانس، أو إنشاء بنى بسيطة إداريّة خدمية وقضائية للمناطق الخارجة عن سلطة النظام القديم. لكنْ حتى تحرير هذا المقال لم نصل إلى جسد أو واجهة سياسية عسكرية واحدة، أو بنى معقدة نوعًا ما؛ ما يرسي الشرعية البنيوية، رغم أن المحاولات والادعاءات وافرة.


(17)

بإعلانه انشقاقه وتشكيله حركة الضبّاط الأحرار، سجّل المقدم حسين الهرموش سابقةً تاريخية، وحتى لو افترضنا أن هذه الخطوة لم تكن بالكامل سياسية الدافع والهدف، وإنما كتعبير عن موقف أخلاقي ليس مستغربًا في سياق ما بينته، ومع حقيقة أنه كما أسلفتُ لا يعبر عن تمرد معتبر داخل الجيش، بل عن حالة تقشر ونزيف، فإن هذه الحركة تبقى سياسية المضمون على نحوٍ بارز، فالانشقاق يأتي بعد ما يزيد عن أربعة عقود من إحكام الأسد قبضته الحديدية على الجيش وإرهابه للمجتمع السوري. الهرموش لم يهرب أو يغادر، لقد أعلن وبين وأسس ونفذ، المقدم الهرموش، المولود في قرية أبلين 1972 بمنطقة جبل الزاوية في محافظة إدلبالسورية، قال: «أنا المقدم حسين الهرموش من ملاك الفرقة 11، أعلن انشاقي عن الجيش وانضمامي إلى شباب سوريا مع عدد من عناصر الجيش(…)، ومهمتنا حماية المتظاهرين العزّل المطالبين بالحرية والديمقراطية، تتلخص أسباب انشقاقنا بما يلي: القتل الجماعي للمدنيين العزل، وتوريط ضباط وصف ضباط الجيش العربي السوري بمداهمة المدن والقرى الامنة، (…)، وقتل الاطفال والنساء والشيوخ والمقابر والمجازر الجماعية، وخاصة مجزرة جسر الشغور 4/6/2011، (…)، سوريا باقية وبشار راحل، سوريا حرّة وستبقى حرة»، فيديو صوت وصورة بثّ 9 يونيو/حزيران 2011، وتبعته عدّة بيانات، ثم الإعلان عن تشكيل حركة الضباط الأحرار بتاريخ 24 من الشهر ذاته، وباسمها، ومقابلات على الهواء للمقدم الهرموش مع قنوات فضائية معروفة.

جرت عدة محاولات لهيكلة وإعادة هيكلة لحركة المقاومة، على شكل تأسيس مجالس عسكرية، دون أنْ تؤثر على انتظام الفصائل والمجموعات على الأرض.

على امتداد السنوات الماضية جرت عدة محاولات هيكلة وإعادة هيكلة لحركة المقاومة، وهذه المحاولات تجري على شكل تأسيس مجالس عسكرية، دون أن تؤثر على انتظام الفصائل والمجموعات على الأرض، إلا على هيئة تحالفات اسمية، جبهات. كما أنها تتأثر بشدة بسياسات الدعم والتدخل، وبتنافس القيادات البعيدة عن العمل الميداني ــــــــــ أو التي في الخارج ــــــــــ على التصدر.

بعد انشقاق العقيد رياض الأسعد لم يكن له «ليعمل تحت إمرة الهرموش الأدنى رتبةً»، أعلن من تركيا في 29 يوليو/تموز 2011 عن تشكيلالجيش السوري الحر والذي نظر له كتشكيل يتجاوز بوصفه التنظيمي حركة الضباط الأحرار. ومع استمرار الانشقاقات وتوسع حركة التسلح على الأرض، وشعور القيادات في الخارج وفي الداخل بضعف سيطرتها على الحركات المسلحة، وفي أجواء التنافس والتعجل للظهور؛ بسبب توهم قرب سقوط النظام، ظهرت الحاجة لتشكيل إطار تنظيميّ يمارس قدرًا أكبر من الضبط، ويواكب جريان الأحداث السياسية العسكرية السريع ويحاول تجاوز فوضى القيادة والخطاب؛ فكان المجلس العسكري المؤقت بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، والذي وصف في بيانه التأسيس بأنه مجلسٌ عسكري «في» الجيش الحر. ويُلاحظ من أعضائه قيامه على تراتبية عسكرية وغياب «للمتسلحين» من المدنيين، وتم تحديد أهدافه مرة أخرى بحماية الحركة الثورية السلمية، وقيل إنّ دوره سينتهي فور انتخاب حكومة ديمقراطية للجمهورية، وقدر الأسعد تعداده وقتئذ بخمسة عشر ألفًا.

تقريبًا للأسباب ذاتها، تم الإعلان لاحقًا عن تشكيلالمجلس العسكري الثوري الأعلى للجيش السوري الحر؛ إذ شكل انشقاق العميد الركن مصطفى الشيخ بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2011 اختبارًا لمدى تماسك المجلس السابق، ومدى احترامه للقواعد العسكرية بوصف التراتبية هي سلطة منفصلة عن الشخصيات والأشخاص، وفي واقع الأمر لم يعترف الأسعد بالمجلس الجديد، ولم ينضم الشيخ إلى المجلس القديم، وصدر عن الأسعد قوله بأن الشيخ لا يمثل إلا نفسه وهو لا ينتمي إلى الجيش الحر، كما نظر لتشكيل الشيخ بأنه قليل العدد وبأنه اسميّ فقط، فاقد للقدرات التنظيمية والإدارية.

سعت شخصيات لدى الرجلين للوصول إلى اتفاق؛ «استجابةً للتحديات والتآمر» الداخلي والخارجي على الثورة، وفي 23 فبراير/شباط 2012 أُعلن عنمجلس عسكري أعلى يقوده الشيخ، وتحته خمس جبهات وهي: حمص وريفها، حماة وريفها، إدلب وريفها، ريف دمشق، دير الزور وريفها. ومرة أخرى الهيكلية عسكرية تمامًا، لا فيها مسلحون مدنيون، ولا فيها مدنيون غير مسلحين.

في هذه الفترة ظهر خلافٌ متوقع، وانتشر على وسائل الإعلام، بين «الداخل» و «الخارج» العسكري، وذلك حيال مبادرة كوفي عنان. حيث صرح قاسم سعد الدين الناطق الرسمي باسم القيادة العسكرية للجيش الحر في الداخل بأن الذي يقود العمليات على الأرض هو المخول باتخاذ القرارات، وكان قرار الداخل الرفض.

ثم أُعلن عنالقيادة العسكرية المشتركة للثورة السورية، يوليو/تموز 2012، ثم الجيش الوطني السوري، بعد مفاوضات جرت بتاريخ 28 و 29 أغسطس/آب 2012، بعد مبادرة الرتبة العسكرية الأعلى المنشقة المتمثلة في شخص اللواء محمد حسين الحاج علي. بعد ذلك بفترة قصيرة أعلن عن القيادة المشتركة للمجالس العسكرية، والذي دعم بوضوح من المجلس الوطني السوري وهو الهيئة المعارضة الأوسع وقتئذ والتي تشكلت بهدف قيادة الحركة الثورية، أو تمثيلها، كما أعلنت شخصيات عديدة مباركتها للقيادة، منهم الشيخ الصياصنة. وخلال هذه الفترة حدث تنسيق معتبر واصطفاف جيد، بشكل مواز ومتناغم مع صعود الحركات الإسلامية أو ذات الصبغة المتدينة؛ ما أدى مع توسع حركة الانشقاق والتسلح إلى تمدد وتوسع على الأرض.

لقد كان غياب الحركات ذات الطابع المتديّن، والإسلاميّة، عن القيادة المشتركة، وغياب شخصيات عسكرية منشقة مهمة خطأً فادحًا سوف يؤسس لاستمرار انشقاقات المجالس وتشققاتها، لا سيّما والقيادة حظيت بدعم سياسي. وكما أسلفت فإن الحركات المتدينة والإسلامية كانت تسير بخط موازٍ ليس بالضرورة تصادمي، لكنه يؤسس للتصادم اللاحق. يومها أعلن الرائد النعيمي بأن 80 % من الحركة المسلحة على الأرض تتبع القيادة، إلا أني أشكك بهذه النسبة، وبطبيعة التبعية.

في أنطاليا التركية ديسمبر/كانون الأول 2012 جرى الإعلان عن المظلة العسكرية الأوسع ـــــــــــــ نظريًّا ـــــــــــــــــــ؛وهي مجلس القيادة العسكرية العليا المشتركة، 261 ممثلًا عن قوى الثورة والمقاومة المسلّحة «الناشطة فعليًا» على الأرض تحت صفة «هيئة القوى الثورية»، و«انتخب» عنهم 30 شخصًا بمعدل ستة أشخاص عن كل جبهة من الجبهات القتالية الخمس)؛ الشمالية، الساحلية، الوسطى، الجنوبية، الشرقية)، وكان من بين هؤلاء 22 ضابطًا و 29 مدنيًا من المقاومة المسلحة، و«انتخب» العميد سليم إدريس رئيسًا لهيئة الأركان في الجيش السوري الحر. وجدير بالذكر أن هذه القيادة تشكلت بعد الإعلان عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بشهر تقريبًا، وأنها لم تستوعب الحركات الإسلامية ولا جميع متدينة الطابع. حيث كانت جبهة تحرير سوريا المعلن عنها سبتمبر/أيلول 2012 تمثل مظلة لبعض هذه الحركات، كما أنّ الجبهة الإسلامية السورية الأولى تشكلت بعد الإعلان عن مجلس القيادة هذا، وذلك بتاريخ 21/12/2012، وضمت كتائب أحرار الشام وآخرين.

استمرت الأمور على هذا النحو، بين مجلس ينحل ومجلس يتشكل، وانفصال بين خطين متدين وإسلامي وآخر ثوري، وبين انفصال نسبي معتبر وخطير بين قيادات في الداخل وقيادات في الخارج، وبين الجبهات، وبين العمل السياسي والعمل العسكري. ومن آخر تلك المحاولات كانت مبادرةمجلس قيادة الثورة، وهو ميثاق يهدف لتنظيم العمل الثوري مع تلازم المسارات السياسية والعسكرية والمدنية، ووقع عليها 90 فصيلًا صغيرًا وكبيرًا، وانتخب القاضي قيس الشيخ رئيسًا له، ودعي إلى توسيع المجلس ولتفويضه ليشمل الجبهات الشمالية والجنوبية والوسطى، فكان إعلان المبادرة و تلاوة الميثاق، وعقد مؤتمر صحفي لإعلان قيام المجلس. وقد ظلّ دور هذا المجلس ضعيفًا فعليًا ورمزيًا، لا سيما بعد تفكك فصائل مسلحة موقعة عليه. وكان أبرز نشاط له هو اجتماع الريحانية والذي عمل فيه مع هيئة الأركان المحلولة من قبل الائتلاف السوري المعارض، عمل على إعادة هيكلة مجلس القيادة العسكريّة في يوليو/تموز 2015، وتم الإعلان ثانيةً أو ثالثةً عن مجلس قيادة عسكرية عليا للجيش الحر في أواخر يوليو/تموز 2015، مجلس الثلاثين، والذي قال عن نفسه أنه بعيد عن الائتلاف. ومرة أخرى رفضته فصائل مسلحة بدورها مثل أحرار الشام وجيش الاسلام وحركة الزنكي رغم أن بعضها ممثل في -أو موقع على- ميثاق مجلس قيادة الثورة، كما رفضه الائتلاف السوري المعارض بدوره. ويعكس ذلك طبيعة التجاذبات غير الهاجعة والانقسامات العميقة بين الفصائل المسلحة من جهة، وبين مكونات المعارضة من جهة أخرى، وبين الجهتين.

كان لا بد من العرض السابق لمناسبة السياق، ويمكن التوسع فيه من خلال مراجعة أبحاث منشورة عن تسلسل قيام هذه التشكيلات، متضمنة توثيق البيانات وعرض الهيكليات والأسماء.


(18)

لقد كان غياب الحركات ذات الطابع المتدين، والإسلامية، عن القيادة المشتركة، وغياب شخصيات عسكرية منشقة مهمة خطأً فادحًا سوف يؤسس لاستمرار انشقاقات المجالس.

ويمكن من خلال ما سبق، ومن استعراض تصريحات الناطقين الرسميين والمتحدثين باسم تلك التشكيلات والفصائل، ومما كان ولا زال يتداول في النقاشات حول العمل العسكري؛ اختصار عوامل التشرذم فيما يلي:

1. طبيعة نشأة المقاومة المسلحة، متعدد البؤر زمانًا ومكانًا.2. طبيعة الشرعية الصاعدة من القواعد، وصفة المقاتل الفرد المتمثلة في نزعته إلى التمرد المطلق، وذلك من بعد الثورة، ومن بعد حرب الإبادة أكثر.3. افتقار القادمين الجدد عمومًا، والعسكريين خصوصًا؛ إلى المعرفة النظرية والخبرة العملية لإدارة الشأن العام سياسيًّا.4. ظهور التمايزات الجهوية والفئوية والإثنية، ومما غذاها نجاح النظام في تقطيع أوصال البلد، ومناطق الثورة.5. تمادي الخلافات الفكرية والنظرية والسياسية فيما يتعلق بالثورة والمقاومة، والعنف واللاعنف، والمدني والعسكري، والديني والعلماني. وكان هذا يتضافر مع ذلك السابق على نحوٍ أغلبه مفتعل وتوظيفي.6. استقرار القيادة العسكرية والسياسية في دول الجوار، وإنْ كان ذلك بداية نتيجة لسيطرة النظام على كامل الأراضي ولاحقًا قدرته على استهداف أيّ بنى ناشئة، واضطرار الشخصيات المعروفة للبحث عن ملجأ آمن، إلا أنّه أسس لشقاق لا يستهان به بين داخل وخارج.7. افتراق بين المقاومة التي أساسها العسكريون المنشقّون، والتي أساسها المتسلحون من الثوار، حيث مُثلت الأولى على نحوٍ شبه حصري في جلّ المجالس المتتالية، وهنا بصرف النظر عن الإسلامي والمتدين، وهذا تضافر مع فرز داخل وخارج، ومع نظرة متشككة إلى القادمين من صفوف النظام والجيش تحديدًا.8. ليس قليلًا بالمرة اختراق النظام للثورة، وللعملين السياسي والعسكري. هذا إضافة لنجاحه في إبادة شروط العمل السياسي قبل الثورة وبعدها، وإبادة ظروف إعادة أي مؤسسات في مناطق الثورة عبر التدمير الممنهج لكلّ المرافق، بما فيها مشافٍ ومستوصفات، وحتى مشافي الأطفال والحواضن لم تسلم منه.مثّل التدخل الخارجي عاملًا خطيرًا، وهو المستفيد أولًا من طبيعة الحروب الحديثة وحاجتها للتسليح والتذخير والتمويل المهول والذي لا تنهض به مجتمعات وجماعات فقيرة حال انتفاضتها وثورتها ونوء مقاومتها، وثانيًا من طبيعة الصراعات والتحيّزات والانشقاقات في المشرق العربيّ عمومًا، وفي سوريا خصوصًا، قبل الثورة وخلالها، وثالثًا من ضعف الخبرة السياسية والعسكرية لدى القادمين والفاعلين الجدد. ويمكن ضرب عشرات الأمثلة الموثقة، وعن نشوء محور أردني، ومحور سعودي، ومحور قطري –تركي، ومحور أمريكي –غربي، ومؤخرًا محور روسي، وأعني محورًا روسيًّا يخترق، أو يحاول اختراق مناهضي الأسد، وليس فقط يدعم الأسد. وكانت هذه التدخلات تضر بالحركة المسلحة بطرق شتّى، قصدًا وعرضًا، وأبرز هذه الطرق هو الدفع المتكرر باتجاه تأسيس تشكيلات جديدة تتوافق مع مزاج هذا الطرف أو ذاك، ومن ثمّ تجاوز هذه التشكيلات عبر دعم مباشر لقادة على الأرض تظهر فاعليتهم منفصلة عن القيادة الاسمية، وذلك كله على خلفية الفرز الذاتي والفرز الغيري، المفتعل غالبًا والحقيقي نادرًا، بين إسلامي ومتدين وعلماني، وأعني هنا على الأرض من المقاتلين، وفي ضوء ما يعرض من شروط سياسية تتعلق بشكل الدولة وطبيعة علاقتها مع الأطراف الداخلية ــــــــ الأقليات والمرأة ــــــــــــــــــــ، والأطراف الخارجية ـــــــــــــــــــــ إسرائيل والغرب ــــــــــــــــــــ؛ وهي شروط تفرض على الفاعلين، من ساسة وعسكر، بالتفصيل في الغرف المغلقة وعلى نحو مجحف وابتزازي، ولا تفرض لقاء عدم الدعم أو تقليله فقط، بل لقاء الحصار والعزل، الكلي للثورة والمقاومة، أو الجزئي عبر حصار وعزل هذا القائد أو ذاك التشكيل، أو هذه العمليّة وتلك الجبهة.يبقى العامل الذاتي الأخطر والأبرز في تفرّق وتشقق الحراك المسلح الثوري والمقاوم، والذي فصلت فيه في المقالات السابقة؛ هو ظهور الإسلاميين، لا كتغاير سياسي فكري داخل الثورة، بل ظهورهم كمرجعية منافسة لمرجعية الثورة، تسعى إلى تقويضها أو إلغائها أو استتباعها أو توظيفها. وهنا الحديث ليس عن الحركات والجماعات والأفراد المتدينين، أو الذين طابعهم إسلاميّ عمومًا، وإنما عن الحركات والفصائل الإسلامية الجهادية والأقرب إليها. وإنْ كانت تلك المتدينة والإسلامية الطابع لعبت دورًا «سالبًا» لا يستهان به في الشقاق النظري العملي، وذلك بسبب جملة معقدة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، والمتأثرة أساسًا بما يسمّى في أوساط الحراك المسلح بحالة المزاودة «الجهادوية»، المزاودة كتظاهر لآفة لتنافس على الموارد والمصادر، البشرية والمالية، وهي الحاجة التي كانت تفرضها حرب قاسية وطويلة.