بعد ما يقارب الثلاث سنوات من انهيار نظام القذافي فى ليبيا، وبعد العديد من الصراعات المناطقية المحدودة نسبياً، لأول مرة تقف ليبيا أمام تحدى الحرب الأهلية الشاملة، فى ظل تحلل الدولة الليبية و أجهزتها و انتشار السلاح وسيطرة المليشيات المسلحة على المشهد الليبيى، وإن كان الوضع العام فى ليبيا ليس كما يصوره الإعلام على أنه صراع بين الإسلاميين والجيش الليبي، أو بين المليشيات و الدولة، أو حتى صراع بين الثوار و الأزلام (فلول)، لكن فى الحقيقة هذه مجرد أنصاف حقائق لطبيعة الصراع الدائر، فهناك صراعات متعددة تحدث فى نفس الوقت بين كافة اللاعبين على مستويات متعددة؛ فهناك صراع حقيقي بين الكتل السياسة الإسلامية والغير الإسلامية، وكذلك صراع بين بقايا نظام القذافي (الأزلام) والثوار، وأيضاً صراعات قبلية ومناطقية، وما يزيد الأمر تعقيداً هو التداخل بين تلك الصراعات.

وقد تبلورت تلك الصراعات مؤخراً في كتلتين متصارعتين كتلة حفتر وحلفاءه في مواجهة مصراتة وحلفاءها، تضم العديد من التحالفات المحلية و الإقليمية، بعض منها تحالفات بين فرقاء سياسيين، مما يزيد من هشاشة الوضع ويجعل ليبيا علي المحك من تفجر صراعات في المستقبل بين حلفاء اليوم.

كيف بدأت الأزمة السياسية ؟

تبلورت الصراعات مؤخراً في كتلتين متصارعتين كتلة حفتر وحلفاءه في مواجهة مصراتة وحلفاءها

الأزمة السياسية بدأت فى البلاد بعد انتخاب أعضاء المؤتمر الوطنى العام والصراع الذى حدث منذ الأيام الأولى له بين أقوى كتلتين سياسيتين فى البلاد وهى جماعة الإخوان المسلمين وتحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل، وقد تخرّج جبريل من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة وقد عاش لفترة ليست بالقصيرة في مصر ولديه علاقة وطيدة برجالات النظام المصري، وقد واجه المؤتمر الوطنى العام بالإضافة إلى ذلك المشاكل التى تواجه عملية التحول الديمقراطي من أزمات مثل:

1- عدم وجود دولة مؤسسات فى عهد القذافي مع وجود جهاز بيروقراطى مترهل وضعيف.

2- عدم وجود أى شكل من أشكال الحياة السياسية خلال عهد القذافي وقلة الخبرة السياسية.

3- عدم امتلاك رؤية لإدارة المرحلة الانتقالية.

4- حدوث تنافس وتناحر بين أعضاء المؤتمر الوطنى والكتل السياسية.

5- عدم قدرة المؤتمر الوطنى على السيطرة على المليشيات وفشل محاولات إنشاء جيش وطنى ودمج المليشيات ونزع السلاح.

6- انعدام الأمن واستمرار عمليات التفجيرات والاغتيالات.

7- زيادة معدلات الفساد بشكل كبير.

8- عدم إحساس المواطن الليبي بالتغيير ودخول المؤتمر الوطنى فى نزاعات ثانوية.

9- أزمة تجديد المؤتمر الوطنى لنفسه بعد انتهاء المدة المحددة له وفقاً للإعلان الدستوى وما صاحبها من فوضى سياسية وعدم التمكن من كتابة الدستور فى موعده كما حدد الإعلان الدستورى.

الأزمة وأطرافها

الأزمة السياسية بدأت فى البلاد بعد انتخاب أعضاء المؤتمر الوطنى العام والصراع الذى حدث منذ الأيام الأولى له بين أقوى كتلتين سياسيتين فى البلاد

قام اللواء المتقاعد خليفة حفتر يوم الجمعة 16 مايو بمحاولة انقلابية جديدة – بعد محاولته الأولي فى شهر مارس 2014 – بعمل انقلاب وصف بالتلفزيونى فى حينها لم يلقي أى صدى يذكر ساعتها، لكن حفتر عاد الكرة مرة أخرى بشكل أكثر جدية بعد ما شنت قواتهه الهجوم على معسكرات كتائب راف الله السحاتى و 17 فبراير أحد أكبر الكتائب فى بنغازى، و إعلان حفتر إطلاق عملية الكرامة لتطهير ليبيا من الإرهابيين – على حد وصفه – و إعلان عدم شرعية الحكومة و المؤتمر الوطنى العام، وقد أدت عملية حفتر لحالة من حالات الاستقطاب الهائل بين القوى السياسية الليبية لتزيد من الاحتقان المسيطر على الشارع الليبي، مما أدي إلي قيام مصراتة بالرد بعملية فجر ليبيا، و طرد حلفاء حفتر قوات الزنتان (القعقاع ) من العاصمة طرابلس، والدخول في مواجهة مفتوح مع حفتر. هذه هى البداية، وكى نفهم ما يحدث علينا أولا رسم خطوط عريضة لطرفى الصراع وأهم حلفائهما.

أولاً: حفتر وحلفاؤه

حفتر هو عسكرى ليبي سابق شارك فى حرب أكتوبر 1973 وحصل على نجمة سيناء، وقد قاد القوات الليبية خلال الحرب الليبية التشادية فى الثمانينات وحقق انتصارا سريعا فى بداية الحرب انتهى بهزيمة أدت لوقوعه فى أسر دولة تشاد، وبعد تخلى القذافي عنه تدخلت مصر للواسطة عنه مع حكومة تشاد، وخرج بعدها إلى المنفي فى الولايات المتحدة، وقد عاد إلى ليبيا فى عام 2011 بعد اندلاع الثورة الليبية.

تتشكل بالأساس قوات حفتر من عسكريين سابقين من بقايا جيش القذافي وقد انضمت إليه مليشيات مختلفة تعمل تحت إمرته، ويصف حفتر قواته بأنها هى الجيش الليبي الوطنى، وإن كان هذا غير صحيح، فبالرغم من أنها تضم عسكريين سابقين، لكنها لا تتعدى كونها ميليشا خاصة مثلها مثل غيرها من المليشيات على الساحة الليبية، وإن كانت منظبطة بشكل جيد، نظراً لوجود قيادات عسكرية فى صفوفها. ونظراً لانقسام قيادة أركان الجيش الليبي التي تم تشكيلها من قبل المؤتمر الوطني.

البرلمان الليبي المنتخب حديثاً أصبح تحت سيطرة حفتر، و منحه بعض الشرعية بسلاحه، حتي أن البرلمان انتقل إلي مدينة طبرق التي تقع تحت سيطرته. وقد نجح حفتر في السيطرة هو وحلفاؤه على أغلب المنطقة الشرقية من ليبيا، بعد أن كانت هناك بعض المناطق في مدينة بنغازي و ماحولها خارج سيطرة حفتر، وكذلك مدينة درنة معقل الجهاديين.

أبرز حلفاء حفتر

1-البرلمان

أدت عملية حفتر لحالة من حالات الاستقطاب الهائل بين القوى السياسية الليبية لتزيد من الاحتقان المسيطر على الشارع الليبي

تشكل البرلمان بعد الانقلاب الذي قام به حفتر وحدثت الانتخابات في شهر يونيو 2014 في ظل أقتتال أهلي يضرب البلاد، و أسفرت الانتخابات عن هزيمة الإسلاميين، و انتقل البرلمان إلي طبرق. رفض الإسلاميون حضور جلسات البرلمان في طبرق نظراً لأن الإعلان الدستوري ينص علي انعقاد جلسات البرلمان في العاصمة طرابلس، وقد تذرع خصوم الإخوان بأن نقل البرلمان إلي طبرق نظراً للوضع الأمني السئ في طرابلس، وهو ما اعتبره الإسلاميون محاولة للإيقاع بهم، نظراً لأن مدينة طبرق هي مقر إقامة وسيطرة حفتر.

2- لواء الصواعق والقعقاع (الزنتان)

جاء تأسيس “الصواعق” و”القعقاع “على يد وزير الدفاع السابق أسامة أجويلي في يناير 2012، حيث أسس رئيس أركان الجيش الوطني آنذاك يوسف المنقوش لواء “الوسطى” التابع لمدينة مصراتة – إلى الشرق من طرابلس – وقوامه 14 ألف مسلح أغلبهم من الثوار المحسوبين على التيار الإسلامي، وقد كانت تشكيل اللواء ردة فعل لإحداث توازن مع مدينة مصراتة. وقد دخلت هذه القوات في مواجهات مفتوحة مع مصراتة أدت لهزيمتها وخسارة السيطرة علي العاصمة طرابلس وبعض المناطق في الغرب الليبي.

3-الفيدراليون

يتزعم الفيدراليين قائد جيش برقة الجضران (قوات حرس المنشآت النفطية) الذى يطالب بأن تكون برقة إقليم فيدرالي، وقد قامت قواته بالسيطرة على حقول النفط و موانىء التصدير لإجبار المؤتمر الوطنى على قبول الفيدرالية، وقد انضمت قوات تابعة له من مدينة المرج فى نواحى الجبل الإخضر إلى قوات حفتر التى شنت هجوم على كتائب مدينة بنغازى يوم 16 مايو.ودخلت قوات الفيدراليين في اشتابكات مؤخراً مع قوات فجر ليبيا في الهلال النفطي من أجل السيطرة علي ميناء السدرة.(هناك حادثتين أحدهما لحاملة كورية لكن طاقمهما مصري، والأخري يونانية تم قصفها عن قرب و أعترف خفر السواحل اليوناني بإصابة السفينة)

4-تحالف القوى الوطنية (محمود جبريل)

تحالف أنشأه محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذى السابق للمجلس الانتقالى أثناء الثورة (رئيس الوزراء)، ويضم التحالف 58حزباً ولانستطيع القول أنهم أحزاب ليبرالية نظراً لأن بعض منها أحزاب غير مؤدلجة أو هى أحزاب موجودة كجزء من التحالف من أجل محمود جبريل، أو أحزاب تؤمن بالقيم الليبرالية وإن كانت على الطراز الليبي.

وقد أعلن محمود جبريل عن دعمه لانقلاب حفتر على الرغم من أنه يملك أكبر كتلة نيابية فى المؤتمر الوطنى العام، وإذا كان المؤتمر الوطنى العام يتم لومه على أداءه فكتلة جبريل تتحمل الجزء الأكبر من هذا الإخفاق.

5-القبائل

أعلنت قبائل ورشفانة و ترهونة والزنتان و ورافلة وكذلك مدينة زيلتين فى الغرب الليبي دعمها الكامل لحفتر ومساندته، ومن المعروف أن تلك القبائل قد قامت بدعم القذافي خلال الثورة، وبعد مقتله قامت بعدة انتفاضات دعماً لأنصار القذافي. وكذلك عدد من قبائل المنطقة الشرقية أعلنت تأييدها لحفتر مثل العبيدات والبراعصة والعواقير والحاسة.

جزء من خريطة التحالفات في ليبيا في الوقت الراهن هي تحالفات بين أطراف متصارعة بالأساس، وأى تحالف حالى هو تحالف مؤقت على المستوي التكتيكي

6- الأجهزة الأمنية الليبية

أعلنت قوات الصاعقة الليبية و قوات الدفاع الجوى انضمامها لحفتر وقواته.

ثانياً : مصراتة وحلفاؤها

يضم هذا المعسكر طيف متنوع من القوة مثل المؤتمر الوطنى العام والحكومة الانتقالية والكتائب المسلحة الإسلامية المعتدلة، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين ومدن جبل نفوسة خاصة المناطقة الأمازيغية بالإضافة إلى مدينة مصراتة ،وما تمتلكه من قدرة عسكرية ضخمة.

1- مصراتة

وهى أكثر الكتائب انضباطاً وتنسيقاً فى المنطقة الغربية نظراً لوجود عناصر عسكرية بها لها حنكة سياسية مثل رئيس مجلس عسكرى مصراته سالم جحا (قوات درع ليبيا (المنطقة الوسطى) هي قوات مصراتة بالاساس) بالإضافة إلى طبيعة تكوين تلك الكتائب على يد تجار مصراته الأثرياء الذين مولوا شراء السلاح لتلك الكتائب، مما جعلها خاضعة لمجلس أعيان مصراته، ويقدر عدد المنتسبين للمجلس العسكرى لمصراته ب 35 الف فى مدينة عدد سكانها 300 ألف نسمة!

كما يحسب لكتائب مدينة مصراتة امتلاكها -فضلا عن الأسلحة الخفيفة- دبابات يتراوح عددها بين كتيبتي دبابات (26 دبابة)، ولواء دبابات (39 دبابة)، لكن عسكريين يرون أن المدرعات من اختصاص الجيوش النظامية، ومن ثم فإنها تحسب ضمن قوة الجيش الليبي.

وقد نجحت قوات مصراتة في السيطرة علي أغلب المنطقة الغربية وهزيمة قوات الزنتان وطردها من العاصمة طرابلس وهزيمة تحالف القبائل في المنطقة الغربية بزعامة قبيلة ورشفانة، وتسعي مصراتة للسيطرة علي الحقول النفطية في الهلال النفطي.

2-غرفة ثوار ليبيا

وتمثل بالأساس غرفة ثوار ليبيا التى تضم فى عضويتها كتائب كلا من “راف الله السحاتى” و”17 فبراير” و “عمر المختار ” و “شهداء ليبيا الحرة ” و “أنصار الشريعة” ، هذ الكتائب الخمس من الكتائب الكبرى التى لعبت دورا رئيسيا فى هزيمة قوات القذافي و تحرير المنطقة الشرقية وتحقيق النصر على جبهة سرت آخر المعارك الرسمية ضد قوات القذافي، و تتسم بأنها كتائب محسوبة علي الإسلاميين، وقد نجحت في هزيمة قوات حفتر في بداية الصراع لكن قوات حفتر نجحت في هزيمة قوات غرفة الثوار والسيطرة علي أغلب أحياء بنغازي فيما بعد و القتال مازال مستمرا بين الجانبين.

3-جماعة الإخوان المسلمين

حزب العدالة والبناء هو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وأنشئ على نسق جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهو الحليف السياسي الرئيس لمصراتة.

4-ثوار جبل نفوسة

بعض من مدن جبل نفوسة أعلنت تحالفها مع مصراتة في مواجهة أقوي قبائل الزنتان مثل مدن “ككلة” و “نالوت”

5-قبائل الجنوب الليبي

نجحت مصراتة بالدخول في تحالف قبائل أولاد سليمان القوية في الجنوب الليبي و كذلك تحالفت مع “الطوارق” لمواجهة “التبو” حلفاء قبيلة الزنتان، ونجحوا في السيطرة علي أغلب حقول النفط والغاز في المنطقة، وقد حدث صدام بين قوات درع ليبيا التي تضم مصراتة و التبو بعد أن اجتاحوا بعض المناطق في الجنوب الليبي من أجل السيطرة علي حقول النفط وبعض النقاط الحدودية وتمت هزيمتهم.

6- مدن الساحل وطرابلس

مدن الساحل الغربي مثل “تاجوراء” و “زورة” و “العجيلات” بالإضافة إلي بعض أحياء طرابلس الكبري مثل “سوق الجمعة” تؤيد مصراتة، ولعبت دور حيوي في سيطرة قوات مصراتة علي العاصمة طرابلس.

تحالفات هشة

مصراتة والزنتان أكبر قوتين عسكريتين في المنطقة الغربية وكل طرف منهم يسعي للانفراد بالسيطرة علي الغرب الليبي وخاصة العاصمة الليبية طرابلس

عند إمعان النظر إلي خريطة التحالفات في ليبيا في الوقت الراهن نجد أن جزءا منها هي تحالفات بين أطراف متصارعة بالأساس، و أن أى تحالف حالى هو تحالف مؤقت على المستوي التكتيكي.

فعند النظر إلي تحالف حفتر نجد أن أبرز حلفائه هم الفيدراليون الذين يسعون لتحقيق نظام فيدرالى مستقل في المنطقة الشرقية (برقة) من أجل ضمان السيطرة علي حقول النفط و إيرادتها الضخمة، وهذا ما يعترض مع طموحات حفتر الهادفة لخلق دولة مركزية تسيطر علي كافة حقول النفط، وهو ما يهدد بتفجر الصراع في المستقبل بين الجانبين في حال نجح حفتر في فرض سيطرته علي أغلب البلاد.

التحالف القائم بين الفيدراليون وحفتر قائم علي أساس وقتي بهدف القضاء علي خصم مشترك وهو : الإسلاميون وعلي رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك مواجهة قوات مصراتة القوية التي لايستطيع أي طرف منهم مواجهتها منفرداً، بالإضافة إلي احتياج حفتر للبترول التي يسيطر عليه الفيدراليون، لكن إذا انتهت الأزمة الراهنة بنصر حفتر سيكون في وضع يفرض عليه – كما ذكرنا – الحرب مع الفيدراليين أو محاولة احتوائهم و الرضوخ لبعض مطالبهم وتدجنيهم.

علي صعيد آخر نجد أن تحالف مصراتة مع تاجوراء و مليشيات طرابلس هو أيضاً تحالف بين أضاد نظراً لرفض تاجوراء و أحياء طرابلس سيطرة مصراتة علي العاصمة الليبية والتحكم بها، وقد حدثت أشتابكات منذ أكثر من عام بين مصراتة و تاجوراء أدت إلي مقتل جنود من الجانبين فيما تعرف بحادثة “عرور”.

لماذا وصل الصراع إلى هذا الحد ؟

اعتقد البعض أنه من المستغرب دخول الزنتان ومصراتة في صراع طاحن لكونهم في الماضي رفقاء في السلاح في مواجهة القذافي، لكن هناك الكثير من التعقيدات بين الجانبين تحمل في طياتها أسباب للصراع أكثر من مجرد الحفاظ علي علاقات ودية بينهما.

فمصراتة والزنتان أكبر قوتين عسكريتين في المنطقة الغربية وكل طرف منهم يسعي للانفراد بالسيطرة علي الغرب الليبي وخاصة العاصمة الليبية طرابلس، و قد نجحت الزنتان في السيطرة علي بعض مرافق طرابلس الاستراتجية لفترة طويلة وعلي ر أسها مطار طرابلس الدولي، ونجحت الزنتان أيضا في التأثير علي القرار السياسي في العاصمة نتيجة لتواجدها هناك بالاضافة إلي تحالفها مع خصوم سياسيين لمصراتة وهم تحالف القوي السياسية برئاسة محمود جبريل، وكذلك تحالفت الزنتان مع قبائل معادية لمصراتة مثل قبيلة ورفلة و و رشفانة، و أخيرا أيدت الزنتان انقلاب حفتر فزادت الأمور تعقيدا خاصة أن مصراتة تمتلك علاقات قوية مع جماعة الإخوان المسلمين وهو ما تعتبره الزنتان عدو لها. كل تلك العوامل دفعت للصدام بين الجانبين و الذى انتهي حتي الآن بهزيمة الزنتان أمام مصراتة و انحسار قواتها في محيطها بجبل نفوسة فقط.

ليبيا والحرب الأقليمية الباردة

ليبيا ليست بعيدة عن الحرب الإقليمية الدائرة إثر ثورات الربيع العربيى بقيادة السعودية و الإمارات والموجهة لحركات الإسلام السياسي

ليبيا ليست بعيدة عن الحرب الإقليمية الدائرة إثر ثورات الربيع العربيى بقيادة السعودية و الإمارات والموجهة لحركات الإسلام السياسي، والتى وصلت ذرزتها بالإطاحة بحركة الإخوان المسلمين بمصر و ماتابعها من أحداث، وأثبتت الحرب الدائرة فى ليبيا الآن بصمة بعض القوى الإقليمية فى دعم القوى المتحاربة على الارض، مثل الدعم والتغطية الإعلامية التى حظى بها حفتر من محور مصر الإمارات السعودية، والهجوم الذى تعرض له الإسلاميون على يد نفس الدول، وفى المقابل هناك استهجان لحفتر من جانب قطر وتركيا، وفى الفترة الأخيرة ازداد الحديث حول توقع عملية عسكرية تقوم بها مصر والجزائر فى ليبيا، وإن كانت القاهرة والجزائر قد قامتا رسميا بنفي نية أى تدخل عسكري. (تخوف الجزائر من التدخل تخوف حقيقى إذ سيكشف ظهرها لتونس وقت التدخل، ومن ثم فاختلافها أو تباينها برؤيتها عن مصر في أنها تفضل تسوية أو مصالحة لإنهاء الصراع على قاعدة: لا غالب ولا مغلوب، بينما تنظر القاهرة للأزمة من واقع أن ليبيا تمثل عمق استراتيجي لعدوها بمصر: الإخوان )

ويبدو أن قطر ستتخلي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا ودعم مصراتة بسبب التسوية التي توصلت لها مع باقي دول الخليج مؤخرا، والتي تقضي بعدم قيام الدوحة بدعم جماعة الإخوان المسلمين في الخارج بشكل واضح.

وعلي صعيد آخر ترغب القاهرة في تثبيت نظام حفتر علي رأس السلطة و التخلص من الإخوان المسلمين، وتشعر بالقلق من وجود الجماعة فى السلطة ببلد تشاركه فى حدود يبلغ طولها 1200 كم وتعمها الفوضى، وقد عبرت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة عن دعمها لحفتر وكذلك استقبلت القاهرة رئىس الوزراء المؤقت عبدالله الثني و أعلنت القاهرة عن دعمها لبرلمان طبرق واللواء حفتر.

دولياً آعلنت روسيا تأييدها لعملية الكرامة التي يقودها حفتر في مواجهة الإسلاميين وهو ما يُعتبر خطا ثابتا للسياسة الخارجية الروسية في المنطقة، أما موقف القوي الغربية فهو يتسم بالغموض حيث يبدو أن الدول الغربية ليس متفقة فيما بينها، ففرنسا تبدي تشددا أكثر من غيرها تجاه الإسلاميين، فى حين أن بريطانيا تلقي باللوم على كل الأطراف، وكذلك موقف الولايات المتحدة التي تريد أن تستمر في مواجهة الجاعات المتطرفة في ليبيا وفي نفس الوقت عدم معادة الإسلاميين المعتدلين.

مستقبل غامض

من الصعب التنبؤ بمستقبل ليبيا في ظل الفوضي العارمة التي تجتاح البلاد في الوقت الراهن، فيبدو أن هناك حالة من حالات التوازن العسكري بين طرفي الصراع فحفتر ميزته النسبية هو سيطرته علي سلاح الجو في حين لديه نقص في القوات البرية، في المقابل مصراتة لديها قوة برية ضخمة ومحترفة لكن لاتمتلك قوة جوية وهو ما خلق حالة من حالات التوازن بين الطرفين، لكن قد ينقلب التوازن إذا تدخلت القوي الإقليمية أو الدولية لدعم طرف علي حساب آخر، ومن الصعب حدوث تدخل دولي بقوات برية على الأرض نتيجة تعقيد الوضع ميدانياً، وكلفة هذا التدخل عسركيا وسياسيا.

إقرأ المزيد :

كيف نفهم ما يحدث في ليبيا (2) : قصة التنظيمات المسلحة في ليبياكيف نفهم ما يحدث في ليبيا (3) : كيف ظهرت داعش في ليبيا ؟