منذ عشرين عاما قضى المصريون رمضان أثناء شتاء شهري يناير وفبراير، كان أذان المغرب بصوت الشيخ «مصطفى إسماعيل» يطرب آذانهم بين الرابعة و الخامسة، كانت بيوتهم أقل ازدحاما وكانت لياليهم تحمل بعض البرودة الناعمة. في تلك الأثناء كان جيل التسعينيات في مرحلة الطفولة يشهد نهاية عصر التليفزيون المصري وبداية عصر الفضائيات، كما يشهد نهاية حقبة كاملة من الطقوس الرمضانية. بالطبع لم نكن ندرك ذلك حينها ولكننا اليوم ننظر إلى الماضي ونتذكر ما مضى ونذكر كيف كان رمضان، وعلى سبيل التحديد في عام 1996، أي منذ عشرين عاما مكتملة من رمضاننا الحالي، رمضان 2016.


لن أعيش في جلباب أبي: حكاية عبد الغفور وفاطمة الخالدة

لم يكن رمضان مزدحمًا بعشرات الأعمال الدرامية كما هو الحال اليوم، ولذا كان ببساطة هذا المسلسل هو صاحب الحضور الأهم لأنه صاحب التوقيت الأهم، إنه مسلسل المساء على القناة الأولى. مرّ عشرون عامًا على مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» ولكن حتى اليوم لا يزال جيل 2016 يستخدم صور أبطاله بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لوصف حالة أو التعبير عن شعور ما، وفي أغلب الأحيان على سبيل السخرية.

في الأصل لم يكن الحاج «عبد الغفور البرعي» رمزًا كوميديًا ولم تكن «فاطنه» رمزًا للحزن والاكتئاب المزمن، كان الحبيبان رمزًا للكفاح وصعود عامل في ورشة خردة وبائعة كشري، إلى أعلى السلم الاجتماعي في مصر. كما كان المسلسل تعبيرًا عن صراع جيل الأبناء والآباء. القصة كانت عن رواية للكاتب الكبير «إحسان عبد القدوس» والسيناريو والحوار لمصطفى محرم والإخراج لأحمد توفيق. كما يتذكر الجميع كان العمل من بطولة الراحل نور الشريف والمتألقة صاحبة الأدوار المتناقضة عبلة كامل، ضم العمل إلى جانبهم الفنان القدير عبد الرحمن أبو زهرة والشباب حينها محمد رياض وحنان ترك، أيضًا كانت ولا زالت موسيقى العمل مميزة جدًا ومألوفة لكل من شاهد المسلسل، ولا عجب في هذا فقد ألفها الراحل حسن أبو السعود. عُرض المسلسل لأول مرة عام 1996 وتمت إعادة عرضه بعدها عشرات المرات حتى اليوم.


آخر فزورة في حقبة «نيللي» و«شريهان»

منذ منتصف السبعينات فرضت الجميلتان نيللي وشريهان سيطرة تامة على بطولة فوزاير رمضان، تلك الفوزاير التي ارتبطت باسميهما حتى اليوم، انتهى هذا الحلم الجميل في رمضان 96 ببطولة نيللي لآخر فوازير في تلك السلسلة والتي حملت عنوان «زى انهارده ».

كانت الفوزاير ملمحًا مصريًا بامتياز لرمضان، شارك في صناعته عشرات من المبدعين المصريين بدءًا من المخرج المبدع فهمي عبد الحميد مرورًا بالكتاب المبدعين لينين الرملي وصلاح جاهين وعبد السلام أمين ونهايةً بملحنين مصريين كبار أمثال عمار الشريعي وعمر خورشيد وسيد مكاوي ومحمد الموجي. حاول الكثيرون تكرار تلك السلسلة ومحاكاتها ولكن لم يصل أحد وحتى اليوم إلى منزلة تقترب ولو قليلا من منزلة نيللي وشريهان. حتى أنه يمكننا ببساطة أن نصرح بأن فن الفوازير قد انقرض من بعدهما.


نصف ربيع الآخر: «السقا» و«منى» و«حنان» لأول مرة

كان «نصف ربيع الآخر» لقاءً خاصًا من نوعه في ذلك الوقت حيث جمع في بطولته اثنين من أبطال الشباك في التسعينات هما «يحيى الفخراني» و «إلهام شاهين»، من ناحية أخرى كان العمل أحد النقاط المضيئة والتحولات المهمة في مسيرة الفخراني الذي استمر منذ هذا العمل وحتى اليوم في اختيار أدواره التي يطل بها على جمهوره في رمضان بعناية بالغة جعلته أحد أهم صانعي الدراما الرمضانية.

كتب المسلسل السيناريست الكبير محمد جلال عبد القوي وأخرجه يحيى العلمي ودارت أحداثه في إطار رومانسي حيث يقع المحامي الشهير «ربيع الحسيني» في حب «ناهد الوكيل» وفي نفس الوقت لا يزال مرتبطَا بزوجته «سناء الأنصاري»،بين صراع الحب الجديد والحب القديم، روح المغامرة وروح الانتماء للأسرة. حمل المسلسل روحًا شبابية حيث استمرت مسيرة «حنان ترك» في التوهج من خلاله، كما ظهر «أحمد السقا» في أحد الأدوار الكبيرة، وظهرت أخيرًا كوجه جديد لأول مرة «منى زكي». كتب الموسيقى التصويرية للمسلسل الموسيقار الكبير الراحل «عمار الشريعي» ولا تزال هذه الموسيقى من أكثر أعماله شعبيي حتى اليوم. عُرض المسلسل لأول مرة في رمضان 96 ومن الطبيعي جدًا أن تجد أن حلقاته يُعاد بثها تقريبا كل عام.


من الذي لا يحب فاطمة: عندما كان أحمد عبد العزيز فتى الشاشة الأول

في منتصف التسعينات كان «أحمد عبد العزيز» وبلا منازع فتى الشاشة الأول ومحبوب الجماهير، وبالطبع كان هذا العمل واحدًا من أهم الأعمال التي أصلت لتلك الصورة. مسلسل «من الذي لا يحب فاطمة» عن قصة للأديب «أنيس منصور» ومن إخراج «أحمد صقر» وتدور أحداثه حول «صبري» الشاب المصري الذي ترفض أسرة حبيبته زواجه منها فيتزوج إحدى قريباته ثم يقرر السفر للنمسا ليقع في مأزق تلو الآخر إلى أن يقابل فتاة نمساوية تُدعى «مارجريت» فتساعده ثم تعتنق الإسلام وتغير اسمها إلى «فاطمة» وتتوالى أحداث المسلسل بعد ذلك في سياق رومانسي تشويقي لا يخلو من المفاجآت.

ولا أجد مفرًا من التذكير بأن أحمد عبد العزيز الذي أصبح وجهه اليوم علامة مسجلة لصناعة «الكوميكس» كان في ذلك الوقت رمزًا للرجل المصري الوسيم والشرقي الملامح، الذي يكتسب رونقه من شهامته أكثر من ملامحه، وهذا ما أدى في النهاية إلى أن يكون بطلا لهذا العمل حتى تتصارع على حبه أمام الكاميرات اثنين من أجمل نساء مصر في التسعينات وهما جيهان نصر وشيرين سيف النصر.

تم إنتاج المسلسل في عام 1993 وتم عرضه في رمضان 1996. وقدم المسلسل أيضا العديد من الوجوه الشابة في ذلك الوقت أمثال أحمد السقا، محمد سعد وعلاء مرسي. كما اشتهرت بشدة أغاني تتر البداية والنهاية التي كتبها الشاعر الكبير «سيد حجاب» وغناها الفنان محمد ثروت لتصبح منذ حينها وحتى اليوم جملة «مين اللى ميحبش فاطمة» علامة مميزة في أذهان المصريين.


مر عشرون عامًا: كيف غيّر التليفزيون رمضاننا!

ربما لم نستطع التحدث عن كل شيء، لم نتحدث عن بداية برامج المسابقات مع «كلام من دهب» مع «طارق علام»، كما لم نتحدث عن الضيف الدائم على بيوت المصريين في العظة اليومية الخاصة بالشيخ «محمد متولي الشعراوي»، كما لم نغفل ذكر الزيارة اليومية التي كان يقوم بها «المسحراتي» سيد مكاوي لينشد كلمات الراحل العظيم «فؤاد حداد»، لم ننسَ كل هذا ولكننا قررنا في هذا التقرير أن نختص أربعة أعمال فقط قدمها التليفزيون المصري لمشاهديه منذ عشرين عامًا، أربعة أعمال ظلت عالقة بأذهان من حضروها كبارًا وصغارًا وربما حتى بأذهان من لم يحضروها إلا في إعادة بثها. لم يمر زمنٌ بعيد، إنها تلك التسعينات القريبة، تلك التسعينات التي نشعر بالحنين لها رغم قلة إمكانياتها وفقر إنتاجها مقارنةً بمليارات تُنفق اليوم على أعمال لن نتذكر اسمها بعد شهور وعلى قنوات مزدحمة لدرجة أننا لا نشاهد تترات المسسلات، تلك التترات التي كنا نحفظها في التسعينات عن ظهر قلب.