«إعلان فودافون تكلّف 50 مليون جنيه، وكل نجم حصل على 5 ملايين جنيه»، إذا كنت قرأت هذا الكلام على فيسبوك أو سمعت عنه، فربما سألت عن حقيقته، ولكن هل سألت نفسك عن الحسبة الرياضية التي تحول 14 قرشا إلى 400 مليون جنيه؟ إنها فزورة رمضان هذا العام.

اتصالات وأغلى إعلان في التاريخ

نجحت شركة اتصالات في التربع على عرش إعلانات رمضان 2010 بإعلان ضخم ضمّ عددا من النجوم والمشاهير.

الدنيا لسه فيها أكتر: نجحت شركة اتصالات في التربع على عرش إعلانات رمضان 2010، ب إعلان ضخم، ضمّ عددا من النجوم والمشاهير، وكان لظهور محمد منير ويسرا أثر بالغ في نجاح الإعلان؛ نظرًا لشعبيتهما. كما شارك في الإعلان عدد من الفنانين، وقد حظى بقبول شديد، واعتبره الكثيرون أفضل إعلان للشركة منذ دخولها إلى السوق المصري، فضلا عن أنه الأغلى في تاريخ الحملات الإعلانية المصرية، وقد أُثير الجدل وقتها حول التكلفة الكبيرة للإعلان، وكان تعبيرًا عن إنجاز الشركة في مدة قصيرة، فقد وصل عدد مشتركيها إلى حوالي 15 مليون مشترك، في 3 سنوات فقط.

تخيّل بكره 2016: أغنية خفيفة تتحدث عن رحلة الحياة بذكرياتها ومواقفها وشخصياتها، والأمل والحب والمستقبل، مغنّاة بصوت أصالة نصري، في إعلان سيطرت على مشاهده أجواءٌ احتفالية بألوان مبهجة في حياة الإنسان، كالزواج، والمواقف مع الأصدقاء، وأعياد الميلاد، وإنجاب الأبناء، وظهر الإعلان فى صورة أقرب للفيديو كليب، وفي نهايته يقدم عرضًا جديدًا بمكافآت نظير كل عام قضاها العميل مع الشركة، وقد نجحت الأغنية في تحقيق نسبة مشاهدة عالية على موقع فيسبوك، وتخطت 4 ملايين مشاهدة على الصفحة الرسمية للشركة، في ثالث أيام رمضان.


فودافون تحتكر النجوم

استطاع إعلان العيلة الكبيرة جذب انتباه المشاهدين بسبب عناصر الإبهار الجمالية والبصرية بتواجد نجوم الصف الأول في الغناء والتمثيل.

قوتك في عيلتك 2015: في رمضان 2012، طرحت فودافون إعلانا أضخم من حيث كثرة النجوم، ومنذ ذلك الوقت احتكرت فودافون فكرة النجوم، ونفذت واحدًا من أكثر الإعلانات تكلفة في رمضان 2015، من خلال أغنية رشيقة، ولحن متوازن، كما شهد ظهور شخصيات فاجأت الجماهير، مثل الفنان مصطفى فهمي، وزوج الفنانة يسرا، الذي يظهر لأول مرة في الإعلام، وقد حمل الإعلان اسم «قوتك في عيلتك»، واعتمد على الجو العائلي الذي نفتقده كثيرًا، ودارت فكرته حول التواصل بين العائلة عبر شبكة فودافون، وقد تخطى المليون مشاهدة على موقع يوتيوب، بعد 4 أيام من عرضه.

العيلة الكبيرة 2016: استطاع إعلان العيلة الكبيرة جذب انتباه المشاهدين؛ بسبب عناصر الإبهار الجمالية والبصرية، إلى جانب وجود نجوم الصف الأول في الغناء والتمثيل، وعلى رأسهم: ليلى علوي وأحمد السقا وشيرين وحكيم، وقد فضّلت فودافون تنفيذ نفس فكرة العام الماضي، المعتمدة على الاحتفال والميزانية الضخمة في إنتاج الإعلان.

ولاقى الإعلان حفاوة كبيرة من الجمهور، رغم عدم ارتقائه لنفس قوة إعلان العام الماضي، محققًا أكثر من 4 مليون مشاهدة عبر صفحة الشركة على فيسبوك، وما يزيد عن نصف مليون مشاهدة على يوتيوب، في أقل من 72 ساعة.


موبينيل تختلف عن الآخرين

حرصت موبينيل على إنتاج دعاياتها الغنائية الرمضانية غير مستهدفة الربح، إنما بهدف أن المؤسسات الكبرى لابد أن يكون لها دور اجتماعي وثقافي؛ حتى يفخر عملاؤها بها ويحترمونها. وتتعمد الشركة أن تصوّر شخصيات من المجتمع؛ ليكون الإعلان مؤثرًا في كل الشعب المصري.

استعانت شركة موبينيل بعدد من المطربين الشباب لتنقل ثقافة أبناء محافظات مصر المختلفة في مقاطع غنائية قصيرة.

حيث اتجهت الشركة اتجاهًا مختلفًا عن نظيرتيها، عندما استعانت بفنانين، ففي حملة «دايمًا مع بعض» بعام 2012 استعانت بعدد من المطربين الشباب، وبعض أفراد الشعب المصري، لتنقل ثقافة أبناء محافظات مصر المختلفة، في مقاطع غنائية قصيرة، كذلك الحال في 2013 بأغنية «وبحتاجلك وتحتاجلي»، وعام 2014 بأغنية «افتح قلبك واعرفني»، التي شارك فيها محمد فؤاد وبهاء سلطان وبشري وأحمد عدوية.

هذه النوعية من الإعلانات تشعرك دائمًا أن موبينيل قريبة من أهل الشارع المصري، وتدعو للإيجابية والتعاون بين الناس، كما أن تصوير الإعلان يتم بشكل واقعي، وبأشخاص حقيقيين، دون إضاءة وانفعالات مزيفة، أو كثير من البهرجة، وأكملت موبينيل حملاتها التفاعلية بـ «فاعل خير» في 2015، بمشاركة الفنان محمد رشاد، وباقة من المطربين الشباب، وقد ابتعدت الشركة عن الاستعانة بممثلين، وفضلت المطربين؛ سعيًا للاختلاف، بالإضافة إلى عرض إعلانها في منتصف رمضان، بينما تعتمد منافستاها على عرض الإعلان من أول أيام الشهر.


أورنج معاك في اللي يهمك

في أول رمضانٍ لها بعد الاستحواذ على موبينيل اختارت «أورنج» أن تكون بسيطة للغاية، وبدلًا من أن تطرح أغنية بها بعض المعاني والقيم، اختارت أن تركز على عرضها الرمضاني، لكنها واصلت الاعتماد على فرق «الأندرجراوند»، واختارت باند «النفيخة»، لغناء مقطع واحد، في إعلان بسيط لا يقدم سوى رسالة واضحة لجمهور الشركة، وهو مضمون يعمل على ترسيخ الصورة الذهنية الجديدة.

لكن يبدو أن الإعلان جزء من حملة كبيرة، ستعلن عنها الشركة تباعًا، وبدأتها بإعلان يضم الإعلامي سيد أبو حفيظة، والممثل أحمد فهمي، بكلمات خفيفة، على لحن أغنية زحمة للمطرب الشعبي أحمد عدوية، محافظة على التصوير في أجواء حقيقية، خارج الأستديوهات المغلقة؛ لتستمر في التعبير عن المجتمع المصري.


النوستالجيا وحدها لا تكفي

تكرار فكرة «النوستالجيا»، واللعب على وتر الحنين إلى الماضي هي السمة السائدة في هذه الإعلانات، ورغم كل العناصر المتكاملة إلا أنها افتقدت أمرًا بالغ الأهمية، هو أن يرتبط المشاهد بالصورة المقدمة على الشاشة، وأن يشعر أنه جزء من رسالة الشركة التي يدفع مقابل خدماتها، فجميع الصور تخاطب شريحة قليلة من جمهور الشركة، وهي تصلح بامتياز لإعلان «كمبوند»،حيث انتماء النماذج التي قدمها الإعلان للطبقات الاجتماعية الأعلى في المجتمع.

حققت أغنية إعلان إتصالاتـ 2 مليون مشاهدة في أقل من 48 ساعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مما يوضح مدى النجاح والقبول.

تخيّل مثلًا إعلان اتصالات «تخيّل بكره»، لو تضمنت المشاهد فتاة تُطمئن أمها بعد امتحان الثانوية، أو شاب يتلقى خبر إنجاب زوجته، أو رجل في المطار يودّع أولاده ذاهبًا إلى الحج، أو فرحة أب بمحادثة ابنه الذي يعمل خارج البلاد، مشاهد كثيرة كان من الممكن أن تدخل في الإعلان لتشمل فئات مختلفة من جمهور الشركة.

وربما أرادت الشركة من مضمون رسالة الإعلان أن تدفع المتلقي لتخيل صورة المستقبل مع اتصالات، بإيصال صور لا تمثل واقع الكثير من المصريين، في إشارة منهم إلى أن اتصالات تعيش بعيدًا عن الواقع.

وبالرغم من اعتماد الإعلان على صور تجذب الانتباه فإن الأغنية نفسها لم تجذب الأذن؛ لأن اللحن غير سريع، مما أصاب المشاهد بحالة من الملل، لكن تحقيق الأغنية لـ 2 مليون مشاهدة، في أقل من 48 ساعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يوضح مدى النجاح والقبول.

أما إعلان فودافون الذي يضم فنانين كثيرين، انتقد البعض هذا الأمر بداعي أنه إسراف مبالغ فيه، وكان الأفضل التبرع بتلك الأموال للبسطاء، لكن الانتقادات بسبب ارتفاع التكلفة لن تؤثر على النجاح؛ لأن فودافون شركة عالمية، وطبيعي أن تقدم حملات ضخمة، وقد اتجه البعض الآخر لانتقاد فكرة الإعلان التي حولت أوبريت «الليلة الكبيرة» إلى أغنية ضعيفة، وقد يكون هذا بسبب عدم ارتقاء الإعلان لنفس قوة إعلان العام الماضي الذي توافق الجميع عليه.


أين الرقابة؟

يرى خبراء في مجال الدعاية وفي الإعلان أن تكلفة إعلانات شركات الاتصالات في رمضان أمر مستفز لمشاعر المصريين، كما أنها تمثل عدم تقدير للمسئولية المجتمعية؛ فبعض تكاليف هذه الإعلانات يقترب من ربع ميزانية بعض المحافظات، داعين إلى مساهمة الشركات في التعليم والصحة – كما تقوم الشركات العالمي- وفرض دور رقابي للجهاز القومي للاتصالات عليها، فغياب الجهاز الرقابي الإعلامي فتح أبوابًا عدة من التجاوزات، بظهور أجور خيالية لنجوم الإعلانات تستفز المواطنين، في ظل حالة من ضيق العيش وتدني مستوى المعيشة لدى كثير من طبقات المجتمع المصري، مقترحين تطبيق قوانين الإعلام الغربي، الحاكمة للمحتويات الدرامية والفنية، والتي توصي بعدم تجاوز فترات الإعلان 8 دقائق في الساعة.

لكنهم أكدوا في نفس الوقت أن طرح شركات الاتصالات لإعلانات مرتفعة التكاليف يأتي باعتبارها سياسة تسويقية لتحقيق أهداف كل شركة، كما أن أجور الممثلين بالإعلانات لا يتم تحصيلها من حصيلة مكالمات العملاء، لأن الشركات تضع ميزانية مخصصة للإعلانات سنويا، حيث تهدف إلى رفع قيمة العلامة التجارية للشركة، والتي يتم تقييمها في السوق طبقًا لمستوى علامتها التجارية، وفيما يخص إنفاق هذه الأموال على الفقراء، فهو ليس مسئولية الشركات أو القطاع الخاص.

ولأن شركات المحمول أصبحت تعمل في سوق اقترب من التشبع من الاشتراك في شبكاتها، بالتالي فإن كل شركة تريد أن تُبقي على علامتها التجارية، وتحافظ على عملائها الحاليين، لتكون أعلى من الشركات المنافسة، لذا يدعو الخبراء إلى إنفاق تلك المبالغ على تحسين خدمات الشركات المعلنة، بدلا من أن تذهب كتسعيرة لإعلان ما، ثم يتم تحصيلها بعد ذلك من جيوب المستهلكين برفع الأسعار.


اللهم لا حسد، اللهم لا ضرائب

يرى الخبراء أن تكلفة الإعلانات تصل إلى 50 مليون جنيه، وأن التكلفة الحقيقية للإعلان ليست في أجور الفنانين، ولكن في عدد مرات إذاعته عبر الفضائيات.

ورغم أن الصورة توضح التكلفة العالية للإعلان، إلا أن الوصول إلى الرقم الصحيح لتكلفة هذه الإعلانات، وكذلك أجور الفنانين، وتكلفة بقية عناصر العمل الإعلاني، هي أمور صعبة التحديد على وجه الدقة، نظرًا لحرص الشركات والفنانين على حد سواء على التهرب من الحسد والضرائب من ناحية، ورغبة في رفع أجورهم في الإعلانات التالية من ناحية أخرى، وكل ما ستطالعه في الإعلام هو أرقام تقريبية أو جُزافية أو تصريحات منسوبة لـمصدر مقرب.

ففي إعلان اتصالات 2010، رفض مخرج الإعلان الحديث عن ميزانيته، مكتفيًا بالقول: «إنه أعلى تكلفة إنتاجية لإعلان عربي في التاريخ، وقد سمعت عن أرقام مبالغ فيها عن تكلفته، منها 40 مليون جنيه، ولكن الحقيقة أقل من ذلك بكثير».

وقد كشف مصدر مقرب من المسئولين عن إعلان العيلة الكبيرة عن المقابل المادي الذي حصل عليه كل فنان، وقد ضم الإعلان 11 فنانا، تقاضى كل منهم مليون جنيه، واشترطت الشركة تساوي كل الفنانين فى المقابل المادي، وكانت صفحات الفيسبوك قد نشرت أن كل فنان تقاضى 5 ملايين جنيه. وأكد أحد المسئولين بمجال الدعاية والإعلان أن تكلفة حملة فودافون تتراوح بين 20 إلى 25 مليون جنيه، وأن إعلان قوتك في عيلتك تكلّف ٩ ملايين جنيه تقريبا.


كيف تحوّل 14 قرشا إلى 400 مليون جنيه؟

يرى خبراء الإعلان أن تكلفة إعلانات شركات الاتصالات في رمضان أمر مستفز لمشاعر المصريين، حيث تمثل ما يقرب من ربع ميزانية بعض المحافظات.

تتصارع جميع القنوات على حصد أكبر نسبة من عائدات الإعلانات خلال شهر رمضان، من خلال ما تقدمه من أعمال درامية وبرامج، أُعدت خصيصا لجذب المعلنين، وبحسب تقديرات الخبراء فإن حجم سوق الإعلانات في مصر تخطى 3 مليارات جنيه، ويستحوذ شهر رمضان فقط على 65% منها.

تتراوح أسعار الإعلانات هذا العام ما بين 9 إلى 15 مليون جنيه مصري للإعلان ضمن أحد المسلسلات أو البرامج، بمرات عرض لا تتجاوز 350 مرة طوال الشهر.

تتراوح أسعار الحملات الإعلانية هذا العام ما بين 9 إلى 15 مليون جنيه مصري للإعلان ضمن أحد المسلسلات أو البرامج، بمرات عرض لا تتجاوز 350 مرة على القناة طوال شهر رمضان، وتقاس مدة الإعلان بوحدة الـ 30 ثانية، وتتراوح أسعار الوحدة من 30 إلى 150 ألف جنيه مصري.

وتستحوذ شركات الاتصالات وحدها على نحو 30% من إجمالي الإنفاق الإعلاني، ويشكل الإنفاق على الدعاية والإعلان خلال شهر رمضان نصف الميزانية السنوية التي تخصصها شركات الاتصالات للدعاية، وترتفع ربحية الشركات لنحو 40% خلال الشهر بسبب زيادة الاستخدام لجميع خدمات الاتصالات، بخلاف زيادة حجم ومدة المكالمات، وتحقق شركات الاتصالات إيرادات سنوية تقترب من 35 مليار جنيه، وتخصص كل شركة نحو 2% من أرباحها للإعلانات والعروض الترويجية.

وكشفت إحصائية صادرة عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن وصول عدد مشتركي الهاتف المحمول بمصر إلى 94,16 مليون مشترك، نهاية يناير 2016، ولو فرضنا أن كل مشترك قام بشحن كارت واحد فقط، من فئة 10 جنيهات، فإن الشركات تحصّل حوالي 941,6 مليون جنيه، ولو قام كل مشترك بمكالمة واحد فقط في اليوم، مدتها دقيقة واحدة فقط، وعلى حساب أرخص دقيقة (14 قرشا)، فإن الشركات تحقق حوالي 394,8 مليون جنيه.

التسويق للعرض الجديد ليس هو الأهم، إنما تهتم الشركات بـ «استعراض العضلات الإنتاجية»، وإظهار قدرتها على جمع أكبر قدر من النجوم في إعلان واحد، لذلك لا تنشغل كثيرا بالتساؤل عن تكلفة الإعلان، ولماذا لا تُنفق على الفقراء، ولكن السؤال الأهم الذي يجب أن تعرف إجابته هو: كم تربح هذه الشركات من استعراض العضلات؟

المراجع
  1. مصر العربية: تعرف على أجور النجوم بإعلان فودافون الجديد 2016
  2. مصر العربية: تعرف على أجور النجوم باعلان فودافون الجديد 2016
  3. العين: إعلانات رمضان في منافسة الدراما، تكلفة باهظة تستفز المواطنين
  4. البوابة نيوز: ننشر أسعار الحملات الإعلانية في القنوات الخاصة