قدّم القرآن الكريم وصفًا موجزًا لنهاية العالم أو قيام الساعة، ولكن توسع هذا الحديث في الأحاديث المنسوبة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، نتيجة للاضطرابات السياسية والاختلالات الاجتماعية والكوارث الطبيعية التي ضربت بالأمة الإسلامية المبكرة من انتشار الطاعون والحروب والمعارك التي خضتها الجيوش الإسلامية والغرائب الفلكية التي رأوها آنذاك كلها علامات منذرة بنهاية العالم، قد وجدت لها متنفسًا في النطاق الأبوكاليبسي[1].

وشرعت الكتب في تسجيل أحاديث مروية عن النبي توضح وتنبؤ بعلامات نهاية العالم أو أشراط الساعة، وعندما يأتي الحديث عن «نهاية العالم» في الفكر الإسلامي، أول ما يأتي على أذهانها «المسيح الدجال أو المسيخ الدجال»، ونجد عديدًا من الأحاديث التي سردت ووصفت هيئة المسيح وما سيكون قادرًا على فعله، ولكن المثير للاهتمام هو الحديث الذي أخبرنا عن امرأة ستنذر الجميع بقدوم الدجال وتحذرهم منه. فرُغم صورة المرأة السلبية في الأحاديث الأبوكاليبسية السنية، التي تتنبأ بأن المرأة هي أحد أهم أسباب نهاية العالم وأنها أول مَن يتبع المسيح الدجال، ولكن في مقابل تلك الصورة، هناك صورة مختلفة للمرأة.

فنجد حديثًا منسوبًا للنبي في كتاب «الفتن»، أن «مع الدجال امرأة تُسمى طيبة، لا يؤم قرية إلا سبقته إليها، تقول: هذا الرجل داخل عليكم فاحذروه» رواه نعيم بن حماد (وهو أوائل من جمع المسند في الحديث)، من قول أبي سعيد الخدري (وهو من صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكان مفتي المدينة)، ونجده أيضًا عند سراج الدين بن الملقن وهو من أكبر علماء الحديث والفقه، في شرحه لصحيح البخاري المسمى بالتوضيح شرح الجامع الصحيح، واسم المرأة فيه «طيبة» كما هو اسمها عند «نعيم» مما يشير أن ابن الملقن نقله من كتاب نعيم.

هذا الحديث نقله أيضًا المتقي الهندي وهو من علماء الحديث، في كتابه «كنز العمال» ولكن اسم المرأة فيه «لئيبة» وليس طيبة، ويعتبر أول ظهور لهذا الاسم الجديد، ونقله السيوطي وهو إمام ومؤرخ مصري، في كتابه «جامع الأحاديث» واسم المرأة فيه «لئيبة» أيضًا، (مما يدل على أن السيوطي نقله من كنز العمال وليس من كتاب الفتن)، ونجد الحديث أيضًا عند «حمود بن عبد الله التويجري» وكان قاضيًا وفقيهًا، في كتابه «اتحاف الجماعة» واسم المرأة به هو «لثيبة»، فيبدو أنه نقله من «كنز العمال» ثم صَحَفَ لئيبة إلى لثيبة.

ما اسم المرأة الصحيح، وما أهميته؟

من الممكن القول إن اسمها «طيبة» كما عند «نعيم» وباقي الأسماء مجرد تحريفات لهذا الاسم، ولكن هذا الحديث مروي في كتب اللغة واسم المرأة مختلف عما هو مذكور في كتاب الفتن لنعيم، فالأزهري وهو أحد الأئمة في اللغة والأدب العربي، ذكره في كتابه «تهذيب اللغة»، «إذا خرج الدجال، تخرج معه امرأة تُسمى «ظَبية»، وهى تنذر المسلمين منه»، وأيضًا نقله ابن المنظور وكان قاضيًا وفقيهًا لغويًا، في معجمه «لسان العرب»: «إذا خرج الدجال، تخرج معه امرأة تُسمى «ظَبية»، وهى تنذر المسلمين منه».

عديد من محققي اللغة ذكروا اسم المرأة «ظبية» ووضحوا معنى الكلمة، فمنهم من قال إنها شبة العجلة مثل: الأزهري، ومنهم من قال إنها بهيمة من الغنم، ونجد الحديث أيضًا في كتاب «العين»[2] لخليل ابن أحمد الفراهيدي وهو لغوي ومعجمي ومنشئ علم العروض؛ فذكر أن: الظبية شبه العجلة، ثم أردف الحديث «إذا خرج الدجال، تخرج معه امرأة تُسمى «ظَبية»، وهى تنذر المسلمين منه».

وعلينا أن نأخذ في عين الاعتبار أن أول مصدر مكتوب لهذا الحديث ليس كتاب «الفتن» لنعيم، إنما هو كتاب «العين» لخليل بن أحمد الفراهيدي، فنعيم توفي 228 هجريًا– 844 ميلاديًا، وصنَّف الكتاب حوالي 204 هجريًا/ 820 ميلاديًا، وربما بعد ذلك، بينما أكمل الليث بن المظفر تصنيف كتاب العين في حوالي 183 هجريًا/ 800 ميلاديًا.

من ذلك نستنج أن اسم المرأة الأصلي في الحديث هو «ظبية» بينما طيبة هو تصحيف للاسم، وربما تحريف أيضًا ليكون على اسم مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، التي لا يدخلها الدجال (المدينة المنورة تُلقّب أيضًا بـ«طيبة الطيبة»)، أما لئيبة ولثيبة فلا معنى لهما في اللغة العربية وإنما هما مجرد تحريفات للاسم الأصلي.

صورة المرأة المنقذة في التراث المسيحي

لم يقتصر ذكر المرأة المنقذة في الأحاديث المنسوبة للنبي فقط، ولكن نجد أيضًا ظهور لشخصية المرأة في نبؤات أبوكاليبسية في التراث المسيحي أيضًا، ففي ترجمة كتاب الفتن، لنعيم، علق البروفسور «ديفيد فرانكفورتر» أستاذ الدراسات الدينية في جامعة بوسطن على الحديث قائلًا: من المحتمل أن تكون هذه المرأة هي «طابيثا العذراء The Virgin Tabitha». فمن هي طابيثا؟

الأصل العبري لهذا الاسم هو «צְבִיָּה» بمعنى الظبية، والآرامي السرياني هو «ܛܥܝܐ» (طبية) ويترجم لليونانية ب Δορκας (دوركساس)، ومعناه ظبية أو غزالة، وأشهر «طابيثا» في التراث المسيحي هي القديسة طابيثا من يافا، المذكورة في سفر أعمال الرسل (9: 36 – 43):

«وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا طَابِيثَا، الَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالًا صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا. وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَنَّهَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ، فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي عِلِّيَّة. وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا، وَسَمِعَ التَّلاَمِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ …. فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ الْجَمِيعَ خَارِجًا، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا طَابِيثَا، قُومِي!» فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ، فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا. ثُمَّ نَادَى الْقِدِّيسِينَ وَالأَرَامِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً. فَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا فِي يَافَا كُلِّهَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِالرَّبِّ».

لكن «طابيثا/ ظبية» المذكورة في الحديث ليست القديسة المذكورة في سفر أعمال الرسل؛ فالإنجيل لم يوثّق لها دورًا في زمن الدجال، ويبقى الأمر محض تشابُه أسماء بين الشخصيتين المُنقذتين بحسب الرؤيتين المسيحية والإسلامية.

المرأة ورؤيا إلياس

نبوءات أو رؤيا إلياس أو إيليا، هي نبوءات مسيحية قبطية تعود إلى القرن الثاني أو أول الرابع الميلادي وتعرف باسم «Apocalypse of Elijah»، وإلياس او إيليا هو أحد أنبياء العهد القديم، فيذكر لنا البروفيسور «ديفيد فرانفورتر» في كتابه Elijah in Upper Egypt: The Apocalypse of Elijah and Early Egyptian Christianity (Studies in Antiquity & Christianity، أن النبوءات وردت على شكل أبيات شعرية مقسمة لشطرين، والشطر الثاني هو مرآة للشطر الأول أي تكرار له، تُرجمت النبوءات التالية من الإنجليزية للعربية[3]:

«علامات عن الوقح The shameless one» (كُنية كتابية شهيرة للمسيح الدجال)

  1. سيظهر مرة أخرى الدجال / الوقح في الأراضي المقدسة – (تتكرر الجمل مرة أخرى في الشطر الثاني)
  2. سيأمر الشمس بالغروب، فتغرب
  3. وسيأمرها بالظلام، فستظلم
  4. وسيأمرها بالشروق، فستشرق
  5. سيأمر القمر بأن يصبح دمويًا، وسيكون
  6. سيرافقهم في السماء
  7. سيمشي على البحر والنهر كما لو كانت أرضًا جافة
  8. سيجعل العاجز يمشي
  9. والأصم يسمع
  10. والأعمى يرى
  11. ويُطهر المجذوم
  12. ويشفى المرضى
  13. وسيخرج الشياطين
  14. سيفعل كل ما فعله المسيح (يقصد عيسى بن مريم عليه السلام) ما عدا إحياء الموتى.
  15. وبهذا ستعرف أنه الوقح/ الدجال، فلن تكون لديه القدرة على إحياء الموتى.

كما حملت سطور الكتاب تفاصيل نبوءة أخرى تحدثت أيضًا عن أسطورة طابيثا، جاءت كالتالي:

  1. عذراء اسمها طابيثا، ستسمع أن الدجال ظهر في الأراضي المقدسة.
  2. ستضع عليها ثوب من الكتان وتهرع إلى أورشاليم/ القدس، وتوبخه وهي تقول: يا وقح يا عديم الدين، (The lawless one) -وهو كُنية كتابية أخرى للمسيح الدجال- أنت خصيم كل القديسين.
  3. بعد ذلك ستثير غضب الدجال وسيلاحقها إلى الغرب.
  4. سيمتص دماءها، وينثرها على المعبد، وستصبح مصدر شفاء للناس.
  5. مع بزوغ الفجر، ستعود إلى الحياة وتوبخه، قائلة:
أيها الوقح لا تملك أي سلطة على روحي أو جسدي، لأني أعيش في معية الرب، وحتى دمائي التي أهدرتها على المعبد؛ أصبحت مصدر شفاء للناس.

ونلاحظ هنا الشبه بين بطلة الحديث وبطلة رؤيا إلياس، كلتاهما شخصية أبوكاليبسية، وتحملان نفس الاسم «ظبية» ومرتبطان بالدجال، ومعاديتان له، وتهرعان إلى تحذير الناس منه بمجرد علمهما بخروجه.

المراجع
  1. تعني كلمة أبوكاليبسفي أصلها اليوناني، مجرد الكشف أو الاظهار والتجلي، ككشف الغطاء أو كشف المرء سر يؤتمن عليه، ثم تطورت دلالتها لتعني الكشف عن خبايا الوجود البشري وهذا العالم، عن طريق الوحي الإلهي، يبلغه مَلَك إلى نبي، في شكل رؤية في اليقظة أو المنام، ثم تطورت لتعني الكشف تحديدًا عن خبايا نهاية العالم، وعن تفاصيل العالم الاخر، من حساب إلهي وثواب وعقاب، عن طريق هذا الوحي. ولذلك تتم ترجمة هذه الكلمة بوحي أو رؤيا، فنجد أن أخر سفر في العهد القديم هو سفر رؤيا يوحنا (والذي يشرح كل أحداث نهاية العالم كما تنبأ بها يوحنا اللاهوتي)، ومع الزمن صارت كلمة أبوكاليبس تعني «نهاية العالم» أو قيام الساعة أو القيامة بالمصطلحات القرآنية، والأحداث التي تسبقها، والكتابات أو النصوص الأبوكاليبسية هي التي تهتم بتلك الأحداث.
    انظر كتاب:
    The Encyclopedia of Apocalypticism, volume 3, John. J. collins, bernard mecgien , and Stephen J. Stein, London, 1998.
  2. الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، تحقيق مهدي المخزومي، وإبراهيم السمرائي، بيروت دار الهلال.
  3. Elijah in Upper Egypt: The Apocalypse of Elijah and Early Egyptian Christianity (Studies in Antiquity & Christianity, David frankfurter, fortress press, 1993, P: 313: 315.