إنها الوصفة السحرية كي يصل تشيلسي إلى نهائي دوري الأبطال، فقط قم بتغيير المدرب في منتصف الموسم وستجد نفسك في النهائي الأوروبي مباشرة. فعلها «جرانت» بعد خلافة مورينيو عام 2008، ثم توج «ماتيو» بعد أربع سنوات بالبطولة إثر خلافة «فيلاس بواش». والآن يبدو أن توخيل استغل خلافته للامبارد وأصبح طرفًا في النهائي هو الآخر.

أعرف أنك قرأت تلك المعلومة عشرات المرات خلال الأيام الماضية. وأعرف تمامًا أنها معلومة صحيحة، لكن تلك المعلومة تضع السيد توماس توخيل بجوار إفرام جرانت وروبيرتو دي ماتيو في ذات السلة، وهو صدقًا ما لا يليق أبدًا.

ربما تلك هي معضلة العمل رفقة الأندية الغنية المتخمة بالنجوم، جحر الأرنب الذي دخله توخيل في باريس ولم يخرج منه إلا بالإقالة. الفوز في باريس ينسب للنجوم من اللاعبين ثم الإدارة التي استطاعت أن تجلب هؤلاء النجوم ويبقى المدرب الذي قاد الجميع للفوز متواريًا بعض الشيء.

لكن الوضع رفقة تشيلسي مختلف تمامًا، استطاع توخيل أن ينتزع الضوء من الجميع خلال الأيام الأخيرة والسر هنا هو التحول الجذري الذي شهده تشيلسي.

تحول فريق غرب لندن رفقة توخيل من فريق على حافة موسم صفري إلى آخر عليه الجميع خلال النهائي الأوروبي والأهم يراهن عليه الكثيرين خلال الموسم القادم. فما السر وراء هذا الرجل الذي ربما وجد ضالته أخيرًا في عاصمة الضباب؟

توماس توخيل: النادل الجامعي والمدرب الاستثنائي

انضم توخيل إلى أكاديمية شباب أوجسبورج في صغره لكن تم الاستغناء عنه في عامه التاسع عشر دون أن يشارك رفقة الفريق الأول على الإطلاق. التحق توماس بفريق «شتوتجارت كيكرز» في الدرجة الثانية، ولم يسجل سوى ثماني مشاركات فقط قبل الانضمام إلى فريق الدرجة الثالثة أولم.

لعب توماس 68 مباراة فقط قبل أن يضطر إلى تعليق حذائه نهائيًا بسبب إصابة خطيرة في الركبة في سن الرابعة والعشرين.

مسيرة متواضعة للغاية جعلت توخيل يحاول أن يجد نفسه بعيدًا عن كرة القدم فقرر الرجل دراسة إدارة الأعمال في الجامعة والعمل كنادل في إحدى الحانات، إلا أن كرة القدم لا يمكن أن تترك عقلًا كهذا دون أن تستوطنه.

قرر توخيل أن يجرب حظه مرة أخيرة فقام بالاتصال بالمدرب المميز «رالف رانجنيك» والذي أشرف علي تدريبه رفقة فريق «أولم» لكي يعطيه فرصة أخيرة في الفريق الاحتياطي لنادي شتوتجارت والذي كان مسئولًا عنه حينئذ.

لم يفلح الأمر بسبب تلف الغضروف المزمن الذي عانى منه توخيل إلا أن السيد رانجنيك أدرك أن هذا الرجل لن يعيش كثيرًا بعيدًا عن كرة القدم، فقرر أن يعرض عليه العمل في مجال التدريب لفرق الشباب، وحسنًا فعل.

تنقل توخيل بين عدة أندية كمدرب لفرق الشباب مقدمًا نجاحات وأفكارًا واضحة وصولًا للفوز بلقب الدوري الألماني تحت 19 سنة لموسم 2008-2009 مع فريق ماينز.

رغم عروض الاتحاد الألماني لتوخيل كي يصبح مدربًا مساعدًا لمنتخب الشباب فإن الرجل كان يطمح في منصب الرجل الأول، وهو ما تحقق بعد تعيينه كمدرب لفريق ماينز عام 2009.

خلال الفترة التي قضاها في ماينز، اكتسب توخيل شهرة كواحد من أكثر المدربين الشباب ذكاءً من الناحية التكتيكية في كرة القدم الألمانية، حيث كان يستخدم تشكيلات مختلفة وفقًا للمهمة التي يقوم بها مع الحفاظ دائمًا على هوية الفريق التي خلقها بنفسه.

شارك ماينز أوروبيًا للمرة الأولى في تاريخه بفضل توماس وتكتيكاته وأفكاره المختلفة تلك. إلى أي حد كان توماس مختلفًا؟ إليك تلك القصة.

شاهد توخيل أحد التقارير الفنية على إحدى المدونات من مشجع متحمس بكرة القدم يدعى «رينيه ماريك».

انبهر توخيل بتلك التحليلات فقرر التعاقد مع مارك بوظيفة محلل كرة قدم لتحليل أداء الصفقات المحتملة واكتشاف أسماء جديدة. مارك الآن يعمل كمساعد مدرب بوروسيا مونشنجلادباخ ماركو روز.

أما رفقة لاعبيه فإليك قصة أخرى. فبعد إحدى الهزائم المذلة للفريق انتظر جميع اللاعبين محاضرة مليئة بالتوبيخ وتصحيح الأخطاء لكن يبدو أن الأخطاء كانت أكثر من أن تصحح فما كان من توخيل إلا أنه وقف أمام لاعبيه واستعار مقولة أسطورة التنس مايكل جوردون: «لقد فشلت مرارًا وتكرارًا في حياتي، وهذا هو سبب نجاحي»، وبدأ الحديث عن المباراة المقبلة.

حتى يومنا هذا، لا يزال توخيل هو المدرب الأكثر نجاحًا في تاريخ ماينز، حيث بلغ متوسط ​​عدد النقاط في المباراة الواحدة (1.41) أكثر من الرجل الذي قادهم إلى البوندسليجا للمرة الأولى خلال موسم 2005/2006 السيد يورغن كلوب بمتوسط نقاط (1.13).

بعد خمسة مواسم رفقة ماينز كان الترقي نحو دورتموند منطقيًا. حيث قدم العديد من المواهب الشابة بما في ذلك كريستيان بوليسيتش وعثمان ديمبيلي. وكما كان الحال في ماينز أصبح المدرب الأكثر نجاحًا في تاريخ دورتموند بمتوسط (2.09) نقطة في كل مباراة في الدوري الألماني حتى تفوق لوسيان فافر بمتوسط (2.11) نقطة بعد ذلك.

هذا هو توماس توخيل عن قرب لذا ما حدث في تشيلسي لم يكن غريبًا، لكن ماذا حدث في تشيلسي تحديدًا؟ دعنا نقترب.

تشيلسي: لأن لامبارد لم يكن كذلك

دعنا في البداية نحاول تذكر التوقعات التي رافقت تشيلسي في بداية موسمه. تم إبرام عدد من الصفقات المميزة للغاية كما تم تصعيد عدد مميز من اللاعبين الصغار، ويقف على الخط اللاعب التاريخي للفريق والذي يعرف الكثير عن اللاعبين الصغار وهو ما يعد بموسم مبشر دون شك.

كل تلك التوقعات تتشابه مع مقولة توخيل الذي يشبه جرانت ودي ماتيو. مقولات جوفاء دون إدراك أن تلك اللعبة تملك آلاف التفاصيل. وتلك التفاصيل تحديدًا هي التي صنعت الفارق.

بمقارنة الثماني مباريات الأولى لتوخيل مع الثماني المباريات الأخيرة للامبارد رفقة البلوز سيتضح الأمر.

رفقة توخيل لعب تشيلسي ثماني مباريات أولى فاز بستة وتعادل مرتين ولم يخسر أي مباراة. استقبل هدفين فقط، تم تسجيل هدف واحد فقط من قبل لاعب منافس بينما جاء الآخر كهدف عكسي.

رفقة لامبارد لعب تشيلسي ثماني مباريات أخيرة فاز بأربعة وتعادل وحيد وخسر ثلاث مباريات. أحد تلك الانتصارات كان ضد منافس من الدرجة الثالثة والآخر بهدف وحيد ضد فولهام المرشح للهبوط والذي لعب بعشرة لاعبين خلال شوط كامل.

تلك هي الأرقام لكن السر كما قلنا يكمن في التفاصيل والتي تستدعي أن نقصّ بعض القصص الأخرى.

جرت الجلسة التدريبية الأولى لتوخيل بعد دقائق من قيامه بالتعاقد مع الفريق وقبل يوم واحد فقط من مباراة ضد ولفرهامبتون الخصم العنيد أمام الكبار. لكن توخيل ومساعديه كانوا قد قرروا ما يجب القيام به في التدريب وكيفية اللعب ضد الذئاب داخل الطائرة إلى لندن.

لقد شاهدنا بعض مباريات تشيلسي في دوري أبطال أوروبا، وكان لدينا انطباع واضح. لقد قررنا الاعتماد على ثلاثة في الخلف حتى نتمكن من الدفاع بخماسية والحصول على ضغط أسرع على لاعبي ولفرهامبتون. ولكي يكون لدينا ثلاثة في الخلف مقابل اثنين في الهجمات المرتدة. تم اتخاذ هذه القرارات على متن الطائرة. لكن الذهاب إلى الملعب كان أفضل طريقة للتعرف على بعضنا البعض.
توخيل في حديثه لBT Sport

يؤمن توخيل أن فريق تشيلسي يمتلك العديد من المواهب الهجومية. ما احتاجه الفريق بشكل عاجل هو تصحيح الهيكل، تقوية الخط الخلفي والضغط المضاد لضمان إجبار الخصم على ارتكاب الأخطاء. يحتاج تشيلسي أن يضغط عاليًا ويستعيد الكرة.

وكما يعرف عنه خلال فترات تدريبه السابقة في بوروسيا دورتموند وباريس سان جيرمان استخدامه تقنيات بديلة في التدريب، فقد تكرر الأمر فقبل مباراة بيرنلي ظهرت صور لاعبي تشيلسي وهم يتدربون بكرات قدم مصغرة.

يؤكد اللاعبون أن الفارق الكبير الذي أحدثه توخيل يكمن في التواصل. فالرجل يتحدث كثيرًا مع اللاعبين الذين لن يشاركوا، حتى أنه يحدد لبعض اللاعبين موعد مشاركاتهم المقبلة.

كما يعتبر أعضاء الفريق بالفعل أن التحضير للمباراة أكثر تفصيلاً ويقولون بشكل خاص إنهم يعرفون تعليماتهم بشكل أكثر وضوحًا ويفهمون كيفية تهديد الخصم بمزيد من الوضوح. قال أحد اللاعبين «عندما نخرج من غرفة تبديل الملابس إلى أرض الملعب، فإننا نعرف وظائفنا بالضبط، ونعرف ما سيفعله الخصم ، وبالتالي نعلم أننا سنفوز».

من المؤكد أنك لاحظت الدور المهم والمساحة الكبيرة التي يحظى بها أزبيليكويتا منذ أن وطأت قدم توخيل أرض لندن. لم يكن الأمر كذلك تحت قيادة لامبارد بالطبع حيث تم استبعاد الظهير الأيمن تدريجيًا لصالح لاعب الأكاديمية جيمس والذي يصغره بعقد من الزمن. 

لا يمكن أن تنكر قوة شخصية أزبيليكويتا حته أنه تم استخدامه بشكل أكبر لحل مشكلات غير متعلقة باللعبة. على سبيل المثال عندما بدأ النادي المفاوضات مع الفريق بشأن خفض الأجور أثناء الوباء كان أزبيليكويتا هو الوسيط.

هذا ما أدركه توخيل على الفور. صحيح أن قرار توخيل باختيار ثلاثي دفاعي يعني دقائق أكثر لأزبيليكويتا كقلب دفاع في الجانب الأيمن وهو ما فعله أنطونيو كونتي مدرب تشيلسي من قبل، لكن الأهم أنه أعاد الروح للفريق بعودته.

إنه الكابتن وأردت أن يكون الكابتن في الملعب. كان ذلك واضحًا بالنسبة لي بعد يوم واحد من التدريب.
توخيل في حديثه لBT Sport

الانطباع الأولي الذي تركه توخيل في تشيلسي هو احترافه اللا متناهي، وضوح في التعليمات، سواء كان ذلك للاعبين فيما يخص الأجزاء الفنية أو الموظفين فيما يتعلق بواجباتهم. 

إنه يتذكر تفاصيل المحادثات العابرة، كما أنه رجل متواضع حتى أن أحد الموظفين المبتدئين يحكي أنه فتح الباب لتوخل ليمر من خلاله، إلا أن مدرب تشيلسي الجديد رفض مؤكدًا أنه جاء بعد هذا الموظف ولا يمكن أن يسبق زميلاً جاء بعده أبدًا.

مستقبل مشرق

دعك من البدايات وحماسها، لكن ماذا عن مستقبل الرجل مع الفريق اللندني؟ دعنا نفكر في المعطيات وننتظر النتائج.

كان أكبر المتحمسين للامبارد يتحدث من زاوية أن الأخير يرتبط بعلاقة قوية مع اللاعبين الشباب ولاعبي الأكاديمية، والحقيقة أن توخيل الذي قضى ما يقرب من عقد كامل في تدريب الشباب من المؤكد أنه قادر على التعامل مع هؤلاء الشباب.

يبدو ماونت والبقية مثالًا حيًا فهو لم يستبعدهم بالعكس أصبحوا أكثر تأثيرًا في الفريق، كما أنه يمتلك سجلًا جيدًا لتلميع بعض النجوم الشباب مثل ديمبلي الذي لم يقدم المستوى ذاته مرة أخرى.

كما أن فريق تشيلسي خلال الفترة الأخيرة أبرم العديد من الصفقات من الدوري الألماني والذي يعرف الرجل جيدًا التعامل مع لاعبيه وهو ما قد يصب في مصلحة الفريق دون شك.

يتناسب توخيل مع مشروع تشيلسي الغني بالمواهب والصغار والذي لم يجرب حتى الآن رجلاً مولعًا بالتكتيك مثل توخيل. وتناسب المدرب مع المشروع هو أمر هام دون شك وهو ما افتقده الرجل في باريس بل هو الرهان الأهم في معادلة توخيل تشيلسي والتي يبدو أنها ستفاجئ الجميع أكثر خلال الأيام المقبلة.