بخلاف العمل الأدبي الذي له بداية ونهاية معروفة بأغلفة مُحددة، أغلب الوقت، يتميَّز العمل الفكري والعلمي بكونه مُنفتحًا عابرًا للأغلفة، بلا بدايات أولى أو نهايات أخيرة، فبدايته ونهاياته دائمًا مُصطنعة بشكل ما، يحددها الكاتب أو الباحث بحكم موضوعته أو طاقته، وهذا هو حال العمل الذي بين أيدينا.

فهذا أحد الأعمال الأخيرة للراحل سمير أمين، بعنوان «Three Essays on Marx’s Value Theory»، صدر ضمن إصدارات مجلة المانثلي ريفيو الأمريكية عام 2013، يعيد فيه أمين قراءة نظرية القيمة الماركسية قراءة جديدة ليست الأولى في مسيرة عمله بطبيعة الحال، فللعمل جذور في أعماله السابقة، وفروع في أعماله اللاحقة، انطلاقًا من وحدة مشروع الرجل وهمِّه الأساسي، ومن هنا كانت أهمية تقديمه لربطه بأكثرها اتصالًا به على الأقل، استكمالًا لما قدمه الدكتور أمين نفسه من مُلحق بقراءات تكميلية في نهاية الكتاب، وعيًا منه بتلك الضرورة وبسعة وتشعُّب العمل وموضوعه.

أما أكثر الأعمال السابقة التصاقًا بذلك العمل، فهو كتابه «قانون القيمة المُعولمة»، الذي صدرت ترجمته العربية عام 2012م (عن المركز القومي للترجمة بجمهورية مصر العربية)، والذي كان هو نفسه تطويرًا وتنقيحًا عن عمله السابق «قانون القيمة والمادية التاريخية»، الذي صدرت ترجمته العربية عام 1981م (عن دار الحداثة للطباعة والنشر بلبنان)، والذي يمثِّل مقدمة للعمل الحالي، كما يمثل الأخير امتداده الطبيعي.

ولا تستهدف هذه القراءة تقديم عرض شامل للعملين، قدر ما تُعنى بتقديم فكرة عامة للقارئ تساعده على ربطهما معًا كوحدة واحدة.


أولًا: ما هو مفهوم «القيمة»؟

تمثل مقولة «القيمة» المقولة المركزية لكامل الاقتصاد الكلاسيكي، السابق على الثورة الحدية القائمة على مقولة «المنفعة»، التي أسست للاقتصاد النيوكلاسيكي، أو الاقتصاد الذاتي بالتوصيف الماركسي، وهذا الاقتصاد الكلاسيكي هو الذي ينتمي له ماركس تحليليًا، وإن لم يكن أيديولوجيًا، حيث يبني اقتصاده انطلاقًا من ذات المقولة، وهى، إلى جانب وجهها الاستعمالي (المعني بالمنفعة والمعادل لها)، معنية في وجهها التبادلي بتحديد التقييم الاجتماعي الموضوعي للمنتجات الاجتماعية، بعيدًا عن تشوشات السوق المحكومة بتذبذبات العرض والطلب العرضية، والتي تحرِّك السعر السوقي حول القيمة، كما تتقلب الأمواج حول مستوى البحر، وقد حددها الكلاسيك حينًا بالعمل (آدم سميث وديفيد ريكاردو) وحينًا بتكلفة الإنتاج (جون ستيورات ميل).

ورغم أن ماركس حددها بالعمل بشكل عام، مُستفيدًا من مفاهيم «العمل الحي/البشري» و«العمل الميت/رأس المال» التي تعود أصولها لريكاردو بشكل عام، فإنه طوَّرها من خلال تطوير وتدقيق مفاهيم العمل نفسه، فأضاف، ضمن ما أضاف، مفاهيم «العمل الضروري اجتماعيًا» الذي يشبه متوسط العمل الضروري اجتماعيًا للإنتاج في ظل مستوى تقني معين، والأهم «قوة العمل» المتمايزة عن مفهوم «العمل» نفسه.

تمثِّل قوة العمل السلعة التي يقدمها العامل للرأسمالي، ليستخدمها بالطريقة التي يراها، فـ«العامل لا يبيع عمله، بل قوة عمله»، وهي السلعة التي تتميَّز عن أية سلعة أخرى بأنها سلعة تتحقق ماديًا بعد شرائها، لا قبله شأن السلع الأخرى؛ ما يمكِّن الرأسمالي من أن يستخلص منها (قيمة عمل) أكبر مما دفع فيها (قيمة قوة عمل)، ما يحقق له «فائض القيمة» الذي أضافه ماركس أيضًا ضمن تطويره نظرية العمل في القيمة إلى نظرية في فائض القيمة، لشرح عملية الاستغلال الرأسمالي.


قانون القيمة المُعولمة

يتناول العملان قانون القيمة وتحولاته مع تحولات الرأسمالية في خط واحد، يبدأ في العمل المذكور ببيان التمايز بين نظام القيمة الخاص بالاقتصاد الماركسي ونظام الأسعار العينية الخاص بالاقتصاد التقليدي، وتشابك هذا القانون مع الصراع الطبقي، بما يجعله يتجاوز نطاق الاقتصاد التقليدي الضيق بادعاءات قوانينه الحتمية، إلى النطاق الأوسع للمادية التاريخية، وما ينتج عن هذا التشابك من أنماط توزيعات للقيمة وفوائضها، بين العمال والرأسماليين (الأجور والأرباح)، ثم بين رأس المال العيني والنقدي (سعر الفائدة)، وبين الرأسماليين وملاك الأراضي (ريع الأرض والريع المنجمي)، ثم بين طبقات رأس المال العالمي مع تعميق الاحتكارية والعولمة والأمولة كعمليات ومظاهر مترابطة، وما نتج عنها من صيغ جديدة لتوزيع فائض القيمة العالمية (الريع الإمبريالي)، وتراتبيات توزيعية داخل فئات العمال أنفسهم، مع تعميم العمل المأجور، حقيقيًا ومزيفًا، ضمن حالة الاحتكارية المُعممة، وما ارتبط بها من تشويش أكبر لمنظومة الأجور (جدول الأجور).

يبدأ الدكتور أمين بتحديد هوية مشروع ماركس باعتباره نقدًا جذريًا للرأسمالية، لا بناءً لاقتصاد بديل صحيح يحل محل اقتصاد خاطئ، أو علمي بدلاً من اقتصاد أيديولوجي، مؤكدًا أولًا أن تراثه مجرد نقطة بداية للبناء عليها، لا عمل كاملًا،منتهيًا ومغلقًا، ثم منتقلًا إلى وصف أطروحته الأساسية بالتمحور حول جوهرية المادية التاريخية، وخضوع قوانين الاقتصاد الرأسمالي –ذات الوجود الموضوعي- لها، ولقانون القيمة، ما يمثِّل الثنائية الأساسية التي تصوغ كافة مناقشات العملين لاحقًا، ثنائية قانون القيمة والمادية التاريخية.

تعني ثنائية قانون القيمة والمادية التاريخية على المستوى الملموس كما صاغها ماركس بنفسه بأكثر من صيغة في أكثر من موضع، أن «الصراع الطبقي يجري أولًا من وضع اقتصادي معين يعكس أساسًا اقتصاديًا معينًا، لكن ما دامت الرأسمالية قائمة، فسيبقى هذا التغيير بالضرورة محصورًا داخل قيود قوانين إعادة الإنتاج الاقتصادي للنظام، وأي تغيير في الأجور يؤثر على معدل الربح يفرض رد فعل معين على البرجوازية، يعبر عنه بمعدلات معينة للتقدم في اتجاهات معينة، أو يغير تقسيم العمل الاجتماعي بين القطاعين … إلخ، لكن ما دمنا باقين في إطار الوضع الرأسمالي، فجميع هذه التحولات تحترم الشروط العامة لإعادة الإنتاج الرأسمالي، أي باختصار: يجري صراع الطبقات على أساس اقتصادي، لكنه يشكِّل الطريقة التي يتحول بها هذا الأساس ضمن إطار القوانين اللصيقة بالرأسمالية».

ويعني ما سبق الخروج من الاقتصادوية الضيقة إلى رحاب المادية التاريخية في فهم الرأسمالية، حيث تعلن الأخيرة «سيادة الصراع الطبقي، فلا تتحدد مستويات الأجور بالقوانين الموضوعية لإعادة الإنتاج المُوسَّع، بل مباشرةً من الصراع بين الطبقات، ويتواءم التراكم –إذا استطاع- مع نتائج هذا الصراع، وإلا يعاني النظام من الأزمة لا أكثر».

وبهذا التحديد المنهجي، يكون سهلًا فهم كل ما يلي من نتائج في العملين؛ فالصراع الطبقي هو المستوى الأعمق والإطار الأعم لعمل القوانين الاقتصادية الموضوعية، التي بعزلها عن أطرها الاجتماعية والسياسية والثقافية المعبرة عن ذلك الصراع، وزعم استقلالها عنها تتحول لخطابات أيديولوجية بحد ذاتها، ضمن ديكتاتورية برجوازية مُتقنِّعة بواجهة تكنوقراطية.

ويرد أمين على الدعوى الرائجة بتجاوز الرأسمالية لقانون القيمة، بتحولها لرأسمالية معرفية خدماتية، مؤكدًا أنه لا جديد تحت الشمس، فـ «العمل والمعرفة العلمية/التكنولوجية كانا دائمًا مرتبطين طوال التاريخ الإنساني»؛ فالعمل الاجتماعي تضمَّن دائمًا معرفةً اجتماعية وخبرات تكنولوجية هى جزء من أي عملية إنتاجية، كبرت أو صغرت، كما أن تورُّم الخدمات في الحقيقة تعبير عن أزمة النظام، لا تطوره!

وبعد مناقشة قوانين توزيع فائض القيمة بين الفئات المالكة، انتقل أمين إلى ما وصفه بأهم التحولات التي جرت على قانون القيمة، والذي ترافق مع تعميق عولمة الرأسمالية، من «تحول القيمة إلى القيمة المُعولمة»، مؤكدًا نقطتين محوريتين:

أولاهما أن تعميق العولمة لا يعني أن الرأسمالية لم تكن إمبريالية منذ يومها الأول، فهي كذلك طوال تاريخها، تفاقم التفاوتات بقوانين التطور اللامتكافئ والاستقطاب والاستتباع الكامنة فيها، الأمر الذي يجب فهمه في إطار نظرة عالمية للرأسمالية كنظام عالمي واحد غير منقسم، فهى الولايات المتحدة والهند معًا، وألمانيا وإثيوبيا معًا؛ ما يجعل قيمة العمل واحدة، فيما الأجور متفاوتة؛ فيتشكَّل أول روافد للريع الإمبريالي، المُتخفي في رداء نظام الأسعار والأجور العالمي.

ثانيهما أن تلك العولمة المعزِّزة للإمبريالية كرَّست الوصول غير المتكافئ للموارد الطبيعية للكوكب؛ ما ينتج من ناحية رافدًا آخر للريع الإمبريالي، فضلًا عن أساس إضافي لتخلُّف التخوم بتعميق اختلالاتها ضمن إطار التبعية، ومن ناحية أخرى مشكلة تدمير البيئة كنتيجة لعقلانية الرأسمالية المُشوَّهة (اللاعقلانية من وجهة نظر اجتماعية أوسع آفاقًا)، القائمة على القيم التبادلية لا الاستعمالية، والمحدودة من ثم باعتبارات الربح قصيرة النظر.

ويبني على ما سبق أن التناقض الأساسي في عالم اليوم هو تناقض شعوب التخوم «العاملة» من بروليتاريا وفلاحين مُستغَلين، ورأسمال إمبريالي «مركزي وتخومي»، وهو التناقض الذي يصوغ بما يتفرع عنه من صراعات الأسعار النسبية للمبادلات بين المراكز والتخوم، وتقسيم العمل الدولي، واتجاهات التراكم المحلية والعالمية، وحتى الصراعات في المراكز، بما فيها تفكيك التحالف الديموقراطي الاجتماعي القائم على التواطؤ بين رأس المال الإمبريالي والطبقات العاملة في تلك المراكز.


الرأسمالية الاحتكارية المُعممة

يستكمل أمين ما بدأه في العمل السابق، على نطاق أوسع، فيناقش تناقضات منطق نظام الأسعار العيني المُعتمَد لدى الاقتصاد التقليدي مع العقلانية الاجتماعية، خلافًا لكافة مزاعم ذلك الاقتصادي المُؤدلج عن التخصيص الرشيد للموارد، بالمعنى الفني الضيق، لكن المُؤطر بالمصالح الرأسمالية، كما يوسِّع مناقشته لتحولات الرأسمالية، مُحللًا وموصِّفًا لها كرأسمالية احتكار مُعمم، تفاقمت ضمنها الممارسات اللاعقلانية والإهدارية؛ لحفظ التراكم الرأسمالي وتكريس الهيمنة البرجوازية؛ بما زاد مما تعانيه الرأسمالية من إشكالات متأصلة من تبديد وتدمير للموارد وإفقار واستقطاب اجتماعي وأزمات مزمنة تتفاقم نطاقات ووتائر انفجاراتها باستمرار!

ويتكوَّن العمل من ثلاثة مقالات مترابطة، ودليل قراءات تكميلي لما لم يتم الإسهاب في تناوله فيها:

أما أولها، المُعنوَن بـ «القيمة الاجتماعية ونظام السعر-الدخل»، الذي يشغل ثلثي الكتاب تقريبًا، فيتناول التفارق بين منطق القيمة ومنطق السعر، الذي يميِّز بين تحليل ماركس النقدي للرأسمالية، والتحليل التبريري لها للاقتصاد التقليدي، خاصةً مع ما لمفهوم القيمة من قدرة على كشف الطابع التاريخي العابر للرأسمالية، ومن القدرة على الغوص إلى أعماقها، بما يتجاوز التمظهرات السطحية لنظام الأسعار العينية، لفهم ما تتضمنه من أنماط إنتاج وتوزيع للقيمة وفائض القيمة؛ ومن ثم أبعاد الاستغلال الاجتماعي والصراع الطبقي، وهو علميًا انتقال بالتحليل من الظاهري إلى الجوهري، ومن السطح الوضعي إلى القلب الجدلي، وبصيغة أكثر ملموسية، من المظاهر الاقتصادية الاغترابية، إلى المضامين الاجتماعية الحقيقية، ومن الخطاب الأيديولوجي التبريري إلى التحليل العلمي النقدي.

فما يزعمه الاقتصاد التقليدي من عقلانية رأسمالية، تتكشَّف عن العكس بالضبط بمجرد الانتقال من منطق السعر إلى منطق القيمة الاجتماعية؛ فيظهر التفارق بين مصالح الرأسماليين ومصالح المجتمع، وتسقط أوهام آدم سميث عن اليد الخفية التي تضبط الإيقاع تلقائيًا بين مصالح الأفراد والصالح العام، من خلال دوافع المصلحة الربحية الضيقة، التي تحقق بلغة النيوكلاسيك التخصيص الرشيد للموارد، تلك المصالح المُتجسِّدة في ظل الرأسمالية في حافز الربح الفردي، أو في متطلبات التراكم الرأسمالي بصيغة أكثر اجتماعية.

فتأكيد أمين على العودة إلى مفهوم القيمة الاجتماعية، اعتمادًا على اقتصاد القيمة الكلاسيكي، ولماركس تحديدًا، هو في الحقيقة إعادة تأكيد، من وجهة نظر اجتماعية وسياسية، على حق المجتمع في إدارة اقتصاده وفقًا لصالحه العام حقًا، لا تركه بين أيدي الملاك يديرونه وفقًا لمتطلبات إعادة إنتاج التراكم الرأسمالي، الذي يعني هنا، كشكل إنتاج وتشغيل ثرواتهم وتحقيق القيم الاجتماعية ارتباطًا بها، تحقيق مصالحهم وحدهم بالأساس، أو ربما في أحسن الأحوال تحقيق ما هو ممكن من مصالح المجتمع (عرضًا واعتباطًا حتى!)، في حدود تحقيق مصالحهم أولاً!

وعلى هذا الأساس العام، ينطلق أمين لمناقشة مشروع ماركس وتحولات القيمة والعمل الاجتماعيين في ظل تحولات الرأسمالية من التنافسية إلى الاحتكارية، فالاحتكارية المُعممة، وعددًا من القضايا الكلاسيكية الجدلية بين الاقتصاد الماركسي والتقليدي، كمشكلة التحويل بين القيم والأسعار، وثنائي الائتمان والدولة كجزء من المنظومة الكلية لإدارة التراكم الرأسمالي وحماية مصالح مُجمل الطبقة في مواجهة فئاتها المختلفة، خصوصًا في ظل الرأسمالية الاحتكارية، وكذلك أشكال العمل من حي وملموس ومجرد، كمفاهيم ضرورية ضمن نظرية القيمة، ذات طابع علمي ونقدي لا يمتلكه الاقتصاد التقليدي، خصوصًا من جهة استكناه غوامض عمليات استخلاص وتوزيع القيمة وفائض القيمة، وتراتبية الاستغلال وأشكاله الكامنة، فضلًا عن دورها في فهم عملية التجديد الاجتماعي البسيط والمُوسَّع.

يدحض كل ذلك منطق التوزيع الرأسمالي، وتصوراته عن النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي، ويكشف أنماط استجابة الرأسمالية لأزماتها المتأصلة، بشكل يخلق المزيد منها، مما كان ضمنه تحولات العولمة والأمولة والخدماتية، وكيف تقدم الاشتراكية إمكانات بديلة باستبطانها عقلانية القيمة الاجتماعية الأشمل نطاقًا والأرقى منطقًا من العقلانية الرأسمالية.


الخدمات في الاقتصاد الجديد

تناول المقال الثاني، المُعنون بـ «الفائض في الرأسمالية الاحتكارية والريع الإمبريالي»، مسألة القطاع الثالث، المعروف بالخدمات، الذي تورم اصطناعيًا في ظل الرأسمالية الاحتكارية كحل لإشكالية عدم التوافق بين نمو الأجور ونمو الإنتاجية بسبب الطابع الاستغلالي للنظام؛ ما يخلق تناقضات بين العرض والطلب (فينتج الأزمات الدورية)، وبين قطاعي الإنتاج والاستهلاك (فيعوق التراكم ويشوهه)… إلخ، مما تغلبت عليه الرأسمالية الاحتكارية (مسدودة الشرايين بضعف المنافسة) بخلق قطاع خدمات ضخم ليمتص فائض القيمة ويعيد تدويره في الاقتصاد؛ كحل –مؤقت بطبيعته- يتسق مع منطق النظام ولا يتعارض مع مصالح طبقته المهيمنة، لمشكلات الركود والتراكم والبطالة… إلخ من مظاهر الأزمة المُزمنة.

ثم تناول في نهاية المقال مسألة الريع الإمبريالي، الناتج بالأخص عن التفاضل العالمي بين أسعار قوى العمل متساوية الإنتاجية، أي فوارق الأجور بين عمال المراكز وعمال التخوم حتى «مع تسوية المساهمات الإنتاجية، وما ينتج عنها من مكاسب صافية للمراكز الإمبريالية، واستغلال مُضاعف لقوى العمل بالتخوم، وشراء لتحالف القوى الاستغلالية الكومبرادورية المهيمنة في تلك التخوم، فضلًا -بالطبع- عن تأجيل أزمات التراكم الرأسمالي على حساب معيشة سكان التخوم.

ثم ينهي بالمقال الثالث، عن «العمل المُجرد وجدول الأجور»، الذي يناقش فيه الفوارق المفاهيمية بين العمل المجرد كمحتوى عام، والعمل الملموس، بسيطه ومعقده، كأشكال استعمالية له –بتعبيرات القيمة التبادلية والاستعمالية- وهو التمييز المفاهيمي الهام لماركس الذي يكمل تمييزه بين العمل وقوة العمل، كأساس لفهم علاقات الاستغلال، وكيف يتم إنتاج كل شكل من هذه الأشكال، والفوارق بينها في المساهمات في إنتاج واستهلاك القيمة، وكيف أن ما يحكمها ليس فوارق الإنتاجيات الحدية كما تزعم النظرية النيوكلاسيكية الإنشائية في هذا الصدد، بل علاقات القوى والصراع الطبقي ومتطلبات هيمنة رأس المال مرة أخرى!

وبهذا ينهي الدكتور أمين عمله، مُردفًا إياه بقائمة قراءات تكميلية في موضوعات متفرقة ذات صلة، مما لم يناقشه بقدر كافٍ كونه ليس موضوعته الأساسية، أو مما ناقشه سابقًا ولا داعي لتكراره.