لم يكن هذا عاماً كأي عام، الظرف الاستثنائي الذي يمر به العالم جعل البيوت ملاذاً آمناً للجميع، يشبه الأمر أفلام الزومبي ونهاية العالم، لو خرجت من بيتك سوف تلتهمك الوحوش، لذلك فقد كان المنزل الخيار الوحيد المتاح، ولذلك زادت قيمة التليفزيون بما يقدمه من دراما ومسلسلات، أيضاً كان هذا العام انطلاقة للمنصة المصرية الإلكترونية واتش إت التي تعرض أعمالاً حصرية إما إنتاجات درامية أصلية أو بعد عرضها على التليفزيون باشتراك مناسب، مع فراغ الحياة حولك من الخيارات خارج المنزل، تصبح المسلسلات شريكاً أساسياً هذا العام في محاولات تمرير الوقت المستمرة.

في هذا التقرير نستعرض أهم المسلسلات المصرية التي عرضت خلال العام الذي أوشك أن يرحل، عله يلملم فيروساته معه، ويحررنا من قبضة الخوف الذي أطبق على صدورنا لعام كامل، آملين ألا نستخدم نفس ديباجة هذه المقدمة في العام القادم، هذا إن تركنا الفيروس أحياء أصلاً قبل أن يرحل.

كيف نختار؟

في حقيقة الأمر فالسؤال معقد تمامًا خصوصًا في السياق المصري، وذلك نتيجة عدم توافر بيانات دقيقة عن نسب المشاهدة التي تحظى بها المسلسلات التي يتم إذاعتها على الشاشات المصرية والعربية، بالإضافة لعدم توافر قدر كافي من التقييمات الجماهيرية على مواقع تقييم المحتوى الفني العربي. لذلك فإن اختيارنا هنا يتم بالأساس بناء على أهمية هذه المسلسلات من وجهة نظر محرري الباب من كتاب ونقاد فنيين، بالإضافة لكمّ الجدل الذي أثراه محتوى هذه المسلسلات خلال عام 2020. الأهمية هنا لا تعني بالضرورة الأفضلية الفنية، ولكنها قد تعني في بعض الأحيان أهمية اكتسبها العمل نتيجة أفكاره التي قد لا نتفق معها أيضًا، ولكن هذا لا يجردها من أهميتها كمحتوى للتأريخ على هذه الفترة من تاريخ الفن المصري والعربي.

1. ما وراء الطبيعة

المسلسل الأشهر هذه الأيام والتريند الذي لم يتزحزح منذ عرضه في بدايات نوفمبر وحتى الآن، الإنتاج المصري الأصلي الأول لمنصة نتفلكس الترفيهية الرقمية، والمأخوذ عن سلسلة الروايات الأشهر للراحل د. أحمد خالد توفيق، مشروع عمرو سلامة الذي يتحدث عنه منذ سنوات والذي خرج للنور أخيراً بإنتاج ضخم وتوقعات أضخم من جمهور القراء الذين تربوا على روايات الراحل جنباً إلى جنب مع متابعي نتفلكس العتيدين.

نجح المسلسل في جذب أنظار الجميع وأصبحت جملة ما وراء الطبيعة تتردد دائماً في الإعلانات الدعائية للكثير من المنتجات على السوشيال ميديا، نجح المسلسل في أن يلفت انتباه الكثيرين رغم ما يحمله من عيوب، ولكن رغم كل شيء فهو محاولة أولى معقولة، يحسب لصناعه، وقد فتح المسلسل الباب لإنتاج أعمال مصرية تنتمي لنفس فئة أعمال الرعب، كما فتح الباب على مصراعيه لميراث كبير من الروايات تركه الأديب الراحل ويمكن أن يتحول لأعمال درامية وسينيمائية قيمة.

2. في كل أسبوع يوم جمعة

من أهم وأجمل الأعمال التي عرضت هذا العام كان مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” والذي يصنف دراما نفسية واجتماعية مع مسحة من التشويق وربما الرعب، حقق المسلسل ردود أفعال واسعة واستحسنه الجمهور رغم أنه عرض حصرياً على منصة شاهد المدفوعة حيث أنه من كان من أوائل الانتاجات الأصلية المصرية على المنصة الرقمية، وكان يعتبر بداية قوية لمنصة لا زالت تتحسس طريقها للمشاهدين، ورغم أن حلقاته كانت تعرض أسبوعياً كحلقة واحدة في الأسبوع ولكن لم يفتر حماس المشاهدين منذ بداية المسلسل وحتى نهايته وكانوا ينتظرون حلقات المسلسل بشغف حقيقي.

 المسلسل من بطولة منة شلبي والتي قامت بأفضل أداء لها على الإطلاق تقريباً، وآسر ياسين الذي قدم دوراً مهماً جداً في حياته المهنية، ومن إخراج محمد شاكر خضير الذي يثبت دوماً تمكنه من أدواته وأنه يجيد تطويع الأشياء أمام كاميرته وليس الممثلين فقط، المسلسل مأخوذ عن رواية الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد والتي تحمل نفس الاسم، وقد أعيدت معالجتها بواسطة فريق من الكتاب على رأسهم إياد إبراهيم كمشرف عام على الكتابة، ومحمد هشام عبية وسمر عبد الناصر ككتاب سيناريو وحوار.

3. إلا أنا

مسلسل “إلا أنا” الذي يعرض الآن والذي بدأ عرضه مع بدايات العام، وتوقف تصويره عندما بدأ العالم يعاني من كورونا ثم استأنف مؤخراً، والذي يستعرض قصص نسائية كل قصة في عشرة حلقات، يعتبر أيضاً من أهم مسلسلات العام وأكثرهم انتشاراً، ورغم أن الفرق بين بداية عرضه واستئنافه العديد من الشهور إلا أنه نجح مرة أخرى في استعادة اهتمام الجمهور الذي لم يكن قد شاهد قبل أن يتوقف عرض المسلسل سوى قصتين فقط.

جذب المسلسل اهتمام المشاهدين لمعالجته أموراً جديدة نسبياً على الدراما المصرية مع التزامه بتقديم القالب الاجتماعي الذي يجذب المشاهدين، قامت ببطولة القصص مجموعة من النجمات، وفاء عامر وشيري عادل وأروى جودة وريهام عبد الغفور وجميلة عوض وحنان مطاوع، كل قصة تقوم ببطولتها نجمة بالمشاركة مع مجموعة كبيرة من الممثلين، المسلسل ككل فكرة يسري الفخراني، وكل قصة من كتابة وإخراج فريق مختلف.

4. ليه لأ

أيضاً من المسلسلات الاجتماعية التي أثارت الجدل هذا العام مسلسل “ليه لأ” للنجمة أمينة خليل، والذي عرض حصرياً على منصة شاهد وكان من إنتاجاتها الأصلية، المسلسل ناقش قضية الاستقلال للفتاة غير المتزوجة وهي قضية ليست جديدة على المجتمع المصري ولكنها قضية مسكوت عنها، المسلسل كان مليئاً بالأخطاء ولكنه كان خطوة في الحديث عن ما تمر به النساء المستقلات في مصر، كان المسلسل من إخراج مريم أبو عوف، وكتابة مجموعة كبيرة من الكتاب تحت قيادة مريم نعوم.

ورغم سذاجة الأحداث في بعض المواضع واعتراض الكثير من الفتيات المستقلات على تفاصيل المسلسل إلا أنه نجح في أن يكون تريند طوال مدة عرضه، بل ورغم انتهاء عرض المسلسل منذ شهور طويلة إلا أن أغنية التتر لا زالت تستخدم للتدليل على المواقف الصعبة التي تمر بها الفتيات، فجملة «اللي قادرة عالتحدي وعالمواجهة» أصبحت من أكثر الجمل شيوعاً واستخداماً على السوشيال ميديا.

5. نمرة اتنين

مسلسل «نمرة اتنين» الذي بدأ عرضه مؤخراً من أسابيع قليلة حصرياً على منصة شاهد المدفوعة من الأعمال اللافتة لنظر الجمهور جداً نظراً للقضايا التي يتعرض لها، المسلسل حلقات أسبوعية منفصلة تستعرض كل منها قصة عن العلاقات العاطفية المعقدة بين الرجل والمرأة، الحلقات حتى الآن جيدة جداً ومتقنة، ونجحت في الحفاظ على المشاهدين متحمسين لمشاهدة المزيد.

وقد نجح المسلسل في إثارة الجدل بعد حلقته الأخيرة والتي كانت من بطولة شيرين رضا وماجد الكدواني، والتي تتعرض لأول مرة تقريباً لهذا النوع من المشكلات، وأصبح المشاهدون بعدها في انتظار ما ستجلبه باقي الحلقات من مفاجآت.

6. بـ 100 وش

لم يكن للمسلسلات الكوميدية هذا العام نصيب كبير في العرض، لم يلفت نظر الجمهور أو يحقق مشاهدات سوى المسلسل الرمضاني «بـ 100 وش»، والذي نقل نيللي كريم نقلة نوعية ببطولتها لهذا المسلسل وتحولها الحاد من التراجيديا للكوميديا ، مع قصة المسلسل الخفيفة وأغنية التتر المبهجة نجح المسلسل في أن يكون حالة خاصة جداً انتشلت المشاهدين ولو لوقت قليل من التراجيديا التي يعيشونها كل يوم مع كورونا.

وقد حقق المسلسل لكل المشاركين فيه نجاحاً ما زلنا نعاني من تبعاته حتى الآن، المسلسل كان من إخراج كاملة أبو ذكري والتي أجادت صنع المسلسل فعلاً، وشارك نيللي كريم في بطولته آسر ياسين، وقد كان المسلسل نافذة لمجموعة كبيرة من الممثلين ليطلوا على الجمهور كإسلام إبراهيم ودنيا ماهر وزينب غريب.

اقرأ أيضًا: مسلسل «بـ100 وش»: العصابة التي سرقت الموسم الرمضاني

7. خيانة عهد

يعتبر مسلسل «خيانة عهد» نموذجاً مثالياً للدراما التي تعجب المشاهد المصري خاصة في هذا الوقت الاستثنائي الذي يعيشه الجميع، نظراً لتراجيديته الشديدة وارتفاع احتمالات البكاء بهيستريا أثناء المشاهدة، ومع الاعتراف بأن «يسرا» أصبحت وجهاً رمضانياً مألوفاً وأصبح المشاهد ينتظر مسلسلاتها إلا أن هذا المسلسل كان مناسباً فعلاً لأجواء الكآبة التي تسيطر على الأجواء، خاصة مع أداء بيومي فؤاد الذي أشاد به الكثيرون والذي أخرجه من عباءة الكوميديا قليلاً.

مسلسل خيانة عهد من تأليف أحمد عادل سلطان، وسيناريو وحوار أمين جمال، ومن إخراج سامح عبد العزيز، وقد نجح المسلسل في السيطرة على مشاعر المشاهدين لالتزامه بالخلطة الدرامية السحرية التي تجتذب الجمهور المصري، فهو خليط من التضحية والخيانة والموت وقراءة الفنجان والانتقام، توليفة قادرة على تفجير نافورة من الدموع التي تشعرك بالسعادة بعدها.

8. النهاية

كان مسلسل «النهاية» ليوسف الشريف هو مسلسل العودة الرمضانية له، وقد كان المسلسل جديداً ليس على يوسف الشريف فهو دوماً مثير للجدل بالأفكار التي يختارها مواضيع لمسلسلاته ولكنه كان جديداً على الجمهور المصري والدراما المصرية بشكل عام، فهو مسلسل خيال علمي يحكي قصة من قصص ما بعد المحرقة ويتعرض للماسونية وللذكاء الاصطناعي، وكانت مؤثراته البصرية غير معتادة تماماً على الدراما المصرية.

ورغم أن المسلسل احتوى على الكثير من الأخطاء العلمية وأخطاء في التنفيذ ومشاكل في القصة نفسها، إلا أنه كان خطوة مهمة نحو تقديم هذا النوع من الدراما، وقد نجح في لفت نظر الجمهور له، كان المسلسل فكرة يوسف الشريف وتأليف عمرو سمير عاطف، ومن إخراج ياسر سامي.

9. الفتوة

اسم ياسر جلال أصبح من الأسماء الرمضانية المهمة، ومؤخراً فإن ياسر جلال بطل درامي تنتظر أعماله فئة غير قليلة من الجمهور، وقد قدم هذا العام في مسلسله «الفتوة» أحد أثرى الأعمال الدرامية على مستوى الصورة، وقد كانت القصة نفسها أيضاً جيدة ومن صميم ثقافة الشعب المصري.

المسلسل من تأليف هاني سرحان، ومن إخراج حسن المنباوي، وشارك ياسر جلال في بطولته أحمد صلاح حسني ومي عمر ونجلاء بدر، ونجح المسلسل في اجتذاب اهتمام المشاهدين وحظى بردود أفعال إيجابية مستحقة.

10. الاختيار

المسلسل الأهم والأكثر شهرة هذا العام، والذي يتعامل معه الجميع على أنه نوع مستقل بذاته من الدراما وتلقاه الجمهور على هذا الأساس وناقشه الإعلام على نفس الأساس، ولازال الاختيار يناقش في كل البرامج ولا زال نجومه وصناعه يخرجون للحديث عنه وعن ظروف صناعته وتصويره، المسلسل قدم السيرة الذاتية للبطل الشهيد أحمد منسي أحد شهداء موقعة كمين البرث بالتوازي مع السيرة الذاتية للإرهابي هشام عشماوي الضابط السابق وزميل منسي قبل انضمامه للجماعات الإرهابية، المسلسل كان من بطولة حضرة الضابط أمير كرارة وأحمد العوضي والكثير جداً من الضيوف، ومن إخراج بيتر ميمي وكتابة باهر دويدار.

 المسلسل كان جيداً من ناحية الصناعة، وقد قام بيتر ميمي بمجهود حقيقي يحسب له بلا جدال، أي نعم حمل المسلسل بعض الأخطاء ولكنه خطوة مهمة في تقديم الدراما الحربية ذات الميزانيات العملاقة، المشكلة الوحيدة في المسلسل هي التعامل معه على أنه مشروع قومي وليس مسلسلاً تليفزيونياً، وبالتالي فإنه ليس من المسموح مناقشته بحيادية وكأن تكريم الشهداء لن يستقيم مع نقد المسلسل.