في منشور مفاجئ أخبر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، متابعيه أنه يعتقد أن اعتقاله سيتم في أي لحظة. ثم حددّ لهم الثلاثاء 21 مارس/ آذار موعدًا للاعتقال. ترامب قال إن الاعتقال سوف يجري بسبب تحقيق يقوم به محامو منطقة مانهاتن بخصوص زعم إعطاء ترامب لأموال لممثلة أفلام إباحية عام 2016 للسكوت بخصوص علاقة مزعومة تجمعهما.

في حال صدور هذا القرار فسيكون ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يجري توقيفه بسبب اتهامات جنائية. التحقيقات تستند على ادعاءات ستورمي دانييلز، اسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، بأنها تقاضت 130 ألف دولار من مايكل كوهين، محامي دونالد ترامب. المُدعيّة تقول إن فريق ترامب رأى أن كشفها عن تلك العلاقة سيؤثر على نتائج الانتخابات لهذا دفعوا لها مقابل الصمت.

ترامب كرر على مسامع أنصاره خبر اعتقاله. قائلًا إن المرشح الجمهوري الذي يتجاوز الآخرين بمراحل، يقصد نفسه، سيجري اعتقاله. ودعا أنصاره للاحتجاج وقطع الطريق على من يحاولون اعتقاله. روح الثورة تلبّست ترامب فغرّد مرة أخرى قائلًا، إن الولايات المتحدة تحتضر. وأن الأمريكيين الوطنيين يعتقلون ويُحتجزون كالحيوانات، لأنهم ينتقدون الجرائم والتضخم والسجون. لم يكتف ترامب بذلك بل شن هجومًا لاذعًا على المدعي العام في منهاتن واصفًا إياه بالفاسد والمُسيس.

لكن الفريق القانوني لترامب أوضح أنه في حال توجيه أي اتهامات جنائية لترامب فإنه سيسلم نفسه ولن يقاوم الاعتقال. وأعلن أن ترامب يقيم في منزله في فلوريدا للأيام القادمة ولن يغادره. لا يريد ترامب إضافة تهمة مقاومة السلطات أو الاعتقال لسجله، ويكفيه ما أثاره من عاصفة من الانتقادات والاعتراض. كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب الأمريكي، أعلن أنه يجري تحقيقًا في شخوص المدعيين العاميين الذين يعتزمون مقاضاة ترامب.

 كما وجه مكارثي انتقادًا لاذعًا لهم بسوء الاستخدام المُشين للسلطة. والسعي وراء الانتقام السياسي من ترامب. وواصفًا هذه الإجراءات بأنها استخدام للأموال الفيدرالية من أجل تقويض الديموقراطية عبر التأثير على القرار السياسي في الانتخابات القادمة.

الثغرة التي اقتنصها المحققون

من الطبيعي أن يصطف الجمهوريون خلف ترامب. لكن بعضهم قد دعم التحقيق، مثل النائبين تشيب روي ومارجوري تايلور، عن ولايتي تكساس وجورجيا. كما أن موقف الديمقراطيين بالتأكيد متوقع. فلم يكتفوا بدعم التحقيقات، بل هاجموا مكارثي الذين رأوا أنه هو الآخر يستغل سلطته ويضغط إعلاميًا على المحققين للتغاضي عن جريمة ترامب.

يريد الديمقراطيون من هذا التحقيق إزاحة ترامب عن الخريطة السياسية والانتخابية. لكن ربما ما سيحدث هو العكس. كما غرّد الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، أن الأمر قد ينتهي بوجود ترامب في البيت الأبيض بانتصار ساحق في انتخابات عام 2024 إذا وُجهت له أي اتهامات. خصوصًا أن الشق القانوني لهذه القضية سيكون معقدًا أمام لجنة التحقيق. فعلى اللجنة أن تثبت أن ترامب قام بتزوير سجلات حملة كوهين لإخفاء عملية دفع الأموال.

بخاصة أن دفع الأموال من ترامب لكوهين، أو من كوهين للممثلة، لا يعد أمرًا غير قانوني، ولا مشكلة جنائية منه. الثغرة التي يريد المحققون اقتناصها هي أنه حين دفع ترامب الأموال لكوهين فقد سجلها في مستنداته بأنها رسوم إجراءات قانونية. ما يعني أن ترامب قام بتزوير سجلات أعماله، وهو ما يرقى في القانون الأمريكي إلى مخالفة أو جنحة جنائية. وقد يلعب المحققون، أو محامو الادعاء، على وتر أن إخفاء المعلومة كان دافعه رغبة ترامب في ألا يعلم ناخبوه بالأمر، وقد قام بتزوير السجلات لتضليلهم. هذا التفسير قد يرفع القضية لمستوى أشد خطورة.

كما أن هناك شبه إجماع في أوساط المؤيدين والمعارضين أن تلك القضية ليست سهلة، وليست واضحة. فالسوابق المشابهة لتلك القضايا باءت بالفشل الذريع. كما أنه لم ينجح أي محقق في توجيه اتهام لمرشح انتخابي أنه جاوز الخط الفاصل بين الإنفاق على الحملة والانفاق الشخصي.

سيحكم من داخل السجن

إذا فرضنا أنه سيتم توجيه للاتهام، فإن ما سيحدث هو الإجراءات المتعارف عليها. ستبدأ بسفر ترامب من منزله في فلوريدا، للمثول أمام محكمة مدينة نيويورك. وتكتمل العملية بحجز رسمي، ويتم أخذ بصماته وتصويره. لكن بالطبع ستكون مواعيد هذه الخطوات غير واضحة، وغير معلن عنها. ومن المؤكد أنها ستكون بالتنسيق بين فريق دفاع ترامب، ومكتب المدعي العام. وريثما يتم حجز القضية، واختيار القاضي ستُعلن باقي التفاصيل، مثل موعد المحاكمة وقيود السفر وإمكانية إطلاق السراح بكفالة.

وبعد سير إجراءات القضية سيكون ترامب أمام عدة سيناريوهات، أولها هو البراءة. ثانيها الحكم عليه بالمخالفة دون ترقيتها لشبهة جنائية، حينها سيدفع غرامة مالية فقط. لكن إذا رأت المحكمة أن الامر يرتقي لتهمة جنائية فسيقضي ترامب عقوبة بالسجن تصل إلى 4 سنوات كحد أقصى. يتوقع المتفائلون السيناريو الأول، أما المتشائمون فيرون الثاني، لكن لا أحد يتوقع أن الأمر سيفضي إلى قضاء مدة زمنية أيًا كانت بالسجن.

المخاوف الحقيقية تأتي من احتمالية اندلاع أعمال شغب واحتجاجات مشابهة لما حدث في الكونجرس عام 2021. خصوصًا أن ترامب يستخدم نفس اللهجة المتحفزة والداعية للغضب الشعبي. الأمر الذي أثار غضب براغ، مدعي عام نيويورك، إذا سرّبت شرطة نيويورك رسالة وصلتها منه يقول فيها إنه لا يتسامح مع المحاولات الرامية لترهيب مكتبه، أو تهديد سيادة القانون في نيويورك.

لكن عمومًا لا توجد حتى اللحظة أي علامات على وجود احتجاجات جماهيرية منظمة كالتي حدثت في الكونجرس سابقًا. لأن الأمر لن يؤثر على قدرة ترامب في دخول الانتخابات القادمة. فتوجيه لائحة اتهام، أو حتى الإدانة الجنائية، لا يمكن دستوريًا أن تمنع ترامب من مواصلة حملته الجنائية، إذا كان هو يريد ذلك. وقد أعلن بوضوح أنه ينوي الاستمرار في الحملة حتى النهاية. عامة، لا يوجد في القانون الأمريكي ما يمنع من أُدين بجريمة من الترشح للانتخابات الرئاسية، أو حتى العمل كرئيس من داخل السجن.

دفع الأمور إلى أقصاها

لكن بالطبع سيؤدي الاعتقال، أو توجيه الاتهامات، إلى تعقيد الحملة الانتخابية. ربما يجمع حوله الأنصار السابقين، لكن يجعل مهمة الرجل في اجتذاب أصوات جديدة أمرًا صعبًا. المخيف من خطوة الاعتقال أنها ستؤدي إلى تعميق الانقسامات الموجودة في الداخل الأمريكي وزيادة حدتها. خصوصًا أن بعضهم يرون أن العدالة التي تُطبق على ترامب هي عدالة انتقائية، بينما يرى الليبراليون أنها عدالة ناجزة تُطبق على المخالفين حتى لو كانوا أكبر رأس في السلطة.

لهذا تشهد الولايات الأمريكية استنفارًا غير مسبوق بسبب الاضطرابات المحتملة، حتى لو كان احتمال وقوعها ضعيفًا. فمثلًا أقيمت حواجز فولاذية حول محكمة مانهاتن الجنائية حيث يمكن أخذ بصمات ترامب. وأن جميع أفراد المحاكم والشرطة قد تلقوا أوامر بعدم ارتداء ملابس مدنية، وارتداء زيهم الرسمي كاملًا للتفريق بينهم وبين المدنيين حال وقوع شغب بينهم.

خصوصًا أن لائحة الاتهامات قد تمتد لتشمل قضية احتفاظ ترامب بالهدايا التي أُهديت له أثناء وجوده في البيت الأبيض، والبالغة 300 ألف دولار. التي شملت هدايا من رؤساء عديد من الدول مثل الساعات الفخمة، ولوحات قيّمة، ولوحة لترامب نفسه مرسومة بالحجم الطبيعي.

ماذا سيحدث حال اعتقال ترامب هو سؤال مهم، لكن إجاباته ضبابية كما وضحّنا. لكن السؤال الأهم هو لماذا أعلن ترامب عن الأمر ونفخ في النار بهذه القوة. من الوارد أن ترامب أرد جس نبض الناخبين، ومعرفة موقعه من الشارع. ومهما يكن موقعه من استطلاعات الرأي قبل الإعلان عن اعتقاله، فإن الإعلان قد زاد من نقاط تأييده في استطلاعات الرأي. وربما ليس الإعلان إلا رغبة من ترامب، كعادته، في أخذ الأمور إلى أقصاها، وقد نجح في ذلك.