محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2019/12/09
الكاتب
ماري فيتزجيرالد

عام 2003 إذ وقفت قوات الولايات المتحدة على أبواب بغداد، تنبأ كاتب العمود ذو البصيرة في «open Democracy» بول روجرز بحرب تستمر ثلاثين عامًا. حذر قائلًا إن «طموحات الولايات المتحدة الحالية تضمن لها صراعًا مريرًا ممتدًا في الشرق الأوسط وما عداه». متفقًا مع روجرز، أكد الراحل فريد هاليداي أن إيران ستكون هي المستفيد الاستراتيجي من الغزو الأمريكي للعراق.على الأقل توقع كتابنا أن الحرب ستحدث وتنتهي داخل الشرق الأوسط، لكن قرار الرئيس دونالد ترامب الكارثي، المعلن أمس، بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني يجعل توقعاتهم لا تقترب حتى من التشاؤم. يقول ترامب عكس ما يعنيه، يزعم أنه يعوق طريقًا إيرانية جديدة للحرب، بينما في الواقع هو وحلفاؤه في إسرائيل يشعلون شرارة جولة جديدة وربما عالمية من الصراع.مستخدمًا القتل عن بعد ومتدرعًا بالطائرات بدون طيار، حاول الرئيس باراك أوباما الحد من خسائر الولايات المتحدة في العراق وإعادة بناء الحلف الدولي الذي دعم بلاده عندما اجتاحت أفغانستان عام 2001. توسُّع أوباما في حرب الطائرات بدون طيار لتحقيق هذه الغاية كان حسبة خاطئة. كانت لها عواقب وخيمة على بعض من أكثر الشعوب المسالمة في العالم، وأرست سابقة خطيرة، لكن كان لأوباما إنجاز بارز: الصفقة الإيرانية في 2015. جمعت واشنطن روسيا والصين والاتحاد الأوروبي لإجبار إيران على التخلي عن برنامجها للسلاح النووي، في اتفاقية عملية نافذة وغير مسبوقة عالميًا.تخلِّي ترامب عن الاتفاق بدلًا من البناء عليه جريمةٌ حمقاء ستكون لها توابع عالمية. أقلها أن الولايات المتحدة سيُنظر إليها في الشرق الأوسط بوصفها مجرد أبله يشجع تغييرات النظام الإسرائيلي الملهم والتمدد غير الإنساني في الأراضي الفلسطينية. تصبح واشنطن بالفعل أكثر عزلة بشكل متزايد بهذا الصدد: هذا ما يكمن وراء تعهد مندوبتها لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي بأن تأخذ أسماء الدول التي صوتت لصالح الحركة المعارضة لقرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل للقدس.


استفزاز الصين

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينج

بعيدًا عن الموقف في الشرق الأوسط لايزال الوضع خطيرًا. الأسبوع الماضي، طالبت الولايات المتحدة باتفاقية تجارة جديدة مع الصين. يلخص هذا التصرف الاستفزازي بشكل واضح مارتن وولف في جريدة Financial Times، ويخلص إلى أنه «لا توجد قوة عظمى ذات سيادة ستقبل بإهانة كهذه، ستكون هذه نسخة حديثة من المعاهدات المجحفة بالقرن التاسع عشر».كما لو أن كل حروب التجارة الخارجية مع بيكين ليست كافية، أعلن ترامب أنه ستكون هناك عقوبات طويلة المدى على من يستمر بالتجارة مع إيران. تعهد الاتحاد الأوروبي باتخاذه نهجًا موحدًا ضد هذا، وأصدرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بيانًا يؤكدون فيه التزامهم بالاتفاقية الإيرانية، التي يرونها أساسية لمنع انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط. بدون حدوث الصدام الاقتصادي المتوقع حتى، قد تسفر مواجهة بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي عندما ترتفع أسعار النفط عن انهيار النظام الاقتصادي العالمي. هذا قبل حدوث صراع مفتوح في الشرق الأوسط، والذي يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيستمتع به. لو كان هؤلاء الذين يخوضون حربًا مدمرة بالوكالة في سوريا يهاجمون بعضهم مباشرة، قد يؤدي هذا لغلق مضيق هرمز، معرقًلا بذلك وصول إمدادات العالم من البترول أيًا كان سعرها.عندما صعّد ترامب لهجته ضد كوريا الشمالية فهو في الوقت نفسه كان يضغط على الصين لإجبارها على الجلوس إلى مائدة المفاوضات. لا يبدو أن هناك مخرجًا من هذا الآن بالأخذ في الاعتبار إيران. حماقته لا نظير لها في أي رئيس أمريكي سابق. مهرداد كونساري، دبلوماسي إيراني سابق، كتب لمشروع شمال أفريقيا غرب آسيا في open Democracy قبل أيام قليلة مضت، أنه لاحظ سخرية صعود نبرة «الصقور الإيرانية» في الولايات المتحدة في الوقت الذي أصبح فيه الأصوليون المتشددون مجرد أقلية في الحكم الإيراني ولا يحظون إلا بدعم شعبي بسيط. أضاف أن تهديدات ترامب بالانسحاب من الاتفاق الإيراني كانت هبة من السماء لإنعاش حظوظ المتشددين الإيرانيين.

حالمو اليسار

سنستشعر نتائج ذلك بعيدًا جدًا عن إيران. كل عدوان دولي من طرف واحد كالذي اتخذته الولايات المتحدة لتوها له عواقب محلية هائلة. هذا شيء ربما يفهمه فريق ترامب جيدًا وسيتشاور فيه الرئيس مع روبرت مردوخ وغيره من الأقلية الحاكمة ذوي المهارة في التلاعب بالرأي العام قبل اتخاذ قراره الأخير. باستثناءات قليلة، في الولايات المتحدة وبريطانيا، أصيب المركز المحلي والليبرالي واليسار بالشلل بشكل كبير منذ البريكست وانتخاب ترامب، آملين أن هذه الأهوال سيتم إحباطها بطريقة ما بتصويت برلماني أو برفع دعوى قضائية، كما لو كانت كوابيس يمكن أن تستيقظ شعوبهم منها إذا حاولوا بجهد كافٍ. في الواقع إنهم معارضو ترامب هم من يحلمون عوضًا عن التشبث بالواقع. كما جادل الفيلسوف السياسي مايكل ساندل في محاضرة قوية ننشرها اليوم.كما أوضح ترامب، فإن اليمين المتشدد يفضل تصعيد الأمر بدلًا من الوصول لحل وسط، وهو التوجه الذي يدفع حلفاء الرئيس وبعض مستشاريه إليه. هذا يعني أن علينا تحضير أنفسنا للأسوأ. الاختبار الشعبي الأول سيكون الانتخابات النصفية القادمة في الولايات المتحدة، حيث يمكن للمصوتين الإطاحة بالمرشحين الجمهوريين. لكن نغمة المؤامرة العالمية تستخدم دائمًا لزيادة شعبية الرئيس على المدى القصير وشرعنة قمع المعارضة. سيأتي ترامب بالحرب للبلاد.

ما يمكن لأوروبا أن تفعله

الولايات المتحدة الأمريكية, الصين, شي جين بينج, دونالد ترامب
الولايات المتحدة الأمريكية, الصين, شي جين بينج, دونالد ترامب
ومع هذا، توفر قفزة ترامب نحو المجهول فرصة لقارة أوروبا المنقسمة أن تجد لها أرضية مشتركة وتلعب دورًا بناءً في العالم. الديمقراطيات النامية في أوروبا غارقة في مشاكلها الداخلية: البريكست هو تهديد أبسط من انحدار المجر ناحية الحكم الفردي المعادي للأجانب، والانتصارات التاريخية لليمين المتطرف في النمسا، وتحول بولندا السريع ضد الديمقراطية، كل ذلك تضخم على إثر موجات عاتية من معاداة المهاجرين والبروباجندا العنصرية. بالطبع هناك مخاطرة مضاعفة بسبب البريكست، أن تتخلى بريطانيا عن الاتفاق الإيراني في محاولة لمغازلة نظام ترامب، وأن تغامر باتفاقية التجارة الحرة، سيدفع داعمو التقارب مع الحكومة الأمريكية الذين يهيمنون على الحكومة الضعيفة لرئيسة الوزراء تيريزا ماي في هذا الاتجاه.على أي حال، ما زالت بريطانيا متأثرة بجراحها من تجربتها الأخيرة في اتباع خطى رئيس الولايات المتحدة الذي وعد بشن حملة صليبية من الخير ضد الشر. بالرغم من علاقاته الشخصية الدافئة مع ترامب، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تخبط الولايات المتحدة بشأن اتفاقاتها الدولية بالجنون، ويعرض الالتزام المستمر من روسيا والصين تجاه الاتفاق الإيراني على القادة الأوروبيين فرصة للحاق بدرب مختلف في الشكل والمضمون كليهما.يتطلب الأمر شجاعة ورؤية، والأخذ في الاعتبار قوة الولايات المتحدة الاقتصادية. تحتاج أوروبا بشدة لتبني رواية موحدة، لكن الفجوة بين الأقوال والأفعال لمن يسمون بقادة أوروبا يمكنه أن يكون عميقًا بلا شك: مشاهدة تصريحاتهم الصحفية المسكنة عن القيم المشتركة أثناء إلغاء صفقات مثيرة للسخرية مع تركيا بهدف إبقاء أسراب المهاجرين بعيدًا واستخدام اللهجة العنصرية لرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون. تذكر أيضًا الرأي المنافق – خصوصًا من بريطانيا – في التعامل مع المملكة العربية السعودية، نظام آخر يصدر فوضى إقليمية ويسيء معاملة مواطنيه في بلدهم. كان ملحوظًا أن الصحافة البريطانية ابتلعت ورددت كالببغاء الرواية الرسمية عن حملة تطهير السعودية من الفساد العام الماضي على يد ولي العهد الجديد، كما لو أن السماح للمرأة بقيادة السيارات قد يخلق توازنًا في مقابل حرب وحشية في اليمن وعدد لا يحصى من انتهاكات حقوق الإنسان.لكن مواجهة ترامب الآن، كمتنمر يقدم النقيض تمامًا لكل ما يعنيه أن تكون أوروبيًا، يمكن أن يساعد في البدء بسد تلك الفجوة بين الأقوال والأفعال في أوروبا. معركة عصرية للدفاع عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان للجميع، من كل عرق وجنس ودين. حان الوقت لكل من يمكنهم الوقوف معًا ليظهروا ما يفتقده مشروع ترامب السام الاستقطابي من حكمة وسعة أفق وتماسك. لا توجد فرصة للخطأ.