أخطط للترشح في الانتخابات ثانيةً.

هكذا أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أول مؤتمر صحفي له، نيته عدم الاكتفاء بولاية واحدة في البيت الأبيض، وخوض السباق الرئاسي المقرر إجراؤه في 2024.

فمنذ الخسارة المدوية للرئيس الجمهوري دونالد ترامب أمام «بايدن» في انتخابات 2020، رغم التوقع المسبق بها، والحديث لم ينقطع عمّن سينافس لرئاسة الولايات المتحدة بعد أقل من 4 سنوات، فهناك الأول الذي وعد بالعودة مُجددًا، وخلفه الديمقراطي، البالغ من العمر 78 عامًا، والذي بدأت تنهال عليه اتهامات ضعف الأداء.

القائمة تمتد، بلا شك، إلى المزيد من الشخصيات التي قد تتسابق للوصول إلى منصب الرئيس الأمريكي السابع والأربعين.

تاكر كارلسون

إنه شخصية بارزة… صريحة الرأي.

هكذا تصف «راشيل باتشينو»، في تقرير لموقع «ناشونال انترست» مُقدِّم البرامج الشهير «تاكر كارلسون»، الذي ترى أن بإمكانه السيطرة على الحزب الجمهوري، وأن يترشح عنه في انتخابات 2024.

رغم أن «ترامب» ما زال يمثل مركز قوة داخل الحزب الجمهوري، وهو ما سيُمكِّنه من الترشح لدخول البيت الأبيض ثانيةً والتفوق في الانتخابات الرئاسية التمهيدية، إلا أن عددًا آخر من أعضاء الحزب برزوا إلى المشهد، من بينهم نائب الرئيس السابق «مايك بنس»، وحاكم ولاية فلوريدا «رون ديسانتس»، والسفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة «نيكي هالي».

وإلى جانب هؤلاء، يتردد اسم «كارلسون»، مُقدِّم برنامج Tucker Carlson Tonight منافسًا لهم، ليس هذا فحسب، بل هو واحد من أكثر المرشحين الذي يُطلق عليهم أشباه «ترامب» السياسيين.

يتباهى مُقدِّم البرامج الشهير بسياسة الشعبوية، ومناهضة الهجرة، والوقوف في وجه التجارة الحرة، ودعم الاقتصاد الذي يحمل شعار «أمريكا أولًا»، وهي الأفكار ذات القيمة الكبيرة لدى أنصار الرئيس السابق.

يشير «جرانت ريير» أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيراكيوز، إلى حرص «كارلسون» على التركيز على ما يبدو فشلًا وحماقات يرتكبها النخبة الديمقراطية في الولايات المتحدة، وهو ما يجعله يحظى بمكانة جيدة كتلك التي يحظى بها أي شخص يُمكنه أن «يرث» أنصار ترامب، لكن المنصب الذي يشغله، وكونه مرشحًا فرديًا -قادمًا من خارج الحزب- يمنحانه المزيد من الجاذبية بعيدًا عن المواصفات القياسية التي يتسم بها الجمهوريون.

وخلال الآونة الأخيرة، نجح «كارلسون»، الذي بات يطلق عليه «دونالد ترامب الجديد»، في البقاء على تواصل مع رابطة «فلنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، في الوقت الذي حظرت كبرى مواقع التواصل الاجتماعي حسابات الرئيس الجمهوري والعديد من أتباعه.

أمّا أستاذة العلوم السياسية في جامعة نيويورك «لويني هودي»، فتصف المذيع الأمريكي بمنافس حقيقي على ترشيح الحزب الجمهوري، فهو فصيح اللسان، لا يخشى أن يصف الأمور بالطريقة التي تستقطب أنصار ترامب، فكلماته اللاذعة المناهضة للهجرة، ولحركة «حياة السود مهمة»، وغيرها تجعله جذّابًا أمام هذه الفئة.

«ترامب» أكثر من اللازم

غير أن الأوقات الطويلة التي أطل فيها «كارلسون» على الشعب الأمريكي في برنامجه قد تتحول إلى سلاح ذي حدين خلال حملته الانتخابية المحتملة، فعلى سبيل المثال، أهان مقدم البرامج مُجندات الجيش الأمريكي، واصفًا مشاركة الحوامل في حروب الولايات المتحدة بالاستهزاء بهذا الجيش.

المذيع الأمريكي لم يرُق له تعديل القواعد التي تخضع لها الإناث في الجيش، والتي شملت تصميم بذلات طيران عسكرية تناسب الحوامل، والسماح لهم بتصفيف شعرهن، وهو الأمر الذي كان مُحرمًا عليهن في السابق، مُنتقدًا تعليقات «بايدن» التي قال فيها إن الجيش الأمريكي لابد أن يكون أكثر نسوية.

وتجاهل «كارلسون» في هجومه أن عملية تصميم البذلات الجديدة، على سبيل المثال، بدأت قبل وصول الرئيس الحالي إلى سدة الحكم، ليواجه انتقادات لاذعة كان من بينها تعليقات السيناتور «تامي دكورث»، والتي فقدت ساقيها خلال الغزو الأمريكي للعراق.

التعليقات المريبة التي يطلقها شبيه «ترامب»، على شاشة فوكس نيوز، كذلك قد تمنعه من أن تمتد قاعدة مؤيديه لأبعد من هؤلاء الذين اختاروا الأخير من قاعدة الحزب، ففي آخر تعليقاته العنصرية التي وصفها البعض بأنها قد تكون الأخطر على الإطلاق، اتهم المذيع الأمريكي الحزب الديمقراطي بمحاولة تغيير سمات الناخب في الولايات المتحدة، واستبدال المواطنين بسكان أكثر طاعة لهم قادمين من العالم الثالث، ليتمكنوا من البقاء في السلطة.

وتطرف المذيع اليميني كذلك في رأيه إلى لقاحات كورونا، بقوله إذا كان على منْ تلقوا التطعيم أن يرتدوا الكمامات، والالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي، فلابد أن يكون اللقاح غير فعّال، ليتخطى حدود سياسة التهاون التي اتبعها ترامب مع الوباء المستجد. حيث قال:

لماذا لا يزال الحاصلون على التطعيم ممنوعين من ممارسة الحياة الطبيعية؟ ربما لا يكون فعّالًا، ولا يخبرونكم بحقيقة الأمر… أنتم تكرهون التفكير بهذه الطريقة، خاصةً إذا حصلتم على الجرعتين، لكن هل هناك احتمال آخر؟

ردود الفعل على تشكيك «كارلسون» باللقاحات الثلاثة المعتمدة داخل الولايات المتحدة أتته من أطراف عدة، على رأسهم خصم «ترامب» الدكتور «أنتوني فاوتشي» الذي وصف تلك التعليقات بأنها نظرية جنونية من نظريات المؤامرة.

كيف وصل «كارلسون» إلى هنا؟

«كارلسون» المولود عام 1969 في ولاية كاليفورنيا، لعائلة ثرية، لم يكن يُخطِّط أن يصبح صاحب البرنامج التلفزيوني الإخباري الأكثر مشاهدة في العالم، بل الفشل هو الذي انتهى به، بكل بساطة، إلى ذلك.

لم يتمكن «كارلسون» من الالتحاق بأي من الجامعات الأمريكية المرموقة، ولم يجد أمامه سوى السفر للالتحاق بكلية ترينتي الإيرلندية، حيث درس التاريخ، بمساعدة والد صديقته «سوسي أندروز»، التي سيتزوجها فيما بعد، وفقًا لـ «بيزنس إنسايدر».

بعد تخرجه عام 1991، تقدم «كارلسون» للالتحاق بوظيفة تابعة لجهاز الاستخبارات الأمريكية CIA، لكن طلبه قوبل بالرفض، فقرر أن يعيش في جلباب أبيه، والعمل مثله في الصحافة، وهو المجال الذي استمر فيه 9 أعوام.

في عام 2000، انتقل «كارلسون» من الصحافة إلى التليفزيون، وحين سُئل في حوار مع صحيفة «ذا نيويوركر»، بعد ذلك بـ 17 عامًا، عن السبب، أتى جوابه صادمًا، وصريحًا للغاية: بأن المتطلبات المادية هي ما وقفت وراء الأمر.

وحين رحل عن شبكة «سي إن إن» إلى MSNBC، لم يحقق برنامجه النجاح الكافي الذي يدفع القناة الأخيرة للاحتفاظ به، فبات عاطلًا، وهو في عمر الأربعين، ليعلن تأسيس موقع The Daily Caller، مُفسحًا المجال للعديد من كُتَّاب تيار اليمين.

النجاح في «فوكس نيوز» لم يكن كذلك سهلًا بالنسبة لـ «كارلسون»، حيث ظهر في البداية في برامج الآخرين، وعمل كمُقدِّم بديل للبرنامج الذي يُقدمه «سين هانيتي»، قبل أن يبدأ برنامجه الحالي عام 2016.

هل يحلم «كارلسون» بدخول البيت الأبيض؟

الإجابة حسب تصريحات سابقة له: لا…

فالمذيع الأمريكي غير مهتم بأن يصبح الرئيس القادم، كما أنه لم يُعلِّق على مقال نشرته مجلة «بولتيكو» الأمريكية، العام الماضي (2020)، بشأن توافق أعضاء الحزب الجمهوري بأن هناك فرصة قوية أمامه، إذا ما قرر خوض السباق.

العلاقة بين العمل الإعلامي وهوية الرئيس في الولايات المتحدة باتت كذلك شائكة للغاية، ولا تقف عند حد السياسة التحريرية فحسب، إذ خسرت وسائل الإعلام برحيل «ترامب» الكثير، وهو ما تزامن مع الأزمات الاقتصادية لتلك المؤسسات، وبالتالي زاد عدد الصحفيين الذين خسروا وظائفهم، ما قد يدفع «كارلسون» إلى التمادي في تعليقاته المثيرة للجدل حفاظًا على شعبية برنامجه.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.