محتوى مترجم
المصدر
The Gaurdian
التاريخ
2016/06/21
الكاتب
هيلين دانسر

القصرين، تونس – إنه وقت الغداء في مدينة القصرين التونسية. من مقاعد بلاستيكية في مقهى على الرصيف يقع بالشارع الرئيسي للمدينة، يشاهد مجموعة من الشباب حراسًا مدججين بالسلاح يحرسون أفضل فندق بالمدينة.هنا في القصرين، يعد الأمن أمرًا أساسيًا. تقع المدينة على بعد بضع ساعات بالسيارة شرقًا من الحدود الجزائرية وجبال شامبي، وهو موقع تدريبٍ معروف للمتطرفين الإسلاميين. كما أنها واحدة من أفقر المدن في البلاد، حيث البطالة متفشية، خصوصًا وسط الشباب، ما يجعل الكثير من الشباب المهمش عرضة للإغراء من قبل المُجندِين المتطرفين.

أكثر من 5,500 ممن تراوح أعمارهم بين 18 عامًا و35 عامًا من التونسيين انضم إلى تنظيمات مسلحة، بما في ذلك داعش والتنظيم التابع للقاعدة

نتيجة لذلك، تعد تونس الآن أكبر مصدرٍ للمتشددين الجهاديين في العالم. ووفق بيانات الأمم المتحدة، أكثر من 5,500 ممن تراوح أعمارهم بين 18 عامًا و35 عامًا من التونسيين قد انضم إلى تنظيمات مسلحة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتنظيم التابع للقاعدة، جبهة النصرة، في أنحاء سوريا، العراق وليبيا.يقول الخبراء بالأمم المتحدة أنه بينما «بعض (المجندين) مدفوعين بفعل الأيديولوجيات السياسية والدينية»، تم إغراء الكثيرين الآخرين بالوعد بالمكاسب المالية، أو الشعور بالهدف والانتماء.

بالنسبة لـ«طارق ذيبي»، وهو فنان جرافيتي عمره 23 عامًا ويدرس التصميم، اتسمت السنوات التي تلت الربيع العربي عام 2011 – عندما ثار التونسيون ضد المستبد زين العابدين بن علي – بخيبة الأمل وسط الشباب.

«هذه المدينة مجنونة»، حسبما يعلق، أثناء جلوسه خارج المقهى المزدحم. «بعد الثورة، لم تفعل الحكومة أي شيء لنا.. لذلك كره الكثيرون المجتمع».«لذلك ينضم الكثيرون إلى داعش. حيث تحصل على المال. الأشخاص الذين ينضمون إلى داعش حيواتهم خاوية. ليس لديهم أفكار خاصة بهم، لذلك يسهل إقناعهم».اختار «ذيبي» فن الجرافيتي كسلاحٍ من اختياره لمحاولة إعاقة المشكلة، وأقام العديد من ورش العمل للشباب. يريد «ذيبي» أن يعلمهم كيفية استخدام عبوة الرش، لكنه يأمل أيضًا أن تلك العملية سوف تساعدهم على تكوين شعور قوي بالهوية، ما قد يجعلهم أقل عرضة للانضمام إلى التنظيمات المتطرفة.«أظهر لي الجرافيتي أنه يمكنك أن تنجح دون حتى أن تمتلك أي إمكانيات”، حسبما يوضح، “لقد غيّر الفن دولًا وامبراطوريات، وقد اخترت الجرافيتي لأنه أسلوب حياتي».


خطوط الجرافيتي

كان «كريم جباري»، من القصرين أيضًا، هو من عرف «ذيبي» على ثقافة الهيب هوب وفن الجرافيتي. في أعقاب ثورة عام 2011، كان منسقًا للمهرجان الحضري للشوارع، حيث دُعى مغنيين راب دوليين، راقصين، منسقي أغاني، وفنانين إلى المدينة للاحتفال بثقافة الشباب.تعاون «جباري» آنذاك مع «ذيبي» للعمل على رسمة جرافيتي تمتد بطول جدار سجن القصرين. والتي تستمد من كلمات نصٍ للشاعر الثوري لمطلع القرن العشرين، «أبو القاسم الشابي»، بعنوان «يا ابن أمي»، ويجمع فيه بين الجرافيتي والخط العربي، وهو ما يُطلَق عليه «كليجرافيتي».تظل بقايا المهرجان منتشرة في أنحاء القصرين للتذكير بفترة أكثر تفاؤلًا. لا يزال مبنىً يقع غرب السجن يشكل نسيجًا لبصمة فنان الجرافيتي الفرنسي «زيفا» في «الكاليجرافيتي»، وعلى حائط منخفض قريب كتب أحدهم بالرش أحرف (ACAB)، الاختصار الشهير لعبارة «جميع ضباط الشرطة أوغاد»، بخطٍ أسود كبير.


لقد اكتفينا

ضمن استعداداته لورشة «عمر»، جهز «ذيبي» ما يعد بدايات منهج دراسي: خطة من ثمان نقاط لتصبح فنان جرافيتي.تشير التعليقات من السكان المحليين إلى أن هذا البرنامج سيلقى ترحابًا. «هناك توترٌ حادٌ. الأمر أشبه ببالون سينفجر من الضغط»، حسبما علق «علي رباح»، الذي يدير محطة الإذاعة المحلية للقصرين، وهو مشروع ولد من رماد الثورة للاحتفال بحرية الإعلام الجديدة والاستفادة منها.مثل «ذيبي»، قاتل «رباح» في الثورة لكنه أصبح منذ ذلك الحين خائب الأمل في ضوء نقص التقدم. «لقد اكتفينا من السياسيين الذين لا يقدمون ولا يؤخرون»، حسبما علق، «الشعب يريد التنمية – خطة عمل واضحة للمنطقة».

قدمت الحكومة مشروع قانونٍ لمكافحة الإرهاب واتخذت خطوات لضبط المساجد التي يسيطر عليها المتطرفين بشكل أفضل

بعد الهجمات التي وقعت بمتحف «باردو» بتونس في مارس 2015، قدمت الحكومة مشروع قانونٍ لمكافحة الإرهاب واتخذت خطوات لضبط المساجد التي يسيطر عليها المتطرفين بشكل أفضل. لكن بالنسبة للكثيرين، أسفر ذلك عن المزيد من المضايقات وأثار مخاوف حول أن القانون سوف يكبح الحريات التي ظفرت بها البلاد بشق الأنفس.يتذكر «ذيبي» تجربة أحد أصدقائه بالمدرسة، الذي يقول أنه تعرض للسجن لعامين دون محاكمة بعد أن تردد على مسجد للمحافظين. «أصبح الآن يكره الحكومة والمجتمع بدرجة أكبر كثيرًا»، حسبما أضاف.إنه موقفٌ حساس، وتُجبر منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية على التدخل لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف.تدير «منية محمدي» منظمة «أمل» – وهي منظمة غير حكومية تعمل على «محاربة الظلم الذي أعاد تثبيت ذاته، وفهم وتعليم اللغة اللازمة لفعل ذلك»، حسبما توضح، «إنه نقص التفكير النقدي هو ما يعد خطيرًا جدًا».بالنسبة لـ«ذيبي»، تمثل عبوة الرش مجرد استراتيجية يأمل أنها ستصنع فارقًا. «أريد أن أشارك إلهامي مع الجميع. من أجلنا لنكون إخوة وأخوات»، ويتابع، «في ديننا، نحن نتشارك. سوف أقاتل من أجلهم، وآمل أنهم سوف يقاتلون من أجلي ومن أجل مجتمعنا».