تشهد تركيا تحركات سياسية متسارعة منذ إعلان الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» اختيار يوم 14 مايو/أيار المقبل لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو إجراء كان متوقعًا بالنظر إلى التلميحات السابقة الخاصة بهذا الأمر.

ويوافق يوم 14 مايو/أيار الذكرى السنوية لأول انتخابات حرّة تشهدها تركيا، التي أسفرت عن فوز الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس عام 1950، حين أطاح بحزب الشعب الجمهوري الذي يقود اليوم تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب، لذا قال أردوغان «سترد أمتنا على تحالف الطاولة السداسية في نفس اليوم بعد 73 عامًا».

و«الطاولة السداسية» هو تحالف معارض يضم ستة أحزاب يتقدمهم حزب الشعب الجمهوري الذي يرأسه كمال كليجدار أوغلو زعيم المعارضة، وحزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار، وحزب السعادة بزعامة تمل كرم الله أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان، وحزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو، والحزب الديمقراطي الذي يقوده غول تكين أويصال، ويتوقّع أن يعلن هذا التحالف عن مرشحه الرئاسي في فبراير/شباط.

ولم ينضم حزب الشعوب الديمقراطي إلى التحالف المعارض، ووجه صلاح الدين دميرطاش، الرئيس السابق الحزب، انتقادات إلى تحالف الأحزاب الستة المعارضة بسبب عدم اختيارهم المرشح المشترك للانتخابات الرئاسية.

وأشار دميرطاش الذي يقبع في السجن منذ نحو ست سنوات، إلى أن هذه الانتخابات سوف تنتج ديمقراطية كاملة أو ديكتاتورية كاملة، على حد وصفه.

جدل الانتخابات

من المقرر أن ينتخب الأتراك رئيسًا جديدًا للجمهورية و600 عضو في الجمعية الوطنية، وكلاهما لمدة 5 سنوات.

وبدأ اعتماد العمل بهذا النظام الانتخابي منذ عام 2014، حينما تم إلغاء انتخاب الرئيس من أعضاء البرلمان، لكن اليوم يتم اختياره بالانتخابات المباشرة، وعليه أن يحوز أغلبية الأصوات من الجولة الأولى، وإلا تتم الإعادة بين الاثنين الحائزين على أعلى الأصوات.

وتريد أحزاب المعارضة إلغاء النظام الرئاسي وإعادة النظام البرلماني، وترفض ترشح أردوغان لفترة ولاية رئاسية ثالثة لأن الدستور يمنع ترشحه لأكثر من دورتين فقط، لكن مؤيدي أردوغان يجادلون بأنه مؤهل للترشح لولاية ثالثة لأن النظام الرئاسي التنفيذي الحالي لم ينفذ تنفيذًا كاملًا إلا بعد انتهاء فترة ولايته الأولى، مما يعني أن فترة حكمه بين عامي 2014 و2018 لن تحتسب في هذا الصدد، كما أن تبكير موعد الانتخابات يجعل فترة ولايته الثانية غير مكتملة أيضًا ولا تحتسب.

ويصر أردوغان على أنه لم يذهب باتجاه إجراء انتخابات مبكرة بل لا يعدو الأمر تعديلًا لوقت التصويت نظرًا لمواعيد الاختبارات الجامعية، إذ يتيح وقت الانتخابات الجديد مشاركة انتخابية أوسع، فقد كان إجراؤها في يونيو/حزيران يتزامن مع عطلة الجامعات والمؤسسات التعليمية، ولهذا يسافر كثير من الناس من المدن إلى الأرياف، ولذلك يحاول التحالف الحاكم إجراء الانتخابات قبل انتقال الناس إلى قراهم بعد انتهاء اختبارات الجامعات، بخاصة وأن القانون يحظر المشاركة في الانتخابات على من غيّروا عناوين سكنهم قبل موعد التصويت بثلاثة أشهر على الأكثر.

الحسابات الإقليمية والدولية

لا يقتصر الاهتمام بهذه الانتخابات على الشعب التركي فقط؛ فنظرًا لتدخلات أنقرة الإقليمية ودورها الدولي المتنامي أصبح الشأن التركي في صميم اهتمامات دول أخرى، وترتبط نتيجة الانتخابات بسياسات وقرارات تؤثر على شعوب تلك الدول، فعلى سبيل المثال تؤيد المعارضة بقوة إصلاح العلاقات مع النظام السوري وترحيل اللاجئين السوريين، فاستبق أردوغان الانتخابات بالتقارب مع نظام الأسد ليربك حسابات معارضيه، رغم تمسكه بالمكتسبات التي حققها الجيش التركي في سوريا، وهذه نقطة لم تبد المعارضة طرحًا متماسكًا حيالها.

يأتي هذا وسط أجواء ترقب لعملية عسكرية تركية في الشمال السوري ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل ضد الأتراك منذ عقود، وقد أكد رئيس قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أن أنقرة سوف تشن عملية عسكرية قبل الانتخابات التركية ضد قواته في شمال سوريا.

من جانبه أشار الباحث المتخصص في الشئون التركية، محمد أبو سبحة، إلى أن سوريا التي تبدو مرحبة بخطوة التطبيع التركية في ظل احتياط دول عربية عديدة من الإقدام على الخطوة، لا يُتوقع أن تصل لمرحلة التطبيع الكامل مع تركيا إلا بعد استقرار الحكومة الجديدة.

وأكد أبو سبحة في تصريحاته لـ«إضاءات» أن قرار أردوغان بالتصالح مع دمشق بعد 11 عامًا من العداء، سببه الرئيس هو الانتخابات المقبلة، فبجانب رغبته في القضاء على القوات الكردية في شمال شرق سوريا، هناك قضية اللاجئين السوريين في تركيا التي أثارتها المعارضة على مدى السنوات الأخيرة، حيث وعد رؤساء أحزاب معارضة بأن أول قراراتهم سيكون ترحيل السوريين طوعًا أو كرهًا، لذلك قرر أردوغان أن تظل الكرة في ملعبه ويكسب باتخاذ قرار ترحيلهم أصواتًا انتخابية على حساب المعارضة بل الأهم أن يحافظ على أصوات المترددين في التصويت له أمام إغراءات المعارضة، وبلا شك لن يتحقق الوعد الذي أطلقه العام الماضي بترحيل مليون لاجئ سوري دون توافق تام مع بشار الأسد، لذلك اتخذ هذا القرار المثير معلنًا أنه سيلتقي قريبًا بشار الأسد، بما يعني تحقيق التطبيع الكامل مع سوريا.

ولفت الباحث المتخصص في الشئون التركية إلى أن هناك ترقبًا في الأوساط الدولية لنتيجة الانتخابات المقبلة في تركيا، باعتبارها دولة محورية في المنطقة، والنتيجة التي ستسفر عنها الانتخابات ستبني عليها حكومات الدول الحليفة وغير الحليفة قراراتها المستقبلية في التعاون مع تركيا عضو حلف الناتو، واللاعب الرئيسي في عدة ملفات إقليمية مهمة، مضيفًا أن هناك ترجيحات بأن يظل حزب العدالة والتنمية في السلطة.

وحول المواقف الدولية المختلفة من تلك الانتخابات، بيّن أبو سبحة أن الاتحاد الأوروبي لا ينظر إلى تركيا أردوغان باعتبارها الحليف الأمثل، في ظل ابتزاز أنقرة المتكرر لدول الاتحاد بقضية اللاجئين، والمناوشات مع الدول الأعضاء في الاتحاد وفي مقدمتهم اليونان، لذلك تأمل الكتلة الأوروبية في أن تشهد تركيا تغييرًا سياسيًا ربما يصعب تحقيقه، وبالنسبة للولايات المتحدة، لا يمكن تناسي وعد الرئيس جو بايدن خلال حملته الانتخابية، بدعم المعارضة التركية للإطاحة بأردوغان، وكان هناك تصريح مثير مؤخرًا صدر عن جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، إذ دعا إلى ضرورة دعم المعارضة للفوز بالانتخابات المقبلة، وإيقاف أردوغان الذي وصفه بـ«رجل تركيا المريض» والمثير للانقسامات، وقال إن تركيا في عهده لا تتصرف كحليف في الناتو.

وأردف أن علاقات أردوغان في حلف الناتو توترت بشدة قبل الانتخابات الماضية مع إصراره على اقتناء صواريخ الدفاع الجوي الروسية، وقبل الانتخابات الحالية تزداد العلاقات توترًا مع رفض الرئيس التركي توسع الحلف بإعاقته انضمام السويد وفنلندا، لأسباب ينظر إليها باعتبارها سياسية في المقام الأول، ولا تتناسب مع الظرف الحالي الذي تفرضه الحرب الروسية الأوكرانية، مما يجعل أردوغان في نظر الحلف الأطلسي مثيرًا للأزمات باستمرار، لكن الوضع مختلف بالنسبة إلى روسيا، إذ تعتبر حاليًا أكثر الدول العالم رغبة في بقاء أردوغان بالسلطة، ففي ظل الاشتباك الروسي مع الغرب على خلفية الحرب مع أوكرانيا، لعبت تركيا حتى الآن دور الوسيط الأكثر فاعلية على الساحة، وتمكنت من رعاية مباحثات بين الجانبين الأوكراني والروسي وإن لم تثمر عن وقف القتال، فيما لا تزال تسعى لعقد اتفاق سلام بين البلدين، ومن بين المنجزات التركية إقناع روسيا بإنشاء الممر الآمن لتصدير الحبوب الأوكرانية بعد أن كان العالم على شفا مجاعة.

وأضاف: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينظر إلى أردوغان الذي لم يشارك في موجة العقوبات الغربية على موسكو، باعتباره حليفًا مهما يزداد الاعتماد عليه يوميًا بعد يوم، ولا يستبعد أن يكون هناك تدخل روسي في الانتخابات التركية على غرار الأمريكية لصالح حزب العدالة والتنمية، كما يرجو بوتين أن يحقق رغبته في تحويل تركيا إلى مركز لتصدير الغاز الروسي، لتتحول إلى وكيل أعمال مع أوروبا بالنيابة عن موسكو، ولن يتم ذلك إلا من خلال أردوغان الذي يرحب بالفكرة، وبشكل موجز يمكن القول إنه على المستوى الدولي لا توجد رغبة في مواصلة أردوغان حكم تركيا، إلا أن ذلك لا يؤثر كثيرًا في مصير الانتخابات المقبلة، إذ إن أردوغان الذي يصدر خارجيًا صورة السلطان العثماني الجديد، تمكن منذ أن حول تركيا من نظام الحكم البرلماني إلى الرئاسي من إضعاف التأثير الكردي، وتقليم أظافر المعارضة، لتسهيل بقائه على رأس السلطة، إلى أنه يظل هناك خطر يهدده وهو أن يفقد الأغلبية البرلمانية لصالح المعارضة، المنفتحة على العودة إلى سياسة «صفر مشاكل» مع الخارج، التي كانت يتبناها أردوغان سابقًا.

أهم انتخابات في العالم

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» في 9 يناير/كانون الثاني الجاري تحليلًا تحت عنوان «أهم انتخابات في العالم في 2023 ستكون في تركيا»، أكد فيه الكاتب أن الولايات المتحدة وأوروبا ستكونان في وضع أفضل دون تأثير أردوغان المربك في الشؤون الدولية، بخاصة مع اشتداد المواجهة مع الجانب الروسي في ظل الأزمة الأوكرانية، إذ بات يُنظر لأردوغان على أنه قوض أمن حلف الناتو من خلال حصوله على منظومة «أس 400» للدفاع الجوي من موسكو، وعطل جهود ضم السويد وفنلندا لحلف الناتو، وهدد أوروبا مراراً باللاجئين، إلى جانب تهديداته لليونان، وعلى الجانب الآخر فإن الأتراك يتهمون واشنطن بدعم انقلاب عام 2016 ضد أردوغان، واستضافة زعيم حركة الخدمة، فتح الله جولن، وبدلًا من دعم أنقرة في مواجهة الإرهاب، يدعم الغرب الجماعات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري.

وفي انتظار نتيجة الانتخابات التركية تميل التوقعات لصالح ترجيح فوز أردوغان وحلفائه بخاصة مع الإجراءات التي اتخذها مؤخرًا وأسهمت في دعم شعبيته مثل زيادة الرواتب، وتعديل قانون التقاعد المبكر، والمنح الاجتماعية وبناء نصف مليون وحدة سكنية للمواطنين بأسعار مخفضة.