يعد «حزب الله التركي» واحداً من التنظيمات الإسلامية التي ظهرت تأثراً بالثورة الإيرانية في نهاية سبعينيات القرن الماضى، وخاض الحزب مواجهات عسكرية دامية استمرت سنوات في محافظات جنوب شرقي تركيا ضد حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الحكومة بدوافع انفصالية، واليوم يطل كوادر الحزب في المعترك السياسي التركي تحت لافتة حزب الهدى ويواصلون خوض ذات المعركة ولكن في جبهة أخرى.

أصدقاء الجبال

هناك في الأطراف الجنوبية الشرقية لتركيا بعيدًا من العاصمة والمدن الكبرى، يقطن الأكراد في أراضٍ متصلة جغرافيا بالمحافظات الكردية الإيرانية التي يشبههم سكانها في كل شيء تقريبًا، ويفصل بينهم خط الحدود الوهمي، لكنهم وجدوا أنفسهم وكأنهم غير مرئيين في عهد النظام الأتاتوركي العلماني الذي أنكر وجود العرقية الكردية في دولته، وأطلق عليهم تسمية «أتراك الجبال»، وحظر عليهم استخدام لغتهم الأم، وقمع كل محاولات المقاومة بمنتهى الشدة في حملات عسكرية أبادت عشرات الآلاف منهم وأسست لظهور ما يُعرف بالمشكلة الكردية.

وحتى اليوم تتمتع المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية من الأناضول بأقل نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي وأعلى معدل بطالة في تركيا ، سواء في عموم السكان أو بين الشباب، وتعتبر روايات الانتهاكات التي يرتكبها الجيش التركي ضد المدنيين شائعة بين الأهالي هناك.

وقد أضعفت البيئة الجبلية الوعرة نفوذ الدولة في تلك المناطق، وإلى جانب الظروف الجغرافية، لعب المناخ دوراً كبيراً في تعميق عزلة هذه المناطق؛ حيث يتساقط الثلج في نوفمبر/تشرين الثاني، ويصل إلى مستويات كبيرة في ديسمبر/ كانون الأول، ويبقى حتى أبريل/نيسان، وخلال هذه الشهور يعيش السكان في عزلة دون أي اتصال مع أي جزء من البلاد، وقد أُطلق عليهم نظرًا لعيشهم في تلك المناطق «أصدقاء الجبال».

في هذه البيئة، ظهر تنظيم حزب الله الكردي السني في تركيا متأثرًا بالثورة الإيرانية التي نجحت عام 1979، وشارك بها الأكراد الإيرانيون، وتأثر بها نظراؤهم الأتراك أكثر بكثير من الآخرين؛ فقد أظهرت الثورة الإيرانية التي تزعمها رجال الدين طريقة بديلة بالنسبة لأولئك الرافضين للعلمنة التركية وسياسات الدمج القومي الإجباري، وفي نفس الوقت أسس ماركسيون أكراد ميليشيا حزب العمال الكردستاني لتنطلق مسيرة دموية جديدة قاتل فيها الحزب الأخير ضد الجيش التركي لعشرات السنين بهدف الاستقلال بمناطق الأكراد وإنهاء حكم أنقرة.

تأسس «حزب الله» التركي في بطمان، جنوب شرق الأناضول، على يد حسين ولي أوغلو، وهو شاب كردي مولود في 1 يناير 1952 ببلدة جيركوش في باطمان، تخرج في كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة، وسعى إلى الإعداد لثورة إسلامية في تركيا، واتجه إلى المساجد لتجنيد كوادره، مع التركيز بشكل أساسي على ديار بكر، ووصل تأثيره إلى جميع المساجد تقريباً، وضم إليه شباب الجماعات الإسلامية الأخرى، وأكد بعض كبار المسؤولين الأتراك أن لديهم أدلة على أن مقاتلي حزب الله التركي تم تدريبهم وتمويلهم من قبل طهران، وهو ما نفاه الحزب.

ويقال إن المئات من المتعاطفين الأتراك مع الثورة الإيرانية قضوا بعض الوقت في إيران وأفغانستان في الثمانينيات وانخرطوا في أنشطة لها صلة بالحرس الثوري الإيراني، وذكر تقرير برلماني تركي -صدر عام 1995– إرسال من 400 إلى 500 مراهق تركي من قبل حزب الله إلى معسكرات داخل إيران لتلقي التدريب العسكري.

وقد نفى وزير الخارجية الإيراني، كمال خرازي، علناً أي علاقة إيرانية بحزب الله خلال زيارته لتركيا، رغم أن أعضاء حزب الله الذين تم اعتقالهم قدموا شهادات في المحكمة بأنهم تلقوا تدريبات عسكرية في إيران وقدموا أسماء وأوصاف أفراد من الحرس الثوري الإيراني.

وفي ظل عمليات تهجير السكان وسط الصراع المسلح، نجح حزب الله في تنمية الشعور بالانتماء الجماعي مع غرس فكرة السعي لتحقيق مثل أعلى بين الشباب الأقل تعليماً والمحرومين اجتماعياً واقتصادياً ممن أُخذوا من أراضيهم واقتُلعوا من جذورهم، ووُضعوا في مدينة جديدة عليهم دون أي شيء، وفقدوا شبكاتهم الاجتماعية والاقتصادية، فبالنسبة لهؤلاء الأشخاص كان الشيء الوحيد الذي يمكنهم الاعتماد عليه هو المنظمة.

وفي ظل اشتعال صراع الجيش التركي مع حزب العمال الكردستاني أودى بحياة 40 ألف شخص وأدى إلى نزوح مليون شخص بحسب بعض التقديرات، كان حزب الله يعتبر أن ظهور حزب العمال الكردستاني، الذي يطالب بفصل مناطق الأكراد عن تركيا، ليس سبباً لمشاكل القضية الكردية بل جاء كنتيجة لسياسات حكومية خاطئة.

وعلى الرغم من أن حزب الله يمكن اعتباره منظمة أكثر حضرية من حزب العمال الكردستاني الذي ركز على القرى والمناطق النائية أكثر، إلا أن التركيبة السكانية العامة لأعضاء المجموعتين لا تختلف كثيراً، فكلاهما يجندون أشخاصاً من نفس العائلات، وهناك عديد من العائلات التي ذهب أبناؤها إلى منظمات مختلفة تقاتل ضد بعضها البعض، وهذا ليس من قبيل الصدفة، بل لأنهم يجندون من نفس كتلة الأحياء الفقيرة في المدن التي أتى سكانها من المناطق الأكثر تهميشاً.

حمل السلاح

مع أن حزب الله خرج من نفس الأرضية الكردية، التي ينطلق منها حزب العمال، كان له توجه معاكس تماماً ،مما تسبب فى حدوث مواجهات بينهما بسبب المنهج، فالأول حزب ديني ثوري، والثاني جماعة أصولها ماركسية ولينينية، أتى عدد من قادتها من الطائفة العلوية الشيعية.

واعتبر حزب العمال الكردستاني هذه الحركة من صنع الدولة التركية التي تحاربه، وانفجر صراع دموي بين الحزبين عام 1990 بعد مقتل أحد قيادات حزب الله على يد حزب العمال، فرد حزب الله بارتكاب أعمال مماثلة ضد عناصر حزب العمال، لتراق الدماء في شوارع مدن الأكراد بتركيا كديار بكر وباطمان وماردين، وأودى هذا القتال الذي استمر خمس سنوات بحياة ما يقدر بأكثر من ألف شخص، ويقال إن لجوء الحزب لحمل السلاح بدأ بسبب تعدي أفراد من حزب العمال الكردستاني على امرأتين محجبتين، ووقعت انشقاقات في الحزب بسبب الخلاف على الموقف من اعتماد العنف المسلح، وأدت هذه الخلافات إلى وقوع صدامات بين الأجنحة المختلفة، كما وقع بين مجموعتي «علمجية» و«منزلجية»، مما أدى إلى انقسام المجتمعات الكردية وحتى العائلات بين التنظيمات المتعارضة، وشهدت الفترة بين 1991 و1995 ذروة العنف بينهما، ورأت الدولة في ذلك الاقتتال فرصة لإضعاف حزب العمال الانفصالي.

لكن القتال توقف بعد وساطات قام بها قائد حزب الله الثوري الكردي في العراق، أدهم البارزاني، ومرشد الحركة الإسلامية في كردستان العراق، الشيخ عثمان عبد العزيز، وذكر الرئيس السابق لمخابرات الشرطة التركية أن طهران جمعت ممثلين عن الطرفين للتفاوض على وقف إطلاق النار عام 1988 في إيران، فاتخذ الأتراك- بعد معرفتهم بهذا الاجتماع- موقفاً أكثر حزماً ضد حزب الله، ودخل في دائرة استهداف الأجهزة الأمنية واعتُقل الآلاف من أعضائه.

وقتلت الشرطة التركية مؤسس حزب الله التركي حسين ولي اوغلو بعد حصار لفيلا في اسطنبول في 17 كانون الثاني/ يناير 2000، وإلى اليوم يتوافد الزوار على قبره في هذا الموعد من كل عام، ويُقال إن قتله لم يكن مقصوداً فلم يكن على قائمة المطلوبين ولم يُصنف إرهابياً إلا بعد قتله، ويقال إنه كان عائداً لتوه من إيران قبل أيام فقط من مقتله.

تم اعتبار الحزب جماعة تسعى إلى إقامة نظام ملالي ديني على النمط الإيراني في تركيا، ونجحت هجمات الدولة في سحق الجماعة إلى حد بعيد، وتم إدراجها على لوائح الإرهاب التركية.

تخلى الحزب عن استخدام العنف بعد انتخاب عيسى التسوي زعيماً له، وأعلن وقف العنف في عام 2002 وألقى أسلحته، وتم حل التنظيم العسكري، وحُكم على عديد من عناصره بالسجن لمدد مختلفة، بينهم من حُكم عليهم بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل والهجمات المسلحة ضمن محاولة لقلب النظام الدستوري في تركيا واستبداله بدولة إسلامية على الطراز الإيراني، وعلى مدار سنوات، ظل أي ممن يُشتبه بانتمائه للحزب عرضة للاعتقال بهذه التهمة.

ويرى الخبير في الشئون التركية، ياوز أجار، في كتابه «قصة تركيا بين أردوغان الأول والثاني»، أن الدولة العميقة في تركيا هي التي أسست «حزب الله» لتوازن به نفوذ حزب العمال الكردستاني، وأنها ترتبط بصلات سرية بكلا الحزبين، بينما يتبادل الطرفان الكرديان الاتهامات بأن الدولة العميقة ربما تقف وراء إشعال الصراعات بينهما عن طريق عملاء سريين يخترقونهما، وتُتهم منظمة أرجينيكون التي تمثل الدولة العميقة وتمت محاكمة قياداتها عام 2008، بأنها دعمت حزب الله وسلحت حزب العمال أيضًا!

المشاركة السياسية

بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، بدأ مسلسل الإفراج التدريجي عن عناصر الحزب، وقام بعض أعضاء الجماعة السابقين بهدف الحفاظ على العلاقات التنظيمية بإنشاء «جمعية التضامن مع المستضعفين» لرعاية أسر 4 آلاف من أعضاء الحزب المنحل، الذين اعتقلوا أو فروا للخارج بعد الصدام مع الدولة، واستطاعت الجمعية تجميع العشرات من الجمعيات والأوقاف تحت اسم «منتدى محبي رسول الله».

وواصلت حكومة العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، إطلاق سراح أعضاء حزب الله المدانين بهدوء على مراحل فيما يبدو كجزء من صفقة سرية بين الطرفين، وأعادت المجموعة تنظيم نفسها وتلقت الضوء الأخضر لدخول الساحة السياسية من خلال حزب الدعوة الحرة الذي يعرف اختصاراً في اللغة التركية بحزب «الهدى» (HÜDA-PAR)، وهو حزب يعادي النزعة القومية التركية التي لا تعترف بالقوميات الأخرى، ويطالب بإعطاء الأكراد نفس الحقوق التي يتمتع بها الأتراك، والاعتراف بأن الاثنين معاً هما العنصران المؤسسان للدولة، ويعلن قادة الحزب رفضه للتعصب العنصري، وشارك في الانتخابات المحلية منذ عام 2014، في جنوب شرقي تركيا.

وأجرت المجموعة مراجعات لنهجها، فبعد أن كانت ترفض المشاركة في النظام الإداري الحالي في تركيا وعدم التطبيع معه ولا المشاركة حتى بالتصويت، تغير الموقف وتم إعلان الحزب السياسي.

وتجدد العداء التاريخي مع حزب العمال الكردستانى الذي لا يقبل وجود أي معارضة كردية داخل مناطق نفوذه، وحاول تشويه حزب الهدى من خلال اتهامه بمساندة تنظيم داعش، كما شن عبر جناحه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي، حملة عسكرية على فصائل المعارضة السورية في مناطق الأكراد في شمال سوريا، وتعرض الشباب الكردي الذي نشط في صفوف التنسيقيات السورية والجيش السوري الحر، للاعتقال والتعذيب.

واندلعت المصادمات بين جمهور حزب الله والكردستاني؛ ففى 2013 اندلعت مواجهات دامية بينهما على خلفية الحرب في الأراضي السورية الملاصقة لمناطق الأكراد في تركيا، فأعلن جناح الشبيبة في حزب العمال مسئوليته عن سلسلة هجمات على إسلاميين رداً على هجمات على الأكراد في سوريا، وشكا قادة حزب الهدى من أن عشرات الملثمين توجهوا إلى منطقة يعيش بها أعضاء حزبهم وهاجموهم مرددين هتافات «اللعنة على الإسلام» و«اللعنة على الشريعة»، واتهموا عناصر حزب العمال بممارسة الإرهاب ضد المتدينين ومهاجمتهم.

وتجددت الاشتباكات بين الطرفين بحجج مختلفة، وتفاقم التوتر نتيجة لاعتقاد حزب العمال الكردستاني أن الحكومة التركية تساند الإسلاميين المتشددين في سوريا الذين يقاتلون فرع حزب العمال هناك، وزاد من عداء حزب العمال الكردستاني للإسلاميين في تركيا تقارير ذكرت ارتكاب فظائع من جانب مقاتلي المعارضة السورية الذين يقاتلون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وحين أصدر قادة حزب الهدى تكذيباً لهذه المزاعم، هاجم أنصار حزب العمال الكردستاني مكاتبهم في ديار بكر وفان بذريعة أنهم يدافعون عمن يقتلون الأكراد في سوريا.

ومع هجوم تنظيم داعش على مدينة عين العرب/كوباني السورية في أكتوبر 2014، تعرض حزب الهدى لسلسلة هجمات من قبل عناصر حزب العمال الكردستانى، فالمدينة الحدودية القريبة كانت قاعدة مهمة لحزب العمال ينطلق منها فى حربه ضد الدولة التركية، لذا نظم أنصاره احتجاجات دموية ضد حكومة العدالة والتنمية تحت شعار «دعم كوباني» واتهموها بالتواطؤ مع داعش، وحرضوا الرأى العام الكردي ضدها.

وبسبب تصريح القيادي بحزب الهدى، أديب غوموش، بأن «الذين يقولون إنهم مسلمون، لا يمكن أن يكونوا أعداء لنا»، اتهمه حزب العمال الكردستاني بإعلان تأييد داعش ما نفاه الهدى بشدة.

وتغيرت وجهة مظاهرات حزب العمال الكردستاني لتشمل هجمات ضد حزب الهدى، والجمعيات والأوقاف التي يديرها، والمسماة «منتدى محبي رسول الله»، مع اتهام بعض المقربين منه بدعم قوات الأمن أثناء تصديها لتظاهرات حزب العمال، واتهم الهدى بمساعدة داعش، بهدف تبرير الاعتداءات عليه، مما جعل قوات الأمن تفرض حظر تجوال في بعض المحافظات، وعلى الرغم من تدخل قوات الجيش فإن الاحتجاجات والهجمات لم تهدأ إلا بعد أسابيع.

فنظم حزب الهدى مظاهرات حاشدة في إسطنبول وأضنة والمدن الكردية كديار بكر وفان وماردين، أدان فيها اعتداءات العمال الكردستاني على مقراته والمؤسسات الإسلامية في المناطق الكردية، وأكد الحزب أنه سينأى بنفسه عن العنف ويمضي في ممارسة أعماله السياسية، رغم استفزازات الكردستاني متهماً إياه بأنه يزعم الدفاع عن حقوق الكرد وهو يسعى في حقيقة الأمر لفرض فكرة عليهم وتقديم نفسه كممثل وحيد لهم.

وأصدر الهدى بياناً في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 رصد فيه 63 اعتداءاً على مقراته ومساجده، و منازل وممتلكات أعضائه، اتهم بها أعضاء العمال الكردستانى، مبيناً أنه خلال أقل من شهر، لقي 6 من عناصره مصرعهم في هذه الهجمات، إلى جانب عشرات المصابين، واتهم قوات الأمن بالتراخي في حماية مقراته، خوفاً من انتقام الكردستاني.

وهذه الاعتداءات جعلت الحزب يحظى باهتمام بالغ من قبل الرأي العام ووسائل الإعلام التركيين، وقذفت به إلى واجهة المشهد، وأتاحت له فرصة للترويج لأفكاره وإيصال صوته لفئات مختلفة من الشعب.

وأعلن الحزب أنه سيتولى بنفسه حماية مقراته وأبنائه حال تقاعست الدولة عن القيام بواجب حمايته، حيث قال نائب مدير الحزب، بهاء الدين تمل:

يبدو أن الدولة وتحت اسم عملية التسوية قد سلمت الشعب المظلوم للجناة والمجرمين. الشعب يواجه اعتداءات همجية، والمحلات تنهب ومؤسسات الدولة تدمر والدولة فقط تتابع. شعبنا المسلم ومجتمعنا المسلم لأجل الإسلام دفع ومستعد دوماً لأن يدفع أغلى الأثمان، لا أحد منا يخاف من الموت لأجل الإسلام، فإذا متنا لأجل الإسلام فسنستقبل الشهادة بالسرور، ونقول هنا إن على كل شخص أن يتخذ التدابير اللازمة لحماية نفسه بشكل شخصي.

وأعلنت الحكومة التركية أن حصيلة القتلى التي خلفتها هذه الاحتجاجات في عدة ولايات بلغت 35 مواطناً منهم اثنان من الشرطة، وإصابة 135 من قوات الأمن، وإحراق 531 سيارة شرطة، و631 سيارة مدنية، وتخريب 1122 مبنى؛ من بينها 214 مدرسة، ومراكز لتعليم القرآن الكريم، ومتاحف.

 في صف أردوغان

ظل الحزب يقدم خدمات جليلة لحكم أردوغان؛ فعندما فقد حزب العدالة والتنمية أغلبيته في البرلمان في انتخابات يونيو/حزيران 2015 لأول مرة في حكمه الذي دام 13 عاماً حينها، لم يتقدم حزب «الهدى» بمرشحين له في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، واكتفى بدعم مرشحي حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية لمساعدته في استعادة الأغلبية، وعقب ذلك تم إطلاق سراح مزيد من مقاتلي حزب الله المسجونين، ولم يتم إبراز هذا الأمر في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة، ومُنح البعض وظائف ومناصب بهدف ملء الفراغ الناجم عن حملة تطهير واسعة النطاق لأعضاء حركة الخدمة المعارضة.

وفي ظل تحالف العدالة والتنمية بزعامة أردوغان مع حزب «الحركة القومية» الذي يمثل القوميين الأتراك لم يكن من المتوقع أن يصوت له أغلب الأكراد نظراً لموقف حزب الحركة القومية السلبي من القومية الكردية، ولذلك برزت أهمية حزب الهدى في تكوين ثقل انتخابي إسلامي يمنع القوميين الكرد من الاستحواذ على أصوات بني قومهم في الانتخابات البرلمانية.

وقد أيّد حزب الهدى أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 يونيو/حزيران 2018، وفاز بها أردوغان وحزبه، العدلة والتنمية، ودخل النظام الرئاسي بعدها حيز التنفيذ، وذلك في وقت كانت أصوات الأكراد تمثل أهمية خاصة، ونظراً للنسبة القليلة التي يحصل عليها الحزب فإنه يطالب بتخفيض عتبة العشرة بالمائة التي تهدر أصوات الكتلة المؤيدة له ما لم تحقق هذه النسبة في الانتخابات البرلمانية، إذ لم يستطع الحزب، الذي يوصف بأنه الجناح السياسي لميليشيا حزب الله المحظورة، أن يجذب انتباه معظم الناخبين في جنوب شرقي البلاد؛ حيث تميل الأصوات الكردية المحافظة إلى حزب العدالة والتنمية بينما تذهب أصوات الأكراد من العلمانيين والقوميين إلى حزب السلام والديمقراطية وحزب الشعوب الديمقراطي، حيث ينتشر الأول في مناطق الأكراد شرق البلاد، والثاني في غرب البلاد وإن كان يتظاهر بطابع غير عرقي لاجتذاب أصوات القوميات الأخرى، لكن في النهاية ينسق الحزبان في البرلمان وتعمل كتلتاهما معاً، ويوصفان بأنهما يمثلان الجناح السياسي لميليشيا حزب العمال الكردستاني.

ومع ذلك ، فإن دعم الحزب لأردوغان يقول بشكل عملي للكتلة الانتخابية الكردية إن هذه الانتخابات ليست بين الترك والكرد ولكن بين الإسلاميين والعلمانيين، ويرسل إشارة إلى بعض الشباب المحافظين وكذلك الشباب القومي الكردي، بأن التحالف الانتخابي لأردوغان مع حزب الحركة القومية لا يتطلب من القوميين الأكراد المحافظين التصويت لمرشحين آخرين، وهذه الرسالة تعني أكثر من مجرد أرقام.

ويعقد أردوغان اجتماعات مع مسؤولي الهدى من وقت لآخر، وهو يؤيدون محاولاته لوضع ضمانة دستورية للحق في ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة والمدارس والجامعات، إذ يرى الهدى أن هذا الحق غير محمي دستوريًا، ويحتاج للتأكيد عليه في الدستور، وشارك الحزب أيضًا في مناقشات «الدستور الجديد» الذي يريد العدالة والتنمية إقراره.

مع العلم بأن حزب الهدى لا يقتنع بتوليف حزب العدالة والتنمية بين الإسلام والأنظمة العلمانية، فالحزبان مختلفان أيديولوجيًا ، حيث إن أحدهما مجرد محافظ والآخر يريد تطبيق نظام ديني صارم، لكنهما يشتركان في التركيز على دور الإسلام في المجتمع ويؤيدان اتباع سياسات اجتماعية محافظة؛ كتعزيز دور الدين في تعليم الأطفال، واتخاذ موقف مناهض للإجهاض والمثلية الجنسية والخمور والمخدرات.

ويسعى أعضاء حزب الله/ الهدى إلى رعاية القيم الدينية في مناطقهم؛ ففي سبتمبر/ أيلول الماضي ألغيت حفلة غنائية للمطربة التركية «إرم ديريسي» في مقاطعة إيلازيغ الشرقية بعد ضغوط مارسها الحزب، عقب دعوتها لحضور مهرجان فن الطهي في المقاطعة، حيث هاجم ياسين كافاكلي، القيادي بالحزب ، أن المطربة تتبنى الانحراف وتدعمه، بسبب موقفها الإيجابي من المتحولين جنسياً.

ومنذ أيام أقام الحزب، حفلاً للاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيسه في ديار بكر، المدينة ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرقي تركيا، وفيه طالب حمد الله إر، رئيس الجناح الشبابي للحزب، بتعديل وجهة الملايين التي يتم إنفاقها على الحفلات الموسيقية والمهرجانات والمناسبات المماثلة، ليتم توجيهها لتلبية الاحتياجات الأساسية للشباب، قائلاً: «على الدولة حماية الشباب من التورط في الحرام. لهذا السبب يجب إنشاء صندوق زواج للشباب الذين لا يستطيعون الزواج وتشجيع الزواج».

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي استضافت ديار بكر، مؤتمر «لقاء العلماء المسلمين» السنوي بحضور وسائل إعلام مقربة من حزب العدالة والتنمية، وهو مؤتمر يرعاه حزب الهدى وينظمه اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية، برئاسة أنور كيليجا رسلان، وهو من أتباع حسين ولي أوغلو مؤسس حزب الله، منذ كانا معاً في إيران في الثمانينيات، وأُدين في فبراير/شباط 2002 بالانتماء إلى حزب الله وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات وستة أشهر.

وحضر المؤتمر المتحدث باسم حركة طالبان الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، الذي قال إن حكومته تعتبر النظام التركي صديقاً مقرباً، وشكره على ما قدمه من دعم لبلاده.

 وتجدر الإشارة إلى أن السفارة التركية في كابول أول بعثة خارجية أعيد فتحها بعد وصول طالبان للحكم، وقال أردوغان إن بلاده ليس لديها مشكلة مع معتقدات طالبان.

وتتناغم مواقف الحركة داخليًا وخارجياً مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ يصفها يوسف كابلان، الكاتب بصحيفة Yeni Safak اليومية، المؤيدة لأردوغان، بأنها «مصدر فخر للمسلمين وتمثل صمام أمان في المنطقة»، في إشارة إلى التوازن الذي يحدثه حزب الهدى مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتهمه أردوغان بأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني.

واليوم يحقق حزب الله توسعاً لافتاً، بجناحه السياسي وجمعياته وشبكات علاقاته ومؤسساته ووسائل إعلامه، ليس فقط بين الأكراد في تركيا، بل في عدد من الدول الأوروبية أيضاً.