الحوثيون يهاجمون أبو ظبي، صفحة جديدة تُفتح في سجل حرب اليمن الطويل. لكن هذه الصفحة مختلفة تمامًا عن كل ما سبقها، فلم تعد الحرب محصورةً في أرض اليمن، ولا بالقرب من المنشآت النفطية السعودية، بل وصلت الصواريخ الحوثية إلى جنة الاستثمار والملاذ الآمن للسياح، الإمارات العربية المتحدة. ورغم أن الحوثيين هددوا مرارًا بضرب الإمارات، لكن شهدت الأيام الماضية أول تنفيذ فعلي لذلك التهديد.

الهجوم تسبب في مقتل ثلاثة أشخاص وفقًا لما أعلنته السلطات الإماراتية. ونُفذ بصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار وطال صهاريج النفط في المنطقة الصناعية قرب أدنوك، وفقًا لما أعلنه الحوثيون. الضربة الموجعة التي يمثلها هذا الهجوم هو ضربة للسمعة الإماراتية بعيدًا عن الأهداف العسكرية أو المدنية. ويبدو أن الحوثيين يدركون أن من أبرز الأهداف الإستراتيجية الإماراتية هو الحفاظ على شهرتها كجنة آمنة للاستثمار والمواطنين والسياح، ومهما كانت التكلفة التي سيتكبدها الحوثيون من أجل ضرب ذلك الهدف، فسوف تكون تكلفتها متدنية بجانب ما ستحققه.

خصوصًا أن عدد سكان الإمارات يقترب من عشرة مليون فرد، 90% منهم أجانب يتألفون من 200 جنسية مختلفة. وجاءوا للإمارات لأنها فرضت نفسها على العالم مركزًا ماليًا، وملتقى للأعمال وكبار المستثمرين بفنادقها شديدة الفخامة، وأبحاثها في مجالات الفضاء والطاقة. ومقارنةً بما يحيط بالإمارات في كامل بلاد الشرق الأوسط من نزاعات وحروب، سوّقت الإمارات لنفسها كواحة الأمان للراغبين في الأعمال والترفيه على حد سواء.

ورغم أن الإمارات أعلنت سحب قواتها ومعداتها من التحالف المشارك في حرب اليمن، وخفضت من تواجدها العسكري في مناطق أخرى، فإن قوات الحوثي لا تزال تربط بين العمليات العسكرية لألوية العمالقة في شبوة بالإمارات. إذ إن الإمارات هي من لعبت الدور الرئيس في تدريب وتسليح تلك الألوية. الإمارات بدورها دعت لجلسة طارئة لمجلس الأمن لإدانة تلك الهجمات الإرهابية، وتوعدت بالرد العنيف على مصدر تلك الهجمات. وأعلن أكثر من مسئول إماراتي أن الهجمات الحوثية لن تصبح هي الواقع الجديد للإمارات.

 لكن كل ذلك لا يغير من حقيقة أن الهجمات قد تكون قد بدأت بالفعل في إسقاط أول أحجار الدومينو.

بيان أمريكي نادر

بكلمات مقتضبة ولظروف طارئة أعلن معرض إكسبو دبي تأجيل حفل كان مقررًا في 30 يناير/ كانون الثاني 2022. وأعلن المعرض أنه سوف يتم تحديد موعد لاحق للحفل. التأجيل أتى بعد أن وجه العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، تحذيرًا للمعرض في تغريدة مختصرة قال فيها، معنا قد تخسر، ننصح بتغيير الوجهة؟

وكيل وزارة الإعلام، نصر الدين عامر، أعاد تغريد تلك الكلمات مضيفًا عليها تساؤله، هل ستشارك قواتنا في العرض، خصوصًا أن لديها ما يستحق العرض؟ تلك الجمل التحذيرية أتت بعد إعلان القوات العسكرية تنفيذ عملية إعصار اليمن الثانية ردًا على جرائم التحالف في حق اليمن. وتوعدت أن يكون الرد في العمق السعودي والإماراتي. كانت عملية إعصار اليمن الأولى، في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، قد استهدفت صهاريج بترولية في منطقة آيكاد 3، والإنشاءات الجديدة في مطار أبو ظبي الدولي.

لا يجب النظر للأمر بصورة قاصرة كونه حفلة غنائية تم تأجيلها فحسب. بل يجب أن نضيف على ذلك بيان الخارجية الأمريكية، نادر الحدوث، الذي حذرت فيه رعاياها ومواطنيها من السفر للإمارات بسبب وجود تهديدات لأمنهم ومصالحهم. وقد حدثت الولايات المتحدة أسباب تحذيرها للسفر إلى الإمارات بإضافة التهديدات الأمنية، بعد أن كان الأمر مقتصرًا فحسب على انتشار وتفشي وباء كوفيد-19.

البيان الأمريكي أكدّ على وضع الإمارات كدولة من المستوى الرابع، لا تسافر. وحثّ عموم الأمريكيين على النظر في قرار سفرهم إليها بسبب تهديدات محتملة بصواريخ أو طائرات بدون طيار. البيان أردف أيضًا أنه لا يزال هناك مصدر قلق خطير ومستمر، خصوصًا في ظل إعلان الجماعات المتمردة في اليمن، حسب وصف البيان، نيتها استمرار مهاجمة الدول المجاورة بما فيها الإمارات.

صدور ذلك البيان حدث شديد الندرة في تاريخ العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة، إذ كان يُنظر للإمارات كواحدة من أكثر المناطق أمنًا في الشرق الأوسط.

اقتصاد الرفاهية لا يصمد

الهجمات الأخيرة كشفت أن الإمارات ليست محصنة تمامًا ضد الفوضى التي يمكن أن تنتج عن النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط. حتى لو كانت تلك الفوضى ستكون اقتصادية فحسب، فقد شهد مؤشر سوق دبي المالي تراجعًا بنسبة 1.39% خلال التعاملات صبيحة الهجوم الحوثي. ما يشير أن الهجمات الحوثية قد تترك ندوبًا دائمة على جبين الاقتصاد الإماراتي المعتمد على السياحة والاستثمارات الأجنبية واستضافة الفعاليات الدولية.

خصوصًا أن المنطقة التي يكرر الحوثيون استهدافها هي المنطقة الصناعية الرئيسية في الإمارات. كما تحتضن المنطقة ثاني أقدم ميناء في الإمارات. والخسائر الإماراتية من الهجمات لن تكون لحظيةً أو قصيرة المدى، بل سوف تحدث على المدى الطويل. إذ إن أصحاب رؤوس الأموال يبحثون عن المناطق المستقرة لضخ أموالهم، ويهربون بمجرد حدوث أي تعكير قد يُكدر صفو الاستثمارات.

174 مليار دولار هو حجم الاستثمارات الأجنبية في الإمارات مركزةً في قطاع النفط والاقتصاد الرقمي. تلك الأرقام سوف تغادر الإمارات حتى لو أثبتت الإمارات فعالية بنسبة 100% في صد كافة الهجمات الحوثية، أو كانت نية إسرائيل لمنح الإمارات القبة الفولاذية أمرًا حقيقيًا، ونصبتها الإمارات فعلًا. لأن اقتصاد الرفاهية الذي تدعو له الإمارات، وتقوم عليه، لا يمكن أن يستمر تحت قبة حديدة صاروخية. خصوصًا إذا طالت الهجمات في إحدى مراتها فندقًا، أو وصلت الصواريخ الحوثية إلى أطراف دبي أو قلبها.

بالتأكيد كل ذلك سيتضاعف إذا أدت الهجمات إلى حدوث صراع سياسي داخلي بين الطبقة الحاكمة في الإمارات، أو محاولات لإلقاء اللوم والهروب من مسئولية الدخول في حرب اليمن من البداية. لم يحدث ذلك حتى الآن، لكن الضغط المتزايد بسبب تهديدات الحوثيين الذين لا يخسرون سوى طائرة مسيّرة ويكبدون الإمارات خسائر لوجيستية مهمة يمكن أن يؤدي إلى تفجر الأوضاع، خاصة إذا جُرّت الإمارات إلى الاستفزاز وزادت من هجماتها مرة أخرى على اليمن.

النقل البحري والجوي في خطر

ورغم أن الأسواق المالية أُغلقت بنسب ارتفاع بدعم الأسهم السيادية، فإنه بمجرد إعلان عن تهديد عسكري جديد تنخفض الأسهم مباشرة. كما أن الإمارات قد تواجه هجرة العمالة التي تعتمد عليها بشكل أساسي. صحيح أنها قد لا تكون العمالة منخفضة الأجر، مثل الجنسيات الآسيوية، بسبب ندرة خسائر الأرواح جراء الهجمات الحوثية. لكن قد تشهد الإمارات هجرة للعمالة رفيعة المستوى القادمة من الدول الأوروبية، وهم من تصفهم الإمارات بأصحاب المواهب، والذين تحرص على منحهم الجنسية.

ذروة التألق الإماراتي كانت باستضافة معرض إكسبو، وكان ذلك خطوة في سبيل خطة الإمارات لاستضافة 400 فعالية دولية سنويًا بحلول 2025. لكن الهجمات الحوثية المتكررة قد تجعل الجهات الدولية مترددة في منح الإمارات تلك الفعاليات في السنوات القادمة. كما يُتوقع أن تتأثر زيارة الرئيس الكوري الجنوبي للإمارات بتلك الهجمات، وكانت تلك الزيارة قد استرعت انتباهًا دوليًا بسبب صفقات الأسلحة الضخمة بين الطرفين، والحديث عن صفقة نووية محتملة.

كما يمكن أن يتأثر النقل البحري الإماراتي، خصوصًا أن الإمارات تحاول تقديم نفسها كمركز للتجارة العالمية. النقل البحري الإماراتي يتعرض بدوره لتهديدات إيرانية سابقًا، ويُعتقد أن إيران نفذت هجمات على أهداف ميدانية إماراتية، ما اضطر الإمارات لتحسين علاقاتها قليلًا مع طهران. وحاليًا يتكرر التهديد لأمن الإمارات البحري من قبل الحوثيين، ما قد يسبب عزوفًا دوليًا عن موانئ الإمارات.

المخيف كذلك في الهجمات الحوثية الجديدة أن مطار دبي، أعظم الاستثمارات الإماراتية، بات في مرمى أسلحة الحوثيين. كانت الإمارات حتى وقت قريب تظن أن تسديد ضربة دقيقة لمطار أبو ظبي أمر مستحيل، رغم إعلان الحوثيين أن لديهم طائرات بدون طيار يمكنها أن تحلق لأكثر من 2000 كيلو متر. وإصابة مطار دبي يمكن أن يكون موجعًا لأن صناعة السياحة والسفر تسهم بقرابة 50 مليار دولار في اقتصاد الإمارات، ما يعني قرابة 14% من ناتجها المحلي، وتستهدف الإمارات وصوله لأكثر من 45% بحلول عام 2030.