رغم ما أتاحه الإنترنت من طوفان من المعرفة الطبية في كافة التخصصات، وسهولة وصولٍ إلى المعلومة تتصف بالسيولة، فإن العديد من الأسئلة المشهورة التي أجيب عنها قبل سنواتٍ عديدة ما تزال تتكرر، وبنفس الصيغة في أحيانٍ كثيرة.

إذا أردنا إعدادَ قائمةٍ بأكثر 10 أمراض إثارة للريبة، وللأسئلة المتجددة، رغم أنها قُتِلتْ من الباحثين إجابةً على كافة المنصات الإعلامية والمعلوماتية، فسنجد مرض البهاق الجلدي في الصدر من تلك القائمة. يعاني مئات الآلاف حول العالم من هذا المرض الذي ينتزع لون بشرتهم، ويربك رضاءهم عن تناسق الخلقة التي صوَّر الله بها الإنسان في أحسن صورة، لكنهم في رأيي يعانون أكثر من ردة فعل المجتمع، وأصحاب الأعمال، والكثير من المحيطين بهم حتى في نطاقات الأسرة ودوائر المعارف والأصحاب، غير المنطقية تجاه مرضهم، والتي تضعهم تحت طائلة إحراجٍ غير محتملٍ، يسبب لهم ضغوطاتٍ نفسية وعصبية جمَّة، لا تلقي بهم في أتون العزلة الاجتماعية فحسب، إنما قد تفاقم مرض البهاق، وأمراضًا أخرى تسببها الضغوط النفسية والعصبية.

في السطور التالية، وعبر سلسلة من الأسئلة الذائعة، وأجوبتها، سنميط اللثام عن النقاط التي لا ينبغي الجهل بها حول مرض البهاق، لتكون عونًا للمصابين به، ولتجعلَ غير المصابين أكثر إيجابية تجاه المرضى، فلا يشكلون عبئًا عليهم أثناء المسار الطويل لاحتواء المرض وعلاجه.

1. ما هو مرض البهاق؟ وكيف نُصاب به؟

د. هاني الناظر، من أعلام طب الجلدية في مصر، متحدثًا عن مرض البهاق في حوارٍ تلفزيوني

مرض البهاق أو vitiligo هو مرض يسبب فقدان صبغة الجلد بالأساس، وبدرجةٍ أقل صبغات الشعر والعين والأنسجة المخاطية المبطَّنة للفم وللجهازيْن الهضمي والتنفسي. العلامة الأبرز للمرض هي ظهور بقع بيضاء في مناطق مختلفة من الجلد حسب شدة المرض وتمدده. وتتميَّز بأنها بقع غير منتظمة، قد تأخذ أشكالًا وأنماطًا عديدة دون قاعدةٍ معيَّنة في الانتشار. غالبًا ما يصيب البهاق أصحاب البشرة الداكنة، لكنه قد يحدث في غيرهم. وأشهر مناطق الجلد إصابة به الوجه واليديْن والرقبة وثنيات الجلد كالإبطيْن وما بين الوركيْن، والأعضاء الجنسية الخارجية… إلخ. ويمكن أن يصيب البهاق جلد فروة الرأس، فيحيلُ لون الشعر إلى الرمادي فالأبيض.

من المعلوم أن لون الجلد يعود لصبغة الميلانين الشهيرة التي تنتجها خلايا معينة تسمى خلايا إفراز الميلانين melanocytes. تحدث الإصابة بالبهاق عندما تتلف تلك الخلايا، أو تتوقف عن إنتاج الميلانين، لكننا ما نزال عاجزين حتى اللحظة عن الوصول لسبب قاطع يفسر هذا التلف التلقائي المفاجئ لتلك الخلايا لدى بعض الناس. النظرية الأرجح هي اعتبار البهاق من أمراض المناعة الذاتية، حيث تهاجم خلايا المناعة الخلايا الصبغية وتدمرها نتيجة حدوث خطأ يجعلها تعتبرها أجسامًا غريبة يجب القضاء عليها. ومما يؤيد النظرية المناعية أنه لوحظ زيادة فرص حدوثه لدى بعض المصابين بأمراض مناعية أخرى كمرض السكري من النوع الأول، أو التهاب الغدة الدرقية المناعي. كذلك أظهرت بعض العلاجات المضادة للمناعة نتائج جيدة في علاج البهاق.

كذلك يتحدث البعض عن عوامل وراثية وجينية لها دور في حدوث هذا المرض، حيث تزداد نسب الإصابة بمرض البهاق لدى بعض العائلات. كذلك يُشار إلى دورٍ للضغوط النفسية والعصبية في حدوث البهاق.

2. ما هي عوامل الخطر التي تزيد فرص الإصابة بمرض البهاق؟

كما ذكرنا في الفقرة السابقة، لا يوجد سبب مباشر قاطع لحدوث البهاق، لكن هناك بعض العوامل والظروف التي تزيد فرصة إصابة الشخص بهذا المرض، مثل وجود مصابين به في العائلة، خاصة من أقارب الدرجات الأولى، أو وجود أمراض مناعية لدى الشخص أو في التاريخ المرضي للعائلة، أو الإصابة بسرطان خلايا الجلد الصبغية أو الميلانوما Melanoma.

في وجود عوامل الخطر السابقة يمكن لبعض المحفزات أن تسبب ظهور البهاق، كالتعرض لضغطٍ نفسي شديد، أو الحمل بالنسبة للسيدات، أو التعرض لضربة شمس شديدة وحروق بالجلد، أو التعرض لجرح كبير، أو لبعض الكيماويات الخطرة.

3. هل مرض البهاق شائع؟

يعتبر مرض البهاق من أكثر الأمراض الجلدية المزمنة انتشارًا، فهو يصيب حوالي 1-2% من البشر. ويقدر عدد المصابين به في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 5 ملايين. غالبًا ما تحدث الإصابة قبل سن الأربعين، خصوصًا في العشرينيات من العمر، وقد يبدأ في الحدوث أبكَرَ من هذا، مع سن البلوغ.

4. هل البهاق معدٍ؟

لعل هذا السؤال هو الأكثر ترددًا حول البهاق، خاصةً مع حالة الهلع غير المبررة لدى غالبية الناس تجاه أصحاب الأمراض الجلدية عمومًا، نتيجة اعتقاد خاطئ أن جميعَها أمراضًا معدية يجب تجنب التلامس مع المصابين بها، ولو بمجرد المصافحة.

قولًا واحدًا، البهاق ليس مرضًا معديًا على الإطلاق بأي شكلٍ من أشكال العدوى، ولا توجد أية نظرية ذات شأنٍ قيدَ البحث العلمي، تربط بين حدوث البهاق وأية إصاباتٍ معدية. وما يفعله البعض من تجنب مصافحة مرضى البهاق أو أي شكلٍ من أشكال التلامس مع المناطق المصابة بالبهاق من أجسامهم لا محل له من الإعراب، ويسبب ضغطًا نفسيًّا كبيرًا على مرضى البهاق، ويفقدهم الثقة في أنفسهم في الاحتكاك بالمجتمع والناس.

5. ما هي مراحل البهاق ومدة انتشاره؟

مقطع طبي مبسَّط عن مرض البهاق

البهاق عمومًا مرضٌ مزمن، يستغرق شهورًا أو حتى سنواتٍ في مراحل تطوره، ولا يمكن حتى الآن عمومًا التنبؤ بمدى أو مدة انتشاره. يتحول لون الجلد في المناطق المصابة إلى اللون الرمادي أو الأبيض تدريجيًّا، وقد يميل اللون إلى الوردي نتيجة الشعيرات الدموية الموجودة في ثنايا الجلد. ومناطق التقاء الجلد المصاب بالطبيعي قد تأخذ أشكالًا عديدة منتظمة أو غير منتظمة، وأحيانًا ما يتكاثف فيها صبغة الجلد. وغالبًا ما يمرُّ المرض بمراحل انتشار، فسكون، فانتشار، فسكون… وهكذا.

ويمكن تقسيم البهاق إلى نوعيْن رئيسيْن حسب مدى انتشاره، فهناك البهاق العام الذي يصيب أجزاء واسعة من الجلد في مناطق متفرقة، لكن غالبًا ما يتوزع بشكلٍ متشابه على جانبي الجسم، كأن يصيب اليدين أو الذراعين أو الركبتيْن مثلًا. وهناك البهاق المحلي، الذي يصيب مناطق محدودة، وغالبًا ما يحدث في الوجه، ولذلك يسمى بالبهاق الوجهي. ويحدث أحيانًا أن تظهر إصابة محلية بالبهاق تستمر لمدة قصيرة، عام أو عاميْن، ثم تتوقف ذاتيًّا. ويمكن في حالاتٍ نادرة أن يصيب البهاق الجلد بالكامل.

6. هل البهاق خطر على الحياة؟

لا يشكل مرض البهاق خطورةً مباشرة على حياة المصابين، وكذلك فهو لا يغير في طبيعة الجلد كأن يسبب زيادة التشققات أو يُحدث جروحًا أو تلفًا فيه. لكن هناك خطورةً غير مباشرة بزيادة فرص الإصابة بسرطانات الجلد، وحدوث ضربات الشمس، مع التعرض الطويل لأشعة الشمس، حيث من المعلوم أن طبقة صبغة الميلانين تحمي من أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة. ولذا يُنصَح مرضى البهاق – والناس عمومًا – بتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس خاصة أوقات الظهيرة، واستخدام واقيات الشمس sunscreens لحماية الجلد.

كذلك يزيد البهاق فرص الإصابة ببعض التهابات العين الخطرة، مثل التهاب القزحية. الذي قد يسبب عدم علاجها بشكلٍ جيد وسريع بعض المضاعفات الخطيرة على الرؤية، وسلامة العين. كما قد يحدث في بعض الحالات فقدان جزئي للسمع.

اقرأ: نصائح مهمة حتى لا يؤذي حر الصيف صحتك

وأيضًا: كيف يمكن أن ينجو أصحاب الأمراض المزمنة من حر الصيف

7. هل يوجد علاج نهائي لمرض البهاق؟

د.هاني الناظر متحدثًا عن فعالية دواء الميثوتريكسات في علاج البهاق

هذا هو السؤال الأبرز فيما يتعلق بمرض البهاق. للأسف، فحتى الآن لا يوجد علاج نهائيٌّ جذري يقضي على مرض البهاق، ويعيد الجلد إلى حالته السابقة كأنَّ شيئًا لم يحدث في قطاع واسع من المرضى. لكن هناك طرقًا عديدة للعلاج من أجل تحسين الشكل، ومن أجل السيطرة على انتشار المرض، ووقف زحفه.

سابقًا كان يُلجَأُ للكريمات ومستحضرات التجميل لتلوين المناطق المصابة، خاصةً إذا كانت محدودة. ومنذ سنواتٍ عديدة تستخدم المراهم المحتوية على الكورتيزون لزيادة الصبغة في المناطق المصابة، وفي حالة عدم الحصول على نتائج مثمرة منها، يُلْجَأ إلى جلسات العلاج بالأشعة فوق البنفسجية للقيام بهذه المهمة، لكنها رغم فعاليتها في الكثير من المرضى، فهي جلسات مكلفة نسبيًّا، وليست علاجًا نهائيًّا، ولا تمنع عودة المرض للانتشار، كما أنها قد تزيد فرص الإصابة بسرطانات الجلد على المدى الطويل.

لكن في المقابل، وفيما قد يكون بشرى جيدة لمرضى البهاق، فقد ظهرت في السنوات الأخيرة نتائج جيدة للغاية في بعض المرضى باستخدام دواء الميثوتريكسات المضاد للمناعة. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة صغيرة، تحسن البهاق بشكلٍ لافت في 3 من المرضى مع تعاطي جرعة منخفضة من الميثوتريكسات لحوالي سنة، بعد فشل الطرق الأخرى للعلاج لديهم. وفي العام الحالي 2019، أظهرت دراسة أخرى فعالية جيدة لمرهم الميثوتركسات في تحسين البهاق لأحد المرضى مع الاستخدام لـ 3 أشهر.

لكن لا بد من التنويه بأن تعاطي هذا الدواء يكون بإشراف طبيب الجلدية المختص، مع المتابعة المستمرة لأن له بعض الآثار الجانبية الخطيرة التي قد تحدث في بعض المرضى، مثل تثبيط نخاع العظام المنتج للدم، أو التهاب الكبد. وبالطبع ما يزال الأمر بحاجة للمزيد من البحث العلمي على نطاقاتٍ أوسع من المرضى، ومتابعة على مدى سنوات لبحث المضاعفات طويلة المدى.

8. ما هي أبرز النصائح لمرضى البهاق لتجنب المضاعفات؟

النصيحة الأولى هي عدم الانسياق وراء الدعايات الكاذبة عن العشب الفلاني، أو الاختراع الفلاني الذي يقضي على البهاق نهائيًّا، فبعضها قد يكون ضارًّا بالصحة بشدة، بجانب عدم الفعالية. في المقابل يجب الانتظام في المتابعة الدورية مع طبيب مختص في الأمراض الجلدية لتوجيه دفة مسار العلاج الطويل للمرض.

يجب على مرضى البهاق تجنب التعرض لأشعة الشمس المباشرة، لتجنب الحروق وسرطانات الجلد كما ذكرنا، وفي حالة الاضطرار للخروج في وضح النهار، يجب استخدام المراهم الواقية بقوة 30 على الأقل. ويجب كذلك تعاطي أقراص فيتامين د، لتعويض النقص في تكوينه نتيجة تجنب أشعة الشمس التي لها دور هام في إنتاجه.

ومن المهم أيضًا التركيز على دور السيطرة على الضغوط النفسية والعصبية، والبيئة الإيجابية المحيطة بالمريض، في إبطاء انتشار البهاق أو توقفه.

[تحديث بتاريخ 23 يوليو/ تموز 2022]:

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على كريم «Opzelura»، من إنتاج شركة «إنسايت – Incyte»، كعلاج موضعي للبهاق غير المفصلي لدى البالغين والأطفال، والذين تتراوح أعمارهم بين 12 عاما وما فوق.