سنواجه واحدة من أفضل دول كرة القدم في العالم، لكن لدينا بعض الأشياء في جعبتنا، نأمُل في إحداث المفاجأة. نقول لأطفالنا إنه يجب أن يكون لديهم أحلامهم الخاصة، لم تفز أفريقيا بكأس العالم قط، لماذا لا نعطيهم هذا الحلم؟

قبل مواجهة إسبانيا، أحد المرشحين للفوز بكأس العالم المُقام في العاصمة القطرية الدوحة، أبى «وليد الركراكي»، المدير الفني لمنتخب المغرب أن يتسم بالدبلوماسية، وحتى مع إدراكه لحجم الفوارق التاريخية بين المغرب وإسبانيا، خرج في مؤتمره الصحفي الخاص بمباراة الدور ثمن النهائي مرتديًا ثوب رجل شجاع وطموح، مؤمن بحظوظه، لا يُريد أن يعيش خيبة جديدة عنوانها التمثيل المُشرِّف للعرب وأفريقيا.

وبعد 120 دقيقة تاريخية أمام كتيبة «لويس إنريكي» بدا أن حديث الركراكي لم يكن حديثًا عاطفيًّا، بل هدفًا صغيرًا تحقق، وآخر أكبر في انتظار أن يتحقق. ولكن ما بين لحظة تعيين وليد كمدير فنِّي للمنتتخب المغربي الأول، ومشهد ركضه محتفلًا بتسجيل ظهيره الأيمن «أشرف حكيمي» لركلة الترجيح الحاسمة التي أهلت المغرب للدور ربع النهائي لكأس العالم 2022، كأول منتخب عربي يصل لذلك الدور، تاه الكثير من التفاصيل المشوِّقة وسط زخم الاحتفالات.

لذا ربما يجب الإشارة إليها الآن، بغض النظر عما قد تئول إليه رحلة أسود الأطلس في الدوحة.

تخبُّط مغربي مُعتاد

يمتلك المنتخب المغربي تاريخًا طويلًا مع الأزمات بين اللاعبين والمدربين وإدارات الجامعة الملكية المغربية. ربما كان هذا سببًا مباشرًا في صعوبة توقُّع تقديم منتخب المغرب لإنجاز على الصعيد الدولي بالعقدين الأخيرين.

لكن المفارقة هي أن عام 2022 الذي يمكن اعتباره العام الذهبي للكرة المغربية كان ليصبح عامًا كارثيًّا.

في مارس/ آذار، وقبل مواجهة الكونغو الديمقراطية في المباراة الفاصلة لتحديد هوية المتأهل لكأس العالم، أعلنت الجمعية الملكية إقالة «مصطفى حجي» من منصبه كمدرب مساعد على خلفية أزمة دارت بين نجم منتخب المغرب والمدير الفني البوسني «وحيد خاليلوزيتش»، وألمح البوسني أن سبب رفضه لاستمرار حجي في منصبه كان بسبب فقدانه الثقة فيه.

تطورت هذه الأزمة بين الشارع المغربي والمدرِّب البوسني في مايو/أيار من نفس العام، ووصل الأمر إلى ذروته حين قام حجي بتحريك دعوى قضائية ضد خاليلوزيتش أمام محكمة مراكش المغربية، بتهمة السَّب والقذف، بعد تصريحات الأخير حول تسبُّب النجم المغربي لمشكلات بين اللاعبين أثناء مشاركة المنتخب المغربي في بطولة أمم أفريقيا التي أقيمت في الكاميرون.

اللاعبون والجمهور لم يفهموا سبب استبعاد اللاعبين الذين شاركوا مع المنتخب الوطني لمدة ست أو سبع سنوات، وحرمانهم من تمثيل المنتخب الوطني.
فوزي لقجع.

تزامنت هذه الأجواء المُشتعلة مع رفضٍ جماهيري لاستبعاد خاليلوزيتش لمجموعة من أهم الأسماء المغربية مثل: حكيم زياش، نجم تشيلسي الإنجليزي، ونصير مزراوي، لاعب بايرن ميونخ الألماني، وغيرهما من اللاعبين أصحاب الخبرات بالملاعب الأوروبية.

كانت إقالة خاليلوزيتش شرًّا لا بد منه.
أيمن الزيزي، الصحفي الرياضي المغربي لوكالة «فرانس 24».

طبقًا للصحفي الرياضي المغربي «أيمن الزيزي»، اضطر «فوزي لقجع»، رئيس الجامعة المغرببة لكرة القدم، إلى إقالة المدير الفني قبل أقل من مائة يوم من انطلاق مونديال قطر، بعدما فشلت الجامعة في إيجاد حل وسط لهذه المجموعة المتلاحقة من الأزمات، بغرض التركيز على مهمة المنتخب في كأس العالم، خاصةً مع استمرار الأداء الباهت للأسود خلال هذه الفترة.

فرصة من ذهب

بسبب ضيق الوقت كان على الجميع أن يثق مضطرًّا في اسم محلي، كان قد حصد لتوه لقب دوري أبطال أفريقيا رفقة الوداد المغربي، هذا الاسم بالطبع هو «وليد الركراكي».

الركراكي أو رأس الأفوكادو كما يُلقَّب نال حظه من الانتقادات؛ بحجة عدم الثقة في مدرِّب لم يسبق له الإشراف كرجل أول على أي منتخب من قبل، بل إن مسيرته لم تشهد سوى تواجد كمساعد للمغربي «رشيد الطاوسي»، المدير الفني لمنتخب المغرب قبل نحو 10 سنوات، في فترة تعد أحد أسوأ فترات المنتخب المغربي على الإطلاق.

في الواقع، كان تعيين الركراكي قرارًا عشوائيًّا، أو بمعنى أوضح، لم يكن قائمًا على تخطيط مُسبق، ومع ذلك، كان نفس الرجُل خيارًا مثاليًّا. كيف ذلك؟

لطالما كان انعدام الروح الشماعة الأشهر لكل إخفاق مغربي سابق، والسبب يرجع بالأساس لسوء الفهم بين المديرين الفنيين السابقين للمنتخب المغربي وبين اللاعبين الذين ولدوا خارج المغرب، وهم كُثُر، حيث تطفو على السطح نظرية تخاذل أصحاب الجنسيات المزدوجة.

على العكس تمامًا حمل الركراكي على عاتقه مهمة الدفاع عن اللاعبين المولودين خارج المغرب، الذين وصلوا لـ14 لاعبًا من أصل 26 في قائمة المغرب المتواجدة في الدوحة.

اليوم، أظهرنا أن كل مغربي هو مغربي. عندما يأتي إلى المنتخب الوطني يريد أن يموت، يريد القتال.
وليد الركراكي بعد فوز المغرب على إسبانيا بثمن نهائي كأس العالم.

يكمن اختلاف الركراكي عن سابقيه في حقيقة كونه قد عاش نفس معاناة اللاعبين المغاربة، فصاحب الـ48 عامًا، كان قد وُلد في فرنسا، وخاض مسيرة احترافية بأندية فرنسية عدة قبل أن يستقر في المغرب عقب اعتزاله.

لذلك يُعتقد أنَّه أكثر قدرة على فهم متطلبات اللاعبين المحترفين، إضافة لإدراكه لثقافة ودوافع ورغبات الجمهور المغربي الشغوف بكرة القدم.

إنه مذهل. يتحدث الكثير من الناس عنه كرجل يصعب إدارته، ولكن ما أراه هو أنه عندما تمنحه الحب والثقة، سيموت من أجلك. هذا ما أعطيه إياه وهو يقدِّم كل شيء في المقابل.
وليد الركراكي عن حكيم زياش.
لم يكن يبدو كلاعب من منتخب وطني يقاتل من أجل التأهل لكأس العالم. لأول مرة في مسيرتي التدريبية، أرى لاعبًا في المنتخب الوطني لا يريد التدريب ويدعي أنه مصاب. لن أتسامح مع مثل هذا السلوك طالما أنني مدرب للمغرب.
وحيد خاليلوزيتش عن حكيم زياش.

حين تضع التصريحين أعلاه أمامك تُدرك ببساطة، وبغض النظر عن صدق هذا أو ذاك، الاختلاف في طريقة الركراكي في التعامل مع لاعبيه، على الأقل نفسيًّا.

على أرض الملعب

بطبيعة الحال يُصوَّر أي انتصار عربي على أنه نتيجة للعزيمة والروح، وحتى إن كان ذلك صحيحًا، فلا يُمكن التغاضي عن العمل الفني الذي قام به «جوارديولا المغرب»، كما يلقبه جمهور الوداد؛ لأن التكتيك يعد أبرز عوامل توجيه هذه السمات الإنسانية داخل لاعب كرة القدم، ومن دونه قد تتحوَّل صفات مثل الروح والعزيمة والإصرار إلى فوضى عارمة.

يعتقد «نور الدين أمرابط»، لاعب وسط منتخب المغرب السابق، أن الركراكي مدرِّب منظَّم ومحترف للغاية، يحرر لاعبيه من الضغوط، لكن الأهم كان ما جاء على لسان «مصطفى حجي» الذي قال: «أكثر ما يميِّز المنتخب المغربي تحت قيادة الركراكي هو تحلي الفريق بالنظام والصبر، عكس أوقات سابقة كان الاندفاع لتسجيل الأهداف سمة رئيسية فيها».

على عكس تشبيهه بجوارديولا، يرى الركراكي نفسه مدربًا أكثر مرونة، أو بمعنى أدق أكثر براغماتية، يسعى أولًا وأخيرًا للفوز في مبارياته، بغض النظر عن الطريقة التي يتبعها، سواء كانت هجومية أو دفاعية؛ لأنه بطبيعة الحال لا يشرف على تدريب برشلونة.

حين تضع كل تلك العوامل جنبًا إلى جنب، بداية من إدارته لغرفة ملابس مضطربة، وصولًا لقدرته على تحجيم منافسين أكثر تمرسًا في بطولة مثل كأس العالم، لا بُد أن تُدرك أن الركراكي لم يكُن مدربًا وطنيًّا جاء لسد الخانة، لكنه شاب طموح، يجمع بين التجربة العلمية والعملية ما يؤهله لانتهاز الصدفة التي قادته إلى هنا.

مصري يشاهد من بعيد

استدعيت مسئول الماليات باتحاد الكرة ووجهت له سؤالًا حول المبلغ المالي من الدولارات الذي يملكه اتحاد الكرة، فكان رده عدم وجود دولارات. لذا، قررنا على الفور التعاقد مع مدرب مصري. هندفع منين للمدرب الأجنبي؟
جمال علام، رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم.

بغض النظر عن سذاجة التصريح أعلاه، وضربه عرض الحائط بكل قواعد الدبلوماسية، لم يكُن لجوء الاتحاد المصري لمدرِّب مصري عقب الفشل في الصعود لكأس العالم مختلفًا بشكل كبير عن توجُّه المغرب؛ لأن الاتحادين كانا قد اتخذا هذه الخطوة كحل مؤقت لأزمة ما.

لكن الاختلاف الحقيقي كان حفاظ الاتحاد المغربي لكرة القدم على أدنى درجات المسئولية تجاه مدربيه، عن طريق توفير سُبُل التعلُّم والتطوُّر.

عن ذلك يقول بيتسو موسيماني، المدير الفني الأسبق للأهلي المصري: توقعت أن المغرب ستحدث مفاجأة في كأس العالم، هذا هو الواقع؛ المغرب تمتلك هيكلًا تدريبيًّا واضحًا لتعليم المدربين. إنهم متقدمون على أفريقيا بـ20 عامًا.

في النهاية، ربما كان الركراكي محظوظًا، وكان المغرب محظوظًا بقرار تعيينه، لكن الأكيد هو أن هذا النجاح المغربي لم يكُن مجرد صدفة، كما أنَّه لم يكن نتيجة لتخطيط مثالي، بل مزيجًا بين هذا وذاك.