أزمة جديدة تلوح في الأفق بين روسيا و«إسرائيل»، بسبب إصرار الرئيس الروسي «فيلاديمير بوتين» على انتزاع ملكية كنيسة قديمة في القدس.

ورغم ظروف الحرب التي غرقت فيها روسيا حتى أذنيها، والتي أثارت توترًا محدودًا في العلاقات بين الدولتين عقب انتقاد إسرائيل لغزو أوكرانيا، فإن هذا لم يمنع بوتين من إرسال برقية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت يحثُّه فيها على تنفيذ وعده القديم بنقل ملكية الكنيسة إلى روسيا.

وأظهرت موسكو اهتمامًا متزايدًا بهذه القضية بعدما صرَّح ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين بأن عملية نقل كنيسة ألكسندر تقع على رأس جدول أعمال العلاقات الروسية الإسرائيلية.

فما قصة تلك الكنيسة؟ وما أهميتها؟ ولماذا تهتمُّ روسيا بها إلى هذه الدرجة؟ إليك كل ما نعرفه عنها.

1. تقع الكنيسة داخل الحي المسيحي في البلدة القديمة من القدس، على بُعد 70 مترًا فقط من كنيسة القيامة، ذلك الموقع المُقدَّس الذي يعتقد المسيحيون أنه صُلب فيه.

2. أصبحت الكنيسة -وكافة ممتلكاتها- ملك روسي بعدما اشترتها جمعية دينية روسية تُسمى الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية عام 1859م من الكنيسة الإثيوبية. أتت هذه الخطوة برعاية من القيصر الروسي ألكسندر الثالث رغبةً منه في تعزيز وجود بلاده بالشام وتحديدًا في الأراضي المقدسة، وفي ظل سيطرة العثمانيين على فلسطين الذين لم يوافقوا على بدء أعمال بناء الكنيسة إلا عام 1887م حتى افتُتحت في 22 مايو 1896.

من حينها خضعت المنشأة لإدارة روسيا القيصرية حتى اندلاع الثورة البلشفية التي أنهت الحُكم القيصري في روسيا عام 1917م. طوال هذه الفترة كانت تُستعمل كفندق للحجاج الروس الذين كانوا يتدفقون بالآلاف على الأراضي المقدسة. وهو ما فسَّر طريقة تدشين أبوابها ومدخلها بشكل كلاسيكي يُشبه الفنادق بدلًا من الاعتماد على أبوابٍ مزخرفة كحال أغلب كنائس تلك الفترة.

3. سُميت الكنيسة على اسم الأمير ألسكندر نيفسكي (1221-1263)، وهو قائد عسكري روسي منحدر من سلالة «روريك Rurikids» الملكية، التي أسست عددًا من الدول في الأراضي الروسية كانت أساسًا لدولة روسيا الحديثة. عاش ألكسندر في القرن الـ13 واشتهر بتحقيق انتصارات عسكرية كبيرة خلال حروبه مع الألمان، والتي وسَّعت من حدود الدولة الروسية ما حفر اسمه بحروفٍ من نور في التاريخ الروسي. منحته الكنيسة لقب «قديس» بسبب جهوده في تثبيت العقيدة الأرثوذكسية داخل روسيا ومقاومة محاولات التغلغل الكاثوليكي فيها. ولا يزال حتى الآن يُنظر له كبطل قومي لولاه لأصبحت روسيا مجرد دولة تابعة للغرب.

في عام 2008م، اختاره الروس -ضمن تصويت شعبي- باعتباره البطل الأبرز في تاريخ روسيا، كما أُطلق اسم الأمير/ القديس ألكسندر على أرفع وسام تقدمه روسيا. وبخلاف القدس، تحمل اسمه كنيستان أخريان في بلغاريا والدنمارك.

4. عام 1883م، وخلال إجراء بعض الحفريات في موقع الكنيسة اكتشفت بعض أجزاء سور مدينة القدس القديم إبان فترة الملك هيرودس الأول -الذي عاش المسيح في عهده- من ضمن الآثار عُثر على بقايا بوابة يُعتقد أن المسيح خرج من خلالها في طريقه إلى كنيسة القيامة حيث عاش يومه الأخير على الأرض، وتعدُّ الكنيسة مزارًا أساسيًّا لكل الحجاج الروس الذين يزورون القدس.

زائرون مسيحيون يركعون حيث تقع بقايا البوابة التي يٌعتقد أن المسيح مرّ منها قبل صلبه

5. وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو على إعادة الكنيسة للدولة الروسية عام 2020م، مقابل إفراج روسيا عن نعمة يسسخا (Naama Issachar)، وهي مواطنة إسرائيلية كانت مُحتجزة في روسيا بتهمة الاتجاز في المخدرات. وحظيت قضية نعمة بجدلٍ كبير في المجتمع الإسرائيلي، بسبب صغر سنها أولًا (عُمرها 26 عامًا)، وبسبب الاعتقاد بأن موسكو استخدمتها للضغط على تل أبيب بشأن تسليم بعض المطلوبين أمنيًّا. لذا كان نتنياهو مستعدًّا للإفراج عنها بأي ثمن، تعزيزًا لشعبيته قبيل خوض الانتخابات البرلمانية وأملًا في الاحتفاظ بمنصبه رئيسًا للوزراء، وكان الثمن الذي دفعه نتنياهو هو كنيسة ألكسندر.

هذا السيناريو جرى سابقًا مع ما يُعرف بـ «مجمع سيرجيوس»، الذي بنته روسيا داخل فلسطين بين عامي 1886م و1890م، وأعاده فيلاديمير بوتين إلى الحيازة الروسية عام 2008م باتفاق مماثل مع نتنياهو.

6. الجمعية التي آلت إليها ملكية الكنيسة -تُدعى جمعية فلسطين الأرثوذكسية في الأرض المُقدسة (The Orthodox Palestine Society of the Holy Land)-  رفضت قرار نتنياهو بالتخلي عن الكنيسة، ورفعت دعوى قضائية تُطالب بإلغائه. في الشهر الماضي، صدر حُكم بتجميد القرار ومطالبة الحكومة بإعادة النظر فيه. وهو القرار الذي تفاعَل معه بينيت عبر تشكيل لجنة وزراية مصغرة لبحث ذلك الأمر إما أن تبت في الموضوع بشكلٍ قطعي أو تدفنه نهائيًّا.

7. قال فلاديمير شابوفالوف نائب مدير معهد التاريخ والسياسة بجامعة موسكو، إن إعادة الكنيسة للملكية الروسية ترسِّخ مساعي موسكو لفرض نفسها كراعية للمسيحية الشرقية حول العالم، وهو ما سيتأكد عبر ترسيخ وجودها في قلب الأراضي المقدسة نفسها وعلى بعد أمتار فقط من كنيسة القيامة.