نادراً ما تندلع الخلافات حول إمدادات النفط بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فعادةً ما تتماشى وجهات نظر البلدان بشأن السياسات المُتخذة داخل منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك». لذلك أثيرت الدهشة في أوائل يوليو الجاري، عندما قال سهيل المزروعي، وزير الطاقة الإماراتي، إن حصص أوبك «غير عادلة على الإطلاق». ثم تفاجأت الأسواق في 5 يوليو الجاري عندما تم إلغاء الاجتماعات بين المنظمة وحلفائها من خارجها، المعروفين باسم «أوبك+»، بسبب الخلاف.

وأدى الخلاف بين السعودية والإمارات بشأن سياسة إنتاج النفط إلى إفشال صفقة بين تحالف أوبك+ الرامية إلى تمديد مقترح قيود الإنتاج لثمانية أشهر أخرى. وهذا يعني أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة محتملة في إنتاج النفط الخام بعد نهاية يوليو الجاري، مما يترك أسواق النفط في حالة من عدم اليقين مع تعافي الطلب العالمي على الوقود من جائحة فيروس كورونا المستجد Covid-19.

ويأتي الخلاف بعد تصويت أوبك+، في الثاني من يوليو الجاري، على اقتراح لزيادة إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يومياً بين أغسطس ونهاية العام 2021، على أقساط شهرية قدرها 400 ألف برميل يومياً. كما اقترحت تمديد التخفيضات المتبقية للإنتاج حتى نهاية عام 2022. و يقترن تدهور العلاقات السعودية الإماراتية بتصميم الإمارات على توسيع طاقتها الإنتاجية لدعم خطط تنويع الاقتصاد المحلي. ومن ثم يهدد هذا الخلاف بين أعضاء أوبك قدرة المنظمة على التوحيد على المدى الطويل وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط.

حيثيات اجتماع أوبك

دارت المفاوضات في الأول والثاني من يوليو/تموز الجاري حول اقتراح لزيادة إنتاج النفط بما مجموعه مليوني برميل يومياً بزيادات شهرية من أغسطس/آب إلى ديسمبر/كانون الأول 2021. كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة المعروض لتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب التي أشارت إليها كل من منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية في تقاريرهما الشهرية لشهر يونيو/حزيران الماضي. لكن الإمارات العربية المتحدة اعترضت على مقترح سعودي للتخفيضات المتبقية البالغة 3.8 مليون برميل/اليوم، بعد أبريل/نيسان 2022. قالت الإمارات إنها لا تُعارض زيادة الإنتاج لكنها ترفض التمديد لما بعد أبريل/نيسان 2022 ما لم يتم مراجعة مستويات الإنتاج المستخدمة لحساب قيود الإنتاج لتعكس الإنتاج الفعلي لكل دولة بدلًا من أرقام 2018 القديمة.

كانت أوبك+، التي يهيمن عليها منتجو النفط الخام في الشرق الأوسط، قد وافقت على تنفيذ تخفيضات هائلة في إنتاج الخام في عام 2020 في محاولة لدعم أسعار النفط، عندما تزامنت جائحة فيروس كورونا مع صدمة تاريخية في الطلب على الوقود. واتفقت أوبك+ على تخفيضات قياسية للإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً خلال العام 2020، أي حوالي 10% من الإنتاج العالمي، مع انتشار الوباء. وتم تخفيف القيود تدريجيًا وبلغت التخفيضات نحو 5.8 مليون برميل يوميًا.

لكن الأمر المثير للدهشة في الخلاف القائم داخل أوبك في تلك­ المرة، هو كون الخلاف بين حليفين كانا أكثر قُربًا طوال سنوات طويلة من المفاوضات، لذا يعتبر هذا الخلاف غير معتاد لأن الإمارات -أكبر منتج في أوبك بعد السعودية والعراق- تجنبت منذ فترة طويلة الاشتباكات العامة داخل المنظمة، مفضلة حل النزاعات بهدوء وعادة ما كانت إيجابية بشكل دائم مع قرارات السعودية داخل المنظمة. ويُشار إلى أن التوتر تصاعد بين الحليفين منذ أواخر صيف 2020، عندما تجاوزت الإمارات حصتها المُقررة من الإنتاج وتلقت تحذيرًا صارمًا من المملكة.

دوافع إماراتية

ترى الإمارات أن تخصيص الحدود القصوى للإنتاج داخل منظمة أوبك غير عادل، حيث تستند إلى إمكانات إنتاج النفط للدول منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، في حين نمت قدرة الدولة على التوريد بما يقرب من الخمس منذ ذلك الحين بفضل الاستثمار الضخم في القطاع النفطي. وهو ما يجعل ثلث إنتاجها الآن في وضع الخمول دونما الاستفادة منه، وذلك في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الإماراتي من تقلص عائدات النفط ووباء فيروس كورونا. لذا تبحث الدولة عن خط أساس أعلى وأكثر واقعية معتمدًا على بيانات حديثة لمعدلات الإنتاج داخل الدول الأعضاء.

فائض الطاقة الإنتاجية لدى الدول المصدرة للنفط

ووفقاً للشكل البياني، تضحي الإمارات الآن بنسبة 31% من طاقتها الإنتاجية، وهي أعلى نسبة من الطاقة غير المستخدمة بين أعضاء أوبك+، وذلك على الرغم من أنها مجرد منتج متوسط ​​الحجم. لذلك ترغب الإمارات في رفع خط إنتاجها داخل أوبك من 3.168 مليون برميل في اليوم إلى 3.841 مليون برميل/اليوم في أبريل/نيسان 2022. ومن ثم ستكون الحصة النسبية للإمارات من الخفض المُقرر داخل أوبك أصغر إذا استندت إلى خط أساس أعلى.

ولتنفيذ إستراتيجية الدولة لاقتصاد ما بعد النفط، استثمرت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» مليارات الدولارات لتعزيز الطاقة الإنتاجية للنفط، والتي تبلغ الآن أكثر من 4 مليون برميل في اليوم، وتستهدف أدنوك زيادة سعتها إلى 5 مليون برميل/اليوم بحلول عام 2030. حيث يُنظر إلى ضخ أكبر قدر ممكن من النفط في أسرع وقت ممكن على أنه المفتاح لتأمين مستقبل أبوظبي بعد النفط. ومن المقرر رفع الإنتاج الإضافي لمصفاة ومصانع للبتروكيماويات في مدينة الرويس، كجزء من خطة أبو ظبي لتوليد قيمة أكبر من النفط الخام للإمارة محليًا. ويعتبر مصنع «بروج 3» للبتروكيماويات واحدًا من عدة منشآت في الرويس يمكنها معالجة زيادة إنتاج النفط في الإمارات العربية المتحدة، وذلك سعيًا من الحكومة لاستخدام الإيرادات المرتفعة في خطط تنويع النفط عبر الاقتصاد، وذلك في الوقت التي تمنع فيه أوبك الدولة من أي فرصة لتوسيع قدرات الطاقة في البلاد.

تتوقع شركة بريتيش بتروليوم، على سبيل المثال، أنه في أسوأ السيناريوهات، وصل الطلب على النفط إلى الذروة بالفعل، وفي أفضل السيناريوهات، سيصل الطلب إلى الذروة في عام 2030. وتتوقع شركة Equinor النرويجية ذروة الطلب على النفط في وقت ما في عام 2027 أو 2028. فيما ترى Rystad Energy أن الطلب يبلغ ذروته في خمس سنوات، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية ذروة الطلب على مدى العقد المقبل. هذا يعني أن الإمارات وجميع منتجي النفط الكبار الآخرين ليس لديهم سوى القليل من الوقت للتنويع بعيداً عن سلعتهم التصديرية الرئيسية. وفي الوقت نفسه، يحتاجون إلى المال لدعم جهود التنويع الاقتصادي، وأفضل مصدر يمكن أن يأتي منه المال هو صادرات النفط.

مبررات سعودية

تنبع الأسباب السعودية في الاستمرار في تقييد الحصص الإنتاجية للدول الأعضاء، من عدم الرغبة في رؤية زيادة كبيرة في الإنتاج. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن إفساح المجال بشأن الحصص قد يعني أن دولاً مثل روسيا تبدأ في طرح مطالب مماثلة ومن ثم زيادة إنتاجها بمعدلات أكبر من تلك التي ترمي إليها الإمارات. وكذلك هناك رغبة سعودية في تجنب فائض الإنتاج في وقت قد يوسع فيه المنتجون من خارج أوبك العرض أيضاً، كمنتجي النفط الصخري في أمريكا، الذين غالباً ما يلجؤون إلى زيادة إنتاجهم عندما ترتفع أسعار النفط.

كذلك يُنظر إلى إيران على أنها مصدر مرجح للإمداد الجديد. وذلك لأن مفاوضي الدولة يحاولون عقد صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية لرفع العقوبات الاقتصادية مقابل قيود على طموحاتها النووية. وإذا نجحوا، يمكن لإيران أن تضيف حوالي مليون برميل يومياً إلى السوق بحلول نهاية العام 2021؛ ويمكنها أيضاً بيع 200 مليون برميل مخزنة لديها حالياً.

الانعكاس على أسعار النفط

ارتفعت العقود الآجلة لمزيج برنت القياسي العالمي، في 5 يوليو/تموز الجاري، في أول رد فعل على فشل مفاوضات الإنتاج داخل منظمة أوبك، فوق 77 دولارًا للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014. ثم تراجعت الأسعار منذ ذلك الحين إلى ما دون 73 دولارًا للبرميل، وسط قلق من احتمال ارتفاع العرض بعد انهيار المحادثات بين كبار المنتجين، مما قد يتسبب في التخلي عن اتفاقية الإنتاج الحالية.

ولا تزال الأسعار تجد بعض الدعم من الانخفاض الكبير في مخزونات النفط في الولايات المتحدة؛ تراجعت مخزونات النفط في أكبر مستهلك للنفط في العالم بمقدار 8 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الثاني من يوليو الجاري، وفقاً لأرقام معهد البترول الأمريكي، مقارنة بتقديرات المحللين في استطلاع أجرته رويترز بنحو 4 مليون برميل. كذلك من المتوقع أن يتراجع إنتاج النفط الأمريكي خلال العام 2021، حيث قالت إدارة معلومات الطاقة إن الإنتاج سيكون 11.10 مليون برميل يومياً في عام 2021، بانخفاض 210 ألف برميل يومياً عن عام 2020، مقابل توقعاتها السابقة بهبوط قدره 230 ألف برميل يومياً.

كذلك أثرت المخاوف بشأن فيروس كورونا على الأسعار، حيث من المقرر أن تعلن اليابان، رابع أكبر مستخدم للنفط في العالم، حالة الطوارئ لمنطقة طوكيو حتى 22 أغسطس 2021، وسط موجة جديدة من الإصابات، وأبلغت كوريا الجنوبية عن أعلى معدلاتها اليومية من الإصابات على الإطلاق. لذا تراهن الأسواق على أن العرض سيظل شحيحاً وأن الأسعار قد تتجه نحو 100 دولار للبرميل، وذلك لأن السوق قد يظل في حالة عجز حتى نهاية عام 2022 بفضل “ارتفاع استهلاك النفط الخام”. كما أن الأسعار المرتفعة لا تغري منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة بدخول السوق كما كان من قبل: حيث إن تغير المناخ والمخاوف المتعلقة بالربحية تمنع مجموعات النفط المدرجة من زيادة الإنتاج.

سيناريوهات مُحتملة

دخلت منظمة أوبك في أزمة حقيقية، حيث أثار الخلاف الداخلي بين أكبر حليفين بالمنظمة -السعودية والإمارات- تساؤلات حول مستقبل تحالف الطاقة. ويأتي الخلاف بين أكبر حليفين داخل المنظمة في لحظة حساسة بالنسبة لأوبك+، التي دعمت أسعار النفط باتفاق تاريخي لخفض الإمدادات وتعويض تأثير الوباء على الطلب. وأي علامات على حدوث تصدعات في التحالف -ناهيك عن معارضة منتج كبير مثل الإمارات- من شأنها أن تقوض السوق الهشة بالفعل.

وبالفعل عانى التحالف من النزاعات الإقليمية وأزمات الخلافة وضغوط الحرب في الجوار على مدى السنوات الكثيرة الماضية. وكانت آخر مرة تعرض فيها تحالف أوبك+ لهذا القدر من الضغط في بداية وباء كورونا، خلال العام الماضي، عندما شنت السعودية وروسيا حرب أسعار بعد خلاف حول كيفية التعامل مع سياسة الإمدادات في مواجهة الأزمة.

والآن، بدلاً من الخلاف بين المنتجين المتنافسين على المدى الطويل -كروسيا- فإن المملكة على خلاف مع حليف قريب أصبح أكثر حزماً وأقل استعداداً للتعامل مع الخلافات، مما يهدد تكتل أوبك +. وهناك ثلاثة سيناريوهات مُتوقعة لحل الأزمة الراهنة:

السيناريو الأول: أن تبدأ الدول في إنتاج ما تريد من النفط، وتتبع ذلك حرب أسعار ومن ثم تنجرف أسعار النفط إلى مسارات هبوطية. لكن قد يكون هذا السيناريو الأقل احتمالاً، فوزراء الطاقة ما زالوا يتحملون ندوب حرب الأسعار التي جاءت في مارس 2020، عندما فشلت روسيا والسعودية في الاتفاق على تخفيضات الإنتاج. وأدت حرب الأسعار السعودية الروسية، إلى جانب عمليات إغلاق Covid-19، إلى انخفاض أسعار النفط؛ انخفضت العقود الآجلة للخام الأمريكي لفترة وجيزة إلى ما دون الصفر. ولإنقاذ السوق، وافق أعضاء أوبك+ على خفض إنتاجهم المشترك بمقدار 10 مليون برميل يومياً مقارنةً بمستويات ما قبل الوباء (ما يعادل حوالي 10% من الإنتاج العالمي).

السيناريو الثاني: هو عدم التوصل إلى اتفاق جديد، وأن الدول تستمر على الحصص المُقررة حالياً، وهذا يعني أن الزيادات الإضافية في الإنتاج بعد يوليو 2021، والتي كانت السوق تتوقعها لن تتحقق. إلى جانب زيادة الطلب المتوقعة في فصل الصيف، فإن ذلك من شأنه أن يرفع الأسعار، ربما إلى أكثر من 80 دولاراً أمريكياً للبرميل.

السيناريو الثالث، وهو الأكثر احتمالاً، هو السماح لدولة الإمارات العربية المتحدة وبعض الدول الأخرى بزيادة مؤقتة في الإنتاج، مع وعد بمراجعة الإمكانات التي يتم على أساسها تحديد الحصص للدول الأعضاء.

لكن حتى إذا تم إبرام صفقة سعودية- إماراتية، فإن الخلاف الحالي قد ينذر بمزيد من الخلافات والمزيد من تقلب الأسعار في المستقبل القريب. وهذا يعني أن عدم التوازن بين العرض والطلب من المقرر أن ينمو حتى أكثر من المتوقع. كنت تتوقع أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط. وإذا لم يبرم الكارتل صفقة جديدة لزيادة الإنتاج وإذا بقيت الصفقة الحالية سارية، فسيؤدي ذلك إلى رفع الأسعار بصورة أكبر مما هو مُخطط له، ومثل هذا الارتفاع لن يكون مفيداً للعديد من الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز وضرب العديد من القطاعات التي تعتمد على النفط مثل شركات الطيران.