ما الذي يحدث في حلب؟ 5 أسئلة تشرح لك
لماذا دخلنا؟، لا نخطط للاستيلاء على الأرض السورية، بل المهمة هي إعطاء الأراضي لأصحابها الحقيقيين، وهذا يعني أننا هنا من أجل إحلال العدالة. دخلنا لكي نضع الحد لحكم الطاغية الأسد الذي يرهب السوريين بدولة الإرهاب، ولم يكن دخولنا لأي سبب آخر.
أيامٌ عصيبة، هذه التي نعيشها ونحن نشاهد القتل يُغرق شوارع مدينة الثورة السورية حلب. قصفٌ استمر لأيامٍ طوال ولم يتحرك أحد، لا المجتمع الدولي ولا العربي، ليس سوى نعرات أطلقها بعض السياسيين والزعماء، تعاطفٌ وأسى لم يكن له ما قبله ولا ما بعده.
على أي حال، باتت حلب بغالبية مساحتها بيد النظام السوري، كيف حدث ذلك؟، وما تداعيته على الثورة والموقف الدولي؟، وهل فعلاً باعت أو تجاهلت تركيا حلب بتفاهمات مع روسيا؟.
ما الذي يحدث في حلب؟
بنهاية العام 2012 كانت المدينة أغلبها بيد المعارضة السورية، كأول أرض يحررها أبناؤها من سيطرة النظام تحريرًا كاملاً، ومنذ ذلك الحين لا يفتأ النظام السوري يعتبر تحريرها معركته الحاسمة، التي بانتصاره فيها تنهزم الثورة، ويعود السلطان لأصحاب السلطان.
هجماتٌ برية وجوية لا تنتهي من قبل قوات النظام، والقوات الرديفة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، إلا أن حصون الممانعة الثورية كانت تقوى يومًا بعد يوم، ومعركة تلو معركة، حتى بات الأمر معجزًا أمام النظام.
سبتمبر/أيلول 2015، كان ثمة ظرف استثنائي بحق الثورة السورية، التدخل الروسي المباشر في الحرب الدائرة، الذي تقوّت على إثره شوكة النظام، وتشكّل درع للدولة يشمل كلاً من؛ القوات النظامية، وميليشيا حزب الله الشيعية، ووحدات من الحرس الثوري الإيراني، وروسيا.
تضاعفت معاناة الحلبيين على وقع القصف العنيف، الذي تناوبت عليه طائرات النظام وطائرات روسيا، حتى كان موعدهم مع الحصار الخانق في يوليو/تموز الماضي. انتصفت المدينة تقريبًا بين الفئتين المتحاربتين، قوى النظام تركزت في الجانب الغربي، وقوى المعارضة تحصنت شرقي المدينة.
الحصار الذي أضعف من عزيمة المعارضة المسلحة، وقطع عنها خطوط الإمداد إيذانًا بقرب موعد اقتحامها؛ الأمر الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مسئول كبير في التحالف العسكري لمحاربة «داعش»، لم يذكر اسمه، قوله بأن مخططًا زمنيًا اعتمدته روسيا يقضي بانتزاع التحالف الداعم لنظام بشار الأسد أحياء حلب الشرقية من يد المعارضة المسلحة قبل هذا الموعد مخافة أي تحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا.
كيف سقطت الشهباء؟
كان الأسد وقواته الرديفة، اللبنانية والإيرانية والروسية، في سباق مع الزمن، يريدون طي ملف حلب قبل وصول دونالد ترامب للمكتب البيضاوي في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، فالرجل محاطٌ بهالة من الغموض، رغم احترامه لبوتين كـ«زعيم قوي»، و اعتباره الرئيس الأسد محاربًا للإرهاب ينبغي التكاتف معه.
ابتداءً من الـ27 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدأت دفاعات قوى المعارضة في التهاوي تباعًا بشكل مثير للدهشة، ربما كان الحصار المفروض على المدينة سببًا مباشرًا لهذا التهاوي، ساعده القصف الروسي المستمر، الذي ما انفك يحرق الأرض حرقًا، ممهدًا طريق التقدم أمام قوات الأسد بريًا، وتمكنت قوى النظام من فصل الجزء الشرقي إلى شمالي وجنوبي لتسهيل معارك الحسم. بدأت القوات عملية الفصل بالسيطرة على أكبر أحياء حلب الشرقية، مساكن هنانو، 26 نوفمبر/تشرين الثاني.
اقرأ أيضًا:حلب: السقوط قبل الأخير
في اليوم التالي، أصبح كل شيء في دفاعات المعارضة هشًا، وقررت الانسحاب من الأحياء الشمالية لصالح قوات سوريا الديمقراطية، التي يُشكل الأكراد قوامها الرئيس؛ حمايةً للمدنيين، ورغبةً في الوحدة والتحصن في الجنوب الشرقي لحلب.
سبب آخر وقف وراء هذا التهاوي؛ وهو الاقتتال الداخلي بين صفوف المعارضة المسلحة، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ ما أضعف من صلابة المقاتلين لمصلحة النظام.
حاولت فصائل المقاومة تدارك الأمر مطلع ديسمبر/كانون الأول،بإعلانها الانصهار في كيان واحد، أسمته «جيش حلب»، بعد أن سقطت الأحياء الشرقية الشمالية، في محاولة منهم لرد القوات النظامية والفصائل الرديفة، الأمر الذي لم ينجح؛ إذ باتت المساحات تحت أرجلهم تضيق بوتيرة متسارعة.
إذن: شكّل الحصار، والقصف العنيف لقوات النظام، والاقتتال الداخلي، أسبابًا رئيسية لهذا التهاوي، بقي أن نطالع الظرف الدولي.
هل باع «الطيب أردوغان» المدينة؟
شهد الرابع والعشرون من أغسطس/آب الفائت ميلاد حركة مقاومة جامعة للعديد من الفصائل السورية بقيادة تركية. الأهداف المعلنة لعملية درع الفرات تمثلت في نقطتين أساسيتين هما؛ القضاء على تنظيم الدولة ومنع الأكراد من التقدم غربي الفرات، ومواصلة الربط بين كنتوني، عين العرب كوباني، وعفرين أقصى الغرب السوري.
مرت العملية بثلاث محطات رئيسية، حررت خلالها مدينة جرابلس الحدودية، وأخضعت لسيطرتها الشريط الحدودي غربي جرابلس، منطلقةً إلى مدينة الباب، شمال شرقي حلب.
اقرأ أيضًا:درع الفرات: قراءة شاملة من جرابلس إلى الباب
الباب؛ بالنسبة لتركيا وحلفائها باتت معركة فاصلة، للقضاء على المساعي الكردية غربي الفرات، فباقتحامها تُحاصَر مدينة منبج، الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية، ويُقضى على التواجد الكردي في المناطق الملاصقة للفرات غربًا.
الاتهامات الكثيرة التي تتلقاها الإدارة التركية، تعود في مجملها لمعلومات ساقتها جريدة «يني شفق» التركية والقريبة من الحزب الحاكم، بأن اتفاقًا سريًا تم بين الإدارتين التركية والروسية، يقضي بـأن «الجيش التركي إلى جانب القوات الروسية سيحاربون القوات الكردية شمالي سوريا، على أن يُسمح لقوات المعارضة المنضوية تحت اللواء التركي للدخول إلى مدينة حلب، في حين ينسحب جيش النظام»؛ الأمر الذي لم يتحقق على أرض الواقع.
بغض النظر عن صحة الأخبار التي نقلتها الصحيفة، التي لم يؤكدها أو ينفيها أي من الجانبين، فتركيا لم يكن لها أن تدخل الأراضي السورية دون موافقة الجانب الروسي اللاعب الأول فيها، والولايات المتحدة الدولة الكبرى في حلف الناتو، حيث تركيا أحد أعضائه، وتورطها في أي معركة سيجعل دول الحلف متورطة.
تركيا أعلنت لدخولها المعركة؛ التزامها بمحاربة تنظيم الدولة والأكراد، وعليها أن تلتزم بالخطوط الحمراء التي تقبض بزمامها روسيا، هذا ينبغي أن يكون واضحًا من البداية. لاسيما وأنها تشهد انقسامًا في الجبهة الداخلية، وتصدعًا في الجيش بعد محاولة الانقلاب الأخيرة، وأي تورط في حرب كبيرة سيجعل زمام الأمور تخرج عن سيطرة أردوغان.
الذي يُلام عليه الرجل، هو سقف التصريحات المرتفع الذي لا يترفع عن مباراة الأفئدة به طوال الواقت، أمثال تصريحه الأخير بأنه لم يدخل سوريا إلا ليقوّض نظام الأسد، التصريح الذي أتبعه استفهام الكرملين. ثم خرج بن علي يلدرم، رئيس وزرائه، لاعقًا تصريحات رئيسه، و مؤكدًا ما كان ينبغي أن يؤكد من البداية، وهو أن التدخل التركي «درع الفرات» لا يهدف لتغيير النظام الحاكم في دمشق.
كيف نجح بشار؟
المحاور متعددة حول نجاح بشار في تقويض الثورة السورية، وهو الدرس الذي بات لزامًا على الجميع تعلمه اليوم؛ لأن مأساة الثورة السورية ستغدو نموذجًا لكل ديكتاتوريات المنطقة وما أكثرها. إذ أولاً لا ينبغي للجهاديين أن يكونوا طرفًا في أي نزاع سياسي؛ لأن بهم تميل كفة العدل، وبهم استطاع بشار الأسد أن يكون صاحب قضية عادلة نسبيًا في نظر المجتمع الدولي.
فالرجل الذي كان ببداية الثورة سفاحًا مجرمًا، ثم انتهى به المطاف محاربًا للإرهاب الأسود، رغم ما كان منه من تسهيل لهذه الجماعات في البداية. ثانيًا: التغيير لا يكون إلا من الداخل، ليس ثمة تغيير من الخارج، وهو ما بات لزامًا أن نؤكد عليه لمؤيدي التغيير في بلداننا العربية.
أدرك بشار أنه يحق له أن يقتل ويحرق طالما كان متحصنًا بـ«فيتو» واحدة من الدول الكبرى، وبالتالي أصبح بمأمنٍ من أي قرار دولي قد يعطل مسيرة القتل والتخريب. أدرك بشار كذلك حقيقةً، وهي أن الدول الغربية لا تنتفض إلا لمصلحتها بالمقام الأول، بعيدًا عن التصريحات التي تزين اجتماعاتهم العامة، فأغرقهم باللاجئين، ليكون في الأخير خيارهم الأفضل القادر على إيقاف هذا الطوفان.
الحقيقة الوحيدة التي غابت عن بشار الأسد، أنه يمكنه أن يحكم الأرض، والبنايات، أما الناس فلا يندمل جرحهم ولا يُجبر كسرهم، ولن تعود سوريا بعد اليوم كما كانت قبله، هنيئًا له بمدائن الأشباح يحكمها.
ما الذي تبقى من حُطام الثورة؟
برغم تعهد الكثير من المعارضين بمواصلة القتال،يُرجّح البعض أن احتمالات إلحاق الهزيمة بالأسد ستكون معدومة، بعد خسارة حلب وتسلّم دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في الولايات المتحدة، هذا على الصعيد السياسي. أما ميدانيًا، فلم يعد للثوار سوى بعض المناطق الجنوبية بمحافظة درعا، ومحافظة إدلب، والشريط الحدودي المنضوي تحت الراية التركية.
فيما تكون غالبية الأراضي السورية مقسمة بين النظام والأكراد، وقليلٌ بقي تحت سيطرة تنظيم الدولة، الذي اعتُبر عامه هذا عام المحنة والانحسار، في ظل الهزائم المتتالية التي تلقاها في سوريا والعراق وليبيا.
لم يعد مفهومًا بعدُ حتى مصير المناطق التي سيطرت عليها المعارضة المدعومة تركيًا، هل تدخل روسيا في الأخير في صدام مع تركيا بعد أن أذنت لها في لعب دور محدود؟!.
في النهاية تبقى الخسارة سورية، ويبقى الجرح سوريًا أصيلاً، ولم يبق لنا اليوم إلا أن نرثي الثورة، ونبكي الموتى. سوريا..لا تدفني موتاكِ، خليهم كأعمدة الضياء، خلّي دمي المسفوك لافتة الطغاة إلى المساء، خليه ندًّا للجبال الخُضر في صدر الفضاء، لا تسألي الشعراء أن يرثوا زغاليل الخميلة، شرف الطفولة أنها خطرٌ على أمن القبيلة، إني أباركهم بمجدٍ يرضع الدم والرذيلة، وأهنئ الجلاد منتصرًا على عين كحيلة، كي يستعير كساءه الشتوي من شعر الجديلة، مرحى لفاتح قريةٍ، مرحى لسفّاح الطفولة!.
