أعرف أن العنوان قد يوحي لك أنه مقال فانتازيا، وربما بدأت تتخيل كيف سيكون الحال لو تولى الأسطورة «يوهان كرويف» تدريب المنتخب المصري. كيف سيتعاون مثلًا مع الكابتن «مجدي عبد الغني»؟ ماذا سيكون رد فعله لو ترجم له أحدهم تعليقات «رضا عبد العال»؟هل سيتجرأ يومًا على استبعاد عمر جابر؟ كلها أسئلة تحتاج لكاتب روايات خيال علمي بارع ليجيب عليها، وحتى نجده دعنا الآن نحاول الإجابة عن سؤال آخر أكثر إلحاحًا وهو: من يصلح لتدريب المنتخب المصري؟ يميل البعض للمدرب الوطني الذي يفهم طبيعة اللاعبين ويقف على حقيقة مستوياتهم، فيما يرى آخرون أن واجب الوقت هو البحث عن مدرب أجنبي يفرض شخصيته وأسلوبه، هناك من يطرح اسم «حسن شحاتة»، في مقابل من يحبذ «هيرفي رونار» بعد رحيله عن منتخب المغرب. الحقيقة أن الأزمة لا تكمن في اسم المدرب ومواصفاته فحسب، الأمر أكبر وأكثر تعقيدًا من ذلك، ولو انصب التركيز عليه فقط فليس من المستبعد أن يكرر المنتخب ما وقع فيه خلال المونديال أو كأس الأمم الأفريقية. فما الحل؟ نحن بحاجة لمعالجة الأمور من جذورها، وهذا لن يكون إلا بمشروع إداري يقوم على التخطيط السليم وبناء أسلوب واضح للعب. المشاريع في عالم كرة القدم ليست بدعةً أو اختراعًا، ولا تحتاج لإمكانيات علمية أو مالية جبارة كما يصور لنا البعض، بل هي على النقيض ركيزة أساسية تعتمدها الأندية والمنتخبات من كل دول العالم، ويمكن بسهولة استلهام بعض الأفكار والآليات التي تناسبنا منها، ولعلك تصدم حين تعرف أنه يمكننا الاستفادة من تجربة يوهان كرويف في إحياء أياكس أمستردام.


هل نحن أقل من مدغشقر وبنين؟

وبذكر أياكس، فبالطبع أنت تذكر ما حققوه الموسم الماضي عندما أقصوا ريال مدريد ويوفنتوس وصعدوا لنصف نهائي التشامبيونزليج، دعني أخبرك أن هذا النادي كان بتعبير كرويف مجرد حطام قبل 9 أعوام فقط، إذ توالت إخفاقات النادي الهولندي محليًا، وضاعت هويته التكتيكية، وتراجعت قوته الاقتصادية معتمدًا فقط على بيع نجومه.وهنا تدخل يوهان وبدأ بأكثر الخطوات بداهة، وهي تحديد عناصر الأزمة ثم اختيار فريق عمل تتوزع مهامه بين الإدارة والتخطيط وتطوير أسلوب اللعب للتعامل مع تلك التحديات. تذكر دومًا أن الهولندي العجوز لم يتحرك قبل أن يفهم أساس العلة، ووضع كل رجل في مهمة تلائم خبراته.الآن حاول إسقاط ذلك على المنتخب المصري، فلنحدد أولًا ما هي أزمته: ببساطة نحن أمام جيل متوسط يعاني على الصعيد الفني والبدني والنفسي، وهناك مراكز معينة لا يشغلها لاعبون يمتلكون الكفاءة اللازمة كرأس الحربة مثلًا، هذا بالإضافة لغياب أسلوب لعب واضح ومنظومة جماعية تتضاعف فيها مميزات اللاعبين وتتضاءل عيوبهم.وهذا يترتب عليه حاجتنا لفريق عمل جديد له باع في الإدارة والتخطيط، وليس مجرد لاعبين ونجوم سابقين، يمكن له فهم الأسباب التي أدت لخروج جيل بذلك المستوى، ثم يشرع في العمل على تجنبها مع منتخبات الشباب والناشئين، لتفادي تكرار الفشل مستقبلًا. بالتوازي مع تلك الخطوة، ينبغي على هذا الفريق أيضًا إعادة النظر في معسكرات المنتخب، تلك المعسكرات التي لا يحرز خلالها اللاعبون تطورًا يذكر، بل على النقيض تتراجع جاهزيتهم، فهل ذلك يعود لضعف الإمكانيات المتاحة، أم لأسلوب إدارة المعسكر؟بصراحة يصعب الإجابة على السؤال الأول بنعم، لذا فإن الاحتمالية الأكبر أن يقع اللوم على إدارة المعسكر، وبالتالي المدرب خافيير أجيري وجهازه، وهذا يدفعنا إلى نقطة بديهية أخرى، وهي ضرورة تحديد المعايير المطلوبة في المدرب القادم قبل الاختيار، ومن ثم دراسة أكثر من سيرة ذاتية داخل هذا الإطار، وذلك بدلًا من تسليم الأمور لوكلاء ووسطاء يأتون لك بأجيري جديد يتقاضي 120 ألف دولار شهريًا ليقدم اللا شيء. إن كنت تظن أن هذه الخطوات تفوق قدرتنا، فعليك أن تعرف أن دولاً مثل مدغشقر وبنين فعلتها بسهولة، وبحثت عن الأسباب الحقيقية لفشلها مع كرة القدم، ثم أتت بالإداري المناسب الذي أتى بالمدرب المناسب ووفرت لهما الحد الأدنى من الإمكانيات، وبالتالي نجحت بشكل باهر، وطالما أن مدغشقر وبنين استطاعتا فعلها، فمن المؤكد أن مصر تستطيع.


اللعنة على البطولات

كل الخطوات السابقة مهمة بل ضرورية لخروج المنتخب من أزمته، ولكن إن كنا نبحث عن حل يعالج جذور الأمر، فعلينا التفكير في منتخبات الشباب بصورة مختلفة. هل تذكر آخر إنجاز حققه منتخب مصر للشباب؟ حسنًا سأساعدك، كان ذلك هو الفوز بكأس الأمم الأفريقية عام 2013. وقد توقع كثيرون أن يتم تصعيد هؤلاء الشبان للمنتخب الأول خلال سنوات، لينتهي الحال بـ«محمود تريزيجيه» فقط في التشكيل الأساسي للفراعنة، فماذا حدث؟ في الواقع هذه المشكلة ليست قاصرة على مصر فقط، بل تعاني منها الأندية والمنتخبات حول العالم. حيث يفوز أحد فرق الناشئين ببطولة ومن ثم يتفاءل المحللون والجمهور بمصير هذا الجيل، لكن بريقه يخفت بمرور الوقت ولا ينجح إلا القليل منهم في الاستمرار بنفس القوة، وقد فطن كرويف للسبب خلف تلك الظاهرة وقت إعادة هيكلة أكاديمية أياكس.يرى يوهان أن معيار نجاح الأكاديمية هو تخريج لاعب يمتلك أساسيات الكرة ويعرف أدوار مركزه، ويؤمن أن تركيز مدربي الفئات السنية على حصد البطولات فقط يضر الناشئ أكثر مما يفيده، لأنه يشتت انتباهه عن اكتساب المهارات اللازمة ليكون لاعبًا محترفًا يصنع الفارق، لذا كلف المدربين بأولوية واضحة وهي إعداد الأفراد فنيًا وبدنيًا بدلًا من الضغط عليهم ليفوزوا بجولات لن تعود على النادي بالكثير.هكذا تعرّف مدربو الأكاديمية مبكرًا على اللاعبين الواعدين، ولاحظوا عيوبهم فعملوا عليها سريعًا، ليتم تصعيد اللاعب من فئة لفئة أكبر وهو يحرز تطورًا في مستواه، حتى يصل للفريق الأول في أوج نضجه، هكذا عملت المنظومة التي أنتجت لاعبين بكفاءة «دي ليخت، ودي يونج». قد تفيد هذه النظرة لفرق الناشئين في حالتنا، المشكلة أن كل منتخب من فئة سنية يعمل بمعزل عن الفئة الأخرى، وبالتالي يركز كل مدرب على تحقيق نتائج تضمن وجوده في مركزه، وهنا لا وجود لمنظومة تحرص على تطوير اللاعب فنيًا وذهنيًا بشكل منتظم، بل تجري الأمور بعشوائية. وطالما أننا نمتلك جيلًا يفتقد الفاعلية الفنية ولا يحظى بعقلية الفوز، إذن لنعمل على خلقها في الجيل الحالي من منتخب الشباب. نحن نحتاج أن يجتمع مدرب المنتخب الأول بصورة دورية مع مدربي منتخبات الشباب، ويطلعهم على رؤيته لمواصفات اللاعب الذي يلائم أسلوب لعبه، ويطلب منهم تكثيف التدريبات على المهارات الأساسية وعلى التزام اللاعب بالتعليمات، هكذا سيظهر مع الوقت لاعبون على درجة جيدة من الجاهزية مؤهلين لتمثيل المنتخب الأول. وبتلك الطريقة، لن نخسر لاعبًا موهوبًا كصالح جمعة تم تصنيفه كأفضل لاعب أفريقي شاب في 2013، واليوم لا يجد مركزًا أساسيًا في ناديه ومنتخبه. ولن يتردد أحد في ضم لاعب متميز كمحمود كهربا لأنه ببساطة يرفض أن يدافع وأن يستبدل، ويوبخ زملاءه وجمهوره علنًا إن لاموه.


من أنتم؟

الآن استعرضنا كيف رسم كرويف الخطوط العريضة لإحياء أياكس، وكلها أفكار يمكن الاستفادة منها إذا تحلينا برؤية وإرادة لخروج منتخب مصر من الأزمة الحالية. بقي عنصر آخر هام يستحق الانتباه له، وهو رغبة يوهان أن يعي الناشئ قيمة أياكس التاريخية ويبدي الاحترام لجمهور النادي، ويعرف أنه يلعب بهذا الأسلوب الهجومي لأن هذا ما يحبه جمهور ناديه.كرويف لم يخترع العجلة،إنما طالب المدربين بغرس تلك القيمة مبكرًا في الناشئ، وقد أدى ذلك لخروج ناشئ يهاب الجمهور ولا يخافه، يلعب بشخصية وروح قتالية لأنه يعرف أن عليه مسئولية، وليس دليلًا على ذلك سوى أن يكون قائد أياكس، الذي يوجه زملاءه ويناقش الحكم في قراراته، هو دي ليخت صاحب الـ 19 عامًا. هم لم يختاروا الأكبر سنًا أو الأكثر موهبة أو الأقدم في الفريق، بل من يعرف أكثر ما هو أياكس.والغريب أن الروح القتالية واحترام الجمهور كانتا سمتين مميزتين في منتخب مصر في أغلب حالاته، سواء لعب بأداء هجومي أو دفاعي، سواء امتلك جيلاً قويًا أو آخر ضعيفًا، كان هناك من يلعب بإصرار ويعتذر للناس حين يخطئ؛ أما في بطولة الأمم الأفريقية الأخيرة، فكان الوضع مغايرًا بل ومفاجئًا. مؤخرًا خرج المدرب المساعد «هاني رمزي»بتصريحات صادمة عن معسكر المنتخب المصري، وقال بوضوح إن اللا مبالاة غلبت على اللاعبين سواء خلال المباريات أو التدريبات، حتى أنه شعر أنهم خارج أجواء البطولة كلها. أكثر من ذلك هو طلبه من اللاعبين الكبار أمثال «المحمدي، السعيد، النني، وصلاح» التدخل وتعنيف اللاعبين، لكن شيئًا من ذلك لم يتغير، بل إنه تفاجأ بقائد المنتخب يصرخ ويبحلق في وجوه الجماهير ويشير أنه لا يسمعهم، وصعق بردة الفعل الهادئة عقب الإقصاء المدوي أمام منتخب متوسط كجنوب أفريقيا. وهذه الحالة بالطبع ليست وليدة اليوم، ولكنها نتاج لتراكمات عديدة بدأت مع منع حضور الجمهور للمباريات قبل سنوات لم نعد نعرفها، واستمرت في خطاب إعلامي يهمش الدور الجماهيري ويعظم في المقابل اللاعبين ويلتمس لهم الأعذار أغلب الوقت، فكان أن ظهر علينا منتخب غريب لا نعرفه، يتعمد فيه صلاح تسديد الركنيات على المرمى مباشرة متجاهلًا زملاءه، ويرفض زملاؤه وقوع العقوبة على عمرو وردة في تحدٍ واضح للقرارات الإدارية، ويخرج كل مسئول إداري متنصلًا من المسئولية. حالة يرثى لها، تحتاج لتدخل أحدهم وإعادة فرض الالتزام في المنتخب والاحترام للجمهور، لأن عاقبة ذلك ربما تكون أسوأ، لا قدر الله.