تعرض ثلاثة صحفيين جزائريين، أحدهم مراسل وكالة الأنباء الرسمية، للسرقة والطعن، على بعد 10 أمتار من فندق إقامتهم بمنطقة بونابريسو، في مدينة دوالا، أكبر مدن الكاميرون، التي تستضيف بطولة كأس الأمم الأفريقية حاليًا.

اللصوص هاجموا مجموعة كبيرة من الصحفيين الذين كانوا يغادرون الفندق للتو، وسرقوا حقيبة تحتوي نقودًا، وثلاثة هواتف، وجهاز كمبيوتر محمول، وجواز سفر، ليصاب أحد الصحفيين بجرحين عميقين، بينما أصيب آخر بجرح في وجهه، فيما بدا أنه كمين مخطط؛ إذ انتظر المهاجمون خروج الصحفيين لتناول العشاء خارج الفندق. 

تعليقًا على الحادث، قال الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، في بيان، إن الشرطة المحلية فتحت تحقيقًا في الحادث، وإنه ينسق مع السلطات لفهم تفاصيله، مضيفًا أن «سلامة كل فرد يحضر كأس الأمم الأفريقية من أولويات كاف وللشركاء في حكومة الكاميرون».

المشكلة هنا أن الهجوم كان أقل ما يمكن أن يتعرض له ضيوف الكاميرون خلال منافسات أمم أفريقيا؛ إذ تصنف البلاد في مستوى الخطر أمنيًا؛ من الإرهاب الذي يستهدف كمنطقة الشمال حيث تلعب مصر والسودان، إلى المتمردين الذين فجروا قنبلة في مدينة تستضيف تونس وموريتانيا عشية انطلاق البطولة، مهددين بالمزيد، وصولًا إلى الجريمة المنظمة التي تستهدف كل المدن تقريبًا.

مصر والسودان في انتظار بوكو حرام

المقر الرئيسي لجماعتي بوكو حرام وداعش في غرب أفريقيا يقع في نيجيريا. لكن الكاميرون تقع في نطاق عملياتهما. 

جويباي جاتاما، رئيس تحرير صحيفة «عين الساحل» المحلية قال، إن هجومًا إرهابيًا يستهدف كأس الأمم الأفريقية «لا يزال محتملًا»؛ باعتبار أن التنظيمين سيكونان مهتمين بشدة بإحداث صدى إعلامي نتيجة استهداف حدث بتلك الأهمية.

النقطة الأقرب لتلك الهجمات هي مدينة جاروا الشمالية، التي تستضيف المجموعة الرابعة، وتضم منتخبي مصر والسودان، بجانب نيجيريا وغينيا بيساو.

مع ذلك جاتاما، اعتبر أن مباريات المجموعة ستكون «بعيدة جدًا عن مجال عمليات التنظيمين».

واعترف جيمس موانج، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، الأمن هو مصدر قلق حقيقي في المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية. لكنه أبدى ثقته في امتلاك الجيش لخبرة كافية «للرد بشكل مناسب»، مشيرًا إلى أن «الإجراءات الأمنية استثنائية بالنظر إلى مستوى المخاطرة».

 

ومنذ عام 2015، وثقت السلطات أكثر من 100 تفجير على طول الطرق وفي القرى والأسواق المحلية في الكاميرون. كما وقعت عمليات اختطاف وهجمات انتحارية في منطقة أقصى الشمال. 

واستهدفت المجموعتان بشكل نشط المقيمين الأجانب والسياح والقادة الحكوميين في مناطق الشمال وأقصى الشمال، وأظهرت قدرة واهتمامًا مستمرين على خطف الأجانب منذ عام 2013.

الجزائر و3 عرب آخرين في ظلال التمرد

استضافة الكاميرون لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2021 نفسه، لأول مرة منذ 50 عامًا، محاط بكثير من الأسئلة، التي يجد الاتحاد الأفريقي والحكومة المحلية أنفسهم مطالبين بإجابتها بعد الحادث.

أحد الأسئلة تتعلق بتحديد ليمبي، المدينة ساحلية في المنطقة الجنوبية الغربية للكاميرون، لاستضافة منافسات المجموعة السادسة، التي تضم منتخبين عربيين، هما تونس وموريتانيا، بجانب مالي وغامبيا.

ليمبي هي المدينة الوحيدة الناطقة بالإنجليزية التي تستضيف مباريات أمم أفريقيا.  على موقعه الرسمي، يعرفها الاتحاد الأفريقي باعتبارها «مدينة السلام والصداقة والنظافة الخاصة، التي ترحب بضيوف كأس الأمم الأفريقية بإطلالة خلابة على جبل الكاميرون والبحر». لكنه تغافل تمامًا عن كونها إحدى المدن التي تضربها الحرب الأهلية في الكاميرون منذ ما يقرب من خمس سنوات.

تقاسم الفرنسيون والبريطانيون الكاميرون وقت الاستعمار الأوروبي للقارة السمراء. وترك هذا الإرث الاستعماري فجوة لغوية في الكاميرون تحديدًا بعد الاستقلال؛ إذ اشتكى الناطقون بالإنجليزية من تهميشهم، مع تركز القوة السياسية والاقتصادية في أيدي الأغلبية الناطقة بالفرنسية.

وفي 2016، قاد المحامون والمعلمون حركة احتجاجية سلمية في مناطق الكاميرون الناطقة بالإنجليزية، لتلقي السلطات القبض على العديدين من قادة الاحتجاج، فتتحول المنطقة إلى ساحة حرب في غضون بضعة أشهر.

لا أحد يعرف بالضبط عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في الاشتباكات، على الرغم من اتهام كل من الجماعات الانفصالية والقوات الحكومية بارتكاب فظائع، أجبرت أكثر من مليون مدني على ترك منازلهم.

 

ومثل معظم مناطق الكاميرون الناطقة بالإنجليزية، تحولت ليمبي إلى «مدينة أشباح»، بسبب تهديدات الجماعات الانفصالية بمهاجمة أي شخص يذهب إلى العمل أو المدرسة. وتعرضت مدارس بالفعل للهجوم، وقتل تلاميذ ومعلمون.

وبينما شددت القوات الحكومية إجراءاتها الأمنية هناك، وبينما ينظر من تبقى من السكان المحليين لاستضافة البطولة بارتياح؛ باعتبارها ستوفر لبعضهم دخلًا شهريًا يزيد على 40 دولارًا، بما يكفي لدفع الإيجار أو الرسوم المدرسية، يبقى السؤال قائمًا حول نجاح الحكومة في حماية الوفود خلال إقامتها في ليمبي، بعدما هدد الانفصاليون بتعطيلها.

ومنذ عام 2017، تحاول الجماعات المسلحة تشكيل دولة انفصالية تسمى أمبازونيا. واعترف مسؤول كبير في الكاميرون أن سيارة مففخة انفجرت في ليمبي عشية انطلاق البطولة. لكنه قال إن السلطات ستبقي الفرق والمشجعين «في أمان تام».

وتبنى الانفصاليون الانفجار رسميًا، وقالوا إنه «مجرد علامة تحذير لما سيحدث خلال كأس الأمم الأفريقية إن أقيمت مبارياتها بمنطقة في حالة حرب».

وقال زعماء الانفصاليون، إنهم لا يريدون إقامة مباريات كأس الأمم الأفريقية في منطقة «في حالة حرب».

وكجزء من جهود تحقيق الوعد، يمكن رؤية جنود مدججين بالسلاح من وحدة النخبة – لواء التدخل السريع – بينما يقومون بدوريات في شوارع ليمبي.

ومن المقرر أن يستضيف ليمبي ثماني مباريات، بما في ذلك أربع مباريات في دور المجموعات، ومباراتان في دور الستة عشر، قد يكون الضيف فيهما المغرب والجزائر.

الكاميرون على القائمة الحمراء

في تقرير الجريمة والسلامة في الكاميرون، قيم المجلس الاستشاري الأمريكي للأمن الخارجي، الوضع الأمني في الكاميرون بالمستوى 2. وقال، إن السفر إلى هناك يتطلب توخي مزيدًا من الحذر في جميع أنحاء البلاد؛ بسبب ارتفاع معدلات الجريمة والاختطاف والإرهاب والاضطرابات المدنية. 

وكتب المجلس: «لا تسافر إلى مناطق الشمال والشمال الأقصى والشمال الغربي والجنوب الغربي وأجزاء من الشرق ومناطق أداماوا بسبب الجريمة والاختطاف، وإلى إقليم الشمال الأقصى بسبب الإرهاب، وإلى المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية بسبب النزاع المسلح».

ما تبقى من مدن الكاميرون لم تكن آمنة مطلقًا، قيمت وزارة الخارجية الأمريكية ياوندي ودوالا – اللتين تستضيفان منافسات أمم أفريقيا حاليًا- على أنهما موقعان «يشكلان تهديدات خطيرة للجريمة الموجهة».

وبحسب تقارير متعددة، فكل أسباب رفع معدلات الجريمة واللصوصية المسلحة موجودة: معدلات البطالة المرتفعة- القيود الناجمة عن نقص الموارد- الإفراط في توسيع قوات الأمن- تدفق النازحين واللاجئين الفارين من النزاعات في إفريقيا الوسطى ونيجيريا بما عزز توتر الاقتصاد الكاميروني- الضغوط على الخدمات الاجتماعية الأساسية المتوترة بالفعل- تفاقم الاكتظاظ في المناطق الحضرية وشبه الحضرية المكتظة بالسكان- الصراعات المتعددة التي تجتاح البلاد- حدود الكاميرون المليئة بالثغرات- الأزمة الإنسانية في المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية من البلاد- الافتقار إلى الوصول إلى الخدمات الأساسية وتقلص فرص كسب العيش بما يؤدي إلى تضاعف أعداد المشردين.

 

التوقيت وأماكن الاستضافة أكثر عرضة للخطر

بحسب التقرير الأمريكي نفسه، فإن دوالا- التي وقع فيها حادث الصحفيين الجزائريين- وغيرها من المدن الساحلية معرضة لجرائم العنف، بما في ذلك السطو المسلح، بشكل خاص.

وتجلب فترة العطلة من نوفمبر إلى يناير ارتفاعًا في جرائم الشوارع، والسرقات من المركبات غير المأهولة، واقتحام المنازل، وقطع الطرق السريعة، والسطو المسلح. 

ولا يستبعد أن تتصاعد هذه الجرائم إلى العنف، لا سيما عندما يقاوم الضحايا أو يرفضون الامتثال لمطالب المجرمين. 

وتستهدف العديد من الجرائم الأفراد الذين يتوقع أنهم يملكون أموالًا كثيرة، أو المواقع المرتبطة بالرواتب أو تحويلات الأموال أو المبالغ النقدية الكبيرة. 

سرقة غرف الفنادق نفسها شائعة.، بخاصة في المواقع التي لا يوجد فيها حراس على مدار 24 ساعة، والفنادق، والحانات، والمتنزهات. لكن سرقة السيارات كذلك مصدر قلق في جميع أنحاء البلاد، أدت سابقًا إلى مواجهات دامية.

ولا تزال عمليات الاحتيال التجارية التي تستهدف الأجانب مشكلة، تشتمل عروضًا زائفة للمبيعات، وفرصًا تجارية مربحة، وطلبات للحصول على أموال إضافية لدفع رسوم المطار أو الجمارك غير المتوقعة. 

تشمل الجرائم كذلك قضايا الأمن السيبراني، خصوصًا حال تورط الضحية في ممارسة جنسية، عبر تصوير العلاقة، والتهديد بتسليم الفيديو إلى الشرطة كجزء من شكوى جنائية ما لم يدفع الضحية الأموال المطلوبة.

التحركات قاتلة: على الطريق أو بالطائرة

ستكون فرق كأس الأمم الأفريقية في خطر على الطريق؛ إذ شهدت الكاميرون عودة أعمال قطع الطرق في جميع أنحاء البلاد. واستهدفت عصابات الطرق الحافلات العامة ولجأت إلى العنف للسيطرة على الركاب، بما في ذلك إغلاق الطرق، وتدمير الجسور، وإيقاف المركبات، وحتى العنف ضد سائقي السيارات 

 وبخلاف الجريمة، هنا خطر آخر في الكاميرون: معظم شبكة الطرق سيئة الصيانة وغير آمنة، بما في ذلك في أجزاء من المدن الكبرى. وتتسبب الماشية والمشاة في مخاطر مستمرة على الطرق، خصوصًا ليلًا، مع عدد قليل من إشارات الطرق ومصابيح الإضاءة، بينما يتجاهل السائقون المحليون بشكل روتيني قواعد السلامة. وتعد الحوادث الخطيرة جدًا والمميتة في كثير من الأحيان المرتبطة بالسرعة أمرًا شائعًا. 

 

الطيران ليس أكثر أمانًا؛ إذ تعرضت الكاميرون لأربعة حوادث كبرى متعلقة بالنقل الجوي في العقدين الماضيين، بينها استهداف مسلح لرحلة مدنية في ديسمبر 2019، مما أدى إلى إتلاف جسم الطائرة ولكن دون وقوع إصابات، بخلاف إغلاق المطارات مؤقتًا بسبب ضعف الإضاءة أو نقص الكهرباء.