«أنا بعتبر نفسي واحد من أفضل 10 مواهب في تاريخ الكرة المصرية»
خالد الغندور

إذا كنت من مواليد أواخر التسعينيات أو الألفية الجديدة، وعرفت أن المدلي بهذا التصريح هو خالد الغندور فربما ستدرجه تحت خانة المبالغات التي اعتدتها منه، ولكن إذا كنت واعيًا على «موهبة» الغندور حقًا وشاهدته في الملعب، وأيا كانت وجهة نظرك في هذا التصنيف الذي وضع نفسه فيه، فربما لن تنظر للأمر نفس النظرة.

عزيزي .. هذا ما أخفاه عنك خالد الغندور بإرادته الكاملة، فحين تذهب إلى «جوجل» أو «يوتيوب» وتبحث عن خالد الغندور، أو حتى فور أن يتقافز الاسم إلى ذهنك دون التطرق إلى أي عملية بحثية، فستجد إرثًا من المعارك والمساجلات الكلامية والتهكمات والقيل والقال كان الغندور بطلها طيلة أكثر من 20 عامًا من العمل الإعلامي، اختفت عنك حقيقة تلك الموهبة الفذة التي امتلكها خالد الغندور اللاعب، بل ومسيرته الرائعة كلاعب والتي كان من الممكن تناولها بسياق مختلف تمامًا لو لم يتخذ ذات المسار عقب اعتزال كرة القدم.

بندق!

مطلع الثمانينيات، كان الطالب «خالد الغندور» في الصف الثاني الإعدادي يستعد لتشجيع فريق مدرسته «ليسيه الحرية» في دوري مدارس منطقة النزهة ومصر الجديدة، قبل أن يفاجئه مدرس التربية الرياضية باختياره في فريق المدرسة.

ما المدهش في الأمر؟ لقد كان الغندور «تحت السن» فالبطولة كانت منظمة للمرحلة الثانوية وكان هو في الإعدادية، ولكن إيمان المدرس بتلك الموهبة جعله يقحمه في تلك التجربة، وفور أن انغمس في تدريبات فريق مدرسته واتضح فارق الطول بينه وبين أقرانه بحكم قصر قامته وبحكم فارق العمر، أطلق عليه مدرس التربية الرياضية الاسم الذي سيلازمه طيلة عمره وهو «بندق».

للتسمية علاقة بموهبته قبل أن تكون لأي من صفاته الجسمانية إذن.

بدايات أهلاوية

في تلك الأثناء كان «بندق» أهلاويًا بالوراثة، أمر لم ينفه الغندور أبدًا في أي لقاء صحفي، كان عضوًا في نادي هليوبوليس ولاعبًا بين صفوف ناشئيه، وهليوبوليس من الأندية التي تجذب الطبقة الأرستقراطية في القاهرة بالذات، وهو سليل عائلة قضائية، والأهم بالنسبة له ولوالده صقل موهبته وممارسة الرياضة التي يحب، بالكيفية التي يحب.

بدأ ميل خالد الغندور للزمالك وحين بات بعمر 17 عامًا، دخل كل من الأهلي والزمالك صراعًا على ضمه من نادي مدينة نصر، رجح له والده الأهلاوي خطوة الانتقال إلى الزمالك، اتخذها الموهوب الأعسر بالفعل، والآن بدأ مشواره لاعبًا للزمالك، وبات هو ووالده من مشجعي الزمالك طالما كان خالد في الملعب.

في الزمالك

في 1988، كان الموعد مع تصعيد الشاب المنضم حديثًا خالد الغندور إلى الفريق الأول بنادي الزمالك، أخذ يتلمس الطريق في كل موسم وسط جيل عظيم في القلعة البيضاء إلى أن بدأت مشاركاته تتزايد مطلع التسعينيات وبالتحديد مع المدرب ديف ماكاي الذي اعتبر الغندور ركنًا أساسيًا في تشكيلته.

كانت المباراة الأبرز لخالد الغندور في صفوف الزمالك، والنقطة التي بدأت منها نجوميته، مباراة مولودية وهران الجزائري في ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا 1993، والتي نصب فيها الغندور سيركه الخاص وتفنن في بعثرة الدفاع الجزائري، سجل هدفًا وصنع هدفين ضمن رباعية أهلت الفارس الأبيض إلى نصف نهائي أميرته القارية الثالثة.

كان الغندور لاعبًا يملك مواصفات النجم الزملكاوي بامتياز، المهارة الفذة والقرارات الشجاعة والقدرة على المراوغة وقلب المعطيات، وأيضًا تذبذب المستوى والانقياد للإصابات والمسيرة الدولية الخجولة، والعصبية المفرطة في أحيان أخرى!

ربما شاهدت ضمن إثارات الجدل التي ترتبط بالغندور صباح مساء، لقطة استيائه الشديد حين تلاعب به فيها كل من إبراهيم حسن وياسر ريان في إحدى مباريات القمة، أو السباب الذي سمعه الملايين تجاه حكم مباراة القمة عام 1996، والذي اعتبر أن المسؤول عن إظهاره آنذاك هو الإخراج المنحاز للأهلي.

وطيلة 14 عامًا حمل خلالها ألوان الزمالك، شارك الغندور في حصد الفريق لـ 17 بطولة كأكثر لاعب يحقق ألقابًا في تاريخ القلعة البيضاء.

أنهى الغندور مسيرته في 2005، بعد أن أقام مباراة اعتزال لا تنسى، تبارى فيها الأهلي والزمالك وغنى له فيها محمد حماقي أغنية خاصة، وحتى ذلك التاريخ يمكننا أن نقول إن خالد الغندور كان يحظى باحترام كبير من جمهور الكرة في مصر، تقديرًا لموهبة رائعة ومسيرة ممتازة كلاعب.

يوم كان خالد الغندور محبوبًا من الأهلي!

بدأ الغندور مسيرته الإعلامية بنهاية التسعينيات، قبل حتى أن يعتزل كرة القدم، لم يكن هناك خلاف يذكر مع جماهير الأهلي إذ كان قد كرس نفسه لبرامج المنوعات بشكل أكبر، ولكن بعد الاعتزال تفرغ خالد الغندور للإعلام الرياضي، وهنا بدأت تناولاته للخلافات الأهلاوية الزملكاوية تظهر للسطح.

لكن لا يمكن أن نقول إن الغندور كان مكروهًا آنذاك من جماهير الأهلي، قطاع كبير من جماهير الكرة المصرية وبينهم الأهلاوية بالطبع كانوا يتابعون الغندور بشكل شبه يومي لأنه محتوى رياضي جيد مقدم من نجم كرة قدم سابق دون أن يغير انتماؤه للزمالك شيئًا، كما كان قطاع واسع من جماهير الزمالك يفعل مع أحمد شوبير على سبيل المثال.

ما أكد ذلك أيضًا هو دخول الغندور في خلافات مبدئية مع شخصيات زملكاوية وأهلاوية بنفس المقدار في حلقاته الإعلامية، دون أن يجعله انتماؤه يفكر في أي شيء سوى ما يقدمه على الشاشة.

سأزيدك من الشعر بيتًا، العلاقة بين خالد الغندور والأهلي –كنادٍ- لم تكن بالسوء الذي هي عليه الآن حتى عام 2016، والدليل أن خالد الغندور دعي إلى حفل توقيع رعاية شركة «صلة» الإماراتية للنادي الأهلي في فترة رئاسة محمود طاهر، ورغم أن الأمر قوبل ببعض الانتقاد من جماهير الأهلي، إلا أنه لم يكن مستهجنًا للغاية، والدليل أن حدوث شيء من هذا القبيل الآن ربما لا يخطر ببال أحد.

حتى وصل مرتضى منصور إلى رئاسة الزمالك في ولاية ثالثة هي الأطول له، وبدءًا من عام 2018 توغل مرتضى منصور إعلاميًا وبات مستعدًا لتكريس قنوات تليفزيونية وساعات هواء طويلة للحديث باسم نادي الزمالك، وهنا حول الغندور اتجاهه الإعلامي تمامًا وداس على كثير من الخلافات الجذرية السابقة مع رئيس الزمالك، وبات مستعدًا لوضع يده مع الشيطان نفسه مقابل أن يكون مرتضى منصور أقوى، وبدأت النسخة الحالية من خالد الغندور تتشكل بهذا الشكل المتسارع، تلك النسخة التي توصف دائمًا بأنها «إحدى مسببات الفتن في الوسط الرياضي المصري».. وأنت تعرف الحكاية كاملة بعد ذلك، ببساطة لأنه واقع يتجدد كل يوم مع خالد الغندور عبر وسائل الإعلام، أو حتى عبر حساباته على السوشيال ميديا.

لماذا لا يتذكره أحد؟

السؤال هنا: ألم يكن أولى بخالد الغندور أن يحرص على بقاء ذكراه كلاعب له تلك المسيرة الممتازة بقميص الزمالك؟.. لماذا آثر أن يخفي كل هذا أمام خالد الغندور الإعلامي شديد الصدامية شديد المبالغة، والذي بات مادة للإهانة من جماهير الأهلي، وقلة من جماهير الزمالك، ولدى رئيس ما لنادي الزمالك كان يوسعه إهانة حتى مع تأييد الغندور المطلق له بعد فترة شد وجذب؟

يحب الغندور دائمًا أن يكون بؤرة الاهتمام، أتذكر كيف أخرج مقطعًا مصورًا له وهو يقوم بتنطيط الكرة جالسًا على طريقة الفيديو الشهير لمحمود الخطيب في آخر سنواته مع كرة القدم، اتجاهه للتمثيل والغناء وتجاربه البشعة في هذا المجال، حرصه على أن تكون مباراة اعتزاله ضمن الأفضل في تاريخ الكرة المصرية، وإنفاق مبالغ من جيبه كي تخرج بهذا الشكل رغم أن مباريات الاعتزال تقام عادة كي يجني اللاعب المعتزل أكبر قدر من الأموال، ولكن هذا لا يهم خالد الغندور حقًا.

أدخل الغندور الجماهير مجانًا لتلك المباراة، لم يتقاض أي أموال مقابل أي إعلان، ووسع التغطية التليفزيونية مستغلًا أنه كان قد بدأ العمل الإعلامي بالفعل وباتت له علاقات جيدة في هذا المجال، وكلما ذكرت تلك المباراة يصر الغندور على أن يضع نفسه في سطر مع ثلاثة أقيمت لهم أفضل مباريات الاعتزال في تاريخ مصر بالنسبة له وهم: فاروق جعفر ومحمود الخطيب وأحمد شوبير.

كل هذا لا يعيب الغندور قطعًا، ولكنه قد يسلط الضوء على السر الذي طرح من أجله خالد الغندور نفسه أرضًا كلاعب، وأصر دائمًا على تقديم نفسه كإعلامي خلافيّ يستطيع أن يكون دائمًا تحت الضوء أكثر من كونه مجرد لاعب سابق موهوب يستعان به في البرامج التليفزيونية والاستوديوهات التحليلية ويروي كواليس غابرة، لا يوفر له هذا أن يكون بؤرة الاهتمام دائمًا، ليس هذا فقط، بل يريد الغندور أن يتجدد الاهتمام به كل يوم.

لهذا، فور أن تسمع اسم خالد الغندور، ستتقافز إلى ذهنك عبارات «مش عايزين حاجة خلاص.. خدنا اللي احنا عاوزينه؟» و«اشمعنى تونس؟» بدلًا من أن تتذكر شهادات لاعبي الزمالك القدامى عن عبقرية الغندور كلاعب.. ولا كونه أكثر من توج بالألقاب في تاريخ الزمالك، ولا كونه واحدًا من أفضل لاعبي مصر مطلع التسعينيات، ولا كونه واحدًا من أفضل المواهب التي أنجبتها الكرة المصرية ممن يلعبون بالقدم اليسرى على الأقل.. لقد كان هذا اختيار «بندق» نفسه!