لم يكن ديفيد مويس محظوظًا، لم ينجح الأمر معه. من الصعب استبدال رجل ظل يعمل لـ27 عامًا؛ كنت متحكمًا تمامًا في طريقة عمل النادي.
السير أليكس فيرجسون، مدرب مانشستر يونايتد الأسبق لـ «ESPN» في 2015.

يعتقد «فيرجسون» الذي اختار «ديفيد مويس» بعناية لخلافته في مانشستر يونايتد أن تطبيق فلسفة المدرب من حيث طريقة اللعب وأسلوب إدارة الفريق مسألة تحتاج للوقت؛ نظرًا لإقحام نحو 6 أو 7 أشخاص على بيئة عمل جديدة، لكن رفاهية الوقت لم تعد متاحة للكثير من المدراء الفنيين، حيث تتحكَّم النتائج في مزاج الجماهير والإدارات؛ التي عادة ما تجد في المدرب كبشًا للفداء، عندما يحقق نتائج أقل من المتوقع، بغض النظر عن الأسباب.

لكن السؤال: هل كانت مدة ال ـ11 شهرًا التي قضاها «مويس» بين جدران مسرح الأحلام فترة غير كافية للحُكم على إمكانياته كمدير فني بشكل موضوعي؟

الحقيقة هي أننا نسأل السؤال الخاطئ، بحثًا عن إجابة لا وجود لها. فكيف يحدث ذلك؟

وهم النتائج

عند تعاقد أحد الأندية مع أي مدير فني جديد، تأمل الجماهير بداهةً في أن يحقق الفريق نتائج أفضل، وهنا تظهر أولى الإشكاليات؛ والتي يعرفها علم الإدارة بظاهرة «الارتداد الإداري/Managerial Bounce».

عادة، تلجأ الإدارات إلى تغيير المدير الفني عندما تسوء النتائج، وقتئذ قد يعتقد المسؤولون أنّ الحل يكمُن في تغيير بعض الوجوه، وبما أنّه لا يُمكن استبدال فريق كامل من اللاعبين، ربما يبدو منطقيًا طرد المدير الفني من منصبه وتعيين آخر.

في أغلب الأحيان، تكلل هذه الخطة بالنجاح فورًا، حيث تتحسن النتائج بشكل ملحوظ وسريع؛ نتيجة لعدة أسباب، لا علاقة لها بجودة المدير الفني الجديد وسوء المُقال، لكن ببساطة لأن إدخال وجه جديد يلعب دورًا في خلق حوافز لدى اللاعبين؛ إما لإثبات أنفسهم لمديرهم الفني الجديد، أو لإبعاد تهمة تسببهم في تعثُّرات الفريق عن أنفسهم.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، كتب الإنجليزي «بين مكلير» وصفًا مختصرًا للارتداد الإداري في مقاله بصحيفة «جارديان»، حيث عرّف هذه الظاهرة على أنّها فترة لا مفر منها من النتائج الإيجابية، التي تمنح المدير الفني الجديد الوقت لتطبيق أفكاره بالشكل الصحيح.

ومع ذلك، لا يُمكن توقُّع طول أو قِصَر هذه الفترة، بالتالي يصعب تقييم عمل المدير الفني منفردًا وعزله عن باقي العناصر المتداخلة في عملية تقييم حالة الفريق ككل مثل حالة اللاعبين الفنية والنفسية، أو حتى الحظ في بعض الأحيان.

نظرية المدرب المحظوظ

في أبريل/ نيسان 2014، طرحت مجلة «بليتشر ريبورت» العالمية سؤالا صادمًا للجماهير، في مقال بعنوان: أيهما أهم، المدير الفني النجم أم اللاعب النجم؟

أثناء محاولة كاتب المقال الإجابة على هذا السؤال، تطرق للحقيقة التي لا يتوانى أي مدير فني عن التأكيد عليها، وهي أنّه مهما بلغت جودة أفكار المدير الفني، قد تتحول إلى سراب إذا لم يمتلك لاعبين جيدين قادرين على تطبيقها. بل أنّ اللاعب النجم يستطيع في لحظات متفرقة منح الأفضلية لفريقه بمفرده.

هنا تجدر الإشارة لحقيقة أخرى، بما أنّ الغاية من لعب كرة القدم هي تسجيل الأهداف، وبما أنّ هذه العملية -الهدف- لا تستغرق سوى من 2% إلى 3% من عمر المباراة، بالتالي يلعب الحظ أحيانًا دورًا في تحديد هوية الفائز.

في دراسة بعنوان «الخداع بواسطة العشوائية: الحظ المبالغ في تقديره»، حاول كل من «رومان جاريوت» و«ليونيل بيج» الربط بين الحظ والنتائج المترتبة عليه في لعبة مثل كرة القدم، عبر دراسة عينة من التسديدات التي اصطدمت بالقائم أو العارضة.

وجد الباحثون أنّ اللاعبين الذين ارتطمت تسديداتهم بالعارضة أو القائم ثم سكنت الشباك حصلوا على ثناء الجماهير، وتقدير إعلامي وأحيانًا تحولوا إلى لاعبين مهمين في أنديتهم، على عكس من ارتطمت تسديداتهم بأحد القائمين أو العارضة ولم تسكن الشباك.

تحيلنا هذه النظرية إلى فكرة أشمل؛ وهي أنّه من الممكن جدًا أن يلعب الحظ دورًا كبيرًا في نظرة الإعلام، الإدارات والجماهير للمدير الفني نفسه. ببساطة لأن نجاح وفشل المدير الفني -في هذه الحالة- توقف بالأساس على بضعة سينتيمترات.

لذا يبدو أن معظم الجماهير تعوِّل بالأساس على العنصر الخاطئ. فمثلًا، طبقًا لتحليل نشره موقع «Economist»، وبعد دراسة بيانات اتضَح أن عبقرية المدير الفني أقل الأسباب تأثيرًا في نجاحات فريق كرة القدم.

بدراسة بيانات نتائج مجموعة من أكبر مدربي العالم مثل البرتغالي «جوزيه مورينهو»، الإيطالي «كارلو أنشيلوتي»، والأرجنتيني «دييجو سيميوني» خلال الفترة ما بين 2004 و2018، اتضح أن تأثير المدرب على النتائج مقارنة بالمتوقع منه، أقل بشكل ملحوظ من التأثير الذي يتركه لاعبون بحجم «كريستيانو رونالدو» و«ليونيل ميسي» على نتائج الأندية التي لعبوا لها خلال نفس الفترة.

معضلة تقييم المدرب

أعتقد أن جميع المدربين يحتاجون إلى الوقت لتطبيق أفكارهم وليس أنا فقط.
بيب جوارديولا، المدير الفني لمانشستر سيتي الإنجليزي.

طبقًا لدراسة نشرتها «British Journal of Management» بعنوان «تأثير المديرين الفنيين طويل وقصير المدى»، استنتجت مجموعة من الباحثين بعد دراسة عينة من الحالات أن بقاء المدير الفني لوقت أطول مع الفريق يمنحه القدرة على تحسين الأداء، ومعالجة الأخطاء التي عجز المدرب السابق عن تداركها.

بمعنى أن الوقت الممنوح لأي مدير فني جديد ما هو إلا فترة للتأقلم مع البيئة الجديدة، ومحاولة الوصول للطريقة المثلى من أجل التعامل مع أوجه القصور التي دفعت الإدارة للتعاقد معه من الأساس.

نعلم جيدًا أننا لم نقُم بالإجابة المتعلقة بالفترة التي يحتاجها المدير الفني لوضع بصمته على أداء الفريق، والحقيقة هي أنه لا توجد إجابة من الأساس؛ لأنها كرة القدم «بيزنس نتائج»، على الأقل بالنسبة للجماهير وبعض إدارات الأندية، بالتالي إذا ما سارت النتائج جيدًا، يرتفع تقييم المدرب والعكس بالعكس.

ومع ذلك، وبغض النظر عن مسألة الوقت الذي يحتاجه المدرِّب، تخبرنا قصة «ماتيو بنهام»، مالك نادي برنتفورد، أنّه من الممكن جدًا تقييم عمل المدير الفني بمعزلٍ عن النتائج.

في فبراير/ شباط 2015، اتخذ «ماتيو بنهام» قرارًا صادمًا بإقالة «مارك ووربرتون» المدير الفني للفريق، على الرغم من تقديم «برينتفورد» لنتائج جيدة في المطلق، حيث صعد رفقة مديره الفني للـ«تشامبيونشيب» قبل عام، واحتل المركز الـ5 على سلم ترتيب الدوري قبل صدور قرار إقالته.

طبقًا لـ«بنهام»، الذي اعتمد على نموذج إحصائي في تقييم عمل المدير الفني لفريقه، كان من المفترض أن يحتل الفريق المركز الـ11 بدلًا من المركز الـ5، وهو ما يعني أن المدرب كان محظوظًا.

أحد الدروس التي تعلمتها هي أنّه من الصعب جدًا أن يتقبل المدير الفني الفائز وصفه بالمحظوظ، على عكس تقبله لوصفه بسيئ الحظ وقت الخسارة.
ماتيو بنهام، مالك نادي برينتفورد.

في النهاية، يعتقد «جوناثان ويلسون»، مؤلف كتاب «الهرم المقلوب: تاريخ تكتيكات كرة القدم»، أن تقييم المدير الفني الجديد يخضع عادة للعاطفة، وهو ما وصفه في إحدى مقالاته بـ«تأثير المسيح»، حيث يبحث الجمهور دائمًا عن المخلِّص، الذي يأتي بدوره محملًا بدعوات الجماهير، وتنصفه النتائج بشكل مبدئي.

لكن ماذا لو تراجع الأداء بعد فترة لأي سبب؟ لا توجد أي مشكلة، ستبحث الجماهير عن مُخلِّص آخر، تهتف باسمه، ويستمر الجميع في الدوران بنفس الدائرة المفرغة إلى ما لا نهاية.