عندما يُنظر للعلماء من فوهة البندقية وتتحكم العقلية الأمنية في البلاد، فمن الطبيعي أن يتم بجرة قلم شخص أمني وضع اسم أكاديمي مرموق على المستوى الدولي في قضية “تخابر” تنتشر على مواقع الانترنت تصريحات لسياسيين ومسؤولين رسميين سابقين تكشف أنها قضية لا أساس لها. فالمهم هنا هو الانتقام وتصفية الحسابات مع كل من يتمسك بالمبادئ ولا يخون قناعاته ولا يقفز على أبجديات ما يعرفه من علوم إدارة الدولة والسياسة. كان هذا الأكاديمي أمينا مخلصا في توصيف الواقع منذ اليوم الأول بأنه انقلاب عسكري على تجربة ديمقراطية وليدة تم استهدافها ولم يتح لها الوقت الكاف للممارسة وتعديل الأخطاء بالطرق الدستورية والسلمية.

وعندما ينظر للعلماء من فوهة البندقية ويغيب المنطق ويختل العدل، يتم وبجرة قلم في النيابة العامة تحويل الأكاديمي الجليل الى المحكمة، ليتم بجرة قلم آخر إصدار حكم بالإعدام مباشرة، في قضة تم فيها أيضا الحكم بالإعدام على شهداء وأسرى فلسطينيين في سجون الإحتلال منذ سنوات. فالهدف هنا هو معاقبة الانسان الذي رفض السير في ركاب الظالمين ولم يمتثل للأوامر كما امتثل غيره من الأكاديميين ووجهاء القوم.

وعندما ينظر للعلماء من فوهة البندقية وتتحكم المصالح الخاصة في مقدرات الشعب، يتم ملاحقة الأكاديمي الشريف الذي ليس له أي حسابات شخصية ولم يلهث وراء منفعة مالية أو شهرة إعلامية، كما فعل غيره من ضعاف النفوس. اختار الرجل بعد الثورة ترك مكانه العلمي المرموق في واحدة من أكبر الجامعات الأمريكية وعاد لوطنه ليشارك في تحقيق حلمه وحلم كافة المخلصين بأن تكون مصر في المكانة التي تستحقها بين الأمم بعد عقود من الفساد والإستبداد وبعد أن ثار الشعب وقدم الدماء من أجل الحرية والكرامة.

وعندما ينظر للعلماء من فوهة البندقية ويتصدر المشهد العام أشباه المتعلمين، لا تحتمل البلاد وجود أكاديمي نبيل، كل همه أن يرّشد السياسيون اختياراتهم بما يضمن وضع البلاد على أول الطريق المؤدي الى دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية، ويعرف جيدا ما يجب أن يكون عليه الحال حتى تقوم مصر من عثرتها ويسترد الشعب كرامته ويبني مؤسساته المدنية المنتخبة. فكان جزاؤه أن يكتب أمام اسمه في الصحف التابعة للنظام صفة “هارب” بدلا من أن يكرم ويمنح الأوسمة ويُستشار ويُسمع له، وبدلا من أن يكون في مكانه الطبيعي على قمة المؤسسات العلمية والبحثية والاستشارية في بلد يعاني من مشكلات سياسية كثيرة ويحتاج إلى جهد كافة العلماء والمخلصين.

عندما ينظر للعلماء من فوهة البندقية ويتم العصف بكافة الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات، فمن الطبيعي أن يستهدف الأستاذ المتخصص في علوم السياسة (الذي تقدره كافة الأكاديميات والمراكز البحثية الدولية المرموقة)، ويُبعد عن وطنه وتلاميذه، ويُمنع من استكمال رسالته في البحث والتدريس وخدمة مجتمعه، بل وينظر لآرائه وأفكاره ونصائحه على أنها نظريات مثالية لا تصلح لمصر. هكذا يضرب الإستبداد والجهل العلم والمعرفة بلا أدنى تفكير أو تدبير، وهكذا يفرغ الوطن من العلماء والنابهين بكل استهتار ورعونة.

هذا الأكاديمي هو الأستاذ الدكتور عماد الدين شاهين الذي يعترف كثير من الباحثين والأساتذة والطلاب بأفضاله الجمة عليهم ويشهدون على إنسانيته ونبله وإخلاصه وتواضعه. هو العالم الذي عمل في أكبر الجامعات الأمريكية كهارفارد وجورج تاون ونوتردام والجامعة الأمريكية بالقاهرة وغيرها من الجامعات ومراكز البحوث. وهو الأستاذ الجامعي الذي رفض الإكتفاء بدوره التدريسي والبحثي وراح ينخرط في قضايا الواقع المصري والعربي مدافعا عن الثورة والثوار بكافة توجهاتهم، ومشاركا أمينا في أي محاولة يدعى لها لإنقاذ البلاد من مصير يحدده سياسيون ينظرون تحت أقدامهم ولا يقدرون قيمة العلم والمعرفة.

لدي يقين بالله بنهاية قريبة لهذا العبث، فشعب مصر شعب صبور لكنه يعرف الحقيقة وفي يوم قريب سيصحح المسار ويحقق الحلم الذي قدم الكثيرون ثمنه من دمهم وحريتهم.