في منتصف عام 2017 تقريبًا، وضع الحساب الرسمي للاتحاد الإسباني تغريدة بموقع تويتر بها صور لـ4 مهاجمين عظام ارتدوا قميص برشلونة هم «صامويل إيتو»، «لويس سواريز»، الظاهرة «رونالدو» و«روماريو». في الغالب، من الصعب أن تجد فريقًا واحدًا قد لعب له 4 مهاجمين بهذا الثقل خلال 20 سنة تقريبًا.

وعلى ما يبدو أن ملل تلك الفترة، قد دفع «محمد بوت»، كبير مُحرري شبكة «Squawka»، إلى خوض جدال في نفس السياق، وهو تصنيف مُهاجمي «بلوجرانا» خلال القرن الجاري بتوسع أكبر؛ لتحديد أفضل 32 اسمًا قد ارتدوا قميص النادي الكتالوني بالمراكز الهجومية.

وفقًا لذلك التصنيف، الذي تصدره «ليونيل ميسي» بكل تأكيد، فإن «لويس سواريز» هو أفضل مُهاجم صريح لعب للنادي خلال هذه الفترة فيما يخص عدد الأهداف المُسجلة، حيث جاء في ترتيب الهدافين الـ32، في المرتبة الثالثة بعد كل من البرغوث الأرجنتيني و«رونالدينهو».

لكن لأن النقاش في برشلونة بالذات لا يتوقف عند تسجيل الأهداف وحده، حاولنا استنباط نقاش آخر أكثر حِدة، وهو خلق مُقارنة واضحة بين سواريز وبين مهاجمي الحقبة الذهبية للنادي الإسباني، أي ما يلي حقبة التسعينيات من القرن الماضي، لتبين أحقية الأوروجوياني بهذه المكانة من عدمها.

من نسل الظاهرة

يقع أي مُهاجم فريسة للمقارنة بينه وبين الظاهرة رونالدو، بمُجرد أن يصل لقمة تألقه الفني. فقط سواريز هو من دخل تلك المقارنة بقوة أداء تستحق المقارنة فعلًا، وبقاعدة جماهيرية تُدافع عنه بأسباب منطقية تخص الشمولية الهجومية التي امتلكها مهاجم ليفربول السابق.

بدأ لويس في دخول تلك المقارنة بداية من تخطيه لرقم البرازيلي بـ 47 هدفًا خلال موسم واحد رفقة برشلونة، حيث تمكن مهاجم أياكس السابق من تسجيل 49 هدفًا بكل المسابقات، ومن هُنا بدأت حالة مقارنة لن تنتهي.

لكن، وإعمالًا بالمعايير التي وضعها مُحرر «Squawka»، في تخصيص المقارنة على ما قام به هؤلاء اللاعبون بقميص النادي الكتالوني فقط، فلا يُعد منطقيًا مقارنة أداء كبير خلال 6 سنوات على الأقل من لويس في مقابل موسم وحيد لـ«دا ليما» مهما كانت أرقام ذلك الموسم.

وبنفس المنطق، يصعب إقامة مقارنة حقيقية بين ما قدمه روماريو، مع ما قدمه هداف الأوروجواي التاريخي بقميص النادي الإسباني، أولًا لأن الفارق الزمني بين كليهما لا يسمح بدقة معلومات حول ما قدمه البرازيلي، وثانيًا لاختلاف حال الكتلان بين فترتي تواجد كليهما.

ولكل ما سبق، كان لزامًا علينا وضع معايير أُخرى لتقييم ما قدمه «لويزيتو» مع الـ «بلوجرانا»، بالنظر لمن عاصروا فترات مشابهة أكثر، وهم من جاءوا في ترتيب يلي الأوروجوياني في قائمة «Squawka»: «تيري هنري»، «دافيد فيا» و«صامويل إيتو».

خارج الصندوق

أجرى المهاجم الفرنسي هنري لقاءً شهيرًا مع شبكة «Sky Sports»، شرح فيه إستراتيجية برشلونة خلال الفترة التي لعب فيها تحت ولاية المُدرب «جوارديولا». لقي ذلك الشرح صدى واسعًا عند جمهور الكرة أجمع من كل الفئات، حيث لا يقدر أحد أن يتمسك بانتمائه أمام ذلك القدر من البساطة في تطبيق فن التحكم بالكُرة.

شرح تيري هنري لسياسة مُدربه الإسباني جوارديولا في تدوير الكُرة

استخدم المدرب الإسباني مهاجم أرسنال التاريخي في مركز غير المُهاجم الصريح، على الرواق الأيسر من الملعب. يُمكن تسمية الدور الذي ناله هنري مع برشلونة بـ«The Binding Non-Scoring Center-forward» حسب ما اختاره النيجيري «هيكو سيجورو» المُحلل بموقع «Barcelona Analysis».

ووفق ما شرحه هنري بنفسه خلال المقطع أعلاه، فإن دور كل لاعب في برشلونة في عملية بناء اللعب مع جوارديولا يقتصر على الثقة بزميله حامل الكرة، وتثبيت لاعب الخصم بموقعه؛ لأن إخلاء المساحة السانحة بالتحرك والتمرير هو الأهم.

يرى سيجورو أن سواريز يقوم بالدور نفسه خلال فترة تواجده مع برشلونة لكن من منطقة مُختلفة من الملعب، وهي العُمق، وبالتالي هناك صعوبة أكبر في دور الأوروجواني بسبب وجود كثافة لاعبين أكبر ضده، باثنين مُدافعين على الأقل في العمق، في حين لم يكن أمام هنري سوى ظهير واحد فقط لمنعه من التحرك.

في حين ذلك تجد أن لويس ينجح دائمًا في إتمام انتقال الهجمة حيث مناطق الخطورة، فبالأخذ بموسم 2018/19 كمثال نجد أن مُعدل فوزه بالصراعات الهوائية يساوي 11.87 في اللقاء الواحد، بجانب معدل ـ2.51 تمريرة لمنطقة الجزاء، و2.41 تمريرة نحو الثُلث الأخير من الملعب، والأهم أنه يلمس على الأقل 5.64 كرة داخل منطقة الـ18.

لكن أثناء شرح هنري لدوره مع جوارديولا يؤكد أن ميسي كان يملك الأوامر نفسها بفتح عرض الملعب على الجانب المُعاكس مع تثبيت الظهير الأيسر للخصم، وبمرور الوقت، اتضحت أهمية «ليو» للفريق، وكان إجباريًا ترك مساحة أكبر من حرية التحرك للأرجنتيني داخل الملعب، دون التقييد بأي أوامر تكتيكية.

في هذه الأثناء، انضم «ديفيد فيا» إلى المنظومة الهجومية لبرشلونة، واحد من أفضل المهاجمين في هذه اللعبة، حسب وصف تيري هنري في مقطع الفيديو المذكور.

لأن ميسي هو الأهم

بعد وصول فيا بوقت قصير، صرح مواطنه الإسباني «بيدرو» أنك بالنظر فقط للاعبين أثناء التدريبات يُمكنك أن تكتشف من منهم لم ينشأ في مدرسة «لا ماسيا». لم يكن بيدرو وحيدًا في هذا الرأي، حيث شكك العديد في أحقية تواجد هداف إسبانيا ببطولة كأس العالم 2010 ضمن جيل ذهبي للعملاق الكتالوني.

بالنظر لمسيرة مهاجم فالنسيا السابق مع برشلونة، ستكتشف نقطتين واضحتين: الأولى قدرته على المشاركة في أكثر من مركز هجومي بكفاءة واضحة، وهي نقطة أكدها «يوهان كرويف» نفسه، والثانية هي أن الفترة الأعظم، من حيث جني البطولات، قد تزامنت مع انخفاض المستوى الفردي للاعب.

يمكن وضع عدة أسباب حول انخفاض الأداء الفردي لعضو أي منظومة ناجحة لعبت بنظام برشلونة، أهمها أن الشمولية هي الأهم ونجاح المجموعة يُغطي على نجاح أي فرد داخلها، عدا ميسي.

في الموسم التالي لانتقال فيا إلى كامب نو، قدم ليو أعلى أداء فردي يمكن توقعه من لاعب. سجل 73 هدفًا في كل مسابقات الموسم، وما مجموعه 91 هدفًا خلال العام الميلادي 2012.

وقع ذلك في فترة تحدثت فيها أغلب الصحف عن مشكلات دارت بين مُهاجم إسبانيا والأرجنتيني، وذلك لعدم رغبة الأول في اقتصار دوره على مساعدة ميسي وحسب. أما سواريز، فهو لا يُمانع إطلاقًا.

بالرغم من كونها مفارقة غريبة، لكنها تحدث ويعتبر رصد حدوثها أمرًا بديهيًا: إن كل موسم استثنائي يقدمه ليونيل، يجب أن يُسبق بانخفاض ملحوظ في الأرقام الفردية لرأس الحربة المزامل له. لذا حين نُبرز انخفاضًا في مُعدلات سواريز في التسجيل والصناعة منذ موسم 2017/18 وحتى مطلع 2019/20، فأنت تعرف نتيجة ذلك جيدًا.

قدم ميسي خلال موسم 2018/19 ثاني أعلى معدل تهديفي في مسيرته، بتسجيله هدفًا واحدًا كل 73.1 دقيقة. استمر ذلك الإبهار خلال ما لُعب من موسم 2019/20 قبل تفشي الفيروس، حيث سجل ميسي عدد 13 هدفًا بالرغم من كون مُعدله للأهداف المُتوقعة xG لم يتخطى 7 أهداف.

بالرغم من أن فريق موقع Goal يظن أن فيا هو أفضل من ساعد ميسي على بلوغ أوج قدراته، لكن عند النظر لعامل السن ووضع انخفاض مستوى الفريق بالكامل في الحسبان، فإن سواريز هو أفضل من ساعد ميسي على الوصول لمرحلة أقرب للتوحش منها للتحرر.

الفردية محمودة العواقب

بالعودة لقائمة «Squawka»، جاء الكاميروني إيتو رابعًا عقب سواريز بفارق حوالي 60 هدفًا و70 مباراة لصالح الأوروجوياني، بما لا يصنع فارقًا واسعًا في مُعدل تسجيل كُل منهما في اللقاء الواحد، وكذلك يُقوي من مستوى المقارنة بينهما مع بعض الانحياز لصالح صامويل، وذلك لأهمية وتوقيتات تسجيله للأهداف.

لن يُجدي أبدًا الدخول في مُعضلة تحديد مدى أهمية الـ191 هدفًا خاصة سواريز على مدى أهمية الـ130 الذين سجلهم إيتو، لكن بكل ما سبق ذكره من مقارنات تخص مساعدة الفريق على بناء اللعب وربط حركة لاعبي الخصم ثم مساعدة ميسي، لن تجد مُهاجمًا قادرًا على القيام بكل الثانويات التكتيكية مع الحفاظ على قيمته الحقيقية كرأس حربة بالدخول في مقارنة مع مهاجم 9 صريح وقوي، كصامويل إيتو.

فقط سواريز قادر على الدخول في كل ذلك بتفاوت قدرته على مجابهة كل المقارنات بقوة، لكن كل من سبق ذكرهم ومروا على قيادة هجوم النادي الكتالوني لم يكونوا بتلك الشمولية، وتلك الشمولية وحدها هي التي سمحت للأوروجوياني بالجلوس لمدة طويلة في المقعد المقابل للظاهرة رونالدو، كعنصر قابل للمقارنة حتى لو فشل في النهاية في الفوز بها.