بعد أن بلغت المفاوضات حول البرنامج النووي لإيران طورا لم يشاهد من قبل منذ بدايتها عام 2005، يؤكد الإعلام الغربي وخبراء الشأن الإيراني وسياسيون بشكل يقترب من الإجماع أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي هو صانع قرارات السياسة الخارجية في طهران، بالرغم من أن هذه الرؤية لا تعكس الصورة الكاملة.

الخلاصة

بينما يتخذ خامنئي القرارات النهائية في السياسة الخارجية، تلعب مجموعة من العوامل واللاعبون الآخرون أدوارا هامة.

في عام 2013، أثناء الحملة الرئاسية تحدث روحاني في مؤتمر صحفي، على نحو ليس معتادا أو مسبوقا قائلا: “أنتم تقولون أن رئيس هذه الحكومة لا يمتلك أي كلمة في السياسة الخارجية، وأن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية هو من يملك وحده ذلك، لكن الحقيقة ليست كذلك”.

وأوضح روحاني خلال مناقشته الاختلافات بين الإدارات المختلفة كدليل على أنه بالرغم من سيطرة آية الله خامنئي على ثلاثة فروع من الدولة، كان للرؤساء وإداراتهم تأثير على السياسة الخارجية.

كما أن خامنئي نفسه تبنى رؤية مشابهة حيث طرح سؤالا حول تفسير اختلاف السياسة الخارجية بين رئيس وآخر إذا لم تكن الإدارات تلعب عاملا.

خلال رئاسة هاشمي رفسنجاني(1989-1997)، قام بإشارات متعددة تجاه الرئيسين الأمريكيين جورج بوش الابن وبيل كلينتون، بينما كان خامنئي مدعما لمبدأ “الغرب ناقص الولايات المتحدة”.

وأثناء فترة رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2005)، كانت هناك مساع أكبر نطاقا نحو سياسة خارجية تصالحية، حيث تعاونت إيران بشكل وطيد مع الأمريكيين لإسقاط طالبان، وتأسيس حكومة أفغانية جديدة.

وفي عام 2003، شهدت إيران الخطوة الأكثر تصالحية، حيث عرضت طهران على الولايات المتحدة، عبر السفير السويسري صفقة كبرى استهدفت حل النزاعات بين الدولتين على كافة الأصعدة.

ومع ظهور محمد أحمدي نجاد عام 2005، انقلبت السياسة الخارجية لإيران رأسا على عقب، حيث اتسمت بالتشدد، بما أثار غضب معظم أرجاء العالم.

ثمة تحول آخر في السياسة الخارجية الإيرانية عندما تولى روحاني الرئاسة عام 2013، حيث أعطى انتخابه قوة دفع، واتجاها جديدا للمحادثات النووية المتعثرة.

وما يثير الاهتمام أكثر تلك المحادثات الثنائية المتعددة وغير المسبوقة بين وزيري خارجية الدولتين، وهو أمر كان بعيدا عن التصور منذ عامين فحسب.

وقد يتحجج البعض بأن خامنئي لا يوجد له خيار إلا العمل على حلحلة القضية النووية منذ أن واجهت دولته ورطة اقتصادية خطيرة، لكن تلك الحجة تفترض أن صناع القرار يتخذون قراراتهم بالضرورة استنادا على حسابات منطقية وحسابية، لكنها تجاهلت القاعدة الراسخة والمثبتة بأن الإدراك وعدم الإدراك يلعبان دورا في عملية صنع قرار السياسة الخارجية.

وعلى سبيل المثال، توجد إشارات قوية مفادها أن خامنئي، سواء كان مصيبا أو مخطئا، مقتنع بأن تبني “الاقتصاد المقاوم” يجعل بلاده قادرة على مواجهة العقوبات بنجاح، ومع ذلك يستمر روحاني في المفاوضات النووية، والتي قد تخلق روابط بين الاقتصاد الإيراني والاقتصاديات الغربية بمجرد إلغاء العقوبات.

ونظرا لأن القاعدة الشعبية لخامنئي تنألف من المحافظين المناهضين للغرب، سيجد نفسه في أكثر الأوضاع ضعفا إذا تحرك صوب حلول وسطية مع الخصم تعتمد على التنازلات، أو حتى إبرام اتصالات معهم.

الدور الذي يلعبه محمد جواد ظريف كقائد للمفاوضات من الجانب الإيراني، في تشكيل مفاهيم خامنئي للمحادثات النووية غير قابل للجدال، بالإضافة إلى أن الأسلوب الذي يصور به جو المحادثات، سواء كانت تحمل احتراما أو إذلالا لإيران، أو الكيفية التي ينقل بها الحقائق والآمال والمخاوف، تشكل عقلية خامنئي.

عملية اتخاذ قرار سياسة خارجية في إيران

الشؤون الخارجية الإيرانية التي لا تحمل طبيعة أمنية تتعامل معها وزارة الشؤون الخارجية ، أما القضايا المتعلقة بالأمن فتندرج تحت مسؤولية المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يلعب دورا رئيسيا في تشكيل السياسة الخارجية لإيران، ويباشر ملفات هامة مثل العلاقة الأمريكية الإيرانية أو الملف النووي.

المجلس المذكور يترأسه الرئيس الإيراني الذي يعين أمينا يكون بمثابة ممثل للمرشد الأعلى أيضا.

وتوضح المادة 178 من الدستور الإيراني أن أعضاء المجلس يتألفون من رؤساء الفروع الحكومية الثلاثة، وهم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والقيادات الرئيسية في الجيش والحرس الإسلامي الثوري، ورئيس الموازنة والتخطيط، ووزراء الخارجية والداخلية والمخابرات والأمن، وممثلا آخر عن القائد الأعلى(خامنئي).

وتتمثل مهمة لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس في البحث وإعداد تقارير عن قضايا السياسة الخارجية. ولتحقيق ذلك، قد تجري اللجنة مقابلات مع مسؤولين آخرين خارجها، وفي مؤسسات حكومية مختلفة.

وتضع مثل هذه التقارير عادة خيارات مختلفة، وتوضح مزايا وعيوب كل خيار. وبمجرد انتهاء التقرير، يتم تسليمه إلى الأمين العام للمجلس.

وفي الحالات المعقدة، يطلب الأمين من المجلس مناقشة التقرير قبل إرساله إلى مكتب خامنئي. وبعد مداولات أعضاء المجلس، يتخذ القرار النهائي وفقا لوجهة نظر الأغلبية.

وقد يطلب المرشد الأعلى نصيحة أعضاء المجلس، بل أنه يدعو آخرين في بعض الحالات مثل مستشاريه لإجراء عملية عصف ذهني من أجل الوصول لقرار مناسب.

ووفقا للرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، فإن القرارات التي يتخذها خامنئي في الغالبية العظمى من الحالات يتسق مع الاقتراحات التي اجتمعت عليها غالبية المجلس.

ولا يوجد ثمة شك في وجود منافسة بين الفصائل المختلفة، لا سيما بين المحافظين والمعتدلين، في الفوز بدعم خامنئي، والتأثير على النتاج الأخير لعملية اتخاذ القرار.

وتتجلى تلك المنافسة بوضوح خلال المفاوضات النووية التي تشهد تقدما ملحوظا، وينبغي أن يعمل خامنئي على إحداث التوازن بين المعسكرين.

وتظهر عملية اتخاذ قرار السياسة الخارجية الإيرانية ثلاث نقاط جوهرية، أولاها أنه بالرغم من من مكانة خامنئي داخل السياسة الإيرانية، لكنه لا يستطيع الفرار من تلك الخاصية البشرية المتمثلة بالتأثر بمن حوله، لا سيما برئيس انتخبته ملايين الأصوات.

أما النقطة الثانية فتتمثل أن خامنئي ينبغي عليه الخروج من نطاق قناعاته الخاصة، لإحداث توازن بين ضغوط القوى الداخلية، لا سيما بين المعسكرين الرئيسيين.

وأخيرا، فإن للرئيس الإيراني تأثير على قرارات المجلس، لا سيما وأنه يتولى رئاسته، ويختار أمينه العام، رغم ضرورة موافقة المرشد الأعلى، بالإضافة إلى تواجد وزراء داخل التكوين الأساسي للمجلس.

المصدر

إقرأ المزيد

هل نشهد عصرا إيرانيا في المنطقة العربية ؟ (1) : اليمن.. صراع التدخلات الخارجية

هل نشهد عصرا إيرانيا في المنطقة العربية ؟ (2) : التدخل الإيراني في العراق : التاريخ والواقع والمستقبل

هل نشهد عصرا إيرانيا في المنطقة العربية ؟ (3) : الدور الإيراني في سوريا: ضرورة استراتيجية

هل نشهد عصرا إيرانيا في المنطقة العربية ؟ (4) : إيران : خلافات المفاوضات النووية