بعد انتهاء الموسم، وإعلان قوائم الفائزين والخاسرين، تبدأ الجماهير مبكرًا في التحضير للموسم الجديد بقائمة طويلة من الأمنيات. كل يسرح بخياله؛ لو كان لدينا المهاجم «إكس»، لأحرز هذه الفرصة وفزنا بهذه المباراة، أو تأهلنا لنهائي الكأس، لو كان لدينا مدرب جريء لا يركن الحافلة، لكنا اكتسحنا الديربي، لو لو لو…

لا يجب أن ترتكز كل أمنية على أدلة وبراهين، لأن التأنيب وعدم القناعة هي من أصول التشجيع. لكن ماذا لو نظرت للماضي عوضًا عن المستقبل، وتخيلت مثلاً البريميرليج بدون السير أليكس فيرجسون، أو برشلونة يحصل على بيكهام بدلاً من رونالدينيو؟ الماضي أيضًا مليء بالأحداث -الحقيقية وليست الخيالية- التي لولا تدخل القدر لما كنت تشجع فريقك الحالي على الأرجح.

إقالة «أليكس فيرجسون»

في عام 1990، وفي موسمه الثالث، كان اليونايتد يمر بفترة سيئة على مستوى النتائج، حيث كان يحتل المركز الخامس عشر في ترتيب البريميرليج، مع ثمانِ مباريات متتالية بلا فوز، تخللها الخروج من كأس الرابطة على يد توتنهام. ضاقت الجماهير ذرعًا، وبدأت في إطلاق الهتافات وتعليق اللافتات المطالبة برأس المدرب.

ظهرت اللافتة الأشهر أثناء الهزيمة أمام كريستال بالاس على ملعب أولد ترافورد، والتي كتب عليها «ثلاث سنوات من الأعذار». فالفريق بعد أن احتل المركز الثاني خلف ليفربول في موسم فيرجسون الأول، أنهى الموسم التالي في المركز 11، وها هو الآن في المركز 15، وإن لم يتدخل أحد سيجدون النادي في الدرجة الثانية.

بالفعل، انتشرت أنباء الإقالة، وطُرح اسم المدرب الأسطوري لنوتنجهام فورست «برايان كلوف» كبديل، وانتظرت الإدارة الهزيمة التالية للتحرك. بالصدفة، وضع القدر فيرجسون في مواجهة بديله المحتمل في كأس الاتحاد الإنجليزي، أمام «نوتنجهام فورست» وعلى ملعبهم. لكن مانشستر يونايتد استطاع مخالفة التوقعات والفوز بهدف نظيف، من إمضاء «مارك روبينس»، لتتصدر جملة «!Fergie Saved» صحف اليوم التالي.

فاز الفريق بنهاية الموسم ببطولة كأس الاتحاد الإنجليزي، وعلى الرغم من عدم تعديل الأوضاع في الدوري، إلا أن فيرجسون استمر ليكتب التاريخ. وبقي يوم 7/يناير/1990 اللحظة الأقرب، التي كادت توقف كل هذا، على الرغم من وجود لحظة مشابهة بعد 12 عامًا.

في عام 2002، وقّع المدرب السويدي «سفين جوران إريكسون» -الذي عرفه الجميع مع المنتخب الإنجليزي ولاتسيو الإيطالي- عقدًا لتدريب مانشستر يونايتد. التفاصيل المعلنة ليست كثيرة، وعلى الأرجح ما زال أحد وكلاء اللاعبين الذي رفض «إريكسون» الإفصاح عن اسمه، محتفظًا به إلى الآن.

كان ذلك قبل حقبة كريستيانو رونالدو وواين روني، حينها أخبر السير أليكس إدارة الفريق برحيله نهاية الموسم، وتم التفاوض مع المدرب السويدي، ثم تراجع فيرجسون، فألغي الاتفاق. ومرة أخرى، يتدخل القدر لإبقاء فيرجسون، لأن في حالته، لا يمكن أن نتوقع أحدًا آخر ينجح أكثر منه مع الشياطين الحمر.

صيف 2003

تتمتع فترات الانتقالات بإثارتها الخاصة، لكن لماذا صيف 2003 تحديدًا كان أكثرها؟ لأن الفوضى التي حدثت به، ربطت مصير الثلاثي: رونالدينيو، وديفيد بيكهام، وكريستيانو رونالدو، ببعضهم البعض. ولك أن تتخيل حجم تأثير كل منهم، داخل وخارج الملعب، إن اختار أحدهم وجهة أخرى.

في إنجلترا، كانت الأمور آخذة في التوتر بين بيكهام وفيرجسون، إلى أن حدثت واقعة إلقاء الحذاء الشهيرة، بعد هزيمة الفريق أمام أرسنال بهدفين نظيفين على ملعب الأولد ترافورد.

حينها عنف فيرجسون لاعبه، وحمّله مسئولية الهدف الثاني، ليرد اللاعب، فيقذفه فيرجسون بالحذاء. حاول «السير» تلطيف الأجواء في اليوم التالي، لكن بيكهام لم يكن مرحِبًا، ليشعر فيرجسون أن الأمر تهديد لسلطته ويقرر بيعه.

على الجانب الآخر في إسبانيا، كان «خوان لابورتا» مرشحًا محتملاً في انتخابات نادي برشلونة، وكانت الانتخابات هناك واقعة تحت تأثير الصفقات الانتخابية، على غرار صفقة «لويس فيجو» ورئيس نادي ريال مدريد «فلورنتينو بيريز». اختار «لابورتا» أن تكون صفقته هي الجناح الإنجليزي ديفيد بيكهام.

اجتمع لابورتا مع إدارة اليونايتد في مطار «هيثرو» بلندن، ووقعوا اتفاقًا يقضي بموافقة النادي الإنجليزي على بيع بيكهام لبرشلونة حال فوز «لابورتا» بالانتخابات، وكان البيع مشروطًا بوصول البلوجرانا لاتفاق مع وكيل اللاعب، وهو أمر بديهي بالطبع.

في نفس التوقيت، كان نادي بارما الإيطالية يعيش آخر فتراته المزدهرة، وبعد بيعهم للموهبة الصاعدة بسرعة الصاروخ «أدريان موتو» لنادي تشيلسي، وقع اختيار «أريجو ساكي» المدير الرياضي بنادي بارما في ذلك الوقت على جناح سبورتنج لشبونة الشاب، كريستيانو رونالدو، وبالفعل رصد النادي 11 مليون يورو للتعاقد معه.

لقد أردته بشدة، واقتربنا كثيرًا من الحصول عليه، لكن مانشستر أدخل نفسه بيننا وبين اللاعب في الوقت المناسب على الأقل.
«ستيفانو تانزي» الرئيس السابق لنادي بارما

لكن فلورنتينو بيريز فاجأ الجميع وضرب بكل المحاذير التكتيكية عرض الحائط وقرر إضافة بيكهام إلى الجلاكتيكوس خاصته، لتتبعثر الأوراق، ويتجه برشلونة لرونالدينيو، ومانشستر يونايتد إلى كريستيانو، ليكتب كل منهما تاريخه الخاص، ويكتفي رئيس بارما «ستيفانو تانزي» بإعلان ورنالدو البرتغالي كأكثر صفقة ندم على ضياعها.

وعلى عكس القصة الشائعة، لم يكن تعاقد مانشستر يونايتد مع رونالدو بسبب تلك المباراة الودية التي جمعته بسبورتنج لشبونة، وعلى إثرها طالب لاعبو اليونايتد مدربهم بالتعاقد مع كريستيانو، بل كانت الصفقة منتهية في اليوم السابق من المباراة، بعد الاجتماع بوكيل اللاعب «خورخي مينديز» بمدينة «كاشكايش» البرتغالية.

كلوب البافاري

إن كان هنالك مدرب من المتواجدين حاليًا قد استطاع ترك بصمة مقاربة للإسباني بيب جوارديولا، فهو بالتأكيد «يورجن كلوب». فالألماني لم يكتفِ بالمضايقة على مستوى المواجهات المباشرة، لكنه نجح في طرح أفكار تكتيكية مميزة، اختصرتها الجماهير في الضغط العالي، وأضافت إليها رصيدًا إضافيًا تقديرًا لشغف «كلوب»، وحجم ميزانيات الأندية التي تولاها -على الأقل في البداية- لكن ماذا لو لم تكن مسيرة «يورجن» بهذه الرومانسية؟

في عام 2008، كان نادي بايرن ميونيخ يبحث عن مدرب جديد، وكان «كلوب» ضمن المرشحين، على الرغم من أن مسيرته مع نادي ماينز انتهت بتركه لهم بالدرجة الثانية، إلا أن أفكاره لفتت الأنظار. لكن بالأمتار الأخيرة بالمفاوضات، وقع اختيار إدارة البايرن على «يورجن» آخر، «يورجن كلينسمان».

لقد هنأت أولي هونيس -رئيس نادي البايرن- وأخبرته أن كلينسمان اختيار جيد.
يورجن كلوب، بعد ضياع فرصته بتدريب بايرن ميونيخ

وبدلاً من أن يحظى كلوب بأموال وإمكانيات بايرن ميونيخ التي لا تضاهى في ألمانيا، اتجه إلى بورسيا دورتموند، حيث اتفقت شخصيته مع شغف الجماهير وكأنه كان مرسومًا على مقاس الأصفر والأسود. واستطاع بالفعل بناء فريق بأقل الإمكانيات، وأصبح ثاني مدرب بتاريخ البونديزليجا يفوز بلقبي دوري متتاليين مع فريق آخر غير البايرن (بعد أوتمار هيتسفيلد مع دورتموند، موسمي 1994-1995، 1995-1996)

تخيُل كلوب مدربًا للبايرن أمر شديد الإغراء، فالمدرب المعروف بشخصيته القيادية والمحبوبة، كان بإمكانه احتواء غرفة ملابس النادي البافاري لفترة طويلة، ومع طريقة لعبه المميزة بالطابع البدني والمباشرة، كانت الجماهير ستتقبله أكثر من تقبلهم لجوارديولا وفلسفته.

لكن الأكيد أن بايرن كان قريبًا من إفساد مخطط أقرب منافسيه دون قصد، وبالنسبة لـ«كلوب» لم يكن ليحظى بنفس الرصيد لدى الجماهير، إن كانت بداية معرفتنا به في مكان آخر غير ملعب «سيجنال إدونا بارك».