استثماري في هيرتا برلين كان خطأ ولكنني لن أستسلم، لن أسمح لأحد بحرق 375 مليون يورو.

هكذا صرّح المستثمر «لارس ويندهورست» مالك نادي «هيرتا برلين» الألماني في فبراير/شباط الماضي (2022)، حيث انتقد إدارة النادي الألماني وكيفية تسييرها للأمور، بسبب تدهور نتائج الفريق في البوندسليجا لهذا الموسم (2021/2022)، والتي ربما تدق المسمار الأخير في نعش مشروع تفاءل به كثيرون في الكرة الألمانية، ولكنه ذهب ضحيةً لسوء الإدارة.

البداية

البداية كانت في نوفمبر/تشرين الأول 2019، عندما أعلن ويندهورست عن الاستحواذ على نسبة 49.9% من أسهم نادي هيرتا برلين، متعهدًا بإعادة إطلاق النادي الألماني ومحاولة تحويله إلى قوة صاعدة في الدوري، تشبه إلى حد كبير أندية مثل دورتموند، ومؤخرًا لايبزيج، وتعاقد النادي حينها في ميركاتو الشتاء مع عدد من النجوم الصاعدة، لعل أبرزها البرازيلي «ماتيوس كونيا» من نادي لايبزيج، والبولندي «كريزستوف بيونتيك» من نادي ميلان.

ضربت الجائحة الجميع، ومع عودة كرة القدم، أنهى هيرتا الدوري في المركز العاشر (في موسم 2019/2020)، وفي الموسم التالي (2020/2021) أنهى المسابقة في المركز الـ 14 بفارق نقطتين فقط عن مراكز الهبوط، قبل أن يقبع في مراكز الهبوط في موسم (2021/2022). فكيف تحول مشروع وصفه الجميع بالواعد قبل عامين إلى «فنكوش» يقترب من النهاية دون تحقيق أي نتائج ملموسة تُبرِّر الأموال التي تم استثمارها فيه؟

ملكية بدون إدارة

القانون الألماني الصارم الذي يُلزِم المستثمرين بامتلاك 49% فقط من أسهم الأندية، مع احتفاظ الجماهير بنسبة 51% من الأسهم المتبقية، يفرض على أي مستثمر قيودًا كبيرة فيما يتعلق باتخاذ القرارات، ويجعله في مساءلة شبه دائمة أمام الجماهير، مما يعني بأنه يضخ الأموال لمساعدة الفريق رياضيًا وإداريًا، لكن دون أخذ قرارات مصيرية على المستوى الإستراتيجي منفردًا، فيجب أن يعود دائمًا إلى أعضاء الجمعية العمومية في النادي، ولا يوجد سوى أربعة استثناءات، وهي أندية: بايرن ليفركوزن وهوفنهايم وفولفسبورج ولايبزيج.

أمر كهذا يصيب بعض المستثمرين بالملل مع مرور الوقت، وبالتالي التوقف عن ضخ الأموال، ويصيب البعض الآخر بالنفور، فمن المستبعد أن تجد مستثمرًا عربيًا على سبيل المثال يُقدِم على شراء نادٍ ألماني، بسبب هذا القانون الذي سيُقيّده في اتخاذ قرارات مصيرية أو إعادة هيكلة النادي، مثلما يحدث حاليًا في نادي نيوكاسل الإنجليزي، ومن قبله نادي مانشستر سيتي.

كل هذا صاحبه إدارة سيئة لمشروع النادي حسب وصف ويندهورست، الذي قال بأن إدارة النادي كانت معنية بالحفاظ على مناصبها أكثر من العمل على الجانب الرياضي، مما جاء على حساب النادي، الذي استمر في التراجع حتى وجد نفسه في هذا الوضع المزري.

خيار «يورجن» يفشل مُجددًا

يومًا ما في صيف 2008، وبعد انتهاء حقبة أوتمار هيتسفيلد في بايرن ميونخ، كان النادي البافاري يبحث عن مدرب جديد، وتواصل حينها مع يورجن كلوب بحسب تصريحات كريستيان هايدل المدير الرياضي لنادي ماينز، والذي كان يتولى كلوب تدريبه حينها، وأكد أنه كان بجانب المدرب الألماني أثناء تواصل إدارة بايرن ميونخ معه، وقد استقبل كلوب الأمر بحماس كبير حينها.

ولكن ما حدث بعد ذلك بأن إدارة النادي البافاري اختارت مدربًا آخر، وللمصادفة كان اسمه يورجن وأول حرف من لقبه «ك»، ولكن بدلًا من كلوب كان كلينسمان، الذي كان قد ترك قيادة المنتخب الألماني بعد بلوغه المربع الذهبي في مونديال 2006.

وبالتأكيد جميعنا نذكر الفشل الذريع لهدّاف الكرة الألمانية الأسبق في ثوب مدرب البايرن، حيث لم يكمل الموسم بعد سلسلة من التعثرات محليًا وأوروبيًا، لعل أبرزها الخسارة من فولفسبورج -الذي حقّق الدوري في ذلك الموسم- برباعية، والسقوط المدوي في أوروبا أمام برشلونة جوارديولا برباعية أيضًا، ليخرج الفريق من الدور ربع النهائي لدوري الأبطال.

وعلى الجانب الآخر ذهب كلوب لقطب ألمانيا الآخر بوروسيا دورتموند، ونجح في تحويله إلى قوة حقيقية محليًا وأوروبيًا، عندما حقق معه الدوري في مناسبتين، والكأس في مناسبة، فضلًا عن بلوغه للمباراة النهائية من دوري أبطال أوروبا عام 2013.

وبالعودة إلى كلينسمان، فبعد تجربة مقبولة مع منتخب الولايات المتحدة الأمريكية انتهت في عام 2016، قررت إدارة هيرتا برلين في بداية مشروعها الاستعانة بخبراته ضمن فريق المستشارين الرياضيين للنادي، قبل أن يقرر النادي تعيينه في منصب المدرب، ليتفاجأ الجميع بأن كلينسمان لا يمتلك رخصته التدريبية، حيث قد نسيها في منزله في الولايات المتحدة بحجة أنه لم يضع في حسبانه بأن يتم تعيينه لتدريب الفريق.

وبعد ثلاثة أشهر وعشر مباريات رحل كلينسمان عن هيرتا برلين، وبعد عدة أشهر غادر منصبه الاستشاري في النادي، ليطوي النادي صفحته بعد ستة أشهر فقط من تعيينه.

وبعد كلينسمان تعاقب على هيرتا خمسة مدربين آخرين، هم: أليكساندر نوري، وبرونو لاباديا، وبال دارداي، وتايفون كوركوت، وأخيرًا المخضرم فيليكس ماجاث، الذي يتولى تدريب الفريق حاليًا. ولم يختلف الحال كثيرًا فيما يتعلق باللاعبين الذين كان من المفترض أن يكونوا واجهة المشروع، فرحل بيونتيك إلى فيورنتينا، وسبقه كونيا إلى أتلتيكو مدريد، حتى ماتيو جويندوزي الذي جاء معارًا لم يستمر وفضّل اللعب بألوان مارسيليا.

المشروع الحقيقي

ربما تقول في قرارة نفسك الآن بأن مدينة برلين ستفقد واجهتها الكروية في البوندسليجا مع السقوط المدوي الحالي لنادي هيرتا، ولكن دعني أخبرك بأن العاصمة الألمانية لن تتأثر كثيرًا على المستوى الكروي، لأنها وجدت بالفعل خير منْ يمثلها، سواء على المستوى المحلي أو الأوروبي، ودون الحاجة لإنفاق أموال طائلة أو تبني فكرة مشروع يتحول إلى سراب فيما بعد.

ففي موسم 2019/2020، كان نادي يونيون برلين يخوض أول مواسمه في البوندسليجا بعد الصعود، ومنذ الموسم الأول لم يكن الفارق كبيرًا بين قطبي العاصمة الألمانية، حيث أنهى يونيون الدوري خلف هيرتا بفارق الأهداف فقط في المركز الحادي عشر، قبل أن ينهي الموسم الماضي (2020/2021) في المركز السابع ويخوض منافسات دوري المؤتمرات الأوروبي هذا الموسم (2021/2022).

وبينما قبع مشروع هيرتا برلين الواعد في مراكز الهبوط، يستعد الغريم الموسم المقبل لخوض منافسات الدوري الأوروبي بعدما أنهى موسمه الناجح في المركز الخامس، وحالت نقطة بينه وبين المشاركة في دوري أبطال أوروبا، فضلًا عن لعبه لنصف نهائي الكأس الذي أطاح خلاله بهيرتا برلين من ربع النهائي.

ربما نظر فيندهورست إلى ترتيب يونيون برلين ليكتشف خطأه بالاستثمار في هيرتا، وربما وجد كيف أن هناك أندية تتعامل مع قانون 50+1 دون مشاكل وتمضي وتُحقق أهدافها، وربما اكتشف خطأه بأنه سلّم المشروع –منذ البداية- للرجال الخطأ فحوّلوه إلى سراب.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.