عندما يُطلب منك الحديث عن العرب في المونديال، لا بد أنه حديث يجلب المواجع وكل الهموم في الدنيا. يجب عليك أن تستجمع قواك، وتحاول تهدئة نفسك لكي يكون هذا الحديث متوازنًا وخاليًا من المشاعر التي ستجرك إلى الخيبات التي اعتدناها بالجملة، والفضائح التي تكاد تكون قاتلة إن حاولت التفكير مليًا في كم القهر والفشل.

لا تعرف فيما ستفكر، كيف ستبدأ، وكيف ستنتهي، لكن كل ما تعرفه أنه كان بالإمكان أفضل مما حدث، وأنه لولا النقطة التي أهدرت هنا، والهدف الذي أضعناه هناك، وركلة الجزاء التي لم تحتسب في ذلك اللقاء، لكنا أقرب للنجاح والسعادة.

قبل 20 عامًا عشنا نفس التجربة ونفس القهر. المغرب في روسيا كما كان في فرنسا. منتخب قوي خطف أنظار الجميع، وكان يستحق الوصول إلى أبعد من الدور الأول، لكن في النهاية النتيجة ذاتها. أداء كبير، خروج مشرف ومبكر، وأحقية بالتأهل لا يمكن تجاهلها. كل هذه التفاصيل ستجعل القصة المغربية خالدة كما كانت التجربة السابقة.

الفرنسي هيرفي رينارد مدرب المنتخب المغربي قال بعد اللقاء، إنه سعيد لما قدمه اللاعبون وفخور بهم رغم الخروج. وبالطبع المغاربة ككل ونحن كعرب فخورون بهذه المجموعة وبهذا الأداء.


على قدر أهل العزم

قبل البطولة، كان أسود الأطلس جاهزون عقليًا وجسديًا، ويعرفون أنهم يملكون كل ما يحتاجون إليه للفوز. لقد تأهلوا بطريقة بطولية، ولمسوا قلب الأمة بشجاعتهم وطموحهم ، وبفضل «رينارد» أصبح بإمكانهم أن يؤمنوا بوصولهم لمراحل أبعد من المعتاد.

حقيقة الأمر، أن منتخب المغرب كان أمام اختبارات صعبة ومهمة مستحيلة لتخطي الدور الأول أمام كل من إسبانيا والبرتغال. وكان التأهل للدور الثاني بمثابة الحلم المنشود لأسود الأطلس، لكن الخروج المبكر بهذه الطريقة بعد الأداء الكبير يجعلك تشعر باليأس رغم كل هذا الانضباط والتميز من عناصر المنتخب.

رجال رينارد قدموا كل شيء. أداء رائع، صلابة دفاعية، تهديد دائم لمرمى الخصم، وفي النهاية لم تحقق أي شيء. حتى أنها لم تسجل هدفًا واحدًا. في النهاية هذه هي كرة القدم.

عناصر المنتخب كانت مجهزة بالشكل الأمثل لكافة السيناريوهات المحتملة، سواء في حالة التقدم أو التأخر بالنتيجة. وظهر ذلك التحضير بأجلى صوره خاصة بعد التخلف بهدف أمام المنتخب البرتغالي. لا استلام ولا تساهل في المهام، والرغبة الأولى والأخيرة هي التسجيل وليس السعي لخطف نقطة التعادل أو تأمين نظافة الشباك.

خلال لقائي إيران والبرتغال، كان المغاربة أفضل طيلة فترات المباراتين وتسيدوا المواجهتين بطريقة مبهرة جدًا. وهذا أمر ليس غريبًا بحكم وجود أفضل المحترفين في أوروبا، وبسبب المواهب الفردية الكبيرة لكل من «زياش» و«مرابط» و«أمين حارث».

فنيًا وبدنيًا وتكتيكيًا، كانت المغرب هي الأميز بقتالية لاعبيها ومهارتهم، حيث سدد المنتخب المغربي 28 تسديدة خلال المباراتين، وسيطر بنسبة تفوق 55% في كلتا المواجهتين. ولولا الحظ العاثر خلال مباراة إيران، لحافظ الأسود على حظوظهم بشكل أكبر وخاصة أنها كانت ستعطي دافعًا أقوى خلال مواجهتهم لبطل أوروبا.


نقاط الضعف

رغم كل النقاط المميزة التي قدمها عناصر المنتخب، إلا أن هناك بعض نقاط الضعف الواضحة في التشكيل. المشكلة منذ التصفيات وما زالت حتى الآن تكمن في إنهاء الهجمات بالشكل المثالي، لذلك عجز الهجوم المغربي في تدوين اسم أحد لاعبيه في السجل الرسمي للمونديال للهدافين رغم كثرة الفرص.

الفرص المتاحة للمهاجمين كانت كفيلة بوضعهم في الدور الثاني دون الحاجة للانتظار للمباراة الأخيرة أمام المنتخب الإسباني. لكن المهاجم «خالد بوطيب» لم ينجح بتهديد مرمى الخصم كونه يلعب وحيدًا في خط المقدمة بلا أي دعم من مهاجم آخر.

رينارد كان بإمكانه وضع مزيد من الضغط على الدفاعات البرتغالية، لكنه تأخر في إجراء التبديلات التي تعزز الخط الهجومي. بوطيب لم يكن قادرًا لوحده على إزعاج كل من بيبي وفونتي. لذلك كان لزامًا على الفرنسي إضافة مهاجم آخر بجانبه لتهديد مرمى المنتخب البرتغالي بصورة أكبر.

على الجهة الأخرى، كان إيكال مهمة الظهير الأيسر للاعب ريال مدريد أشرف حكيمي نقطة ضعف بارزة على الصعيد الهجومي، فكان عاجزًا عن تقديم الإضافة الهجومية بسبب تغيير مركزه.

ملاحظات صغيرة نحاول أن نجد بها مبررًا منطقيًا لخروج أسود الأطلس من دور المجموعات في هذه النسخة، محاولة للبحث عن المنطق مع منتخب حدث معه كل شيئ لا يمت للمنطق بصلة خلال أول مبارتين له بمونديال روسيا 2018.


هيرفي رينارد: مربط الفرس

أظهر «رينارد» طوال حياته المهنية في أفريقيا أنه قادر على خلق اللحظات السعيدة في الدول التي أشرف على تدريب منتخباتها. فكان يعرف كيف يبني فرقًا قوية رغم التباين بين المنتخبات والعناصر والخبرات.

دائمًا كانت فرق رينارد تتميز بالطابع ذاته كما ظهر المغرب في البطولةالحالية والتصفيات المؤهلة لكأس العالم. فريق لديه قدرة دفاعية محكمة، ولا يتلقى أهدافًا كثيرة. وبالفعل نجح إلى حد كبير في تحجيم الخصوم.

رينارد كان مميزًا في تعامله مع أحداث اللقاءين، وأدار المباراتين بشكل ملفت عجز عن مجاراته البرتغالين سانتوس وكيروش. وبغض النظر عن القدرات التكتيكية المميزة التي امتدحها المحللون والإعلاميون، إلا أن الفرنسي حصد إعجاب المشجعين والمشجعات حول العالم برشاقته ومظهره الوسيم.

لم يكن مبررًا تراجع الفريق البرتغالي بعد تسجيله للهدف، بالتأكيد أن فيرناندو سانتوس كان يأمل بتقديم لاعبيه لأداء مغاير يليق ببطل أوروبا، لكن أداء عناصر المنتخب المغربي أجبر رونالدو ورفاقه على الظهور بهذا الشكل الهزيل.


أقدام لا تُنسى

لا يحتاج الأمر كثيرًا من التركيز لملاحظة هذا الكم الكبير من المواهب في المنتخب، فأمين حارث وحكيم زياش وأشرف حكيمي قادرون على جعل مستقبل المغرب أفضل كرويًا. والأمر ذاته للاعبي الخبرة، فنور الدين مرابط ومبارك بوصوفة قدموا مستويات مميزة رغم تقدمهم في السن.

وعلى وجه الخصوص كان لمرابط دور بارز خلال لقاء اليوم بقتاليته العالية التي أزعجت دفاعات البرتغاليين رغم إصابته بارتجاج دماغي قبل أيام. مثل صلاح الدين بصير في عام 1998، سيكون مرابطًا هو الصورة المطبوعة عن بعد أعوام في ذاكرة الجماهير المغربية والعربية عن مونديال روسيا.

كرة القدم علمتنا دائمًا وأبدًا، أن صاحب الأداء الأفضل ليس بالضرورة أن يحقق الانتصار دائمًا. المغرب فعل كل ما يمكن لتعديل النتيجة وخطف الفوز، ولكن لم تجد المكافأة على هذه المجهودات الكبيرة والفرص العديدة. بالمقابل استطاعت البرتغال بلا أي مجهود يذكر تخطي عقبة المغاربة وتحقيق 3 نقاط مهمة قبل مواجهتهم الحاسمة أمام الإيرانيين. نقاط تبدو كفيلة بجعلهم بطلًا للمجموعة وربما الوصول لأدوار لاحقة على غرار البطولة الأوروبية السابقة.