تشهد أروقة الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الأخيرة مناقشات مستمرة حول إمكانية تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وسط توترات بين طهران وبروكسل.

في 20 يناير/كانون الثاني 2023، صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على إدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب الخاصة بالاتحاد بسبب تورط هذه المنظمة في قمع المتظاهرين ودعم الجيش الروسي بطائرات مُسيرة.

وبعد قرار الاتحاد الأوروبي بأيام أعلن مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، عدم إمكانية تصنيف المنظمة الإيرانية كإرهابية دون صدور حكم قضائي من إحدى محاكم الاتحاد يثبت هذه التهمة.

وعوضًا عن ذلك تم فرض حزمة عقوبات خلال ذلك الاجتماع، تعد الرابعة التي يصدرها الاتحاد الأوروبي على طهران منذ اشتعال المظاهرات الشعبية في إيران احتجاجًا على مقتل فتاة كردية على يد شرطة الأخلاق في سبتمبر/ أيلول الماضي.

إذ رأى الأوروبيون أن فرض عقوبات متدرجة ومتتابعة على الحرس وقادته والمؤسسات التابعة له يمكن أن تمثل خيارًا وسطًا ولو مؤقتًا بين تصنيفه كحركة إرهابية أو عدم فعل شيء، مع العلم أن هذه العقوبات غير مؤثرة بشكل كبير غالبًا، لأنها تشمل حظر سفر وتجميد أرصدة لقادة إيرانيين لا يسافرون إلى تلك الدول ولا يحتفظون بمدخراتهم في بنوكها.

وتتبع مؤسسة الحرس الثوري مباشرة إلى المرشد الأعلى، علي خامنئي، ولديها هيكل عسكري مواز للجيش النظامي به قوات برية وبحرية وجوفضائية تتفوق تسليحيًا على نظيراتها من الجيش.

وتتبع للحرس أيضًا منظومة اقتصادية ضخمة تشرف عليها وحدة «خاتم الأنبياء»، وله نفوذ يفوق ما للحكومة، لكنه لا يخضع للمحاسبة ولا يعد مسئولًا إلا أمام المرشد، وتتسم طبيعة عمل الحرس بصفة عامة بالاستقلالية والسرية وعدم الشفافية، رغم توغله في كل مناحي الحياة والمجالات المدنية.

ويتبع للحرس قوة من المدنيين تسمى «الباسيج» تعد أبرز الجهات المسئولة عن التصدي للاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام الديني والتجسس على المعارضين، وتساعد الشرطة في ضرب المتظاهرين وإرهابهم.

واعتبرت الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمة إرهابية عام 2019، كما اتخذت كندا خطوة مماثلة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ حظرت دخول أراضيها بشكل دائم على عشرة آلاف مسئول إيراني بينهم جنرالات بالحرس الثوري وأسَرهم.

وقد أعلنت بريطانيا رصد 15 محاولة إيرانية لاختطاف أو اغتيال أشخاص مقيمين لديها، وأبلغت احتجاجها لطهران، وصوت البرلمان البريطاني بالموافقة على إعلان الحرس الثوري الإيراني تنظيمًا إرهابيًا، لكن تحدثت تقارير عن تراجع بريطانيا، الدولة غير العضو بالاتحاد الأوروبي، عن الخطوة بضغط من وزارة خارجيتها.

وسبق أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على عديد من الأفراد والكيانات بسبب اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان والبرنامجين النووي والصاروخي، ومؤخرًا تصاعدت وتيرة فرض العقوبات بشكل كبير على وقع قمع التظاهرات وسقوط مئات القتلى واتهامات بارتكاب الأمن الإيراني انتهاكات جنسية بحق المعتقلين.

ومما زاد الغضب الأوروبي على طهران تورطها في دعم الغزو الروسي لأوكرانيا؛ فدعم الحرس الثوري لغزو دولة أوروبية وقتل أعداد كبيرة من مواطنيها وتهديد أمن القارة العجوز، عن طريق دعم موسكو بطائرات مُسيرة، خصوصًا من نوع «شهيد136» الانتحارية، ومشاركة ضباط إيرانيين في الحرب في جزيرة القرم منذ أشهر، ومؤخرًا في دونباس شرق أوكرانيا، كل هذا أثار عزم الاتحاد الأوروبي على معاقبة الحرس الثوري.

كما أن أجهزة الأمن في الدول الأوروبية رصدت مؤخرًا تصاعد العمليات المنسوبة للحرس الثوري على أراضيها، فمع اشتعال الاحتجاجات ضد حكم الملالي، نظمت الجاليات الإيرانية في الخارج فعاليات داعمة للتظاهرات، فكان بعض المعارضين أهدافًا لعملاء النظام الإيراني.

فعلى سبيل المثال أعلنت الحكومة الألمانية عن زيادة عمليات التجسس على الإيرانيين الذين يقيمون لديها منذ بدء الاحتجاجات، وحددت المخابرات هوية أشخاص على صلة بالحرس الثوري، وحذرت من أن النظام الإيراني قد يضغط على عائلات معارضيه المقيمين في ألمانيا لإجبارهم على التزام الصمت.

وفي النمسا أصدر المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب تقريرًا في يناير/ كانون الثاني الماضي، أكد فيه أن النظام الإيراني يمارس أنشطة تجسس بشكل واسع، ووصفت هيئة الإذاعة الوطنية النمسا بأنها أصبحت «جنة جواسيس».

ونظم الإيرانيون في أوروبا، ومن ضمنهم أقارب ضحايا القمع، وقفات ومسيرات انضم لهم فيها سياسيون وبرلمانيون ونشطاء أوروبيون للضغط على الاتحاد لإدراج الحرس الثوري الإيراني على قوائم الإرهاب، بالترافق مع مظاهرات بالداخل الإيراني رددت نفس المطلب.

كما يعد ملف الرهائن مزدوجي الجنسية من مواطن الشقاق بين الطرفين؛ فطهران تعتقل مواطنيها الذين يحملون جنسيات أوروبية بهدف الضغط على هذه الدول في الملفات الخلافية، ولا تعترف قوانينها بمسألة ازدواج الجنسية.

 ففي الدول الديمقراطية تواجه الحكومات أزمة مع الناخبين إن عجزت عن استنقاذ مواطنيها المختطفين في الخارج، وقد تخسر الحكم بسبب ذلك، كما وقع للرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي كانت قضية رهائن سفارته في طهران من أسباب خسارته الحصول على ولاية ثانية.

ويتبع نظام الملالي منذ بداية حكمه هذا الأسلوب مع دول الغرب ويحتجز العشرات من مواطنيها، فيما يُعرف بـ«دبلوماسية الرهائن»، ففي مارس/آذار 2022 أفرجت لندن عن أموال إيرانية محتجزة منذ عقود مقابل تحرير رهينتين بريطانيتين، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022 أطلقت طهران سراح باقر نمازي، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، وذكر الإعلام الإيراني أن الثمن كان الإفراج عن 7 مليارات دولار مجمدة في البنوك الكورية بسبب العقوبات الأمريكية، رغم نفي واشنطن.

وقد أصدرت حكومات أوروبية عدة تحذيرات لرعاياها من السفر إلى إيران خوفاً من الاعتقال، مما شكل ضربة كبيرة للسياحة قبل فصل الربيع، وتم تسريح عدد من موظفي الفنادق.

عقبات أمام القرار

رغم أن تصويت البرلمان الأوروبي غير ملزم قانونيًا لكنه يعبر عن قناعة لدى الساسة الأوروبيين بضرورة اتخاذ هذا القرار الذي يحتاج إقراره إلى حسابات سياسية وأمنية أكثر منها قانونية.

فهناك تهديدات يمكن لإيران تنفيذها، مثل الإيعاز بشن هجمات على أهداف أوروبية أو مضايقة السفن المارة بمضيق هرمز مثلًا، أو اتخاذ خطوات ضد مواطني دول الاتحاد الأوروبي الزائرين لها، أو حتى في دول أخرى، مما يتطلب إجراء حسابات لتقييم العواقب الأمنية لهذا القرار.

كما أن هناك إيرانيين مقيمين على الأراضي الأوروبية على علاقة بالحرس الثوري سوف يدخلون فورًا في دوائر الاتهام بمجرد تصنيف المنظمة كحركة إرهابية، مما يوجب إعداد تصور مسبق عن كيفية التعامل مع تلك المشكلة، بخاصة وأن الآلاف ممن انضموا إلى الحرس الثوري كانوا مجبرين على ذلك خلال فترة تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية دون قناعة بأفكاره تمامًا.

كما أن عديدًا من الكيانات في العواصم الأوروبية سوف يتم حظرها تلقائيًا بعد اتخاذ القرار، وهناك معضلة إثبات علاقة هذه الكيانات بالحرس الذي يتغلغل في كل الأنشطة الاقتصادية الإيرانية بصفته مؤسسة رسمية، كما أن الحرس الثوري يمتلك واجهات اقتصادية في الخارج تشارك في شحن البضائع والتجارة الدولية ستكون عرضة للملاحقة أيضًا في حال تعاملت مع شركات أوروبية.

كما توجد حسابات سياسية مهمة؛ فالحكومات الأوروبية لا تتشاطر نفس الرؤى، وبعضها تربطه مصالح اقتصادية بإيران، وهناك مخاوف من أن يُلقي هذا القرار بظلال سلبية على مسار المفاوضات النووية بين الغرب وطهران، حيث يقوم الاتحاد الأوروبي بدور المنسق لتلك المفاوضات المهمة.

ويملك فيلق القدس، الذي يعد الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، شبكة نفوذ هائلة في الدول الأوروبية ينفق عليها ميزانيات هائلة، ويجني من ورائها فوائد جمة؛ فيستخدمها في جلب التمويلات والتجنيد والتأثير على قرارات الدول الأخرى.

ويدير فيلق القدس عددًا كبيرًا من المراكز الثقافية والإسلامية والمساجد والشركات والجمعيات والمنظمات، ويقيم مخيمات للشباب، ومؤتمرات وينظم مسيرات ومناسبات دينية بما يخدم السياسة الخارجية الإيرانية.

وحذرت إيران من أنها سترد بالمثل في حال اعتبار الحرس الثوري إرهابيًا، وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إن هناك خططًا لوضع عناصر من الجيوش الأوروبية على لوائح الإرهاب في إيران، وزاد رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، فهدد بتصنيف هذه الجيوش كلها كمجموعات إرهابية!