بحلول الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، يُتوقَّع أن يُظهر النادي الأهلي المصري قميصه الجديد من إنتاج شركة «أديداس» الألمانية، بعدما تكفلّت شركة «أمبرو» البريطانية بتوريد الملابس الرياضية لفرق الأهلي الرياضية لثلاث سنواتٍ سابقة.

لاقى هذا الخبر استحسان الجماهير دون شكٍ، نظرًا للشهرة الواسعة التي تحظى بها الشركة الألمانية، التي تعتبر شريكًا لمجموعة من أنجح الأندية حول العالم، بالتالي قد يُثمر هذا التعاون بين المؤسستين، المصرية والألمانية، عن نجاح كبير، أو هكذا نعتقد. 

اقرأ أيضًا: أديداس: رحلة حزينة رفقة كرة القدم

مُفاجأة

بادئ ذي بدء، وحتى نضعك أمام الصورة الكاملة، نَصّ العَقد المُبرم بين «الأهلي» و«أمبرو» في 2018، على أن تُورِّد الشركة أطقمًا رياضية لفرق الكرة بالنادي نظير 5 ملايين جنيه مصري، إضافة لمبلغ ثابت يُدفع للأهلي نظير مشاركته بالبطولات المختلفة. 

أثناء التفاوض على تجديد هذه الشراكة، رفض «الأهلي» عرضًا بمقابل مادي أعلى، بحجة أن النادي يمتلك عرضًا أفضل؛ وهو عرض «أديداس». 

المفاجأة غير السارّة هي أن عرض «أديداس» ليس الأفضل، من الناحية المادية على الأقل؛ على عكس المتعارف عليه، سيدفع الأهلي مقابل حصوله على ملابس فرق كرة القدم، مع خصمٍ يصل إلى نحو 50%. 

وهنا يجب أن نتوقّف للحظة لنسأل: كيف يتم إبرام عقود توريد الملابس الرياضية؟ 

حتى مطلع السبعينيات، كانت الأندية منوطة بتوفير نفقات تجهيز فرق كرة القدم بالملابس الرياضية. ومع تحوُّل رياضة كرة القدم لمنتج عالمي عابر للقارات، بدأت شركات الملابس الرياضية في التصارُع للحصول على حقوق توريد هذه الملابس للأندية الأنجح، عن طريق إبرام عقود تضمَن حصول الأندية على أحدث منتجات هذه الشركات، إضافة إلى إغراءات مادية وصلت مؤخرًا لمئات الملايين.

ومع ذلك، لا تدفع شركات مثل «أديداس» و«نايكي» وغيرهما الأموال اعتباطًا، لأنها -كشركة- تطمَح في المقام الأول إلى الترويج لعلامتها التجارية. لكن لماذا لا يضمَن نادٍ مثل الأهلي، الأنجح بقارة إقريقيا والعالم العربي، الحد الأدنى المطلوب من مثل تلك الشركات لرعايته؟ 

هرم كرة القدم الحقيقي

كمثال، تمتلك شركة «أديداس» الألمانية هرمًا خاصًا بالتعاقدات. يتكون هذا الهرم من أربع مستويات، تقوم على أساسه الشركة بإبرام العقود الجديدة مع مختلف الأندية، وفقّا لما يضمن تحقيقها لأقصى أرباح ممكنة. 

تضم طبقة النخبة خمسة أندية عالمية وهي ريال مدريد الإسباني، يوڤنتوس الإيطالي، بايرن ميونخ الألماني، أرسنال وماشستر يونايتد الإنجليزيين. بينما تضم الطبقة الثانية والثالثة أندية أقل شأنًا، لكنها تمتلك مشجعين حول العالم مثل: أياكس الهولندي، ليستر سيتي الإنجليزي، وغيرهما. 

تحظى الأندية أعلاه بمميزات عديدة بمجرّد توقيعها عقود الرعاية، أكثرها بداهة هو الحصول على مقابل مادي مجزٍ نظير وضع العلامة التجارية للشركة على قميص الفريق، إضافة على امتلاك مسؤولي هذه الأندية الحق في اختيار تصميم القميص الذي يناسب هويّة الفريق، كما يتم الترويج لأقمصة الفريق عالميًا عبر الإنترنت، ومقرّات التوزيع بمعظم بلدان العالم. 

أما في المستوى الأخير، تظهر الأندية التي تدفع مقابلًا للحصول على أطقم من صناعة الشركة، وهي حالة مشابهة لحالة النادي الأهلي، حيث لا يحق للفريق سوى اختيار تصميم متاح، فضلًا عن عدم حصول النادي على أي مقابل مادي.

طبقًا لموقع «Footy Headlines»، المهتم بتفاصيل عقود الأندية مع شركات الملابس الرياضية، تعرف هذه الفئة باسم «فرق أديداس غير التابعة»؛ بمعنى أن العلاقة ما بين النادي والشركة تقتصر على توريد الملابس للفرق، على عكس الفئات أعلاه، حيث تمتلك الأندية الأهم -من وجهة نظر الشركة- شراكات مكتملة بمعناها المفهوم مع «أديداس». 

يطفو على السطح سؤال جديد، لماذا لا تعد الأندية المصرية، بما فيها الأهلي، أندية مهمة لكبرى شركات الملابس الرياضية؟ 

«إللي ما يشوفش من الغربال»

حتى لا ندفن رؤوسنا بالرمال، على الرغم من أنّ أندية مثل الأهلي والزمالك تمتلك قاعدة شعبية تقدّر بعشرات الملايين، تظل هذه الشعبية بالنسبة لشركة مثل «أديداس» أو «نايكي» مجرد رقم، لا يمكن ترجمته لعوائد ملموسة. 

بمقارنة بسيطة، يمثّل متوسط دخل المواطن المصري نحو 1/15 من متوسط دخل المواطن البريطاني؛ بالتالي قد لا يهتم المشجّع المصري العادي من شراء المنتجات الأصلية الخاصة بالفريق الذي ينتمي له. لذلك لا معنى لرعاية نادٍ -وإن كان ناجحًا- إذا لم تستطع الشركات المنتجة للملابس الرياضية من جني العوائد من خلف هذا التعاقد. 

من هنا، نشأت سوق موازية، وهي سوق الأقمصة «المزيفة»، التي تمنَح المشجع البسيط اختبار ارتداء قميص أقرب من قميص فريقه المُفضَّل، بتكلفة أقل بكثير. 

في الواقع، هذه الظاهرة ليست حكرًا على المجتمع المصري وحسب، فحسب دراسة استقصائية أجراها الإسباني «خوان بورتا»، المتخصص في مجال حماية العلامات التجارية عام 2017، شملت مجموعة من مشجعي كرة القدم تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عامًا، فـ90% من المشاركين لا يعتقدون أن إنفاق المال لشراء الأقمصة الأصلية فكرة سديدة، كما أشار نحو 38% من نفس العينة، أنهم قد قاموا مرة واحدة على الأقل بشراء قميص مزيّف. 

حل بديل؟ 

لمواجهة هذه الأزمة التي يبدو أنه لا حل لها، ربما يكون الحل الأكثر منطقية هو توقيع الأندية لعقود توريد الملابس الرياضية مع شركات ناشئة، قد لا تهتم في بدايتها بالخسائر الناتجة عن تزييف تصميماتها، بقدر اهتمامها باقتحام السوق المصرية عبر بوابتي الأهلي أو الزمالك. 

في 2015، كان قد أنهى الأهلي تعاقدًا يحمل في طيّاته اعترافًا ضمنيًا بحقيقة الأولوية الماديّة لعقود توريد الملابس الرياضية، حين نص الاتفاق بين الأهلي وشركة «سبورتا» السعودية، على دفع الشركة الناشئة لمقابل مادّي نظير ظهور علامتها التجارية على قميص الفريق. 

بنفس المنطق، في 2021، لجأ الزمالك لشركة «تيمبو» النمساوية، المملوكة لرجل الأعمال المصري «محمد الأسيوطي»، التي أعلنت عن اتفاق ينُص على توريد الشركة لملابس الفريق الأول لنادي الزمالك دون دفع أي مقابل، إضافة لحصول النادي على نسبة من بيع الأقمصة للجماهير. 

في النهاية، قد لا تهتم الجماهير بالتفاصيل المادية لتعاقدات الأندية التي تشجعها، خصوصًا وأن البديل «المزور» متاح بأسعار تناسب الظروف الاقتصادية لمعظم الجماهير، لكن السؤال: لماذا تُفضِّل بعض الأندية دفع مقابل للحصول على خدمة بدلًا من تحويلها لمصدر دخلٍ بديهي. 

عن ذلك، يقول الصحفي سيمون كوبر، في كتابه «Soccernomics»: 

أي شخص يقضي أي وقت داخل أندية كرة القدم سرعان ما يكتشف أنه مثلما النفط جزء من تجارة النفط، فإن الغباء جزء من صناعة كرة القدم.