على غلاف الكتاب يوجد نصف قطة، قائمتان خلفيتان وذيل، وفي مقدمة الكتاب يطلب المؤلف من قارئه أن يتأمل القطط، أن يتأمل تحديدًا قطط الإنترنت. إنه كتاب جارون لانييه «عشر حجج لإلغاء حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي فورًا».

غلاف كتاب «عشر حجج لإلغاء حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي فورا» لعالم الحاسوب الأمريكي جارون لانييه

تحكم القطط الإنترنت، تصنع وجوهها أفضل الميمز وأكثر المحتويات طرافةً وذكاءً. والقطط كائنات مشاكسة لا يمكن ترويضها أو توقع أفعالها، ولذلك فهي ماكينة مفارقات ومحتوى سيبراني. قارن ذلك بالوجود المتواضع للكلاب. ميمز الكلاب متوقعة، مكررة. الكلاب كائنات متوقعة، متعلمة، إذا رميت لها الكرة تأتي بها في كل مرة.

يخبرك لانييه في نهاية المقدمة أنك حين تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي تصبح كلبًا.

قط السليكون فالي

بدأت القصة بأنني كنت أشعر بحزن وضيق عميقين فور انتهائي من استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، كنت أتحدث مع الأصدقاء وأمزح وأتبادل الأفكار، وهذه أشياء عظيمة لا تُشعِر المرء بالحزن، لكن الانتهاء من التصفح كان يعقبه شعور بضيق وخواء. ثم جذبني عنوان كتاب «جارون لانييه» الصغير الذي يعطيك عشرة أسباب كي تتوقف عن استعمال السوشيال ميديا للأبد، وفورًا.

«جارون لانييه» من مؤسسي الإنترنت كما نعرفه، كان موجودًا عندما بدأ الإنترنت كاختراع صغير سيغير العالم في التسعينيات، وهو من المساهمين في شبكة Linked In. ليس لدى لانييه أي حسابات على تويتر وفيسبوك وجميع منتجات جوجل. وعبر أسبابه العشرة يوضح لماذا اختار تجنب تلك الشركات تحديدًا؟ لِمَ تسبب هذه الشركات ضررًا أكبر مما يتصوره المستخدم؟ ولِمَ يجب على المستخدم أن يتوقف عن استعمال خدماتها نهائيًّا؟

إنها مصممة لكي تجعلك بالفعل حزينًا!

يتذكر لانييه الأيام الأولى في طفولة الإنترنت، حيث اجتمع المطورون على هدفٍ سامٍ: أن يظل الإنترنت مجانيًّا، وبعيدًا عن الرقابة الحكومية، ومتاحًا للجميع في يوتوبيا سيبرانية سوف تتحول لاحقًا إلى كابوس. ما هو مصدر الربح الرهيب للشركات إذا كان ما تقدمه مجانيًّا؟ حتى أرباح الإعلانات لا يمكنها أن تبني إمبراطورية بحجم جوجل. تجاوزت تلك الشركات مجانية الإنترنت، بل استغلتها كي تستثمر في رأس مالها الأهم: معلومات المستخدمين الشخصية.

يوضح لانييه أن المحراث الذي يجمع المعلومات من ملايين المستخدمين هو اللوغاريتم الذي صمَّمه عباقرة يتقاضون مرتبات خيالية، وأن هذا اللوغاريتم محفوظ ومحمي بأعلى درجات الأمان التي لا تتوافر حتى في البنتاغون، وهذا اللوغاريتم تحديدًا مُصمَّم كي يجعلك تحزن.

ليس هذا من قبيل المجاز، ينقل لانييه خبرًا عن بعض باحثي شركة فيسبوك الذين «شعروا بالحماس» عند نجاح تجربتهم في تصميم لوغاريتمات تؤثر على الحالة المزاجية للمستخدم عبر التحكم في المحتوى الذي يظهر له بحيث يكون مُحزنًا أو مُبهجًا عن عمد.

لِمَ ذلك؟ لتطوير آلية جمع المعلومات، يصبح اللوغاريتم واعيًا بِما يجعل المستخدم حزينًا أو غاضبًا، وتُصمِّم الشركات الأخرى منتجاتها بناءً على هذه المعلومات، وتسوقها كذلك.

في سبيل تلك المعلومات الشخصية، ماذا يحب المستخدم، طعامه المفضل، اتجاهاته السياسية، نوع الأخبار التي تجعله غاضبًا، يوجد اللوغاريتم الذي يجمع ويحلل، ويستخرج نتائج من مثل: الأشخاص الذين يحبون الطعام المكسيكي يميلون للتصويت للحزب الديمقراطي ويشعرون بالغضب والإحباط من أخبار جرائم عنف الشرطة. يصبح اللوغاريتم قادرًا على التحكم في ذلك المستخدم وتحويل آرائه في اتجاه يحدده طرف ثالث.

المثال الأشهر هو انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 حيث كان دونالد ترامب في مواجهة هيلاري كلينتون. يسأل لانييه القارئ الديمقراطي الذي امتنع عن التصويت لكلينتون، ما سمح لترامب بالفوز، إن كانت هناك مجموعة من الأخبار والمنشورات المُحرِّضة ضد كلينتون دفعته إلى تغيير رأيه؟ هل امتنعت عن التصويت لأنك رأيت فيديو يتهم هيلاري بالتلاعب بالإيميلات؟ هل غيَّرت رأيك بسبب فيديو يظهرها شرسة أو مستفزة أو ذات أساليب غير أخلاقية؟

لم يظهر هذا المحتوى بالصدفة للشريحة التي كان متوقعًا أن تُصوِّت لهيلاري كلينتون، أحدهم فعل ذلك. أحدهم تلاعب بالديمقراطية الأمريكية العظيمة مُستخدمًا لوغاريتمًا «يُروِّض» الناخبين.

عالم متصل… عالم على وشك الانهيار

يخشى لانييه على الديمقراطية الأمريكية من وسائل التواصل. يذكر تجربة الربيع العربي التي افتخرت بها شركة فيسبوك لدرجة نسبة الثورة إلى نفسها «ثورة فيسبوك». يعترف أن اتصال البشر مكَّن لقيام ثورات مثل هذه، ولا يغفل عن ذكر المصير المحبط لتلك الثورات. الأمر أكبر من الديمقراطية. العالم ينهار بسبب تلك الخدمات، الصحافة الحرة تغلق أبوابها وتتوقف عن نقل الحقيقة وتتحول لعناوين فارغة جذَّابة تغري المتصفح بالنقر عليها، Click baits.

العلم يتراجع خطوات للوراء، هناك الآن «علماء الفيسبوك» الذين قد يعكسون الآثار العظيمة لاختراع التطعيم بمجموعة منشورات زائفة تُحرِّض الأمهات على الامتناع عن تطعيم أطفالهن. تجمع اللوغاريتمات البيانات من كل المبدعين، إذا ترجمتَ فيلمًا أو حديثًا صغيرًا، يسرق اللوغاريتم تلك المعلومات ويتحسَّن بسببها، يصبح مترجمًا أفضل بسبب المترجمين البشر؛ أفضل لدرجة أنه سيستبدلهم في المستقبل ويطردهم من سوق العمل. الأمر نفسه للموسيقيين وفناني الجرافيكس مثلًا.

العلاقات البشرية تنهار، البشر متصلون لكنهم يشعرون بالعزلة، المستخدمون يصيرون أكثر عنفًا، بدون سبب، مع الأغراب على منصات التواصل. كل ما تقوله عبر تلك المنصات يفتقر للسياق، كأنك لم تقل شيئًا. يشعر المستخدم أنه حزين باستمرار لأنه غارق في الصور الزائفة لعالم غير موجود: الجميع ناجح وجذاب، ومتحقق أكاديميًّا، ويقضي العطلات في أماكن جميلة. لا يستطيع المخ البشري تخيل قصة كاملة وراء هذه الصور. الصور تملأ أفق العقل البشري وتُشوِّشه. مُستخدم منصات التواصل حزين، لكنه لا يستطيع التوقف لأنه مُروَّض.

الحل: القطة

يتنبأ لانييه بانهيار تلك المنصات لسبب بسيط: وضعت تلك الشركات بيضها في سلة واحدة، واعتمدت في ربحها على مشروع وحيد: اللوغاريتم الذي يسرق المعلومات. الاعتماد على مشروع وحيد وصفة سيئة وفشلها متوقع. لكن ماذا نفعل الآن؟ نبحث عن نموذج بديل لاستخدام الإنترنت. الإنترنت اختراع عظيم، منصات التواصل هي الشرير الوحيد.

يقترح لانييه نموذجًا يكون فيه الإنترنت خدمة مدفوعة، تدفع مبلغًا من المال لاستخدام الإنترنت، ويدفع لك الإنترنت مبلغًا إذا شاركت في صنع المحتوى. حينها لا تضطر الشركات للتجسس على المستخدم من أجل تحقيق الربح، ولا يضطر المستخدم لتحقيق الربح المعنوي عبر الإنترنت، وهو ما يسبب الإدمان.

حتى ذلك الوقت لا يوجد سوى حل وحيد. التوقف عن استخدام منصات التواصل فورًا لإجبارها على تغيير طرقها، لأن شيئًا لن يدفعها لفعل ذلك، والتخلي عن الربح الجيد، سوى خسارة مستخدميها. لا يوجد حل سوى الثورة على طريقة القطط.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.