إن كنت لا تهتم بقصص ما قبل النوم، وهي ليست جزءًا من روتين طفلك الليلي، فقد تحتاج إلى إضافتها روتينًا يوميًّا في حياة طفلك، فقد أظهرت دراسة حديثة نشرتها صحيفة «The Guardian» أن الأطفال الذين تُقرأ لهم القصص من سن مبكرة لديهم تطور لغوي أفضل، ويميلون إلى تطوير مهاراتهم اللغوية بشكل أسرع مع تطورهم العمري، والقراءة للأطفال الصغار تحفز نموهم وتمنحهم السبق عند وصولهم إلى المدرسة، كما تعزز بعض الأفعال البسيطة، مثل طلب قلب الصفحات من الطفل أثناء القراءة، من مهاراته الحركية، من خلال تعلم كيفية تدوير الصفحات وتكوين ذاكرتهم، كما أن تفاعل الأطفال مع السرد القصصي يحسن من نموهم العاطفي والاجتماعي.

والجدير بالذكر أن دراسة أخرى حديثة أجرتها «YouGov» أن العديد من الآباء يتوقفون عن القراءة لأطفالهم بمجرد تمكنهم من القراءة بمفردهم، ووجدت الدراسة أن 83٪ من الأطفال يستمتعون بالقراءة بصوت عالٍ، في حين يصف 68٪ شعورهم بالدفء والحنان في وقت مشاركة آبائهم في القراءة معهم. كما أوصت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بالقراءة للأطفال منذ الولادة لما لها من أهمية بالغة على الأطفال.


كيف تطور قصة ما قبل النوم مخ طفلك؟

الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات أظهروا فروقًا في تنشيط الدماغ الذي يزداد إيجابيًّا كلما زاد مقدار قراءة الوالدين للأطفال في المنزل. هكذا نشرت مجلة الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال دراسة استخدمت فيها التصوير بالرنين المغناطيسي، في بحثها عن آثار القراءة على مخ الأطفال.

كما لاحظوا أن الأطفال عندما يكونون منخرطين في الاستماع لقصة ما فإن مزيدًا من مناطق دماغهم الأيسر يزداد نشاطًا، مما يساعد على تطوير مهارات القراءة والكتابة عند الأطفال في سن ما قبل المدرسة، كما يُسهم في نمو مخ الأطفال بشكل صحي أكثر، لذا ليس واجبًا على الآباء والأمهات أن يسردوا القصص لأطفالهم وحسب، بل يجب أن يتفاعلوا أكثر معهم عند القراءة، كطرح الأسئلة عليهم ومناقشتهم فيها، وأن يطلبوا منهم قلب الصفحات، فالمهم هو التفاعل بين الطفل والأهل أثناء القراءة.


مع كل حكاية: قاموس جديد يضاف لطفلك

عندما يتفاعل الآباء ومقدمو الرعاية شفهيًا مع الأطفال،يتعلم الأطفال أكثر بكثير مما كنا نتصور، كما تعمل على خفض مستويات التوتر وهذا يؤثر على الجهاز العصبي للأطفال، حيث قالت الدراسات إن هناك مؤشرًا واضحًا على وجود اختلاف عصبي بين الأطفال الذين يقرؤون بانتظام والأطفال الذين لا يقرؤون.

الصور الإلكترونية لأدمغة الأطفال الذين يقرؤون بشكل قليل تظهر قليلًا من النشاط في مناطق المعالجة اللفظية. لكن بعد أن أمضى الباحثون ساعة إلى ساعتين في اليوم لمدة ثمانية أسابيع في القراءة للقراء الفقراء وأداء تمارين أخرى لمحو الأمية معهم، تغير نشاط دماغهم ليبدو مثله مثل القراء الجيدين، وبذلك فالقصص تعمل على تعزيز مهارات الطفل اللغوية بشكل أكبر، كما يمكن للوالدين استخدام القصص القصيرة كخطوة لتطوير مهارات الطفل في التحدث، خصوصًا في الخمس السنوات الأولى من عمرهم، حيث يتطور الدماغ والعقل بدرجة واسعة جدًّا. كما يمكن كذلك للأطفال فهم المفردات ذات المستوى الأعلى ومتابعة مؤامرات أكثر تعقيدًا قبل أن يتمكنوا من قراءتها بمفردهم، وبالتالي توفر قصص ما قبل النوم فرصة لعرض الأطفال على نطاق أوسع من الكلمات الجديدة، واستنتاج معنى هذه الكلمات يوسّع نطاق مفرداتهم المنطوقة والسياقية بشكل كبير، لذا فإن ذلك ليس فقط يزيد من تشجيع الطفل على حب القراءة، وتغرس لديه عادة القراءة قبل النوم عندما يكبر، بل تنمي القدرات اللغوية واللفظية للطفل، وتزيد قاموسه اللغوي بمفرداتٍ جديدة.


وقت طفلك الخاص

قراءة قصص ما قبل النوم لأطفالك لا تتعلق فقط بسرد أسطر الكتاب ليلة بعد أخرى، فالأطفال يرون هذا كوقت خاص جدًّا للتواصل مع والديهم قبل النوم، حيث يشعر أطفالك بالاهتمام ويعزز ذكرياتهم وشعورهم بالأمان، وسيبقى ذلك الوقت في أذهانهم طوال حياتهم. قد يحدث في بعض الأحيان أن تشعر أن طفلك لا يتفاعل معك بإيجابية، ولكن كن مطمئنًا أن طفلك يعتمد عليها كجزء أساسي من الروتين اليومي. لذلك التوقيت مهم عند اختيار وقت قراءة الكتاب. فبالنسبة للأطفال الأصغر سنًا، قد يستطيعون الجلوس في أحضانك على كرسي هزاز، في حين قد يُفضل الأطفال الأكبر سنًا البقاء في السرير قبل سماع القصة للخلود للنوم، وتغطية عيونهم الصغيرة بالنعاس.

ستشعر بالراحة عندما تعلم أنك لست بحاجة لشراء الكثير من الكتب، فمعظم الأطفال يرغبون في قراءة الكتاب نفسه مرارًا وتكرارًا إلى أن يحفظوه، وهذه هي الطريقة المُثلى التي يتعلم بها الأطفال ويستمتعون بالتكرار.

ويمكنك مزج السرد في وقتكم الخاص مع سرد قصة واقعية أنت بطلها، أو قصة عن سلف مشهور أو قريب مضحك، فلن ينتبهوا فقط للسرد، بل سيستفيدوا أيضًا من تعلم تاريخ عائلتهم، وسيجعلهم أكثر دراية بالعادات والتقاليد المختلفة السائدة فيها.


الفضائل.. دون أوامر

جين نيلسون

ماذا لو فككت شفرة طفلك بسهولة ودون أوامر، فالأطفال في جميع أنحاء العالم يحبون الاستماع إلى القصص ويريدون معرفة المزيد عن شخصياتهم المفضلة، وغالبًا ما يحاولون تقليد أبطالها، فيمكنك من خلال سرد القصص لطفلك التي تحتوي مغزى – غرس الصفات الجيدة في طفلك كالحكمة والشجاعة والأمانة والصدق والكرم في سن مبكرة، كما يمكنك تغيير سلوك سيئ لاحظته عليه بشكل غير مباشر بدون أوامر أو الصدام معه واتهامه بالتصرفات السيئة، وبعد الانتهاء من القصة فإن مناقشتك مع طفلك تعلمه أكثر من أي تعليمات وأوامر مباشرة ظللت تمليها عليه شهورًا وسنين.


توطيد العلاقة بينك وبين طفلك

أجريت دراسة على عينة من الآباء والأمهات قال 8٪ فقط منهم إنهم لا يفوتون قراءة وقت النوم، بينما اعترف أكثر من نصفهم بأن أطفالهم يجب أن يطلبوا قراءة القصص لهم في الليل. والجدير بالذكر أنه ليس الأطفال وحدهم الذين يستمتعون أثناء سرد القصص، بل الآباء والأبناء يستمتعون في آنٍ واحد، فيشعرون بمزيد من الاسترخاء، وتقلل توترهم، مما يزيد من سعادتهم، لذا فهي تساعد في توطيد العلاقة بين الوالدين والأبناء وخلق جو من المتعة والتسلية، بالإضافة إلى شعورهم بالسعادة والقوة والأمان، فهي ليست فقط للترفيه، بل تساعده في التغلب على أي نوع من المخاوف التي قد تصيبه أثناء النوم، أو شعوره بالضيق، كما أنها تمنع أي أحلام مزعجة أثناء نومه، فهي تساعده على الدخول في نوم هادئ، لذا يجب اختيار قصص مناسبة هادئة.


تنمية الخيال الإيجابي

غالبًا ما يتم تقديم التحفيز البصري للأطفال من خلال التلفزيون والأجهزة الإلكترونية، لذا فإنهم نادرًا ما ينجحون في الاستفادة من خيالهم ما لم نقرأ لهم، أو حتى يتمكنوا من القراءة. فأنت عندما تسمع الراديو كيف تتخيل ما يحدث وما تسمعه ليس كالتلفاز أبدًا، ونظرًا لأننا لا نملك راديو للأطفال، فإن لم نقرأ على مسامع أطفالنا، فستضعف حتمًا قدرتهم على استخدام خيالهم وتصبح غير قادرة على التصور.

فإن حدوتة ما قبل النوم بالنسبة للطفل هي بساط الريح الذي يحمله إلى آلاف الأمكنة، وهي آلة الزمن التي تنقله إلى عصور مضت وأخرى قادمة، فتصبح كمارد مصباح علاء الدين بالنسبة له، فهي عالم ساحر ينتقل إليه الطفل. يستمتع بها، فلا يستطيع البعد عنها أو الفكاك منها، وهي في الوقت نفسه تحقق له قدرًا هائلًا من الاحتياجات تسكنه قصورًا وتطير به إلى الفضاء وتجعله يأخذ موقفًا تجاه الشر والأشرار، ويظل هذا الموقف معه طويلًا، فالقصة لا تعني للطفل تلك الكلمة المطبوعة على الورق أو الصور فقط، بل هي تنتقل لتُطبع على صفحة عقولهم ووجدانهم ومشاعرهم، وقد تبقى على مدى العمر كله، وكل منا نحن الكبار نذكر عبارة قرأناها أو صورة شاهدناها، لذلك اهتم واختر بعناية فائقة ما تقرؤه لطفلك حسب عقله وعمره وشاركه في قراءتها والنقاش حول ما تحتويه ليواكب طفلك سير التقدم النفسي والعلمي والاجتماعي.


تعلم كيف تقرأ قصة لطفلك

وراء كل سلوك سيئ يبدر من طفلك، شفرة يريد إخبارك بها.

يعد سرد القصة فنًّا يجب على الآباء تعلمه حتى يستطيعوا جذب انتباه أطفالهم فيجب:

1. استخدام المؤثرات الصوتية عن طريق تغيير نبرة الصوت بما يناسب الحديث.

2. استخدام المؤثرات الحركية مثل حركة الأيدي والتمثيل الأدائي.

3. طرح الأسئلة على الطفل أثناء السرد لجذب انتباهه ولتعلمه المشاركة والتعاطف مع الأحداث المسموعة.

4. السماح للطفل بتوجيه الأسئلة فهذا يدل على أن عقل الطفل يفكر ويتعمق في الأحداث.

5. يجب أن تكون القصة مناسبة لسن الطفل، خالية من أي كذب أو معلومات مغلوطة أو خيال مبالغ فيه، وأيضًا نمنع القصص المرعبة أو التي تحتوي تلميحات جنسية أو سيئة الأخلاق.

هناك الكثير من الأمثلة للقصص المفيدة والهادفة لأطفالك، كقصص المخترعين والعباقرة، وكيف توصلوا لاختراعاتهم، وقصص الأبطال التاريخية والقادة العظماء كصلاح الدين الأيوبي، وهناك القصص الدينية كقصص الأنبياء والسيرة النبوية للأطفال، وهناك قصص غاية في الروعة، وهي قصص تكوين شخصية الطفل.

وفي النهاية.. حدوتة سعيدة مع طفلك.