بالنسبة لي، يعجبني دييجو لوبيز كحارس مرمى أكثر من إيكر كاسياس.

هذه ليست كلمات تفوه بها أحد المشجعين المدريديين الغاضبين على تويتر بعد خسارة فريقه، أو عنوان مقالة صحفية في «ماركا» أو «أس» لأحد الصحفيين الغاضبين من عدم وصول الأخبار المتفق عليها من الحارس الإسباني وصديقته الإعلامية «سارة كاربونيرو»، أو حتى مشجع ليس مدريديًّا لمنتخب إسبانيا وهو يشاهد منتخبه يخسر بخماسية أمام هولندا قبل الخروج من الدور الأول في كأس العالم 2014 بحضور كاسياس.

هنا الكلمات التي أطلقها «جوزيه مورينيو»، المدير الفني السابق لريال مدريد، عندما سُئل عن سبب اعتماده على دييجو لوبيز كحارس أساسي لريال مدريد، حتى بعد عودة قائد الفريق وحارسه التاريخي من إصابة في معصم اليد.

الموضوع في الأساس لم يكن فنيًّا بحتًا، فقد اشتكى مورينيو كثيرًا من تسريب أخبار الفريق لوسائل الإعلام، مع وجود شكوك كبيرة حول كاسياس بأنه من يقوم بتلك التسريبات، خاصةً أنه كان صديقًا لسارة كاربونيرو الإعلامية حينها، وبقي مورينيو يُعوِّل على كاسياس مضطرًا حتى جاءته فرصة على طبق من ذهب حين أصيب كاسياس في يده لمدة تقارب الشهرين، وفي ظل عدم ثقة مورينيو بالحارس البديل وقتها «أدان»، طلب السبيشيال وان من إدارة الميرينجي التحرك سريعًا في ميركاتو يناير لجلب حارس مرمى، لاستكمال منافسات الموسم، خاصةً أن النادي حينها كان ينافس في ثلاث مسابقات؛ بين الدوري والكأس ودوري الأبطال.

ظن كثيرون بأن بمجرد عودة كاسياس من الإصابة سيعود سريعًا إلى عرينه كحارس أساسي لريال مدريد، لكن الحارس الملقب بـ «القديس» لم يكن يعلم أن الدكة ستكون في انتظاره، خاصةً مع تقديم لوبيز لعروض قوية أمام برشلونة في نصف نهائي الكأس ومانشستر يونايتد في دوري أبطال أوروبا.

ربما تقول في قرارة نفسك الآن وما دخل نوير بقصة كاسياس، ولكن إذا أمعنت النظر قليلًا فستجد أن هناك تشابهًا إلى حد كبير بين ما يحدث مع نوير حاليًّا وما حدث مع كاسياس، مع العلم بأننا لا يمكن أن نتنبأ بما سيحدث مع نوير عند عودته من الإصابة، ولكن مع الأخذ في الإعتبار إصابته الطويلة، وجلب حارس مرمى جديد بدلًا من الاستعانة بالبديل التقليدي «سفين أولرايتش»، أضف إلى ذلك بأن إصابة نوير لم تكن داخل جدران النادي أو المنتخب، فضلًا عن تصريحاته الأخيرة، كلها أمور تقول بأن كل شيء سيكون جائزًا أمام إدارة البايرن وجهازه الفني حتى لو عاد نوير من الإصابة.

إقدام نوير في حد ذاته على ممارسة رياضة خطيرة قد تُعرِّضه لإصابة، أو تصريحاته التي استنكرت بشكل واضح قرار إدارة بايرن ميونخ إقالة «توني تابالوفيتش» مدرب حراس المرمى السابق وتعيين «مايكل ريتشنر» بدلًا منه. كل ذلك يرسل لنا رسائل مهمة بأن نوير يعتقد في نفسه بأن مكانه مضمون في بايرن ميونخ، يُصاب ويعود وقتما شاء، وينتقد قرارات الإدارة كما يحلو له دون مراجعة من أحد، بيد أن إدارة بايرن لم تقف صامتة أمام تصرفات قائد فريقها، فمتى وصل نوير إلى تلك المكانة؟ وكيف ساعدته إدارة بايرن ثم قررت أن تحاول زحزحة تلك المكانة؟ وهل تنتزعها منه مستقبلًا أم لا؟

بداية مبكرة

بعكس من سبقوه، نجح مانويل نوير في شق طريقه نحو عرين المانشافت مبكرًا للغاية حين بدأ كحارس أول للمنتخب الألماني في كأس العالم 2010 بعمر الـ 24 عامًا، وكان للحظ دور كبير في ذلك، حيث كان يُعوِّل المدرب الألماني يواخيم لوف حينها على حارس باير ليفركوزن «رينيه أدلر»، بيد أن إصابة على مستوى الضلع حرمته من الفرصة ومنحتها لنوير، وهو أمر لم يحدث لأوليفر كان الذي انتظر حتى عامه الـ 30 ليصبح حارس ألمانيا الأول في بطولة رسمية في يورو 2000 بعد اعتزال أندرياس كوبكه بعد مونديال 1998، أو يانز ليمان الذي انتتظر حتى كأس القارات 2005 ليصبح حامي عرين المانشافت وهو في ربيعه الـ 35.

ما حدث مع أسلاف نوير ربما سيحدث لمن سيخلفه في حال افترضنا أن الفرصة ستُمنَح حارس برشلونة تير شتيجن في يورو 2024، حيث سيبلغ حارس بوروسيا مونشنجلادباخ السابق وقتها 32 عامًا، وهو نفس العمر الذي سيبلغه حارس أرسنال المنتقل إلى فولهام، بيرند لينو، وهو أحد الخيارات المحتملة لخلافة نوير في المنتخب الألماني، أما لو اختار فليك «كيفين تراب» حارس مرمى أينتراخت فرانكفورت فسيكون بعمر الـ 34 عامًا.

حتى في حال اختار هانسي فليك الخيار الأصغر سنًّا، واتجه نحو حارس مرمى موناكو المعار من بايرن ميونخ «أليكساندر نوبل»، فسيكون بعمر 28 عامًا، وهو عمر مانويل نوير حين حمل لقب كأس العالم بعد خوضه موندياله الثاني وبينهما بطولة يورو، أي إن نوير بعمر الـ 28 كان حارسًا للمانشافت في ثلاث بطولات كبرى، في حين أن هذا سيكون عمر أصغر من يمكن أن يخلفه في بطولته الكبرى الأولى.

تهديد بدرجة حماية

في صيف 2018، توقع كثيرون بعد إصابة نوير الطويلة وعودته المتأخرة أن يكون تير شتيجن حامي عرين المانشافت في مونديال روسيا في تلك السنة، خاصةً بعد تألق حارس برلشونة قبلها بعام في مونديال القارات الذي تُوجت به ألمانيا رغم إرسالها لقائمة أغلب لاعبيها من البدلاء، بيد أن الناخب الوطني حينها يواخيم لوف قرر أن يعول على نوير على الرغم من عدم مشاركته بانتظام مع بايرن ميونخ خلال الموسم الكروي الذي سبق العرس العالمي.

وبعد الأداء المُخيِّب للمنتخب الألماني وخروجه من الدور الأول، وجد شتيجن في الأمر فرصة من أجل إعادة فتح النقاش على مركز الحارس الأول لمنتخب ألمانيا، وصرَّح في عام 2019 وتحديدًا بعد مباراتي هولندا وأيرلندا الشمالية لحساب تصفيات يورو 2020 قائلاً: «ما زلت أحاول القيام بكل شيء، ولكن هذه الرحلة مع المنتخب نكسة كبيرة بالنسبة لي». في إشارة واضحة إلى استيائه من بقائه المستمر على دكة بدلاء المانشافت بغض النظر عن أي اعتبارات فنية.

أمر استلزم تدخلًا مباشرًا وفوريًّا من أكبر كيان كروي في ألمانيا بايرن ميونخ متمثلًا في رئيسه «أولي هونيس»، الذي رد بقوة على تصريحات تير شتيجن، حيث قال: «لن نقبل بحدوث تغييرات في مركز حراسة المنتخب، في حال حدث ذلك لن نرسل لاعبينا لمنتخب ألمانيا مرة أخرى». بل أكمل هونيس في إعطاء تعليماته للاتحاد الألماني ومدرب المنتخب يواخيم لوف، بأن عليهم إخبار تير شتيجن بعدم تكرار تصريحات مثل تلك التي أطلقها في العلن.

كسر مضاعف

حماية بايرن المستمرة لنوير وجعله الخيار الأول دائمًا حتى وهو مصاب أوصلت رسائل كثيرة لنوير نفسه وللآخرين، ولنبدأ بنوير الذي أعتقد بأن هذا الأمر دائم، مما جعله يذهب في رحلة تزلج بعد خروج منتخب ألمانيا من الدور الأول في مونديال قطر 2022، مما تسبَّب له في كسر على مستوى أسفل الساق، يستلزم فترة تعافٍ ما بين أربعة وستة أشهر، مما يعني انتهاء موسم قائد النادي البافاري.

شخص آخر تلقى تلك الرسالة وهو حارس بايرن المعار لنادي موناكو، أليكساندر نوبل، الذي رفض قطع إعارته مع النادي الفرنسي من أجل حماية عرين العملاق البافاري فيما تبقى من الموسم الحالي، لعلمه بأنه فور عودة نوير سيعود إلى مقاعد البدلاء، مما جعله يتفاوض على الانتقال لنادي لايبزيج بعقد دائم بعد انتهاء إعارته لنادي الإمارة الفرنسية بنهاية الموسم، مما وجَّه أنظار إدارة بايرن نحو التعاقد مع حارس مرمى منتخب سويسرا «يان سومر» قادمًا من بوروسيا مونشنجلادباخ.

الكسر الذي حدث لنوير لم يُصِب قدمه فقط، ولكنه بدأ في إصابة علاقة الحارس الأول في ألمانيا بالنادي الأكبر في ألمانيا، خاصةً أن نوير تعرض لتلك الإصابة خارج أسوار النادي أو المنتخب الوطني، ونظرًا لأنه لا يوجد بند في عقد نوير ينص على عقابه بعد ممارسته لرياضات خطيرة مثل التزلج، ولكن بايرن قرَّر أن يحاول بطريقة غير مباشرة اتخاذ إجراء مع لاعبه، بمفاوضته على تخفيض راتبه خلال الفترة المقبلة أثناء مفاوضات تمديد عقده.

رفع الحماية

قرَّر النادي البافاري اتخاذ قرار جريء للغاية بإقالة مدرب حراس المرمى «توني تابالوفيتش»، وهو صديق مُقرَّب للغاية من نوير، حيث بدأ معه الرحلة في بايرن منذ انضمام حارس منتخب ألمانيا من شالكه في صيف 2011، قبل أن يعلن النادي رحيله واستبداله بمدرب حراس نادي هوفنهايم «مايكل ريتشنر»، الذي يتمتع بعلاقة قوية مع مدرب البايرن حينئذٍ جوليان ناجلسمان.

قرار أدخل النادي في صدام غير مباشر مع قائده الذي لم يخفِ استياءه من قرار إقالة تابالوفيتش، حيث وصف للصحافة ما حدث من تغييرات في جهاز تدريب حراس مرمى الفريق بأنه تسبَّب له بكسر في قلبه، وهو أمر أثار استياء قادة النادي البافاري، حيث صرَّح الرئيس التنفيذي «أوليفر كان» قائلًا: «هذا الأمر لا يعكس تقاليد وقيم نادي بايرن ولا يليق بقائد الفريق».

كما صرَّح رئيس مجلس إدارة النادي «هيربرت هاينر» في هذا الصدد قائلًا: «هذا تصرف محزن وغير مفهوم، كان على نوير التواصل مع إدارة النادي بشكل مباشر وعدم إيصال الأمر لوسائل الإعلام».

وفتح اللاعب السابق لبايرن وأحد قادته التاريخيين «لوثر ماتيوس» النار على نوير بسبب تصرفاته خلال الفترة الأخيرة، حيث قال:

نوير يضع نفسه فوق النادي، لا ينتقد ذاته أبدًا ولم يعد من المقبول رؤيته قائدًا لبايرن ميونخ مرة أخرى، قواعد العمل يضعها نادي بايرن ميونخ وليس نوير، صحيح بأن لديه مكانة عالية ولكن هذا لا يمنحه الحق في التصرف بتلك الطريقة.

وأضاف:

مع كامل الاحترام، لم يمت أحد أو يصب أحد الأطفال بأذًى ليقول بأن قلبه قد كسر، ما حدث فقط هو أن النادي قام بفصل عامل كان صديقًا له لا أكثر.

ووصف ماتيوس سلوك نوير بالأناني، وشدَّد على أن تصرفات نوير بالفترة الأخيرة من تزلج محفوف بالمخاطر أدى إلى إصابة بليغة حرمت النادي من خدماته لفترة ليست بالقصيرة، ثم الهجوم على قرار إداري من النادي لوسائل الإعلام، يجب ألا تمر مرور الكرام.

ثم اختتم حديثه قائلًا:

أرى نوير وتابالوفيتش يعملان معًا مرة أخرى مستقبلًا ولكن في نادٍ آخر غير بايرن ميونخ.

ولم يقف الأمر عند تصريحات رؤساء بايرن أو لوثر ماتيوس، بل راجت بعض التقارير الصحفية بأن هناك تفكيرًا لدى النادي البافاري بتجريد نوير من شارة قيادة الفريق، ومنحها للاعب الوسط وزميل نوير في منتخب ألمانيا «جوشوا كيميتش»، وهو الذي يحظى بمحبة كبيرة داخل أروقة العملاق البافاري، بالإضافة لتمتعه بثقة كبيرة من إدارة النادي ومدرب الفريق حينئذٍ ناجلسمان على حد سواء، كما راجت بعض التقارير الأخرى حول إمكانية توقيع غرامة كبرى على حارس منتخب ألمانيا قد تصل إلى حوالي مليوني يورو.

ماذا بعد؟

الأمر المؤكد حاليًّا أن نوير يتعافى من إصابته بينما يحرس سومر مرمى بايرن ميونخ بشكل أساسي، ولكن بعد عودة نوير من الإصابة سيكون مرمى الفريق البافاري على صفيح ساخن، ولن يكون طريقه مفروشًا بالورود كما كان يحدث سابقًا، فهناك الآن حارس دولي بخبرة كبيرة مثل سومر وليس البديل المعتاد سفين أولرايتش، بالإضافة إلى وجود مدرب حراس مرمى جديد على علم بعدم تقبل نوير لوجوده في ظل رحيل صديقه المقرب، مما سيفتح بابًا جديدًا من الصراعات والنزاعات داخل النادي البافاري.

لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل، ولكن ما زال نوير يحظى بدعم إعلامي وجماهيري كبير، ولكن ماذا لو نجح سومر في تثبيت أقدامه وقيادة بايرن للتتويج بالثلاثية في نهاية الموسم، ربما حينها سيفتح باب النقاش مجددًا، وستلعب المعطيات المذكورة دورًا محوريًّا في تغيير نظرة الجهاز الفني، خاصةً مع وضع تصرفات نوير الأخيرة في الحسبان، وربما حينها نسمع المدير الفني للفريق في أحد المؤتمرات الصحفية وهو يُغلِّف قرار بايرن الإداري بالطابع الفني قائلًا:

يان سومر يعجبني أكثر من مانويل نوير كحارس مرمى.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.