بالرجوع إلى الوراء عدة سنوات، بالتحديد إلى يونيو/ حزيران 2015، كانت الشوارع الإيرانية مليئة بالفرحة، خرج الإيرانيون في كل مكان للاحتفال بالانتصار الدبلوماسي الأكبر في تاريخ إيران الحديث، وهو إبرام الاتفاق النووي بين إيران والدول الستة، عاقدين الأمل على مستقبل أقل عزلة مما سبق، وطامحين في حياة اقتصادية بلا عقوبات اقتصادية سلبتهم الحياة الهنيئة.

بينما كانت مشاعر السعادة تغمر الأغلبية داخل الجمهورية الإسلامية، وصفت النخبة السياسية من التيار المحافظ الأصولي الاتفاق بأنه انتصارٌ كاذب، بل ودعت المواطنين الإيرانيين إلى عدم الاحتفال بتلك الأكذوبة.

وحذر حينها المحلل السياسى الأصولي مهدي فاضلي من الاحتفال، مبررًا ذلك بأنه قد يتم استغلاله من جانب الغرب، الذي سيخبر العالم بأسره أن الشعب الإيراني سعيد بالاتفاق، ومن الممكن أن يؤدي هذا الأمر إلى تقديم إيران المزيد من التنازلات بحسب رأيه.

بل ذهب البعض من الأصوليين إلى ما هو أبعد من ذلك، واصفين الاتفاق بأنه كارثة كبيرة وأزمة يجب اتخاذ التدابير اللازمة من أجل الخروج منها بدلًا من الاحتفال.

نهاية تعيسة

انقضت الأيام والسنوات، وتبدلت الأحوال من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، وحلت الكارثة التي كان يتوقعها التيار المحافظ، وتولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة في عام 2016، ثم في مايو/ آيار 2018 أعلن انسحاب بلاده من الصفقة النووية مع إيران، واصفًا إياها بـ «أسوأ صفقة في التاريخ»، وعادت العقوبات أشد من ذي قبل، وبدأت سلسلة من التوترات التي يبدو أنه لا نهاية لها، الآن على الأقل.

وكانت آخر حلقة في سلسلة التوترات يوم السبت الماضي 3 أغسطس/ آب، عندما أعلن وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف أن بلاده ستتخذ الخطوة الثالثة نحو تخفيض التزاماتها النووية بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، أو ما يعرف رسميًا بخطة العمل الشاملة المشتركة، وكانت إيران قد اتخذت في الأشهر القليلة الماضية خطوتين نحو تقليص التزاماتها النووية.

قد أعذر من أنذر

طوال فترة المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية، عبّر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أكثر من مرة عن عدم ارتياحه لتلك المفاوضات، والتنازلات التي تقدمها الجمهورية الإسلامية لإرضاء الغرب، واتبعه في هذا التشاؤم التيار الأصولي، بينما ظل المعتدلون والإصلاحيون يقاتلون لآخر دقيقة لأجل إبرام الصفقة النووية.

عندما هدد الرئيس الامريكي دونالد ترامب في بداية توليه رئاسة الولايات المتحدة بتخريب الصفقة النووية، سارع آية الله خامنئي برد حاسم وثوري بأنه إذا مزقت الولايات المتحدة الاتفاق النووي، فستشعل إيران النار به.

لكن تلك النبرة الحادة اختلفت قليلًا عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو/ آيار 2018، وصرح قائلًا في يوم 9 مايو 2018 بعد يوم واحد فقط من انسحاب ترامب: «إن الجمهورية الإسلامية ستعقد عدة مفاوضات مع الأطراف الأوروبية المتبقية في الاتفاق، في محاولة لإنقاذه».

لكنه اشترط أن تقدم أوروبا عدة ضمانات تستطيع إيران من خلالها تحقيق الأرباح الاقتصادية المرجوة من خطة العمل الشاملة المشتركة، مشددًا على عدم تقديم الجمهورية الإسلامية أية تنازلات مقابل تلك الضمانات.

يرى المحلل السياسي الإيراني مهدي شهيدي، أن المرشد الأعلى أدرك أهمية اللحظة الراهنة، وأن الإيرانيين لا يريدون الهزيمة مرة أخرى أمام المفاوضات النووية مثلما حدث في عام 2004، وقال لـ«إضاءات»: «تحلى القائد الأعلى ببعض المرونة، ورأى أنه من الحكمة إعطاء الاتفاق النووي بعض الوقت لإنقاذه».

في نفس الوقت الذي أراد فيه آية الله خامنئي التحلي ببعض الصبر الإستراتيجي، أكد على أنه كان من البداية ضد هذا الاتفاق، وضد فكرة الوثوق في الولايات المتحدة، قائلًا: «يمكنكم أن تروا بأنفسكم أن توقعي أصبح حقيقةً واقعةً الآن، لقد قمنا بالموافقة على الاتفاق النووي، لكن العداوة تجاه إيران لم تتوقف».

يرى شهيدي أن هناك نقطة لم يغفلها المرشد الأعلى وهي الحالة الاقتصادية، فيقول: «دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني 2016 لم يُشعر الإيرانيين بأي تحسن اقتصادي، فكان لابد أن يشعر القائد الأعلى ببعض القلق بعد الانسحاب الأمريكي من خطة العمل، وتبعيات الأمر إذا مزقت إيران الاتفاق أيضًا».

حظر المفاوضات مع أمريكا

في ظل كل هذا التوتر داخل وخارج إيران، وقلق من بالداخل من المستقبل المظلم بسبب عودة العقوبات الأمريكية، وحملة الضغط القصوى التي تقودها إدارة ترامب ضد الجمهورية الإسلامية، حاولت النخبة السياسية الإصلاحية مناقشة فكرة التفاوض مرة أخرى مع الولايات المتحدة، لكن جاء الرد غاضبًا من قبل أعلى منصب في البلاد وهو آية الله خامنئي، الذي حظر أي اقتراح للمباحثات مرة أخرى مع إدارة لا يجدها جديرة بالثقة.

في 31 يونيو/ حزيران 2018، عرض الرئيس الأمريكي على نظيره الإيراني مقابلته والتفاوض معه لإبرام اتفاق جديد، لكن منع المرشد الأعلى هذه المقابلة قائلًا: «لقد قمت بحظر أي إجراء للمحادثات مع أمريكا، لأنها لا تزال غير مخلصة لوعودها».

قبل قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ساد بين الإيرانيين إحساس من عدم الثقة بالغرب، فبعد أن شاركت الولايات المتحدة بريطانيا في الانقلاب على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق عام 1953، وإجهاض أول محاولة في طريق الديمقراطية في إيران، لا ترى المؤسسة السياسية في إيران أي أمل أو فائدة من الوثوق في الغرب خاصة الولايات المتحدة.

وفي أثناء المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية، حذر المرشد الأعلى مرارًا وتكرارًا الإيرانيين من تكرار سيناريو الانقلاب على محمد مصدق، مذكرًا الإيرانيين بأنه حتى بعد الثورة الإسلامية وقبل احتلالها كانت السفارة الأمريكية في طهران مركزًا للتجسس على الجمهورية الوليدة.

الذكرى الأولى للانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية

مر عام 2018 ثقيلًا كئيبًا على الشعب الإيراني، فشبح التصاعد العسكري بين طهران وواشنطن يزداد يومًا بعد يوم، والإيرانيون يعانون من وضع اقتصادي سيئ للغاية، ناهيك عن وضع إدارة روحاني الحرج في ظل كل تلك الظروف، والصراعات الداخلية بين الأصوليين والإصلاحيين، التي تزداد كل يوم.

لكن في 8 مايو/ آيار 2019، كان قد مر عام كامل على الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية، وتغيرت الكثير من الأمور، فلأول مرة يتفق الإصلاحيون مع الأصوليين على ضرورة انسحاب الجمهورية الإسلامية من الاتفاق النووي.

تساءل النائب الإصلاحي في البرلمان، محمود صادقي، عن جدوى بقاء إيران إلى الآن في خطة العمل الشاملة المشتركة، طالما أنها لم تحقق أي مكسب، وكان قد كتب في تغريدة له على موقع تويتر: «طالما أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وإعادة العقوبات القمعية، والاتحاد الأوروبي عاجز عن فعل أي شيء لإنقاذ الصفقة، فمن الأفضل أن تستخدم إيران حقها القانوني في الرد على الانتهاك الأمريكي الأحادي الجانب».

وقتها زادت الضغوط على إدارة روحاني بضرورة اتخاذ أي خطوة لحل أزمة الاتفاق النووي، وكان التيار الأصولى مؤيدًا تمامًا لفكرة الخروج التام من الاتفاق، لكن فضل روحاني وإدارته أن يلجأوا للمناورة الأخيرة، ألا وهي بدء الانسحاب التدريجي من الالتزامات النووية بموجب خطة العمل المشتركة.

وفي 8 مايو 2019، ظهر روحاني على التلفاز الرسمي بلهجة غير معتادة، أشد قسوة وحزمًا، معلنًا أن بلاده ستبدأ قريبًا في تقليص التزاماتها النووية ردًا على فشل أوروبا في إنقاذ الصفقة.

حتى الآن تعد تلك الخطوة غير كافية لدى التيار الأصولي، الذي يريد الخروج نهائيًا وفورًا من الصفقة سيئة السمعة. حسين إيزدي، النائب البرلماني السابق والمحسوب على التيار المحافظ، يقول لـ «إضاءات»: «الاتفاق النووي هو أسوأ شيء أقبلت عليه الجمهورية الإسلامية بسبب ضغوط من روحاني وظريف. لقد اشترينا لؤلؤًا مزيفًا، والآن نجني ثمار تلك الكذبة التي تُسمى خطة العمل».

وفي 28 مايو 2019، أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن طهران ستتوقف جزئيًا عن الوفاء بالتزاماتها النووية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، وفقًا للمادتين 26، 36 المنصوص عليهما في الاتفاق النووي لعام 2015.

بعدها بسويعات قليلة – في نفس اليوم – أعلن الرئيس حسن روحاني أنه وافق على زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 3.67 في المئة المنصوص عليها في الاتفاق النووي، بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة كانت إيران ملتزمة بالحد من مخزونها من اليورانيوم المخصب بحد أقصى 300 كيلو جرام بنسبة 3.67 في المئة، وكانت موسكو تشتري من إيران الإنتاج الزائد من اليورانيوم.

تنص خطة العمل الشاملة المشتركة أيضًا على أنه يجب على إيران إنتاج مياه ثقيلة بحد أقصى 130 طنًا، والإنتاج الزائد تعرضه إيران للبيع، ولكن ضمن حملة إدارة ترامب للضغط على النظام الإيراني فرضت الولايات المتحدة عقوبات على التعاون النووي بين إيران والدول الأوروبية.

الجدير بالذكر أنه بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في أوائل عام 2016، اشترت الولايات المتحدة من الجمهورية الإيرانية إنتاجها الزائد من المياه الثقيلة الذي كان يُقدر حينها بحوالي 32 طنًا، مقابل 8 مليون دولار، كانت تلك أول صفقة تجارية بين البلدين منذ انهيار العلاقات الدبلوماسية سنة 1980.

الخطوة الثانية

في الخطوة الأولى لتقليص التزاماتها النووية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، أعطت الجمهورية الإسلامية مهلة ستين يومًا للاتحاد الأوروبي، لفعل أي شيء لإنقاذ الصفقة النووية، لكن مضى الوقت. وفي 17 يونيو/ حزيران 2019، تحدث رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، في مؤتمر صحفي معلنًا أن بلاده ستتجاوز الحد الأقصى المتمثل في 3.67 في المئة من تخصيب اليورانيوم، ردًا على تقاعس أوروبا.

أخبر كمالوندي الصحفيين أن الهيئة الذرية زادت من تخصيب اليورانيوم بالفعل في مفاعل ناتانز، وأعلن أيضًا أن هناك نية لدى القيادة السياسية لتسريع تخصيب اليورانيوم ليصل إلى 5 في المائة، لتلبية احتياجات محطة بوشهر النووية.

ألا توجد أي وسيلة أخرى لإنقاذ الاتفاق النووي؟

خامنئي، إيران، الحرس الثوري
السيد خامنئي يعطي وسام الفتح للعميد علي فدوى، قائد القوات البحرية في حرس الثورة

بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، سارع المسؤولون الإيرانيون في حكومة روحاني إلى التباحث والتشاور مع أوروبا لإيجاد أي طريقة لإنقاذ الاتفاق. وفي 24 مايو 2018، أعلن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن هناك بعض الشروط قد وضعها بصفته من يمتلك الكلمة الأخيرة في مثل تلك القرارات الحاسمة، تلك الشروط موجهة بالكامل إلى أوروبا.

سنعرض تلك الشروط بإيجاز بسيط، مع العلم بأنها نفس الشروط التي وضعها خامنئي في بداية المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية، والتي أشار إليها باسم «الخطوط الحمراء»، لكنه أعلن فيما بعد أنه تم تجاوزها من قبل الفريق النووي المفاوض الإيراني.

  1. قال خامنئي إن أوروبا قد راوغت إيران من قبل، منذ 14 عامًا، وآن الأوان لكي تثبت أوروبا حسن نواياها، وتنفي عن نفسها تهمة أنها شاركت الولايات المتحدة في تخريب الصفقة النووية.
  2. أنه يجب على أوروبا أن تقف أمام العقوبات الأمريكية الغاشمة على إيران، وأن تؤمّن لإيران بيع نفطها، واستمرار التعاون التجاري بين طهران والدول الأوروبية. ألقى خامنئي باللوم في هذا الشرط على حكومة روحاني والفريق الإيراني المفاوض، فقال إنه وضع شرطًا أساسيًا أثناء المفاوضات، وهو إلغاء جميع العقوبات الأمريكية والأوروبية وليس تعليقها، والتأكيد على عدم العودة إليها في أي حال من الأحوال.
  3. بجانب ضمان أوروبا بيع النفط الإيراني، أراد المرشد الأعلى أن تضمن البنوك الأوروبية المعاملات المالية مع الجمهورية الإسلامية، بحيث تستطيع البنوك الأوروبية تمويل المشاريع داخل إيران دون الخوف من التعرض للعقوبات الأمريكية.
  4. بخصوص البيان المشترك الذي أصدرته كل من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في 8 مايو/ آيار 2018 بشأن خوف الاتحاد الأوروبي من البرنامج الصاروخي لإيران وسياساتها الإقليمية، اشترط خامنئي أنه على أوروبا ألا تثير موضوع الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية لإيران مرة أخرى لضمان استمرار المحادثات بين طهران وأوروبا. وقال إن البرنامج الصاروخي الإيراني واحد من أهم أدواتها الدفاعية، ولا يستطيع أحد أن يفاوض أي بلد على برنامجها الدفاعي، وأن وجود إيران في المنطقة أمر لا يخص أيًا من الأوروبيين، لذلك فإن مناقشة هذه الأمور غير مطروحة تمامًا.
  5. دعا خامنئي فيه الدول الأوروبية التي تمتلك عضوية في مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ قرار ضد انتهاك الولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن الصادر برقم 2231، لأن انسحابها الأحادي الجانب يعد انتهاكًا صريحًا لهذا القرار.

في هذا الصدد يقول المحلل السياسي مهدي شهدي لـ «إضاءات»: «في وقت المفاوضات بين إيران والدول الكبرى، شدد القائد الأعلى على أهمية تضمين بند يشمل إلغاء العقوبات كاملة، وعدم فرض أية عقوبات في المستقبل لأي سبب من الأسباب، لكن فشل روحاني وإدارته في هذا الأمر».

لماذا فشلت أوروبا في تحقيق شروط خامنئي؟

منذ انسحاب ترامب من الصفقة النووية، وإعلان خامنئي شروطه التي وضعها أمام أوروبا لإنقاذ الاتفاق النووي، وعلى مدار أكثر من عام، لم يهدأ المسئولون الإيرانيون والأوروبيون في محاولات من الطرفين لإيجاد أي حل للأزمة التي وضعهم فيها دونالد ترامب.

لكن إلى الآن فشلت أوروبا تمامًا في تنفيذ أي شرط من الشروط السابق ذكرها، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران مجتبي إشراقي لـ «إضاءات» بخصوص الشرط الأول: «في كل مراحل الاتفاق النووي، لم أرَ أن أوروبا وقفت مكتوفة الأيدي أو صامتةً أمام الولايات المتحدة، بل العكس، بذل الأوروبيون قصارى جهدهم لإقناع الأمريكيين بالعدول عن قرار الانسحاب، لكن تمسكت الإدارة الأمريكية بعنادها».

يرى إشراقي أنه من مصلحة الدول الأوروبية استكمال الاتفاق النووي، والاستثمار في السوق الإيراني.

وفيما يخص عدم موافقة خامنئي على طرح أي نقاش أوروبي لسياسة إيران الإقليمية أو برنامجها الصاروخي، يقول إشراقي: «أوافق آيه الله على أمر البرنامج الصاروخي الدفاعي، فإنه منذ البداية لم يكن محل نقاش إطلاقًا، وأعلنت الجمهورية الإسلامية مرارًا وتكرارًا إصرارها على تمسكها بأسلحتها الدفاعية».

لكن في نفس الوقت يرى إشراقي أن أمر السياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن إقناع أي بلد أوروبية بعدم مناقشته في المستقبل، فيقول: «إن أي تغييرات في المنطقة قد تعني أوروبا بشكل أو بآخر، وإذا كانت إيران جزءًا من تلك التغييرات، فلابد من طرح الموضوع للنقاش».

وفيما يخص باقي الشروط التي تتعلق بالأمور التجارية ومبيعات النفط، فيرى المحلل الاقتصادي علي رضا بروجردي أنها صعبة التحقق إن لم تكن مستحيلة، فيقول لـ«إضاءات»: «باختصار شديد لا تستطيع الدول الأوروبية إجبار شركاتها على التعامل مع إيران، وحتى إن استطاعت أوروبا حماية الشركات الكبرى من العقوبات الثانوية الأمريكية نتيجة التعامل التجاري مع إيران، فإن تلك الشركات ستكون مترددة للغاية، وهذا الأمر ينطبق على البنوك الأوروبية أيضًا، فالقوانين هناك تمنع الحكومات من إجبار أي شركة أو بنك على التعاون التجاري مع بلد معين، أما بالنسبة لاستيراد النفط الإيراني، فأوروبا ليست المستورد الأساسي للنفط الإيراني، فحتى قبل إعادة العقوبات كانت لا تستورد كميات كبيرة من إيران».

بالرغم من كل تلك العقبات، ظلت أوروبا تسعى جاهدة لإيجاد مخرج لتلك الأزمة وجعل إيران تعدل عن قرارها بتقليص التزاماتها النووية، وكانت فرنسا من أوائل الدول الأوروبية التي تنبهت إلى خطورة تلك الخطوة.

عندما أعلن الرئيس الإيرانى حسن روحاني تخفيض التزامات إيران النووية بموجب خطة العمل، اتصل به على الفور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون داعيًا إياه للتريث، وإرسال مستشاره السياسي إلى طهران في محاولة لإيجاد حل. في هذه الأثناء كانت تعول أوروبا على الآلية المالية الخاصة التي حاولت إنشاءها اكثر من مرة، وفي 28 يونيو 2019 كان نائب وزير الخارجية الإيرانى في فيينا يناقش الآلية انستكيس مع الممثلين الأوروبيين.

تلك الآلية لم ترضِ طموحات الإيرانيين في الداخل، بالرغم من أن بعضًا من التيار الإصلاحي دعا إلى العمل بها فترة من الوقت، وإعطائها فرصة لعلها تكون الحل المنشود، ولكن على غير المعتاد من الرئيس الإيراني حسن روحاني، رفضها تمامًا وقال إنها فارغة ولا قيمة لها.

ووصفها رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب الأصولي مجتبى ذو النور، بأنها «تؤمن فقط الغذاء والدواء، لذلك إنها تصلح للبلاد التي خسرت حربها، وإيران لن تخسر حربها ولن تقايض نفطها مقابل الدواء والغذاء».

الآن، ما هي الخيارات المطروحة أمام إيران؟

اختارت الجمهورية الإسلامية في إيران أن لا تلتزم بالامتثال التام للصفقة النووية، وبدلاً من ذلك اختارت الامتثال الجزئي مع استمرار تخفيض التزاماتها النووية، لكن إذا استمرت إيران في الخيار الثاني فلابد أن تستعد لزيارات متعددة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتتبع انتهاك إيران للصفقة النووية وإرفاق كل تلك الأمور في تقاريرها إلى الأعضاء في الوكالة، لاتخاذ القرار الأخير.

وهذا الأمر سوف ترفضه المؤسسة السياسية الإيرانية بالتأكيد، فالتيار الأصولي وعلى رأسهم آية الله خامنئي يرون أن التفتيش الدولي المستمر لمنشآتها النووية أمر مزعج وغير مقبول، بالرغم من كونه شرطًا أساسيًا من بنود الاتفاق النووي.

ففي 9 أبريل 2015، قبل التوصل إلى الاتفاق النووي بأشهر قليلة، قال خامنئي «لا يسمح للمسؤولين العسكريين في البلاد بالسماح للأجانب، الذين يستخدمون أعذارًا تحت مسمى التفتيش والإشراف وإجراء تحقيقات، أو أشياء أخرى بالدخول إلى أجزاء من البلاد مخصصة للأمن، أو أغراض الدفاع».

إذا استمرت إيران في تخفيض التزاماتها النووية يومًا بعد يوم، دون أي تحرك أوروبي، فسيتبقى أمام طهران خيار واحد فقط وهو الطريق الأصعب، والخروج الكامل من الاتفاق النووي، والعودة إلى المربع صفر، وهذا ما يميل إليه التيار الأصولي ويضغط بشدة من أجل حدوثه خاصة في الآونة الأخيرة.

ويرى بعض الخبراء داخل إيران أن الوقت المتبقي من أجل سلوك هذا الطريق أصبح قليلاً للغاية، ولا يمكن الرجوع عنه إلا في حالة حدوث معجزة من الجانب الأوروبي يضمن لها تحقيق مكاسب الاتفاق النووي لإيران.