في البداية يهمني أن تدرك تمام الإدراك أن ما أقدمه لك في هذا المقال ليست قوانين ثابتة. ما أقدمه هي مجرد نصائح تشكَّلت بفعل تجربة شخصية عمرها 7 سنوات في الصحافة الرياضية العربية. قد تكون تلك النصائح ملائمة لتجربتك الشخصية، وقد لا تكون. ما يهمني بعد قراءتك لهذا المقال أن تزيد احتمالات نجاحك إذا قررت أن تمتهن الكتابة وتعتمد عليها كمصدر دخل مستقر لك.

عقب ثورة 25 يناير، ومع اتساع هامش الحرية، نشطت الصحافة العربية بشكل غير مسبوق. ظهر جيل من الكُتاب المصريين الموهوبين بحق، على الساحة وتصدروا المشهد الصحافي العربي. مواقع جديدة، فرص عمل غزيرة، مقابل مادي -مصري ودولاري- جيد جدًّا مقارنة بوظائف أخرى، وقصص نجاح متكررة صارت تجذب آخرين لمحاكاة التجربة.

استمرت تلك الحالة لخمس أو ست سنوات تقريبًا. حتى انتهى عام 2016 بتضييقات أمنية متوالية على المواقع الصحفية والعاملين بها. تضييقات انتهت بحجب 424 موقعًا صحفيًّا عن المواطن المصري عام 2017.

اهتز سوق الصحافة في مصر بشكل عنيف، وفقد عدد ضخم من العاملين به وظائفهم بشكل مأساوي، وصار هناك تخوف من الاعتماد على الصحافة كمصدر دخل رئيسي منذ ذلك الحين. من يعمل بالصحافة يجعلها وظيفة ثانية بجانب مصدر دخل آخر إن أمكنه فعل ذلك.

ما أريدك أن تعرفه أنك إذا قررت امتهان مهنة الكتابة الآن مع دخول عام 2023، فأنت تتخذ قرارًا بالمضاربة في بورصة غير مستقرة. لا أقول لك: «لا تعمل في الصحافة!» بكل تأكيد. فمن يخاطبك الآن يعمل ويستمتع بالعمل بها. لكني أنصحك بأن تكون واعيًا، وأنت تتخذ قرارًا كهذا بكافة أبعاده.

الآن أنت مضارب في بورصة الصحافة، وقررت أن تمتهن الكتابة -الرياضية على وجه الخصوص- دعني أستعرض معك عدة نصائح قد تفيدك في تلك الرحلة.

الصحافة الإخبارية أم الصحافة البطيئة؟

في البداية، يجب أن تحدد شكل المواقع التي تفضل العمل بها وعلى أي نوع صحافة تقوم: صحافة إخبارية أم بطيئة؟ بشكل شخصي، أنصحك بالعمل في الصحافة البطيئة.

عدد العاملين في الصحافة الإخبارية في مصر الآن كبير للغاية. كما أنها لا تحتاج إلى موهبة خاصة في الكتابة، فقط يكفيك أن تكوِّن جُملًا تامة بصياغات تقرب إلى السلامة بمتوسط 300 كلمة للموضوع تقريبًا. وقدر لا بأس به من اللغة الإنجليزية لترجمة الأخبار من المواقع العالمية، وهاتف يعج بأرقام مصادر من داخل الأندية.

جعل ذلك الصحافة الإخبارية فرصة سهلة نسبيًّا لعدد كبير من المدونين، وبالتبعية انخفاض متوسط مرتباتها بشكل كبير ليصل إلى 3000 : 4000 جنيه مصري مقابل دوام كامل في عدد من المواقع الرياضية المصرية الكبيرة!

على عكس الصحافة البطيئة، والتي يرفض العاملون بها تسميتها بهذا الاسم، فيصفونها بالمتأنية أو التحليلية. على أية حال، في الصحافة البطيئة يعتمد الأمر على مخزونك المعرفي، وموهبتك في الكتابة والصياغة المبدعة، وقدرتك على تفنيد الأسباب والتحقق منها، وربطها بشكل متناغم في موضوعات تصل إلى 1500 كلمة أحيانًا.

كل ذلك جعل المقابل المادي أعلى بكثير في الصحافة البطيئة، وعزز فرص العاملين به لإيجاد فرص عمل خارج مصر بمقابل دولاري، كذلك العمل بدوام جزئي في أكثر من موقع على التوازي.

ميزة أخرى يجب عدم إغفالها في العمل بالصحافة البطيئة، وهي تأهيلك للعمل في فرق إعداد برامج المنصات الرقمية المرموقة، وكذلك بعض البرامج التلفزيونية ذات المحتوى التحليلي والوثائقي.

الغرق في التفاصيل التكتيكية

النصيحة الثانية التي أقدمها لك هي: رجاءً .. لا تغرق في التفاصيل التكتيكية؛ لأنه لا أحد يهتم!

يميل أغلب المتابعين لكرة القدم بعد المباراة إلى متابعة ما يتعلق بكرة القدم من سياسة أو اقتصاد أو قصص إنسانية أو حتى مشاهد سينمائية. ينتظر المتابع بعد المباراة الملاحظة الذكية فقط لا غير، وليس عددًا لا نهائيًّا من الخطوط والدوائر وشرح لتمركزات اللاعبين.

تذكر دائمًا: أنت لست جوناثان ويلسون! ما الذي سيجعل القارئ يهتم برأيك في تكتيكات، أنت لا تفهمها بشكل سليم ولا يفهمها من تنقلها عنه في أغلب الظن؟

أنت مضطر دائمًا لبذل مجهود لجذب القارئ، وذلك يكون أسهل بكثير عندما تقرر الولوج له من الجانب الإنساني الاجتماعي الذي يتعامل معه يوميًّا ويفهمه بسهولة.

وإذا كنت تملك صفحة أو حسابًا تقدم فيه تلك التحليلات الغارقة في التكتيك، وتجلب لك آلاف اللايكات ومثلها من المشاركات، فدعني أخبرك أن الأمر في عداد القراءات بالمواقع وتقييم المحتوى الذي تقدمه مختلف تمامًا.

اقرأ أيضًا: لماذا يدعي الجميع فهمهم لتكتيكات كرة القدم؟

إياك والعمل مجانًا!

أما عن النصيحة الثالثة فهي: إياك والعمل مجانًا!

حتى ولو لم تكن موهوبًا، لا تجعل أحدًا يستغل مجهودك الذهني والبدني دون مقابل. انتشرت في مصر مؤخرًا العديد من المواقع الإخبارية التي يستغل أصحابها العديد من الشباب الراغب في اكتشاف مجال الصحافة.

عمل لمدة شهور دون مقابل، بأوقات عمل رسمية، ومستهدفات ليست بالقليلة، على وعد بتأهيل المتدرب لسوق العمل وتوفير فرصة عمل بمقابل مادي جيد له في أقرب وقت ممكن، لكن هذا الوقت لا يأتي أبدًا!

الحقيقة أن أصحاب تلك المواقع يستخدمونها لأسباب تسويقية ربحية خاصة بهم. وعندما يملُّ المتدرب من مرور الشهور دون تقدم ملحوظ، يترك العمل ليحل محله متدرب جديد بنفس الطموح الذي كان عليه منذ شهور زميله المستقيل.

في حالة أنك عجزت عن نشر المواد التي تنتجها بمقابل مادي، واضطررت لنشرها مجانًا، قم بنشرها في أقسام الرأي والتدوينات في أكثر من موقع من المواقع الكبيرة ذات الثقل. ذلك سيخلق لك بروفايل جيد تستطيع الاستعانة به عند التقديم لأي فرصة، وستستفيد من الاشتباك في مساحة الرأي مع قراء تلك المواقع، ومراجعيها أيضًا.

الكسل والتعصب

النصيحة الرابعة: تجنَّب الكسل، ولا تقع في فخ التعصب!

لا يمكن أن يكون الكاتب ناجحًا، إلا إذا كان قارئًا جيدًا. عود نفسك أن تقرأ كل مقال يتم نشره في مجال الكتابة الرياضية، وغيرها من المجالات بالطبع. تلك المتابعة ستجعل عقلك أكثر مرونة وألفة في إيجاد منظور وبُعد جديد لأي موضوع تفكر به فيما يتعلق بكرة القدم. لا تكتفِ بالقراءة وحسب، بل تتبع المصادر التي استعان بها الكتاب في تكوين مقالاتهم، فمخزون المصادر ومعرفته بمدى جودتها هو أحد أهم أسلحة الكاتب.

أما عن التعصب، فافصل جيدًا بين تعصبك لفريقك والمادة التي تقدمها سواء للجهة التي تعمل بها أو لمتابعيك. فعلى المدى القصير، لن يدفع لك موقع صحفي جنيهًا واحدًا لينصرك في معاركك الشخصية. هو ينتظر منك مادة ذات قيمة لتقديمها لمتابعي الموقع وليس لخصومك.

أما على المدى البعيد، فالموضوعية والفصل بين تعصبك وعملك، سيخلق لك مصداقية عند متابعيك، ستترجم مستقبلًا لأموال عنذ بزوغ اسمك كصحفي ثري المحتوى.

نصائح لكتابة المقال

النصيحة الخامسة والأخيرة: أعطِ نفسك وقتًا كافيًا للتفكير قبل وأثناء وبعد الكتابة. وتلك عدة نصائح -خاصة بالمحتوى نفسه- قد تفيدك وأنت تكتب مقالًا عن كرة القدم:

  • احرص أن يكون محتوى المقال محتوى أخضر، صالح لإعادة النشر في أي وقت.
  • ابحث دائمًا عن المنظور المختلف والزاوية التي لم يتحدث منها أحد. ابتعد عن السرد المبالغ فيه. فإذا تحدثت عن نهائي كأس العالم مثلًا، فلا تسرد أحداث المباراة عبر كل دقيقة، فالجميع قد رآها بالفعل ولا حاجة لسردها مرة أخرى.
  • ابدأ المقال باقتباس ذكي، أو بقصة مشوقة يمكن اتخاذها كعمود فقري لربط فقرات المقال بعضها ببعض.
  • تذكر دائمًا أن هذا ليس المقال الأخير لك؛ لذا ضع خط نهاية واضحًا وعدد كلمات محددًا للمقال. لا تسهب بدون داعٍ.
  • 1200 كلمة قد يكون متوسط عدد كلمات مناسب لمقالك.
  • استخدام الجمل التامة القصيرة. حافظ على متوسط عدد كلمات واضح للجملة الواحد، لا يتجاوز 15 كلمة.
  • ابتعد عن الجمل الرتيبة والمكررة، مثل: «مما لا شك فيه، وبين المطرقة والسندان، وكرة القدم صارت صناعة … إلخ».
  • لخلق تقرير أو مقال محترف، ابتعد عن ألفاظ مثل: «أرى، أعتقد، في رأيي». تلك الألفاظ تكون مناسبة فقط لمقالات الرأي.
  • إذا استعنت بإحصائيات رقمية في مقالك، قم بتوظيفها بذكاء وتوزيعها بشكل متوازن عبر فقرات المقال. فالأرقام الكثيرة المتراكمة بعضها وراء بعض تُربك القارئ.
  • لا تذكر أسماء أجنبية غير مشهورة بشكل كثيف في فقرة واحدة، حتى لا يملَّ القارئ ويفقد تركيزه.
  • إذا كنت تكتب بروفايل شخص، فلا تكرر اسمًا واحدًا لصاحب البروفايل بطول المقال. عند الحديث عن ميسي مثلًا، قم بتسميته بليونيل في فقرة، وميسي في أخرى، والبرغوث الأرجنتيني في ثالثة … وهكذا.
  • اجعل ترتيب فقرات المقال ترتيبًا منطقيًّا، والانتقال بينهم بسلاسة ويُسر.
  • ابتعد عن السطحية والتعميم. حاول في كل فقرة، أن تناقش فكرة جديدة بشكل عميق ذكي وبأقل عدد كلمات ممكن.
  • لا تشخصن المقال أبدًا. فلا تقل هذا لاعب سيئ، بل قُل هذا اللاعب لمس الكرة عددًا من المرات ولم ينجح في تحويلها إلى تمريرة فعالة، ودع التفكير في منطقية المعلومة والحُكم للقارئ.
  • لا تذكر أي معلومة مشكوكًا في صحتها أو بدون مصدر واضح مُرفق بالمقال.
  • تذكَّر دائمًا أنك تكتب مقالًا لكل القراء، المُتعمق في كرة القدم، ومن يتابعها للتسلية، ومن قد لا يكون مهتمًا من الأساس، ولكن لفت نظره العنوان. لذا ابتعد عن التعقيد، واجعل لغة المقال سهلة الفهم لكل القراء.
  • تعلَّم كيفية تقييم مصدرك، ومعرفة تصنيفه، والتحقق من مدى مصداقيته بأدوات تكنولوجية متطورة.
  • كن حريصًا على تعلم حقوق الترجمة، وحقوق الاقتباس والنقل، وكذلك حقوق الملكية الفكرية.
  • احرص على الاطلاع على أحدث دلائل التنسيق الخاصة بكبرى الوكالات الصحفية.
  • الهمزات وعلامات الترقيم وغيرها من التنسيقات، تساعد في إعطاء انطباع احترافي جيد عنك في أي مؤسسة تنشر فيها مقالك، فاحرص على تعلمها.
  • اختر عنوانًا جذابًا لمقالك، وخصص وقتًا كافيًا للتفكير فيه. عنوانًا معبرًا عن فحواه، وبه جملة مثيرة لفضول القارئ، وبه كلمات مفتاحية فعالة تساعد في ظهوره بمحركات البحث.
  • حاول أن تنهي مقالك بنفس التركيز والطاقة التي بدأت بها، فالنهاية الجميلة للمقال تجعله عالقًا في ذهن القارئ.