مقدمة

بدا واضحا منذ انتقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى عدن، وقيام دول الخليج بنقل مقرات سفاراتها إليها وتمسكها بشرعية الرئيس هادي أن ثمة نية لحسم صراع الشرعيات في اليمن ما بين رئيس وحكومة منتخبة فارين إلى عدن، ومجلس رئاسي وحكومة أمر واقع في صنعاء، لكن ثمة تساؤلات حول تأجيل التدخل العسكري العربي كل هذا الوقت منذ سيطرة الحوثيين على المشهد في سبتمبر 2014؟ كما أن ثمة تساؤلات تبدو أكثر مشروعية حول الإجماع في التدخل في اليمن وعدم التدخل في ليبيا لحماية شرعية المجلس الوطني الانتقالي مع تشابه كبير في الحالتين من حيث أزمة الشرعية؟

وبالنسبة لنا كمصريين تبدو أسئلة أكثر منطقية حول مشاركة مصر في هذا التدخل المكلف في ظل عدم قدرتها أو انعدام إرادتها لتحسين الأوضاع المعيشية لقطاعات عريضة من المصريين بدعوى الحرب على الإرهاب، كما أن تساؤلات كثيرة تدور حول استتباع مصر أو توظيف قوتها العسكرية إقليميا خاصة أن موقف مصر من شرعية الرئيس هادي وتحركات الحوثيين قبيل المؤتمر الاقتصادي لم يكن محسوما فيما بدا أنه محاولة استغلال الوضع لجذب مزيد من الدعم الخليجي لنظام الحكم، فيما تبدو تعليقات حركة الإخوان المسلمين المصنفة من قبل النظام المصري باعتبارها جماعة إرهابية،وتناولها للتدخل محل تساؤل أكبر إذ تتعامل معه باعتباره تدخلا مشروعا من قبل الجيش المصري بعد أن كانت تعتبره “جيش انقلاب” وبعدما وقفت ضد التدخل في ليبيا وهو ما يثير تساؤلات حول إمكانية دمج الجماعة في إطار ترتيبات محلية وإقليمية جديدة، ونحاول في هذا التقرير التعرض لأهم النقاط التي يمكن أن تجيب على بعض تساؤلاتنا السابقة:

ادعاء السعودية حامية حمى الإسلام السني وتطييف الصراع في اليمن

تتنازع عملية تمثيل الإسلام السني داخل العالم الإسلامي أو حتى في مخاطبة النظم الحاكمة فيه للغرب عدة اتجاهات ومحاور وتحالفات إقليمية، إذ بينما تعرض مصر الرسمية نفسها باعتبارها ممثلة لذلك الإسلام السني الوسطي –مع توافر شكوك قوية حول هذا الوصف- بأزهرها وغيره، فإن السعودية تعرض نفسها كذلك منذ تأسيسها وتزايدت حدة هذا العرض مع تزايد الاتهامات للسعودية باعتبارها مصدرا لتفريخ الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر2001، ومن هنا برزت تركيا وحلفائها من حركات الإسلام السياسي العابرة لحدود دول العالم الإسلامي، باعتبارها نموذجا للتحول الديمقراطي والفكر الوسطي المعبر عن الإسلام السني الذي يناصب حركات التطرف عداء كما يمكن ان يشكل بديلا لأنظمة الحكم الاستبدادية التي كانت قائمة قبيل الربيع العربي، ولا زال بعضها كذلك، إلا أنه ومع تطورات موجات الربيع العربي مطلع العام 2011 ووصول قوى الإسلام السياسي ممثلة في تيار الإخوان المسلمين والتيار السلفي للسلطة في مصر، ومشاركتهم فيها في تونس واليمن وليبيا ولو شكليا أو إجرائيا بالانتخاب إلا أنها لم تشكل بديلا حقيقيا للنظم القديمة التي سرعان ما استطاعت أن تنتصر وبدعم من السعودية ذاتها على الربيع العربي ولو مرحليا فيما عرف بموجة الارتداد أو الثورات المضادة.

عبر عن هذا ترتيبات الثالث من يوليو 2013 في مصر وترتيبات مايو ويونيو 2014 في ليبيا بقيادة خليفة حفتر، ثم ترتيبات سبتمبر 2014 في اليمن التي تركت حتى تنضج وما تبعها من تدخل تحالفات عربية وتحالفات مضادة،هذه التحالفات أفضت إلى مشهد إرهاب لا يمكن القول أن جله مصطنعا، وحرب على هذا الإرهاب تعيد نظم ما قبل الثورات، ومن قبلها ترتيبات المبادرة الخليجية التي كانت تعد انقلابا مبطنا على الثورة اليمنية، والتي أفرغت الثورة من مضمونها وانتصرت لنظام على عبد الله صالح على الثورة اليمنية بخروجه دون محاسبة ولا حتى عتاب على جرائم فساده واستبداده، الذي سرعان ما تذكرته السعودية ودول تحالف “عاصفة الحزم” عقب تحالفه مع أحد أطراف الثورة ضدها، وضدها هنا تؤول إلى السعودية والثورة معا رغم عدم اجتماع الكلمتين إلا في نطاق المأمول.

هذا التحليل السابق هو فقط لتحليل أثر تدخلات السعودية ودول الخليج في ثورات الربيع العربي، التي ناصبت معظمها الربيع العربي العداء منذ اندلاعه، إن باستضافة رموز الثورات المضادة ورؤوس الأنظمة السابقة أو بالدفاع العلني عن هذه النظم أو بتزييف الوعي العام العربي تجاه الثورات باعتبارها مؤامرة، عبر عن هذا خطاب أمير الكويت الأخير صراحة وعلنا إذ قال ما نصه “لقد شهدت المنطقة العربية أربعة أعوام من الفوضى وعدم الاستقرار فيما يسمى بالربيع العربي”.

إلا أن ادعاء طائفية الصراع يغفل حقيقة أن اليمن شهدت ثورة شعبية ضد سياسات نظام على عبد الله صالح الذي استضافته السعودية وآوته وحمته من المحاسبة بمبادرتها الخليجية الهشة، حتى وإن بدا الحوثيون جيب تشيع حديث في الجسد اليمني الذي هم جزء منه، فإنهم لا يزيدون عن كونهم يتنازعون تمثيل المذهب الزيدي القريب للسنة مع غيرهم من آل الأحمر وقبائل حاشد، إلى جانب كونهم الأكثر تهميشا اقتصاديا واجتماعيا ضمن اليمن الذي يعاني أغلب سكانه من الفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية الصعبة بشكل عام، هذا أيضا لا يعفي الحوثيين من تورطهم في تطييف الصراع وتزمتهم في المفاوضات وتسببهم في تعقيد الأزمة.

مصر والبحث عن دور في غير محل: لم تبد مصر اهتماما كافيا بما حدث في اليمن منذ اندلاع الثورة ذاتها، رغم الكليشيهات النظرية المحفوظة لدى منظري وباحثي العلوم السياسية والعسكرية والأمنية على مختلف فروعها وتنوعاتها، بل والصحفيين الناعقين بأمن باب المندب والبحر الأحمر، ورغم سيطرة الجيش على السلطة ومؤسسات الدولة فعليا واحتكاره لتفسير الأمن القومي المصري وترديده لهذه المقولات منذ ما قبل الثورة فهذه السلطة لم تكلف نفسها مشقة المشاركة بقوات محدودة وفي إطار دولي في قوات مكافحة القرصنة المنتشرة في خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي ، بل وحرصت قيادة القوات البحرية على تأكيد رفض مصر لسياسة التحالفات الدولية في مكافحة القرصنة، على إثر تزايد عمليات القرصنة البحرية في هذه المنطقة، وما تبعها من قرارات دولية أممية بإنشاء قوات دولية متعددة لمكافحة القرصنة في هذه المنطقة في 2008، وبالذات القرار 1838 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 7 أكتوبر 2008، والذي حث الدول المهتمة بـأمن الأنـشطة البحريـة أن تـشارك بنـشاط في مكافحـة أعمال القرصنة في أعالي البحار قبالة سواحل الصومال، عن طريق القيام على وجـه الخـصوص بنشر سفن حربية وطائرات عسكرية.

ومن ثم هذا يفقد أي تدخل مصري شرعيته على الأقل لدى الداخل المصري المنزعج من سوء إدارة العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء، والذي يدفع المصريون ثمنه غاليا من تزايد أعداد القتلى في صفوف القوات جراء تزايد الهجمات الإرهابية وتطورها النوعي في الفترة الأخيرة، كما بدأت تحليلات كثيرة لكتاب تطرح التدخل باعتباره ردا للجميل أو عملية مدفوعة الثمن مقدما نظرا للوعود الاستثمارية والودائع الخليجية الضخمة التي حصلت عليها مصر في العام ونصف اللاحق على الثلاثين من يونيو 2013، وبالذات الدفعة الأخيرة من هذه الوعود والاستثمارات في المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في مارس بشرم الشيخ، والذي بدا أنه مشروط بالتدخل المصري في اليمن، هذه التحليلات تجد منطقيتها في أن مصر التي أصبحت تدافع الآن عن الأمن القومي العربي في مواجهة إيران وتدعو لقوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب والمخاطر الأمنية، لم تكف عن تبرير التدخل العسكري الأمريكي في العراق عبر قناة السويس من منطلق أن هذه مياه دولية وأننا لا نملك منع هذه الدول من المرور بها، فإذا كانت مصر الدولة لا تملك هذا فهل يمتلكه الحوثيون حتى لو سيطروا على اليمن برمته؟

احتمالات تطور الصراع

بعدم نجاعة الخيار العسكري الجوي والبحري في إخضاع الحوثيين للمطالب الخليجية شبه المستحيلة، ومع اكتسابهم خبرة حربية ممتدة على مدار حروبهم الست مع الجيش اليمني أيام مجده وبتحالفه السابق مع السعودية ضدهم، ومع تقدمهم تجاه عدن وسيطرتهم على القصر الرئاسي بها وتقدمهم على جبهات مدن جنوبية أخرى وربما لحساسية الشعب اليمني برمته تجاه التدخلات العسكرية في أراضيه منذ الستينات، ومع اشتباكات عنيفة على الحدود السعودية اليمنية، يصبح التدخل برا امرأ لا محال منه إذا ظلت دول تحالف عاصفة الحزم مصرة على نفس أهدافها، بعيدا عن إمكانية الحل السلمي التي باتت مستبعدة منذ أن سيطر الحوثيون أنفسهم على مؤسسات ما تبقى من دولة بقوة السلاح منذ سبتمبر الماضي.

إذن ثمة تدخل بري بات حتميا، فمن سيقوم به هل ستتدخل قوة من تحالف درع الجزيرة أم قوات برية مشتركة من دول التحالف؟ ومن سيتحمل تكلفة نجاح أو فشل هذه الحرب برمتها؟

يبدو من التحليل الأولي لخطابات دول تحالف عاصفة الحزم، أن خطاباتها تتجه نحو التقليل من أهمية التدخل البري وتحاول إظهار نجاح العمليات الجوية، إلا أن هذا لم يعد مستساغا بعد استيلاء الحوثيين على القصر الرئاسي بعدن وتوسعهم بعدة مدن يمنية أخرى، وفيما يشبه إعلان دول التحالف عجزها عن الحل، وإرسال اتهامات بأن من يدير حرب الشوارع على الأرض قادة إيرانيون ومع تزايد فرضية صحة هذه الاتهامات، ولجوئها لمجلس الأمن لمحاولة استصدار قرار أممي من مجلس الأمن تحت الفصل السابع لفرض عقوبات على الحوثيين تشمل حظر توريد السلاح، ودعم شرعية الرئيس هادي -الذي أصبح التمسك بشرعيته أشبه بالتمسك بعودة مرسي من حيث صعوبته عمليا ولا منطقيته بالنسبة لتطور الأوضاع-، ومع هذا السعي وتأكيد السعودية على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة وأكثر من مسئول سعودي أن “إرسال قوات برية يبقى احتمالا مطروحا”، فإن هذا الاحتمال يبدو أنه سيتحول لأمر واقع قريبا خصوصا مع إبداء روسيا اعتراضها على أي قرار أممي بشأن اليمن بصيغته المطروحة خليجيا.

على أقصى تقدير وإذ افترضنا جدلا قدرة هذا التحالف على تحقيق أهدافه، وتحديدا طرد الحوثيين من صنعاء وإعادتهم إلى مناطقهم التقليدية، هل تحقق أمن البحر الأحمر والخليج العربي إذن؟، الخبرة التاريخية القريبة تقول أنه ومنذ التدخل الدولي سواء الأمريكي أو الإثيوبي والكيني السافر عسكريا في الصومال لسحق الحركات المتشددة هناك، فإنه ورغم القدرة على إقصائهم سياسيا وطردهم عسكريا من العاصمة إلا أن وتيرة الإرهاب والقرصنة قد تضاعفت منذ هذا التدخل، لأنه في الحقيقة هذه العمليات العسكرية لم يصحبها تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية قادرة على استيعاب الفقراء والمهمشين من كل التيارات هناك في إطار عملية إعادة بناء سوسيوسياسي للمجتمع والدولة هناك، سواء أكان ذلك لعدم إرادة الأطراف المتدخلة أو لتعنت الأطراف الداخلية، إذن ثمة احتمالية لتكرار هذا النموذج في اليمن، فالخليج العربي أثبت حقا أن تخوفه من نجاح تجربة تحول اقتصادي واجتماعي وسياسي على نحو مغاير لنموذجه السائد أقوى من تخوفاته من أية مخاطر دولية أو إقليمية أخرى.

لعل الاتفاق الإطاري بين الغرب وطهران حول ملفها النووي أيضا يعزز هذه التحليلات إذ كيف يعقل أن إيران تهدد التجارة عبر باب المندب في الوقت الذي تسعى لرفع العقوبات الغربية عليها وما يستتبعه ذلك من تدفق التجارة بينها وبينه عبر البحر الأحمر المحمي أصلا باتفاقات وقوات دولية كما أشرنا سابقا.

لكن هذا الاتفاق يفتح الباب أمام احتمالين، أولهما أن تفرغ إيران من مفاوضاتها لتلقي بثقلها على الملف اليمني، سواء بتدخل عسكري معلن معزز للحوثيين، على غرار دعمها لمليشيات الحشد الشعبي الذي لاقى قبولا عراقيا واسعا في مواجهة تنظيم داعش، أو عن طريق إرسالها قوات برية ودعما جويا للحوثيين على غرار تدخلها في سوريا لصالح نظام بشار الأسد.

ثمة احتمال أخير يبدو مطروحا وهو أن تسعى إيران بالتوافق مع السعودية لانجاز اتفاق بشأن اليمن، يتلافى عيوب المبادرة الخليجية، ويحقق أهداف كلا الدولتين خصوصا بعد طرح إيران لإمكانية إجراء حوار مع السعودية بشأن اليمن، وتزايد الإصرار الروسي على أنه لا بديل عن الحل السياسي في اليمن، حيث كرر المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية في لقاء صحفي في دوشنبة، في 2 أبريل 2015، التأكيد أنه لا يوجد بديل للحل السياسي في الأزمة اليمنية وأن موسكو تواصل جهودها الدبلوماسية لوقف القتال والتوصل إلى هدنة يعود معها الأطراف اليمنية المتنازعة إلى استئناف الحوار والمفاوضات. وقال ألكسندر لوكاشيفيتش المتحدث باسم الخارجية الروسي “السعي لتدمير الخصم بالوسائل العسكرية هو طريق مسدود وجانبا النزاع سيضطران أن عاجلا أو آجلا الجلوس على طاولة المفاوضات للبحث عن سيناريوهات لمستقبل البلاد ترضي جميع اليمنيين دون استثناء”.

يعزز هذا أيضا أن تحالف عاصفة الحزم يحيط بالمصالح الإيرانية في الخليج أو في فنائها الخلفي حيث أفغانستان وآسيا الوسطى، إذ تنشط باكستان في هذه المنطقة، وتتلقى معونات سعودية ضخمة، وترسل لها ولبقية دول الخليج عمالة باكستانية كبيرة، كل هذه العوامل تزيد من احتمالية تدخلها باتجاه دعم أي خيار سعودي دون تردد كبير خاصة وأنه ينتظر عرض الملف اليمني على البرلمان الباكستاني الاثنين المقبل، وهنا يحتمل أن تتدخل كل من السعودية ومصر وباكستان بريا ولو بعمليات خاصة محدودة، خاصة مع تزايد حدة التصريحات التقليدية بأن أمن الخليج خط أحمر وأن القوات المصرية تساهم في تأمين الحدود السعودية مع اليمن.

إقرأ المزيد

اليمن داخل عاصفة الحزم ( ملف )