«تُهامة» هي الموطن والحاضنة لـ «قبيلة الزرانيق»، تحدهم الجبالُ من الشرق، والبحر الأحمر من الغرب، وادي زبيد شمالًا إلى وادي سهام جنوبًا. تعتبر (بيت الفقيه) عاصمة للزرانيق، ومعقلًا لثورتهم، وهي مدينة عريقة، وحاضرة في أهمّ الكتابات اليمنية.

ضمت قبيلة الزرانيق بدوًا مارسوا التنقل وبالتالي عدم الاستقرار، في حين تمكّن جزء آخر منها من تكوين مراكز مستقرة لهم.

التنظيم الطبقي

قد يكون لطبيعة التكوين الطبقي في قبيلة الزرانيق السرّ خلف هذه الشهرة، وهذا الحضور الثوري اللافت؛ فيعتلي الهرم من يُسمون بـ «المشايخ»، وبالرغم من الأهمية الكبرى المناطة بهذه الفئة، وتملّكها لصلاحيات واسعة، إلا أن منْ يُسمون بـ «المقادمة» في قبيلة الزرانيق (جمع «مقدمي»، وهو اللقب الذي يُطلق على شيوخ القبائل فيها) لا يخضعون لسلطة المشايخ بل العكس من ذلك، فهمُ الوقود المحرّك لكل القبيلة بما فيها (المشايخ).

وهم بخلاف ذلك قاموا بتحديد سلطة من يُسمون بـ «المناصب»، وهي الطبقة التي تُعرَف في عموم المدن التي مسّها واستقر فيها النَّفَس الصوفيّ، حيث تُعنى هذه الطبقة بالسلطة الروحية التي استمدها المنصب من أسلافهِ.

وبما أنّ المجتمع الزرنوقي يمثل «قبيلة»، فقد كان في إقدامه الثوريّ خير تجسيدٍ لهذا المكون، دون انقياد، وبرفضٍ تام للتطويع، بعيدًا عن شراء الذمم، والتساهل في العُرف القبليّ الذي بفطرته يرفض الوصاية، ويتمتع بالاستقلال، ويتعصب له.

لذلك كان الرفض الزرنوقي حاضرًا ضد العثمانيين والبريطانيين والإماميين، فإن كان المقادمة هم واجهة القبيلة، فذلك لوضعهم القبيلة في منزلتها الصحيحة، مُقدمون بحقّ لا توقفهم وصاية مُفتعلة باسم الدين، ولا قوة المحتل واستعلائه، وربما لإهمال وتجاوز هذه الروح الحقيقية للقبيلة صارت الأوضاع على ما هي عليه الآن في اليمن.

وفي هذا الصدد يُشار إلى أن أوّل ذُكر للزرانيق ككيان وطرف فاعِل عند المؤرخين، كان حين قاوموا العثمانيين. وعليهِ رَفَض الزرانيق الخضوع للعثمانيين ولم يدفعوا الإتاوات لهم، وبالمقابل أدرك العثمانيون قوتهم وقابليتهم لفعل المقاومة، فتجاوبوا مع هذه الحالة بمرونة، حيث اعتمدوا على سياسة مبنية في أن يحكم الزرانيق أنفسهم بواسطة مشايخهم وأعرافهم القبلية.

ولكن لم يُقنع ذلك روح المقاومة التي استمرّت في التشكّل لدى الزرانيق، فجاء تعيين العثمانيين لـ «بونابرت مصطفى باشا» أشبه بالقشة التي قصمت ظهر البعير، حيث كان بونابرت هذا مثالًا للجاهل بخصوصية الأرض التي قدِم إليها، ومثالًا لمن يعتدّ برأيهِ في موضعٍ كل المعطيات ترفض هذا الرأي بل وتتهكّم عليه.

كانت البداية حين أرسل عاملًا له إلى (الجاح) أحد معاقل الزرانيق فقتلوه هو والقوة العثمانية التي ترافقه، واستمرت أمثال هذه الهجمات، كتلكَ حين أرسل بونابرت قوة عسكرية برفقة جامعي الضرائب العثمانيين باليمن، فأقدم الزرانيق على اغتيال خمسة وعشرين جنديًا من جامعي الضرائب.

يقول عبد الله البردّوني في كتابه: «اليمن الجمهوري» إنه في عام 1887 كانت المعارك بين الزرانيق والأتراك شبه يومية، و«كان للزرانيق اليد العليا في كل معركة، لإدمانهم القتال ولنشأتهم على الرمال وبين أدغالٍ وكثبان يصعب على الغريب التوغل فيها مهما كانت قواه».

وقد تنوعت وسائل الزرانيق في مقاومة الولاة الظالمين، وضمت الأساليب: حرب العصابات، والمواجهة المباشرة، والكمائن، والقنص، بالإضافة إلى الاغتيال السياسي، والتسميم.

الإمامة

لم تكن للإمامة سيادة على تهامة، كانت اسمية فقط؛ إلا أن نفوذها لم يُمارس عليها، وكانت الحملة العسكرية التي أدت إلى إخماد ثورة الزرانيق تنطلق من هذا السبب، مُحمّلة برغبة الإخضاع التام للقبيلة، خاصة بوجود طرف ثالث متمثل في الأدارسة.

في البداية مارس الإمام أسلوب الاستمالة، حين عرض على الشيخ «أحمد فتيني» -وهو قائد وثائر زرنوقي وزعيم الثوار في نضالهم ضد الإمامة- تعيينه حاكمًا على قبيلته مقابل أن يُسلم بسلطة الدولة، إلا أنه رفض.

بعد الخسائر التي تعرّضت لها القبيلة وسقوط منافذ إمدادها بيد الإمامة، وفرار «فتيني» إلى (كمران)، عَمِد هناك لإرسال برقيات استغاثة إلى حكومة عدن (الاحتلال)، طلب فيها دعم بريطانيا للزرانيق ضد الإمام يحيى وأعوانه. استفادت الإمامة من ذلك بأن ألصقت تهمة العمالة والخيانة بثورة الزرانيق. وهو أسلوب ينجح في اعتماده كلّ الرجعيين، ما إن يجدوا ثغرة واحدة حتى يحشروا فيها كل مصطلحات المؤامرة والعمالة والخيانة. [1]

إلا أننا نتوقف هنا لإنصاف الزرانيق، ذلك أنّ موقف شخصٍ واحد لا يعتبر مُمثلًا لكامل الكيان، حتى إن كان في منصب المتحدث باسمهم، ومهما امتلك من سلطة عليهم. فمنْ رفض الأتراك، ثم الإمامة، لن يُفضّل حليفًا ووصيًا كبريطانيا.

ولقد استفاد كذلك الملك عبد العزيز من ثورة الزرانيق وحاول توظيفها لصالحه، يظهر ذلك حين استقبل وفدًا منهم ووعدهم بتلبية مطلبهم في الحماية، إضافة للجوء عدد من قادة الزرانيق أبرزهم الشيخ «أحمد فتيني»، والذي أمره الملك عبد العزيز بجمع كل اللاجئين الزرنوقيين في جيزان وكمران ومصوع بعد موسم حج 1349هـ. ولا يخفى أنّ كل ذلك كان نكاية بالإمام يحيى، وذلك خلال أزمة الحدود بين الطرفين والتي كانت تخفُت حينًا وترتفع أحيانًا جمّة، إلى أن انتهت باتفاقية الطائف، والتي تلت الحرب بين الجانبين. [2]

لقد كانت السلطة تتعامل مع الزرانيق بنظرة دونية، ولا ترى أن مقاومتهم هذه «ثورة»، يظهر ذلك على لسان أقلام السلطة، حيث عُثر على وثيقة رسمية لأحد علماء السلطة المقربين «محمد بن عقيل» [3]، يقول فيها:

أدام الله جلال الجناب الرفيع صاحب السمو الكريم العالي سليل الأطهار جلال الإسلام شرف الأنام سيف الإسلام محمد نجل أمير المؤمنين يحيى، أحيا الله بكم الإسلام وأذل الطائفة اللئام وأعز أنصاركم، نصركم الله وأيدكم بروح منه على أعداء الدين المارقين.

يُضيف مُعقبًا على نصرهم في (بيت الفقيه):

مولاي ما أبرك اليوم الذي نشر فيه تلغرافكم المبين بدخول جيوش المؤمنين بيت الفقيه، وتسليم بقية الخارجين، فوالله أزاح هذا الانتصار كابوسًا على قلوبنا طالما قاسيناه، وكم كنت أتمنى ذلك اليوم الذي نسمع فيه سحق الزرانيق، ويا ليتني كنت مع الفاتحين لكنت تقرّبت إلى الله بقتل صغارهم قبل كبارهم.

ألفاظ مثل: مارقين، خارجين، أعداء الدين، تُوضِّح الصبغة الدينية التي أسبغها الإمام ونجله على قمع ثورة الزرانيق.

ويكشف لنا مستوى الخطاب مدى التهميش الذي تعرّض له الزرانيق، كوصفهم باللئام. وخطاب الكراهية واضحٌ جليّ، فهُم حتى بعد «إخضاعهم» لن يعاملوهم معاملة المركز، بل الأطراف، وهي إحدى معضلات اليمن، وأهمها، حتى في عهد الجمهورية.

وفي هذا الصدد كتب الدكتور «عبد الودود قاسم حسن مقشر» في دراسته المعنونةِ بـ «حركات المعارضة والمقاومة في تهامة (1918–1962)»، عن أساليب حكم الإمام يحيى لتهامة:

رمى أبناء الشعب التهامي بكل أنواع الرذيلة والانحلال، واعتبر أتباعه فقط هم الطاهرين المطهرين والسادة والأخيار.

يقول كذلك ضمن أساليب الإمام يحيى المتنوعة في إقصاء التهاميين:

مارس الإمام يحيى العنصرية ضد الشعب التهامي وطبّقها في تهامة دون سواها، واعتبرهم مواطنين غير جديرين حتى بالدفاع عنهم مثلما حدث عند الحرب السعودية–اليمنية، فعقب تقدم القوات السعودية أصدر الإمام يحيى أوامره بسحب كافة جيوشه من تهامة، تاركًا العباد والبلاد للمصير المجهول، مُفضِّلًا الدفاع عن مناطقه فقط.

يستدعي الحديث هنا أن نستحضر مرة أخرى مشكلة المركز والأطراف في الحكم اليمني الإمامي والجمهوري على السواء، وهي مفارقة لا تمر دون تساؤلات ومخاوف حول حقيقة ممارسة الفكر الجمهوري عند اليمنيين.

أمّا عن اللحظات الأولى التي أدرك فيها الزرانيق خطر المد الإمامي في عهد يحيى، فيصفها ما ذُكر في تقرير بريطاني [4]، جاء فيه:

خلال أيام قليلة، أصبح رجال قبائل حاشد الذين احتلوا الحديدة موضع كراهية وحقد من قبل الأهالي التهاميين، وذلك لممارسات تلك القبائل من حيث مداهمة منازلهم بالقوة والاستيلاء عليها، ومن ثَمَّ المطالبة بالأكل والشرب والمبيت وأخذ كل شيء أعجبهم بالقوة.

يقول كذلك تقرير آخر، وفقًا للدراسة المذكورة أعلاه:

ما زال الوضع في الحديدة هادئًا خلال يونيو، الكاتب السياسي «حسن كانجوني أفندي» في الحديدة يتنبأ ويتوقع مصاعب وانزعاج للجيوش الإمامية، بسبب أفعالها الاستبدادية ومطالب هذه الجيوش المستبدّة والمستفزة، والتي تمثلت في فرض مأوى مخصص لإيواء الجنود في مساكن حول منطقة الحديدة، وكذلك توفير جميع المأكولات والمشروبات. كل هذه الأوامر هي إلزامية ومجّانية تُفرَّض على المواطنين التهاميين، وقد قامت القوات الإمامية بعملية سلب ونهب واسع لمنتجاتهم ومصنوعاتهم.

سيق الكثير من الزرانيق بعد تلك الحروب لمعتقلات الإمام. وعن ظروفها السيئة جاء في مذكرات «العزي صالح السنيدار» (الطريق إلى الحرية)، حين تحدّث عن اعتقالهم وتعذيبهم بعد فشل ثورة الدستور 1948:

ومع الأسف ليس هناك مرحاض سوى غرفة مستديرة مليئة بالأوساخ المتراكمة من أيام حبس الزرانيق، وفيها ساقية قدرها متر ونصف لثلاثمائة شخص.

لم تكن تلك الحرب حربَ إخماد وإخضاع، بل سعى طرف الإمامة فيها لجعل المذهب الزيدي هو المركز، جاء ذلك في إحدى الوثائق: «ولا بد أن تكون عساكر النظام غالبها زيدية فإن روح الإسلام متعلقة بهم». وذلك ضمن توصيات عملاء الحكومة يطالبون فيها بحملة لنزع سلاح الفلاحين، خوفًا من ثورة ثانية. [5]

ولا تعني هذه العبارة مجرد الوثوق في تحصين الإمامة (النظام) من قبل أشخاصٍ يشاركونها المذهب ذاته، بل تمتدّ خلفياتها لإقرار التفاوت المذهبي، والذي سعى كثيرون لنفيه وتقليل حجمه. فهو يتوارى خلف خجل الإعلان، لكنه موجود.

ولقد جاء في الدراسة السابقة للدكتور عبد الودود حول موضوع المذهبية والتفاوت الزيديّ الشافعيّ:

بل إن التمييز سرى حتى في الجرائم ومنها جريمة القتل، فالزيدي إذا قتل شافعيًا مُتعمدًا، فما عليه إلا دفع الدية، وإذا قتل الشافعي زيديًا خطأً فيُقتل به، ولا يمكن بحال من الأحوال أخذ دية أبدًا كيفما كان الأمر.

كذلك عن ممارسات الإمام يحيى في تهامة:

ألغى المدارس والمعاهد والأربطة العلمية التي اشتهرت بها تهامة، فـنهبَ الوقف والأراضي الخاصة بالشيوخ الشوافع وأغلق المدارس الدينية، وخصوصًا زبيد والتي تعد أهم معاقل الشافعية في الجزيرة العربية.

لقد ناضلت كل مكوّنات المجتمع التهامي ضد الإمامية، فلم يكن التمرّد حكرًا على الزرانيق فقط، كقبائل العبسية والرامية والقحرى، وقبائل الجرابح وعبس وبني حسن وبني مروان وبني نشر واسلم.

التوثيق البردّوني للنضال الزرنوقي

يوضح البردّوني أنّ بداية الشرارة بين الزرانيق والإمام يحيى عندما تجاوز الأخير حدود الجبال وأخذ يمد سلطته حتى تهامة، وقوبل هذا الفعل بانتفاضة من قبل الزرانيق كانت عصيّةً على الهدوءِ في النفوس. [6]

بالمقابل أدركت سلطات صنعاء خطورة الوضع وجديته حين شنّ الزرانيق هجمات على حامية الحديدة، مما أضرّ بصنعاء كون الإمداد الإيطالي للأسلحة يأتي منها.

وفي هذه الأجواء المحتدمة بين الطرفين، أوصى الإمام يحيى بهذه القضية لنجله أحمد أمير (حجة)، وبدوره استغلّ الأخير ذلك ورغب بإثبات ذاته، وتأسيس أسطورة أحمدية خالدة، وقد فعل. نرى ذلك بربط اسمه وانتصاراته بالجن، حتى سمّوه أهل المنطقة: (أحمد يا جنَّاه)، وكانت تحوم حوله دعاية «جوبلزية» أسطوريّة؛ فكان أحمد –على سبيل المثال- يمتلك مناعة ضد الرصاص، ويقطع الرؤوس، ويعسكر الجن.

كانت الهزيمة الفعلية للزرانيق بعد سقوط كل من: بيت الفقيه وميناء غليفقة، حيث كانت الأولى عاصمتهم، أما الميناء فذهابه من بين أيديهم أنهى وصول الأسلحة لهم.

كان عبد الله البردّوني ممن يعوّل على مدى شاعرية الإمام أحمد بالرجوع إلى قوة وأهمية الوثائق التي ذكرها في شعره، حيث وصفه قائلًا: «فالإمام (أحمد) شاعر غضب وحرب»؛ وعليهِ ربط البردّوني قوة أحداث الزرانيق من ناحيتي الأهمية السياسية والقوة الحربية بجزالة شعر الإمام تلك الفترة، أي من خلال قصائده التي ذكر فيها الزرانيق.

يقول مثلًا في مطلع أحد قصائده التي رثى فيها قائد حملة وجهها للزرانيق، فما كان من الأخيرين إلا أن أبادوا الحملة وقتلوا قائدها، وكانَ من (خولان)، يقول:

الله أكبر هذا فادحٌ جللُ
أصاب أهل الهدى من جورهِ الخطلُ
الله أكبر هذا الفرق قد جمعت
أحزابه وأتت كالنار تشتعلُ

يشير البردّوني أن تكرار (الله أكبر) في المطلع تدل على «عظمة الهول وخطورته ومواجهته، وعلى الدعوة إلى الاحتشاد لإطفائه قبل أن يتجاوز مداه».

يقول كذلك مُعقبًا على مجموع قصائدهِ في هذا الصدد: «فإن صورة بطولة الزرانيق تلامحت وتوهجت في الأشعار الأحمدية أكثر مما تألق النصر الأحمدي». ويُضيف: «فكانت هذه الأشعار (الأحمدية) على عاديتها كالتقارير العسكرية عن تلك المعارك الضارية».

يسأل البردّوني: “والذي عزّ على التسجيل هو الصوت (الزرانيقي) إلى جانب الصورة فكيف سجّل الزرانيق تلك الأحداث صوتيًا؟ بمعنى: هل هناك مقابل شعري زرنوقي لأشعار الإمام أحمد التي تعتبر وثيقة هامة في أحداث تلك المرحلة؟

وأقول: ثقافة الشعر جزء من موروث القبيلة، بل قد تكون فطرة لدى البعض منهم، وهو حاضر في مختلف المناسبات الاجتماعية، فكيف لا يكون حاضرًا في حالة ثوريّة كهذه، إذ يوصِلنا منطق الكلام هنا لأنْ نتذكر أن من أهداف الشعر إظهار الشجاعة وإيقاد الحماسة، بل يعتبر سجّلًا توثيقيًا عند العرب، ومن هذا المنطلق نؤكد على وجود إرث شعري يمثّل تلك المرحلة المهمة من تاريخ الزرانيق المشرّف، وما زالت عملية البحث عنه جاريةً، على أملِ الحصولِ عليه في يومٍ من الأيام.

تحوّل القتال العشائري بالتماشي مع روح الأربعينيات إلى نضالٍ ثوريّ كما يقول البردوني، ومن خلاله توحدت الصورة الشعبية للوطن الذي يُعوَّل عليه وترنو له كلّ حركات النضال والمقاومة.

لخّص البردّوني ما سبق ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 في ثلاثة خطوط:

  1. الخط البطولي.
  2. الخط الثقافي التنويري.
  3. الخط السياسي المباشر.

ومن التحام الزرانيق وإقدام المقادمة أضع النضال الزرنوقي ضمن الخط الأوّل، الخطّ البطوليّ الالتحاميّ.

خاتمة

لا يزال الزرانيق من خلال أماكن سكنهم يدفعون ثمن تلك الثّورة، وتلك الروح الرافضة التي جسّدت مفهوم القبيلة في أعلى وأشرف تجلّياتها؛ فتُهامة تعاني من عمليات نهبٍ للأراضي بتواطؤٍ من الجميع، وبعلمٍ من الجميع، حتى ممن يدّعون أنهم ضد الإمامة!

تعود جذور أزمة الأراضي في تُهامة إلى فترة الصراع الزرنوقي الإمامي، وحين أوكل يحيى لنجله أحمد إخماد ثورة الزرانيق، حينها، قاموا بعد القمع بسرقة وثائق خاصة بملكية الأراضي من الأهالي، ومن ثم أُخفيت، لتكون بذلك حجةً للنهب والسرقة تحت مسمى «أراضي ملك للدولة».

ومن المثمر الإشارة إلى أنّ المشكلة استمرّت حتى العهد الجمهوري، مما يؤكد أنّ معضلة اليمن الجوهرية هي أنّ الجمهورية لم تضع أوتادها بعد.

لقد كانت انتفاضة الزرانيق، ومقاومتهم لكلّ دخيل على بيئتهم وطبيعة نظامهم الاجتماعي شرارة للسادس والعشرين من سبتمبر. فكانت بذلك إحدى البِدايات. البِدايات التي من خلالها نتذكّر شرفَ القبيلة، ومن خلالها نُقرّ بخصوصية المكان. البِدايات التي تضع السلاح موضعهُ الذي علّمنا إياه المتنبي حين قال:

وليسَ لنا إلا السيوفَ وسائلُ.
المراجع
  1. عبد العزيز قائد المسعودي، “اليمن المعاصر من القبيلة إلى الدولة (1911–1967)”، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2006.
  2. عصام ضياء الدين السيد، “عسير العلاقات السياسية السعودية اليمنية (1919-1934)”، دار الزهراء للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 1989.
  3. اليمن المعاصر من القبيلة إلى الدولة، مرجع سبق ذكره.
  4. عبد الودود قاسم حسن مقشر، “حركات المقاومة والمعارضة في تهامة (1918–1962)”، رسالة دكتوراه، جامعة عدن، 2012.
  5. اليمن المعاصر من القبيلة إلى الدولة، مرجع سبق ذكره.
  6. عبد الله البردوني، “اليمن الجمهوري”، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، صنعاء، الطبعة الخامسة 1997.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.